الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأخلاقه الحسنة ومعاملة الناس بما يعاملهم به عليه الصلاة والسلام من الرفق واللين والتأليف، امتثالاً لأمر الله وجذباً لعباده (1)، فالداعية ينبغي أن يتأمل هذه الآية كثيراً فإذا كانت الغلظة والخشونة من الأسباب المنفرة للناس من أفضل الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين إن وجدتا فيه فكيف بمن عداه إن اتصف بذلك؟ (2)
المطلب الثاني
الموعظة الحسنة
أولاً: معنى الموعظة الحسنة:
الموعظة لغة: أصلها من الفعل الثلاثي وعظ، والموعظة النصح والتذكير بالعواقب، ويقال: السعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ بغيره (3).
الموعظة اصطلاحاً: التذكير بالخير فيما يرق له القلب (4)، والموعظة الحسنة: الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب (5).
ثانيا: أهمية الموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله تعالى:
ورد ذكر الموعظة في تسعة مواضع في كتاب الله؛ لكنها لم تقيد بكونها حسنة إلا في سياق الأمر بالدعوة إلى الله تعالى؛ وذلك لأن الموعظة، لما كان المقصود منها غالباً ردع نفس الموعوظ عن أعمال سيئة أو عن توقع ذلك منه، كانت مظنة لصدور غلظة من
(1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، السعدي، 154.
(2)
انظر المرجع السابق 154، من صفات الداعية اللين والرفق، فضل إلهي، 14.
(3)
انظر لسان العرب، ابن منظور، 7/ 466.
(4)
التعريفات، الجرجاني، 308.
(5)
التفسير القيم للإمام بن القيم جم: محمد أويس الندوي، تحقيق محمد الفقي، ط 2، دار الكتب العلمية بيروت، 1423 هـ، 344.
الواعظ ولحصول انكسار في نفس الموعوظ، ومن الوعظ الحسن إلانة القول وترغيب الموعوظ في الخير (1).
وللموعظة الحسنة أهمية كبرى في الدعوة إلى الله تعالى، قد أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام باستخدامها في الدعوة، فقال تعالى:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (2).، فمن الناس من لا يصلح معه إلا أسلوب الموعظة الحسنة وذلك عن طريق الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب فيذكر بإكرام الله للطائعين، وما أعده لهم من نعيم، ويذكر أيضاً بما أعده الله للعاصين من عقاب عاجل وآجل (3)، وهذا الأسلوب من الأساليب التي انتهجها القرآن الكريم في إثارة الدفع لقبول الحق، الذي يعتمد على تخويف الناس وترهيبهم من العذاب الأليم، وفي نفس الوقت ترغيبهم في النعيم الدائم، وذلك لأن استخدام الترهيب وحده يؤدي إلى اليأس من رحمة الله، واستخدام الترغيب وحده يؤدي إلى التهاون والغفلة لذا جمع القرآن بين الخوف والرجاء (4)، ولا يعني هذا أن الموعظة الحسنة مقتصرة على الترغيب والترهيب فقط، بل لها أشكال متعددة منها: التذكير بالنعم المستوجبة للشكر، ومنها المدح والذم، والإشارة اللطيفة المفهومة .. (5).
(1) مفهوم الحكمة في الدعوة، صالح بن حميد، 11.
(2)
سورة النحل من الآية 125.
(3)
انظر تيسر الكريم في تفسير كلام المنان السعدي، 452.
(4)
انظر القرآن وعلم النفس، د، محمد عثمان نجاتي، ط 2، دار الشروق، جدة، 1405 هـ، 156.
(5)
انظر المدخل إلى علم الدعوة البيانون.
وكان رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام يتخول (1) أصحابة بالموعظة (2)، رغم مكانته في قلوبهم وحبهم له، وكذلك رغم فضلهم وحبهم للعلم، وهذا ما ينبغي على الدعاة فعله، فإن المدعوين في وقتنا هذا بحاجة إلى دعاة يراعون نفوسهم، ويتلمسون احتياجاتهم حتى تثمر الموعظة معهم اقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: كيفية استخدام الموعظة الحسنة في دعوة العاملات المنزليات إلى الله تعالى:
ينبغي عند دعوة العاملات المنزليات إتباع الأسلوب الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينتهجه عند موعظته للنساء، فكان عليه الصلة والسلام يعظ النساء ويعلمهن وقد خصص لهن يوماً لذلك وكانت مواعظه عليه الصلاة والسلام مشتملة على الترغيب تارة وعلى الترهيب تارة أخرى، فمن ذلك الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلينا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار» ، فقالت امرأة واثنين؟ فقال:«واثنين» (3)، فالحديث فيه ترغيب على الصبر والاحتساب عند فقط الولد.
(1) أي يطلب الحال التي ينشطون فيها للموعظة فيعظهم ولا يكثر عليهم فيملوا لسان العرب، ابن منظور، 11/ 226.
(2)
انظر صحيح البخاري كتاب العلم، باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة، 20، رقم 70.
(3)
متفق عليه صحيح البخاري واللفظ له، كتاب العلم، باب هل يجعل للنساء يوماً على حدة في العلم؟ 23، رقم 101، صحيح مسلم كتاب البر والصلة والأدب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، 1147، رقم 6699.
أما دليل الترهيب الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن خطبة العيد التي وعظ الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الناس حيث جاء فيه: ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم» فقامت امرأة من وسط النساء سعفاء الخدين (1) فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطتهن وخواتيمهن (2).
ففي هذا الحديث استخدم رسولنا عليه الصلاة والسالم أسلوب الترهيب في دخول النار، ما أثر مباشرة على النساء حيث بادرن بالاستجابة الفورية، وهذا من مزايا الموعظة الحسنة إذ تتميز بسرعة قبولها والاستجابة لها غالباً (3) إذا أحسن عرضها.
لذا ينبغي على الداعية استعمال الموعظة الحسنة بين الفينة والأخرى بطرية سلسلة بعيدة عن التعقيد، مع مراعاة اعتمادها على نصوص القرآن الكريم وما صح من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وترجمة المعنى ترجمة صحيحة دقيقة ويجب عليه الاهتمام بمضمون الموعظة والتنويع فيها فمرة لبيان حكم شرعي، وأخرى للاحتساب على بعض المنكرات الشائعة، وثالثة لإشباع احتياج العاملة المنزلية من الترغيب والترهيب، مع عدم الإطالة حتى لا تمل النفوس (4) ويمكن لربة البيت استعمال الموعظة الحسن مع عاملتها المنزلية عن طريق تذكيرها بنعم الله عليها من صحة وحسن خلق مما يستوجب صيانة تلك النعم بالبعد عن المعاصي
(1) أي في وجهها لون مخالف للبياض، انظر لسان العرب، ابن منظور، 9/ 152.
(2)
صحي مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، 354، رقم:2048.
(3)
انظر المدخل إلى علم الدعوة، البيانوني:361.
(4)
انظر الدعوة فئة المتخصصين في العلوم الشرعية.