الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المبحث الثالث- معانٍ ذاتُ دلالة لمصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة
.
لا شك أن مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة، هو أفضل المصطلحات المستخدمة للتعريف بهذه الفئة من الناس، لأنه لا يترك أثراً سلبياً على نفسية صاحب الحاجة الخاصة، ومن يحيط به عند استخدامه، بخلاف المصطلحات الأخرى، التي درجت بين الناس كالمعاق، والعاجز، وأصحاب العاهات، فإنها تترك أثرَاً سلبيا على نفسية صاحب الحاجة الخاصة، أو من يحيط به، وهذا يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية التي من مقاصدها حفظ النفس، فبناءً عليه لا يصح إيذاؤها بفعل أو كلمة أو إشارة.
ونجد القرآن الكريم قد راعى هذا الجانب النفسي، قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة: (156)]
والصبر على ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على الابتلاء.
" فالصبر ترك الشكوى، والصبر حَدُّهُ ألا تعترض على التقدير، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر". (1)
وقوله تعالى: {مُّصِيبَةٌ} أي كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه، فتضمنت الآيتين الكريمتين ثناءَ الله تعالى على أصحاب الاحتياجات الخاصة "المصابين"، وامتَدَحهُم بصفة الصبر إن هم سَلَّموا أمرهم الى الله تعالى واسترجعوا، ولم يذكر صفة تؤذيهم في مشاعرهم وأحاسيسهم، مع أن مِنْ بينهم مَنْ فَقَدَ رِجله أو يده أو سمعه أو بصره، وقد أكد الله تعالى على هذا المعنى في آيات كثيرة، وفي السنة النبوية ما يدل على هذا المعنى:
"فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة؟ ، قال وهم بالمدينة حبسهم العذر). (2) فنجد النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليهم مصطلح أصحاب الأعذار ولم يسمهم بتسمية سلبية كمصطلح العجزة، فالعاجز من أَتبع نفسه هواها وإن كانت اعضاؤه وحواسه سليمه، وجسمه قوي، فهذا هو العاجز الذي عجز أمام هواه، ولم يطلق عليهم المعاقين أو المُعَوَّقين فالمُعاق بالحقيقة من أعاقه عقله عن اتباع الحق والهدى.
(1) - القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين (توفى: 671 هـ)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، القاهرة، دار الكتب المصرية، ط 2، 1384 هـ-1964 م، ج 2، ص 174.
(2)
- البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي، صحيح البخاري، (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)، تخقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1422 هـ، كتاب المغازي، باب، ج 6، ص 8، حديث رقم 4423.
قال تَعَالَى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا
…
(79)} [الأعراف: 179]، قال ابن كثير: يعني: ليس ينتفعون بشيءٍ مِن هذه الجوارح الَّتي جعلها الله سببا للهداية.
وكما قال تعالى في آية أُخرى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (26)} [الْأَحْقَافِ: 26]
وَقَالَ تَعَالَى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)} [البقرة: 18] هذا في حقِّ المُنافقين، وقال في حقِّ الكافرِين: {
…
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)} [الْبَقَرَةِ: 171] ولم يكونوا صما بُكما عُميا إِلا عن الهدى، كما قال تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23)} [الأنفال: 23] ". (1)
وأرى أنه*:
ما فاقدُ السَّمعِ والإبصارِ نَحسبُهُ
…
بين المعاقين أو مِنْ فَقْدِ أطرافِ
إن المُعاقَ الذي ضاعت بَصيرته
…
مع الإرادة والله هو الكافي
وقد أُطلق مصطلح المعاقين على ذوي الاحتياجات الخاصة، من بعض أُناس من ذوي العافية والصحة دون أن يقدِّروا أبعاد هذا المصطلح على من أطلقوه عليه، ولو أن أحداً من هؤلاء الذين أَطلَقوا هذا المصطلح أُصيب في أحد أطرافه، أو إحدى حواسه، ثم أُطلِق عليه هذا المصطلح فإنه لا يرضى بذلك.
وأما كلمة "المعوِقين" التي وردت في القرآن الكريم، واحتج بها بعض مَنْ تَبَنّوا إطلاق مصطلح المعاقين على ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذا فهم غير صحيح، فقد جاءت بصيغة الذم للمثبطين عن القتال.
قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)} [الأحزاب: 18].
"والمُعوِّقين جمع مُعَوِّق، وهو من يَكثر منه العَوْق وهو المنع من العمل والحيلولة دونه، والصيغة صيغة مبالغة نحو طوّف وسمّع، فالمعوِقين أي المثبطين عن القتال والمُخَذِّلين، بما يقولونه سرا في صفوف المؤمنين كالطابور الخامس في الحروب". (2)
(1) - ابن كثير، اأبي الفدا إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي، (توفي 774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق محمد حسين شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 هـ، ج 3، 463 - 464.
* صياغة: الأستاذ أحمد أبو الوفا، شاعر ومدرس متقاعد من بلدة السيلة الحارثية قضاء جنين.
(2)
- أبو بكر الجزائري، جابر، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، بيروت، دار الفكر، 1996 م، ج 4، ص 254.
"إن مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة أو الفئات الخاصة* هو أفضل وأعم من مصطلح المعاقين، لأن مصطلح معاقين يدل على الإعاقة الاجتماعية لفئات مثل: المجرمين الكبار، والمسجونين، والأحداث، المشردين، والمجانين، والمدمنين". (1)
والأولى بنا أن نختار المصطلحات والأسماء التي لها معان حسنة وآثار ايجابية، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، كما في اطلاق اسم المدينة المنورة على يثرب.
"عن ابي هريرةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمرتُ بقرية تأكلُ القُرى*، يقولونَ يثرِب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد) ". (2) فرسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم يثرب الى اسم المدينة لأن اسم يثرب يعطي معنى سلبيا فيثرب من التثريب وهو الملامة والتوبيخ.
(فروي عن عائشة رضي الله عنها، أَن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يغير الاسم القبيح). (3)
" (وعن أُسامة بن أَخدري، أَن رجلا من بني شَقِرة يقال له أَصْرَمُ، كان في النفر الذين أتو النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه بغلام له حبشي اشتراه بتلك البلاد، فقال يا رسول الله اني اشتريت هذا فأحببت أن تسميه وتدعو له بالبركة، قال: ما اسمك؟ قال: أَصْرَمُ. قال: أنت زرعة) ". (4)
قلت: إِنما غير اسم الأصرم، لأَن معنى الصرم القطيعة، فكره لهذا، وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيزا وعتلة وشيطانا والحكم وغرابا وحبابا وشهابا، فَسماهُ هشاما، وسمى حَربًا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأَرض تسمى عفره سماها خضره، وشعب الضلالة سماهم بني الرشد، وسمى بني مغواه بني رشد. (5)
ومما اشتهر بين أفراد المجتمع الإسلامي، أنهم كانوا ينادون أصحاب الاحتياجات الخاصة بنقيض ما أصيبوا به مراعاة لمشاعرهم وأحاسيسهم، فيقولون عن الأعمى: فلان البصير، قال تعالى: {
…
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46]
(1) - أبو النصر، مدحت محمد، تأهيل ورعاية متحدي الإعاقة، مصر الجديدة، ايترك للنشر والتوزيع، ط 1، 2004 م، ص 8.
*- ورد مصطلح الفئات الخاصة بدل ذوي الاحتياجات الخاصة في كتاب الإعاقة الجسمية للمؤلف ننفسه.
(2)
- البخاري، صحيح البخاري، (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)، كتاب فضائل المدينة، باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس، ج 3، ص 20، حديث رقم 18071.
(3)
- الترمذي، ابو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، (توفي: 279 هـ)، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وابراهيم عطوة عوض، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفي البابي الحلبي، ط 2، 1395 هـ-1975 م، أبواب الأدب، باب ما جاء في تغيير الأسماء، ج 5، ص 135، حديث رقم 2839، حكم الألباني صحيح.
*"أمرت بقرية": أي أمرت بالهجرة الى المدينة، "تأكل القُرى": أي تغلبها وتظهر عليها. (المباركفوري، أبو الحسن عبد الله بن محمد عبد السلام بن خان، (توفي: 1414 هـ)، مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، بنارس-الهند، ادارة البحوث العلمية والدعوة والاقتناء-الجامعة السلفية، ط 3، 1404 هـ-1948 م، ج 9، ص 529.)
(4)
- الحاكم، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري، (توفى: 405 هـ)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1411 هـ-1990 م، كتاب الأدب، باب وأما حديث سالم بن عبيد النخعي في هذا الباب، ج 4، ص 307، حديث رقم 7729، تعليق الذهبي عل الحديث صحيح.
(5)
- انظر؛ البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، (توفي: 516 هـ)، شرح السنة، كتاب الاستئذان، باب تغيير الأسماء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش، دمشق، وبيروت، المكتب الإسلامي للنشر، ط 2، 1403 هـ - 1983 م، ج 12، ص 343.
ولا زالت بعض البلاد العربية كالعراق مثلا تستخدم كلمة البصير للدلالة على الكفيف. وفي هذا الاستعمال ما يوحي بأن الناس يستعملونها بقصد الايماء بأن الكفيف رغم أنه فقد بصره، فبصيرته متفتحة (1).
وينادون المشلول يا غلام، أي: يا صاحب النشاط والحركة كالغلام، " ويُقَال لمن لدغه ذَوَات السمُوم سليم على معنى التفاؤل بسلامته"(2).
وكان العرب قبل الاسلام يحرصون على الأسماء التي فيها التفاؤل ويبتعدون عن الأسماء السلبية، قال الأصمعيّ:"إِنما سُمِّي اللّديغ سَليماً لأنهم تَطَيَّروا من اللّدِيغ، فقلبوا المعنى، كما قالوا للحبَشي: أَبو البيضاء، وكما قالوا للفلاة: مَفازَة، تفاءلوا بالفوز وهي مَهلَكة". (3)
ولا زال مِن المسلمين مَن يستخدم هذه المصطلحات، فَيُسمون المراكز والمؤسسات التي تُعنى برعاية هذه الفئة من الناس أسماء ايجابية، فالمركز الذي يرعى الجانب الحركي يطلقون عليه مركز الإرادة، ومركز النور لرعاية الجانب البصري، ومركز الأمل للأمراض المستعصية، وذلك دعما لمعنوياتهم، ورفعا لهممهم، وتفاؤلا بمعافاتهم.
فهذا أطيب لقلوبهم وأزكى لنفوسهم، فهم بذلك يدركون أن من حولهم يقدرون ذواتهم التي خلقها الله، وصورها كيفما شاء، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل. عمران: 6].
وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)} [الانفطار: 8]
(1) - انظر؛ ابراهيم، د. مجدي عزيز، مناهج تعليم ذوى الاحتياجات الخاصة، القاهره، مكتبة الأنجلو المصرية، 2003 م، ص 489.
(2)
- أبو الفضل، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي السبتي، (توفي: 544 هـ)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، المكتبة العتيقة ودار التراث، ج 2، ص 218.
(3)
- الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، (توفي: 370 هـ)، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عوض مرعب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 2001 م، ج 12، ص 311.