الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعاة الباطل أو تحاول التأثير على من وجد من عاملات منزليات أخريات فينبغي على ربة البيت الحذر من مجادلتها، فإن للمجادة شروطاً وضوابط لا يتسنى لكل شخص إتقانها، وكذلك فإن بعض المدعوين وإن أظهر العناد وعدم الانقياد لا يجادل (1)، فإن قامت ربة البيت بمجادلة عاملتها المنزلية فقد تفسد أكثر مما تصلح، لذا فالتصرف السليم هو إرسالها لأحد مكاتب توعية الجاليات وإعلامهم بشبهتها أو بما تدعو إليه فهم القادرون بإذن الله على مناظرتها، إن رأوا أنها تستحق المناظرة، وقد وجد من العاملات المنزليات من تدعي الإسلام وتقوم بتزوير دينها في أوراقها الرسمية وهي أساساً قادمة للدعوة إلى دينها، التبشير به على زعمها (2) فإن تصدت لها ربة البيت دون علم وقدرة كانت سبباً في تشجيعها على باطلها.
المطلب الرابع
القدوة الصالحة
أولاً: معنى القدوة:
القدوة لغة: مشتقة من اقتدى أي عل مثل فعله تشبهاً به (3).
القدوة اصطلاحاً: السيرة الحميدة، والأفعال الكريمة والصفات العالية، والأخلاق الزكية للداعي التي تجعله محل إعجاب المدعوين، ومثالهم المحتذي (4)
(1) للاستزادة انظر أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة د حمد العثمان، ط 1، مكتبة ابن القيم، الكويت، 1422 هـ، 229 ما بعدها.
(2)
انظر الأبعاد الاجتماعية والسلوكية للعمالة الوافدة، أ، د، بكر عوض، 923، في بيتنا خادمة عبد الملك القاسم ط 1، دار القاسم الرياض، 1418 هـ، 57، 63 - 64، كيف تعامل خدمك وتحذر منهم؟ أم عبد الله بنت خالد ط 1، دار الراية، الرياض، 1412 هـ، 31 - 33.
(3)
المعجم الوسيط، 2/ 720.
(4)
مجلة الدراسات، المصطلحات الدعوية تعريفات ومفاهيم، د، عبد الله المجلي، الجمعية السعودية للدراسات الدعوية، العدد الأول، محرم 1429 هـ، 266.
القدرة الصالحة المقصودة هنا: أن يكون الداعية حسن الخلق، وأن يوافق قوله (1).
ثانياً: أهمية القدوة الصالحة في الدعوة إلى الله تعالى:
إن التطبيق العملي لمبادئ الإسلام أوقع في النفس، وأدعى للإقناع من الكلام النظري فالمدعو إذا رأى المبادئ النظرية مطبقة على أرض الواقع، كان ذلك أهدى لعقله، وأجذب لقلبه من قراءة تلك المبادئ مسطورة في كتاب، أو سماعها في خطبة؛ لأن ذلك كفيل بإظهار جمال الدين الإسلامي وحسن هديه (2).
وقد كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مشتملة على الحال والمقال، فقد لُقب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين ودخل الكثير من مشركي العرب واليهود والنصارى في الإسلام تأثراً منهم بحسن تعامله (3)، وكريم خصاله.
وكانت أفعاله عليه الصلاة والسلام مطابقة لأقواله، فما دعا إلى هدى إلا وكان أول من يفعله، وما نهى عن أمر إلا وكان أول ممتثل، ومن الشواهد على ذلك ما يلي:
1: كان لبس الذهب مباحاً للرجال أول الإسلام ثم نسخ، فلما أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينهاهم عن فعله قال في الحديث الذي رواه بن عمر رضي الله عنه: إني اتخذت خاتماً من ذهب فنبذه وقال: إن لن ألبسه أبداً فنبذ الناس خواتيمهم (4)
(1) انظر أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان، 486.
(2)
انظر الإعلام في صدر الإسلام، د، عبد اللطيف حمزة، ط 1، دار الفكر بيروت، 1971 م، 69.
(3)
سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيق المختوم، الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، ط 1، دار الخير، بيروت، 1417 هـ، 61 - 62، كيف انتشر الإسلام، مؤيد الكيلاني، ط، د دار الكتاب العربي، بيروت بدون سنة طبع، 17 - 18.
(4)
متفق عليه صحيح البخاري واللفظ له، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، 1255، رقم، 7298، صحيح مسلم كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحة في أول الإسلام، 935، رقم 5473.
وجه الدلالة:
هذا الحديث دليل على أهمية الدعوة بالقدوة، فعندما نبذ الرسول عليه الصالة والسلام خاتمه وأعلم الناس بأنه لن يلبسه أبداً نبذوا خواتيمهم مباشرة وفي هذا دلالة عظيمة على أن تأثير الفعل أبلغ من القول، قال ابن بطال، : فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول (1).
2: ما حصل بعد صلح الحديبية حيث لم ينحر الصحابة رضي الله عنه هديهم ولم يحلقوا رؤوسهم إلا بعد أن فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وجه الدلالة:
ما حصل أكبر دليل على عظم دلالة الفعل على الناس، وإذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول (3) لوحده.
لذلك حث الله عز وجل على اتخاذه عليه الصلاة والسلام قدوة فقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (4)
وهذا ما حرص الصحابة رضي الله عنه عليه فقاموا باقتفاء أثره عليه الصلاة والسلام في سلوكه ودعوته، فأعطوا بذلك الصورة الصادقة عن الإسلام في سلوكهم وتعاملهم وأمانتهم ووفائهم، ثم دعوا إليه بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة (5).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، 13/ 289.
(2)
انظر صحيح البخاري كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، 447 - 450، رقم 2731 - 2732.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، 5/ 409.
(4)
سورة الأحزاب الآية 21.
(5)
انظر القدوة الحسنة حسني النجار، ط 1، دار الضياء، الأردن، 1405 هـ، 6، للاستزادة أنظر السلوك وأثره في الدعوة إلى الله تعالى، أ، د، فضل إلهي، ط 1، إدارة ترجمان الإسلام، باكستان، 1419 هـ، 108 وما بعدها.
ثالثاً: كيفية استخدام القدوة الصالحة في دعوة العاملات المنزليات إلى الله تعالى:
يمكن لربة البيت تعليم العاملة المنزلية الكثير من أركان الإسلام وواجباته ومستحباته، دون أن تنطق بكلمة واحدة، وذلك عن طرق الاقتداء بها، فالمحاكاة شيء فطري في الإنسان فهي من غرائزه، ولهذه الغريزة تأثير فعال في مجال التعليم (1)، فأنس بن مالك رضي الله عنه نقل للناس بعض أحكام العبادات عن طريق مراقبته للرسول صلى الله عليه وسلم دون أن ينطق عليه الصلاة والسلام بأي كلمة، ومن ذلك ما رواه في تطهيره عليه الصلاة والسلام بالماء بعد قضاء الحاجة (2)، وقام كذلك رضي الله عنه بوصف صلاة النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة (3)، ولم يكتف بالرواية فقط بل كان يطبق ما يرى أو يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يفعله أو يقوله ومن ذلك ما يلي:
1: كانت صلاته رضي الله عنه مطابقة لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سلم يعني أنساً (4)
(1) انظر القدوة الحسنة وأثرها في الإعلام بالإسلام، عبد الله سعد الضياف، ط، د، بدون دار نشر، 1405 هـ، 215 - 217، الإعلام في صدر الإسلام، عبد الطيف حمزة، 60
(2)
انظر صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستنجاء بالماء، 31، رقم 150، صحيح مسلم كتاب الطهارة باب الاستنجاء بالماء بعد التبرز، 127، رقم 619.
(3)
انظر صحيح مسلم كتاب الصلة باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام 196، رقم 1053، 197، رقم 1060.
(4)
الإصابة في تمييز الصحابة، الإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل عبد الموجود، والشيخ على محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ، 1/ 277، المعجم الأوسط، الإمام أبو القاسم سليمان الطبراني، تحقيق: طارق عوض الله، عبد المحسن الحسيني، ط، د، دار الحرمين القاهرة، 1415 هـ، 7/ 367، رقم: 7745، قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، مجمع الزائد، 2/ 135.
2: إكثاره رضي الله عنه من الدعاء الذي كان يكثر عليه الصلاة والسلام منه، فقد سئل أنس رضي الله عنه أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها (1).
وفي ذلك دليل على أن المحيطين بالداعية يراقبون جميع أفعاله وأقواله خاصة أهل بيته وخدمه، لذا يجب أن يعلم الداعية أن تهاونه بطاعة الله ليس كتهاون غيره؛ لأنه قدوة للناس، فمتى رأوه متهاوناً صاروا مثله أو أشد تهاوناً منه .. فعلى الداعي أمانة ثقيلة ومسئولية كبيرة (2).
لن تستطيع ربة البيت الوصول إلى مرتبة التأثير بالفعل وحده إلا إذا جاهدت نفسها وربتها على التحلي بمظهر القدوة الصالحة عن طريق التمسك بالمبادئ التي تدعو إليها وتصديق عملها قولها (3)، فإذا رأت العاملة حسن المعاملة ممن تعمل عندهم، ومطابقة أفعالهم لأقوالهم فإنها ستكون انطباعاً حسناً وستنقاد نفسها ويسهل تطبيقها لما تراه، ومثال ذلك لو رأت العاملة حرص من تعمل عندهم على أداء الصلاة في وقتها وترك لك ما يشغل عنها إذا دخل وقتها، فإنها ستحرص لا محالة على أدائها في وقتها وستشعر أهميتها دون أن يتكلم معها أحد، أما إذا دعتها ربة البيت لأداء الصلاة على وقتها ثم رأت تهاوناً بها من أفراد الأسرة فإن لن تثق بهم ولن تتقبل منهم أي توجيه دعوي، وستكون الأسرة التى عملت عندهم من وسائل اصد عن سبيل الله (4)
(1) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء بالهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، 1171، رقم 6840.
(2)
رسالة إلى الدعاة ابن عثيمين، 35 - 36.
(3)
انظر جهاد النفس، على محمد الدهامي، ط 3، دار طيبة الرياض، 1426 هـ، 16 - 23.
(4)
انظر رسالة إلى الدعاة ابن عثيمين، 35 - 36؛ كلنا دعاة، عبد الملك القاسم، 1/ 24.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ولا أعتقد أن عقلاً صريحاً يقبل من شخص يدعو إلى ترك شيء وهو متلبس به، أو يدعو إلى فعل شيء وهو متخل عنه، وإن كان ما يدعو إليه حقاً، فإن المدعو سوف يكون في نفسه تردد وشك، لماذا لا يفعل هذا الرجل ما كان يدعو إلى فعله؟ ولماذا لا يترك ما كان يدعو إلى تركه؟ (1)، لذا فإنه ربة البيت خاصة الأسرة عامة مسئولين أمام الله عن تلك الأمانة.
(1) الأقليات المسلمة في العالم ظروفها المعاصرة: آلامها وآمالها، أبحاث ووقائع المؤتمر العالمي السادس للندوة العالمية للشباب الإسلامي المنعقد في الرياض عام: 1406 هـ، والكلام في المتن عبارة عن محاضرة مطبوعة بعنوان: الدعوة إلى الله في مجتمع الأقليات المسلمة، ط، د، شركة العبيكان، الرياض، بدون سنة طبع، 3/ 1319.