المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المبحث الثالث- معان ذات دلالة لمصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة - ذوو الاحتياجات الخاصة في ضوء القرآن والسنة - جـ ١

[صهيب فايز عزام]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الدراسات السابقة

- ‌أهمية الدراسة

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌مشكلة الدراسة

- ‌أهداف الدراسة

- ‌منهجية الدراسة

- ‌خطة البحث

- ‌الفصل الأولمفهوم ذوي الاحتياجات الخاصةفي اللغة والاصطلاحومعانٍ ذات دلالة لمصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌ المبحث الأول- مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة في اللغة:

- ‌ المبحث الثاني- مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة في الاصطلاح

- ‌ المبحث الثالث- معانٍ ذاتُ دلالة لمصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌الفصل الثانيأنواع الإصابة وأسبابها عند ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌ المبحث الأول- أنواع الإصابة عند ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌المطلب الأول- الاصابة الحركية

- ‌ المطلب الثاني الإصابة الحسية:

- ‌ المطلب الثالث الاصابة العقلية:

- ‌ المطلب الرابع الاصابة التواصلية:

- ‌ المبحث الثاني- أسباب الإصابة عند ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌المطلب الأول الإصابة بسبب عامل وراثي

- ‌ المطلب الثاني: إصابة الجنين اثناء الحمل أو الولادة:

- ‌ المطلب الثالث: الإصابة بسبب التعرض للحوادث:

- ‌المطلب الرابع: الإصابة بسبب الاعتداء:

- ‌ المطلب الخامس: الإصابة بسبب القصاص في الجنايات:

- ‌ المطلب السادس: الإصابة بسبب ما ينتج عن الأمراض العضوية أو النفسية:

- ‌الفصل الثالثذوو الاحتياجات الخاصة في القرآن الكريم

- ‌ المبحث الاول: المصطلحات التي استخدمها القرآن الكريم للدلالة على ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌ المبحث الثاني: توجيه القرآن الكريم لذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌ المطلب الأول: هداية القرآن الكريم الى الطريق القويم:

- ‌1. المودة والرحمة:

- ‌2. التكافل والتعاون:

- ‌3. الاحترام والتقدير بين أفراد المجتمع:

- ‌4. العدالة والمساواة:

- ‌5. الشورى:

- ‌ المطلب الثالث: المصيبة في الإيمان أعظم من مصائب الأبدان:

- ‌ المطلب الرابع: التقوى والإيمان أساس المفاضلة في القرآن الكريم:

- ‌ المطلب السادس: عظم أجر الصابرين عند الله تعالى:

- ‌ المبحث الثالث: مواقف خلدها القرآن الكريم لأناس من ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌ المطلب الأول: موقف أيوب عليه السلام وصبره على الإبتلاء في جسده:

- ‌ المطلب الثاني: موقف يعقوب عليه السلام وصبره على الإبتلاء في بصره:

- ‌ المطلب الثالث: موقف شعيب عليه السلام وصبره على الإبتلاء بالعمى:

- ‌ المطلب الرابع: موقف موسى عليه السلام وصبره على الإبتلاء بعقدة اللسان:

- ‌ المطلب الخامس: موقف ضمرة بن العيص وصبره على الإبتلاء في بصره:

- ‌ المطلب السادس: موقف عمرو بن الجموح وصبره على الإبتلاء بالعرج

- ‌ المطلب السابع: موقف عبد الله بن أُم مكتوم وصبره على الإبتلاء بالعمى:

- ‌ المطلب الثامن: موقف ثابت بن قيس وصبره على الإبتلاء بالصمم:

- ‌ المطلب التاسع: موقف معاذُ بْن جَبَلِ وصبره على الإبتلاء بالعرج:

- ‌ المطلب العاشر: موقف عبد الرحمن بن عوف وصبره على الإبتلاء بالعرج:

- ‌ المطلب الحادي عشر: موقف طلحة بن عبيد الله وصبره على الإبتلاء بشل يده

- ‌ المبحث الرابع: عناية القرآن الكريم بذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌المطلب الأول: دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع وعدم النفور منهم

- ‌ المطلب الثاني: احترام وتقدير ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌ المطلب الثالث: حسن معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية مطالبهم

- ‌ المطلب الرابع: استثناء القرآن الكريم لذوي الاحتياجات الخاصة من بعض التكاليف

- ‌ المطلب الخامس: نزول قرآن بحق ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌1 ـ ما نزل من قرآن وكان سبب نزوله سؤال معاذ بن جبل الذي كان أعرجَ

- ‌2 ـ ما نزل من قرآن وكان سبب نزوله سؤال عمرو بن الجموح الذي كان أعرجَ

- ‌3 ـ ما نزل من قرآن وكان سبب نزوله عبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل (كانا أعرجين)

- ‌4 ـ ما نزل من قرآن وكان سبب نزوله ابن أم مكتوم الذي كان أعمى

- ‌5 ـ ما نزل من قرآن واستثني منه الضعفاء

- ‌6 ـ ما نزل من قرآن وكان سبب نزوله ضمرة بن العيص المصاب في بصره

- ‌7. ما نزل من قرآن وكان سبب نزوله عبد الرحمن بن عوف الذي كان أعرجَ

- ‌8 ـ ما نزل من القرآن الكريم بحق الضعفاء

- ‌9 ـ ما نزل من القرآن الكريم دعما لذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌10 ـ ما نزل من قرآن وكان سبب نزوله طلحة بن عبيد الله الذي كانت يده مشلولة

- ‌11 ـ ما نزل من قرآن لرفع الحرج عن ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌ المبحث الخامس: حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في القرآن الكريم

- ‌ المطلب الأول: حقهم في الحياة:

- ‌ المطلب الثاني: حقهم في الكرامة

- ‌ المطلب الثالث: حقهم في الحرية:

- ‌ المطلب الرابع: حقهم في التعلم والتعليم

- ‌ المطلب الخامس: حقهم في الكسب والتصرف والتملك

- ‌ المطلب السادس: حقهم في العمل

- ‌ المطلب السابع: حقهم المالي من مصارف الزكاة

- ‌ المطلب الثامن: حقهم في الزواج والانجاب:

- ‌الفصل الرابعذوو الاحتياجات الخاصة في السنة النبوية

- ‌ المبحث الأول: مكانة ذوي الاحتياجات الخاصة في السنة النبوية

- ‌1. الضعفاء من اسباب الرزق والنصر

- ‌2. النبي صلى الله عليه وسلم يختار ابن أم مكتوم رضي الله عنه مؤذنا وهو أعمى

- ‌3. النبي صلى الله عليه وسلم يلبي دعوة ضرير إكراما له

- ‌4. الرسول صلى الله عليه وسلم يوجه المسلمين لاختيار الأمراء الأَكْفاء وإن كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌5. الرسول صلى الله عليه وسلم يساوي بين دماء الضعفاء والأقوياء

- ‌6. قرب النبي صلى الله عليه وسلم من ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌7. توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لذوي الاحتياجات الخاصة لما هو خير لهم

- ‌ المطلب الثاني: مراعاة الرسول صلى الله عليه وسلم لقدرات الضعفاء

- ‌1. الأوامر والتكاليف تؤدى بقدر الاستطاعة

- ‌2. مراعاة قدرات الضعفاء في الصلاة

- ‌3. النبي يوصي الأئمة بالتجوز في الصلاة مراعاة لقدرات الضعفاء

- ‌4. امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن تأخير صلاة العشاء رحمة بالضعفاء

- ‌5. النبي صلى الله عليه وسلم يلبي دعوة ضرير لييسر عليه أداء صلاة الجماعة:

- ‌6. إعفاء ذوي الاحتياجات الخاصة من وجوب الجهاد

- ‌7. العقل مناط التكليف:

- ‌ المطلب الثالث: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌1. فضل من يرحم الضعفاء

- ‌2. أهمية التراحم بين أهل العافية وذوي الاحتياجات الخاصة:

- ‌3. الرسول يحذر من ظلم الضعفاء

- ‌4. من الرحمة بذوي الاحتياجات الخاصة عدم غيبتهم:

- ‌5. الرسول يوصي الأقوياء بأن يرحموا الضعفاء

- ‌ المطلب الرابع: الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌1. التحذير من الاحتجاب عن الضعفاء وترك قضاء حوائجهم

- ‌2. من أعظم أبواب الصدقة معاونة ذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌3. الوعيد بالطرد من رحمة الله عز وجل لمن ضلل الأعمى

- ‌4. من أعان صاحب حاجة كان الله في عونه:

- ‌5. حديث جامع في فضل من يعين ذوي الاحتياجات

- ‌6. حق المسلم وحرمة دمه:

- ‌8. الدفاع عن المسلم

- ‌1. الإصابة في الأبدان علامة خير للإنسان

- ‌2. الجنة جزاء من صبر على الصرع:

- ‌3. من فقد بصره فصبر واحتسب عوضه الله الجنة:

- ‌4. أعرج يمشي برجله صحيحة في الجنة:

- ‌5. طلحة "من المبشرين بالجنة" ويده مشلولة:

- ‌6. تفقد ذوي الاحتياجات الخاصة والسؤال عنهم

- ‌7. إصابة الاجسام كفارة للخطايا والآثام

- ‌8. أن يرضى العبد بما اختاره الله فهو خير له

- ‌9. أهل البلاء يوم القيامة أعظم ثوابا:

- ‌ المطلب الثاني: العبرة بسلامة القلوب والسرائر لا بسلامة الأجساد والمظاهر

- ‌1. مناط التفضيل بين الناس تقوى الله عز وجل

- ‌2. يُقدَّر الإنسان عند النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان

- ‌3. الوزن يوم القيامة للإيمان لا للأجسام

- ‌4. إستعن بالله فأنت قوي

- ‌5. القرب من الله بسلامة الجوهر لا بسلامة المظهر

- ‌6. بالتقوى والإيمان يَفضُل الإنسان

- ‌7. افتخار الجنة واعتزازها بالضعفاء

- ‌ المطلب الثالث: توجيه السنة لذوي الاحتياجات الخاصة للاندماج في المجتمع

- ‌2. صلاة الجماعة من أهم الأعمال لأفراد المجتمع

- ‌3. التعاون والتكافل

- ‌4. التواد والتعاطف بين افراد المجتمع توجيه نبوي

- ‌5. من رأى مبتلى في المجتمع

- ‌6. الضمان الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة

- ‌7. وأنت في المجتمع انظر الى من هو دونك

- ‌8. استعن على البلاء بالدعاء

- ‌9. كن مطمئناً ما أصابك لم يكن ليخطئك

- ‌10. إصبر على اختيار الله فهو الخير

- ‌11. شدة مآل صاحبها إلى الجنة

- ‌ المطلب الرابع: البلاء يكشف عن معادن الرجال

- ‌3. الشكر في الرخاء والصبر على البلاء علامة الإيمان

- ‌8. النار مأوى للجبارين والجنة مأوى للضعفاء والمساكين:

- ‌1. طلحة بن عُبَيد الله رضي الله عنه "يده مشلولة

- ‌2. عبد الرَّحمَن بن عَوف رضي الله عنه "كان مصاباً بالعرجَ

- ‌3. ابن أم مكتوم رضي الله عنه "كان أعمى

- ‌4. عمران بن حصين رضي الله عنه "كان مُقعدا

- ‌5. عتبان بن مالك بن عجلان الأنصاري رضي الله عنه "كان أعمى

- ‌6. مُعاذ بن جبل رضي الله عنه "كان مصاباً بالعرجَ

- ‌7. ثَابت بن قيس رضي الله عنه "كان في أذنه وَقَر

- ‌8. عبد اللهِ بن عميرٍ رضي الله عنه "كان أعمى

- ‌9. ابو سفيان رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌10. ابو قحافة رضي الله عنه "كان أعمى

- ‌11. العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌12. عبد الله بن عباس رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌13. جابر بن عبد اللهِ رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌14. ابن أبي أوفى رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌15. كعب بن مالك رضي الله عنه "اصيب بالعمى

- ‌16. أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌17. عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه "اصيب بالعمى

- ‌18. حسان بن ثابت رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌19. مَخرَمَةُ بْن نوفل رضي الله عنه "أصيب بالعمى

- ‌20. أبو عِنَبَة الخَوَلَانيّ رضي الله عنه "كان أعمى

- ‌21. أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنهما "أصيبت بالعمى

- ‌22. أم زُفَر الحبشية رضي الله عنها "مصابة بالصرع

- ‌قائمة المراجع والمصادر

الفصل: ‌ المبحث الثالث- معان ذات دلالة لمصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة

•‌

‌ المبحث الثالث- معانٍ ذاتُ دلالة لمصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة

.

لا شك أن مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة، هو أفضل المصطلحات المستخدمة للتعريف بهذه الفئة من الناس، لأنه لا يترك أثراً سلبياً على نفسية صاحب الحاجة الخاصة، ومن يحيط به عند استخدامه، بخلاف المصطلحات الأخرى، التي درجت بين الناس كالمعاق، والعاجز، وأصحاب العاهات، فإنها تترك أثرَاً سلبيا على نفسية صاحب الحاجة الخاصة، أو من يحيط به، وهذا يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية التي من مقاصدها حفظ النفس، فبناءً عليه لا يصح إيذاؤها بفعل أو كلمة أو إشارة.

ونجد القرآن الكريم قد راعى هذا الجانب النفسي، قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة: (156)]

والصبر على ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على الابتلاء.

" فالصبر ترك الشكوى، والصبر حَدُّهُ ألا تعترض على التقدير، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر". (1)

وقوله تعالى: {مُّصِيبَةٌ} أي كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه، فتضمنت الآيتين الكريمتين ثناءَ الله تعالى على أصحاب الاحتياجات الخاصة "المصابين"، وامتَدَحهُم بصفة الصبر إن هم سَلَّموا أمرهم الى الله تعالى واسترجعوا، ولم يذكر صفة تؤذيهم في مشاعرهم وأحاسيسهم، مع أن مِنْ بينهم مَنْ فَقَدَ رِجله أو يده أو سمعه أو بصره، وقد أكد الله تعالى على هذا المعنى في آيات كثيرة، وفي السنة النبوية ما يدل على هذا المعنى:

"فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة؟ ، قال وهم بالمدينة حبسهم العذر). (2) فنجد النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليهم مصطلح أصحاب الأعذار ولم يسمهم بتسمية سلبية كمصطلح العجزة، فالعاجز من أَتبع نفسه هواها وإن كانت اعضاؤه وحواسه سليمه، وجسمه قوي، فهذا هو العاجز الذي عجز أمام هواه، ولم يطلق عليهم المعاقين أو المُعَوَّقين فالمُعاق بالحقيقة من أعاقه عقله عن اتباع الحق والهدى.

(1) - القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين (توفى: 671 هـ)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، القاهرة، دار الكتب المصرية، ط 2، 1384 هـ-1964 م، ج 2، ص 174.

(2)

- البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي، صحيح البخاري، (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)، تخقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1422 هـ، كتاب المغازي، باب، ج 6، ص 8، حديث رقم 4423.

ص: 13

قال تَعَالَى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا

(79)} [الأعراف: 179]، قال ابن كثير: يعني: ليس ينتفعون بشيءٍ مِن هذه الجوارح الَّتي جعلها الله سببا للهداية.

وكما قال تعالى في آية أُخرى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (26)} [الْأَحْقَافِ: 26]

وَقَالَ تَعَالَى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)} [البقرة: 18] هذا في حقِّ المُنافقين، وقال في حقِّ الكافرِين: {

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)} [الْبَقَرَةِ: 171] ولم يكونوا صما بُكما عُميا إِلا عن الهدى، كما قال تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23)} [الأنفال: 23] ". (1)

وأرى أنه*:

ما فاقدُ السَّمعِ والإبصارِ نَحسبُهُ

بين المعاقين أو مِنْ فَقْدِ أطرافِ

إن المُعاقَ الذي ضاعت بَصيرته

مع الإرادة والله هو الكافي

وقد أُطلق مصطلح المعاقين على ذوي الاحتياجات الخاصة، من بعض أُناس من ذوي العافية والصحة دون أن يقدِّروا أبعاد هذا المصطلح على من أطلقوه عليه، ولو أن أحداً من هؤلاء الذين أَطلَقوا هذا المصطلح أُصيب في أحد أطرافه، أو إحدى حواسه، ثم أُطلِق عليه هذا المصطلح فإنه لا يرضى بذلك.

وأما كلمة "المعوِقين" التي وردت في القرآن الكريم، واحتج بها بعض مَنْ تَبَنّوا إطلاق مصطلح المعاقين على ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذا فهم غير صحيح، فقد جاءت بصيغة الذم للمثبطين عن القتال.

قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)} [الأحزاب: 18].

"والمُعوِّقين جمع مُعَوِّق، وهو من يَكثر منه العَوْق وهو المنع من العمل والحيلولة دونه، والصيغة صيغة مبالغة نحو طوّف وسمّع، فالمعوِقين أي المثبطين عن القتال والمُخَذِّلين، بما يقولونه سرا في صفوف المؤمنين كالطابور الخامس في الحروب". (2)

(1) - ابن كثير، اأبي الفدا إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي، (توفي 774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق محمد حسين شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 هـ، ج 3، 463 - 464.

* صياغة: الأستاذ أحمد أبو الوفا، شاعر ومدرس متقاعد من بلدة السيلة الحارثية قضاء جنين.

(2)

- أبو بكر الجزائري، جابر، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، بيروت، دار الفكر، 1996 م، ج 4، ص 254.

ص: 14

"إن مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة أو الفئات الخاصة* هو أفضل وأعم من مصطلح المعاقين، لأن مصطلح معاقين يدل على الإعاقة الاجتماعية لفئات مثل: المجرمين الكبار، والمسجونين، والأحداث، المشردين، والمجانين، والمدمنين". (1)

والأولى بنا أن نختار المصطلحات والأسماء التي لها معان حسنة وآثار ايجابية، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، كما في اطلاق اسم المدينة المنورة على يثرب.

"عن ابي هريرةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمرتُ بقرية تأكلُ القُرى*، يقولونَ يثرِب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد) ". (2) فرسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم يثرب الى اسم المدينة لأن اسم يثرب يعطي معنى سلبيا فيثرب من التثريب وهو الملامة والتوبيخ.

(فروي عن عائشة رضي الله عنها، أَن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يغير الاسم القبيح). (3)

" (وعن أُسامة بن أَخدري، أَن رجلا من بني شَقِرة يقال له أَصْرَمُ، كان في النفر الذين أتو النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه بغلام له حبشي اشتراه بتلك البلاد، فقال يا رسول الله اني اشتريت هذا فأحببت أن تسميه وتدعو له بالبركة، قال: ما اسمك؟ قال: أَصْرَمُ. قال: أنت زرعة) ". (4)

قلت: إِنما غير اسم الأصرم، لأَن معنى الصرم القطيعة، فكره لهذا، وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيزا وعتلة وشيطانا والحكم وغرابا وحبابا وشهابا، فَسماهُ هشاما، وسمى حَربًا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأَرض تسمى عفره سماها خضره، وشعب الضلالة سماهم بني الرشد، وسمى بني مغواه بني رشد. (5)

ومما اشتهر بين أفراد المجتمع الإسلامي، أنهم كانوا ينادون أصحاب الاحتياجات الخاصة بنقيض ما أصيبوا به مراعاة لمشاعرهم وأحاسيسهم، فيقولون عن الأعمى: فلان البصير، قال تعالى: {

فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46]

(1) - أبو النصر، مدحت محمد، تأهيل ورعاية متحدي الإعاقة، مصر الجديدة، ايترك للنشر والتوزيع، ط 1، 2004 م، ص 8.

*- ورد مصطلح الفئات الخاصة بدل ذوي الاحتياجات الخاصة في كتاب الإعاقة الجسمية للمؤلف ننفسه.

(2)

- البخاري، صحيح البخاري، (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)، كتاب فضائل المدينة، باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس، ج 3، ص 20، حديث رقم 18071.

(3)

- الترمذي، ابو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، (توفي: 279 هـ)، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وابراهيم عطوة عوض، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفي البابي الحلبي، ط 2، 1395 هـ-1975 م، أبواب الأدب، باب ما جاء في تغيير الأسماء، ج 5، ص 135، حديث رقم 2839، حكم الألباني صحيح.

*"أمرت بقرية": أي أمرت بالهجرة الى المدينة، "تأكل القُرى": أي تغلبها وتظهر عليها. (المباركفوري، أبو الحسن عبد الله بن محمد عبد السلام بن خان، (توفي: 1414 هـ)، مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، بنارس-الهند، ادارة البحوث العلمية والدعوة والاقتناء-الجامعة السلفية، ط 3، 1404 هـ-1948 م، ج 9، ص 529.)

(4)

- الحاكم، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري، (توفى: 405 هـ)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1411 هـ-1990 م، كتاب الأدب، باب وأما حديث سالم بن عبيد النخعي في هذا الباب، ج 4، ص 307، حديث رقم 7729، تعليق الذهبي عل الحديث صحيح.

(5)

- انظر؛ البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، (توفي: 516 هـ)، شرح السنة، كتاب الاستئذان، باب تغيير الأسماء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش، دمشق، وبيروت، المكتب الإسلامي للنشر، ط 2، 1403 هـ - 1983 م، ج 12، ص 343.

ص: 15

ولا زالت بعض البلاد العربية كالعراق مثلا تستخدم كلمة البصير للدلالة على الكفيف. وفي هذا الاستعمال ما يوحي بأن الناس يستعملونها بقصد الايماء بأن الكفيف رغم أنه فقد بصره، فبصيرته متفتحة (1).

وينادون المشلول يا غلام، أي: يا صاحب النشاط والحركة كالغلام، " ويُقَال لمن لدغه ذَوَات السمُوم سليم على معنى التفاؤل بسلامته"(2).

وكان العرب قبل الاسلام يحرصون على الأسماء التي فيها التفاؤل ويبتعدون عن الأسماء السلبية، قال الأصمعيّ:"إِنما سُمِّي اللّديغ سَليماً لأنهم تَطَيَّروا من اللّدِيغ، فقلبوا المعنى، كما قالوا للحبَشي: أَبو البيضاء، وكما قالوا للفلاة: مَفازَة، تفاءلوا بالفوز وهي مَهلَكة". (3)

ولا زال مِن المسلمين مَن يستخدم هذه المصطلحات، فَيُسمون المراكز والمؤسسات التي تُعنى برعاية هذه الفئة من الناس أسماء ايجابية، فالمركز الذي يرعى الجانب الحركي يطلقون عليه مركز الإرادة، ومركز النور لرعاية الجانب البصري، ومركز الأمل للأمراض المستعصية، وذلك دعما لمعنوياتهم، ورفعا لهممهم، وتفاؤلا بمعافاتهم.

فهذا أطيب لقلوبهم وأزكى لنفوسهم، فهم بذلك يدركون أن من حولهم يقدرون ذواتهم التي خلقها الله، وصورها كيفما شاء، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل. عمران: 6].

وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)} [الانفطار: 8]

(1) - انظر؛ ابراهيم، د. مجدي عزيز، مناهج تعليم ذوى الاحتياجات الخاصة، القاهره، مكتبة الأنجلو المصرية، 2003 م، ص 489.

(2)

- أبو الفضل، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي السبتي، (توفي: 544 هـ)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، المكتبة العتيقة ودار التراث، ج 2، ص 218.

(3)

- الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، (توفي: 370 هـ)، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عوض مرعب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 2001 م، ج 12، ص 311.

ص: 16