الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في موقف عبد الرحمن وقصته درس وعظة، فالله تعالى يتولى المؤمنين، والدفاع عنهم أمام الآخرين، كما دافع عن ابن عوف رضي الله عنه أمام المنافقين، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} [الحج: 38].
وقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، مبادرا حاضرا في كل الميادين في نصرة الاسلام والمسلمين، في الجهاد والدعوة والانفاق، وهكذا لابد أن يكون ذوو الاحتياجات الخاصة مبادرين لعمل كل ما يستطيعون القيام به.
•
المطلب الحادي عشر: موقف طلحة بن عبيد الله وصبره على الإبتلاء بشل يده
.
طلحة بن عبيد الله، صحابي يعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض، لكرمه، ولكثرة جُودِهِ من أوائل من دخل في الإسلام، أَسلم على يدي أَبي بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه، وشهد المشاهِد كُلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرا، وكانت له يوم أحد اليد البيضاء، وأبلى بالدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء حسنا، حتى شلت يده التي وَقَى بِها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرت كذلك إِلى أَن مات، وهو أَحد العشرَة المشهود لهم بالجنّة، وأَحد الستة أَصحاب الشورى، وقد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَحسن صحبته حتى توفي وهو عنه راضٍ، وقد توفي في جمادى الآخرة، سنة ست وثلاثين للهجرة (1).
ولقد سجل القرآن الكريم موقف طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، الذي نزل بشأنه قرآنا يتلى آناء الليل وأطراف النهار تقديرا له وتخليدا لموقفه، قال تعالى:{مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)} [الأحزاب: 23].
قال ابن الجوزي: قيل لعلي رضي الله عنه: حدِّثنا عن طلحة، قال: ذاك امرؤٌ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ} ، لا حساب عليه فيما يستقبل، وهذا القدر من الآية في طلحة، وأولها في أنس، ومعنى الآية: وفوا الله بما عاهدوه عليه، فقد عاهدوا الله ليلة العقبة على الإِسلام والنصرة، وقيل أنهم قوم لم يشهدوا بدراً، فعاهدوا الله عز وجل أن لا يتأخَّروا بعدها، كما أنهم عاهدوا أن لا يفرُّوا إِذا لاقَوا، فصَدَقوا.
قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} ، أي فمنهم من قضى عهده قُتل أو عاش، ومنهم من ينتظر أن يقضيَه بقتال أو صدق لقاءٍ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} ، ما وعد اللهُ من نصره، أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه، {وَمَا بَدَّلُوا} ، أي: ما غيَّروا العهد الذي عاهدوا ربَّهم عليه، كما غيَّر المنافقون.
(1) - انظر؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 7، ص 246 - 247.
قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} ، وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا الله تعالى عليه، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ بنقض العهد إِنْ شاءَ، وهو أن يُميتَهم على نفاقهم أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ في الدنيا، فيخرجَهم من النفاق إِلى الإِيمان، فيغفر لهم (1).
ففي قصة طلحة رضي الله عنه، عبرة وعظة لذوي الاحتياجات الخاصة ولغيرهم، فمن أصيب بعضو من أعضائه فليبقَ واثقا من نفسه ولا يخجل أمام الناس، لأن ذلك باختيار الله تعالى، وخير الإصابات، الإصابة في سبيل الله، كما أصيب طلحة رضي الله عنه بيده.
وفي نهاية هذا المبحث يتبين لنا ان الله عز وجل يبتليك ليعافيك، ويأخذ منك ليعطيك، فيبتليك في الدنيا ليعافيك في الآخرة، ويأخذ منك ليعطيك في الدنيا والآخرة.
والسعادة والشقاء في هذه الحياة لا يرتبطان بصحة الابدان وسلامة الاجسام، فالدنيا ليست دار جزاء انما هي دار ابتلاء، فقد ابتلي احب خلق الله الى الله من الانبياء والأولياء.
وأن نمتثل أمر الله ونقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صار يعطي هذه الفئة كل عناية وتقدير وإقبال، وأن لا يتعامل المسلمون مع ذوي الاحتياجات الخاصة بسلوك لا يتعاملون بمثله مع غيرهم مستغلين ضعفهم، فقد عاتب الله رسوله على العبوس والإعراض في وجه أعمى مع أنه لم ير ذلك.
وان لا يكون المقياس بالأشكال والمظاهر إنما بصلاح القلوب والسرائر، فان الله عز وجل لا ينظر الى الاشكال والمظاهر انما ينظر الى القلوب والسرائر، عن أبي هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم). (2)
(1) - انظر؛ ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، (توفي: 597 هـ)، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق عبد الرزاق المهدي، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 1، 1422 هـ، ج 3، ص 457.
(2)
- مسلم، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره، ج 4، ص 1986، حديث رقم 2564.