الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الطبري: " يقول تعالى ذِكره: لَم يُصَبْ أَحدٌ من الخلقِ مُصيبةٌ {إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} يَقُولُ: إِلَّا بقضاء الله وَتقديره ذلك عليه {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، يقول: ومن يُصدِّق بِالله، فيعلم أَنَّه لا أَحد تُصيبُه مُصيبةٌ إِلا بِإِذن الله بذلك يهد قلبه: يقول: يوفق الله قلبه بالتسليم لأَمره والرضا بقضائه". (1)
قد يقول قائل لماذا تنزل المصائب والابتلاءات على أهل الإيمان، فنجد الإمام القرطبي يقول:"إن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا، فبين الله تعالى أَن ما أَصاب من مصيبة في نفس أَو مال أَو قول أَو فعلٍ، يقتضي هَمَّا أَو يوجب عقابًا عاجلا أَو آجلا فبعلم الله وقضائه". (2)
فهذه رسالة ربانية للمسلمين أنَّ كل شيء يقع إنما هو بقضاء وقدر، ومن المعلوم أنَّ المسلم لا يكتمل إيمانه إلا بتسليمه المطلق بالقضاء والقدر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:(يا غُلامُ، أَو يا غُلَيِّمُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنفعُكَ اللهُ بِهنَّ؟ " فقُلتُ: بلى. فَقَالَ: " احفَظِ اللهَ يَحفَظكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّف إِلَيهِ في الرَّخاءِ، يَعرِفكَ في الشِّدَّةِ، وَإِذَا سأَلتَ، فَاسأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنتَ، فَاستَعِن بِاللهِ، قَد جَفَّ القلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لَم يَكتُبهُ اللهُ عَلَيكَ، لَم يَقدِرُوا عَلَيهِ، وَإِن أَرَادُوا أَن يَضُرُّوك بِشَيءٍ لَم يَكتُبهُ اللهُ علَيكَ، لم يَقدرُوا عَلَيهِ، واعلَم أنَّ في الصَّبرِ على ما تَكرَهُ خَيرًا كثِيرا، وأَنَّ النَّصرَ مَع الصَّبرِ، وأَنَّ الفَرجَ مَع الكَربِ، وأَنَّ مع العُسرِ يُسرا). (3)
فما أصاب ذوي الاحتياجات الخاصة يدخل في القضاء والقدر والتسليم بذلك والصبر عليه توجيه قرآني وهدي نبوي، لأنه جزء لا يتجزأ من الإيمان مع التأكيد أن الحياة الدنيا عابرة والله عز وجل وعد في الآخرة ثوابا عظيما للمؤمنين الصابرين.
•
المطلب السادس: عظم أجر الصابرين عند الله تعالى:
إن القرآن الكريم لم يهمل المصيبة الجسدية، ولم ينكر وجودها ولم يتجاهل أثرها في نفس صاحبها، ولذلك فقد وجه المسلم الى الصبر على ما يواجهه في هذه الحياة من متاعب ومصاعب، وما ينزل به من ابتلاء يحل في جسمه او في أهله، ووعده بالأجر العظيم إن هو صبر واحتسب، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحدثت عن الصبر والصابرين، وما وعدهم الله فيها من الأجر العظيم، فقد بشرهم الله تعالى فقال:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة: 156]، قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: أي بشرهم لصبرهم على الإمتحان،
(1) - الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج 23، ص 421.
(2)
- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 18، ص 139.
(3)
- احمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (توفي: 241 هـ)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد، وآخرون، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421 هـ-2001 م، مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ج 5، ص 19.حديث رقم 2803، حكم الأرنؤوط حديث صحيح.
والتزامهم بأحكام الله، وأدائهم ما أمر الله، مع ابتلاء الله لهم، حيث كانوا يقولون:{إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (1)، وجاء في صفوة التفاسير:"وبشر الصابرين على المصائب والبلاء بجنات النعيم ثم بين تعالى تعريف الصابرين بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} أي نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه، قالوا: {إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أي استرجعوا وأقروا أنهم عبيد لله يفعل بهم ما يشاء."(2)
وفي معيّة الله للصابرين قال تعالى: {
…
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال: 46].
قال الشوكاني رحمه الله: " أَخبَرهُم بأَنهُ مع الصَّابرين في كل أَمرٍ يَنبَغي الصَّبر فيه، ويا حبذا هذه المعية التي لا يَغلِبُ مَن رُزقها غَالبٌ، ولا يُؤتى صاحبُها مِن جهة مِنَ الجهات، وإِن كانت كثيرةً "(3).
وعن محبة الله لهم، قال تعالى: {
…
وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)} [آل عمران: 146].
قال الرازي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: " والمَعنى أَن مَنْ صَبرَ على تَحَمُّلِ الشدائد في طريق اللهِ ولم يُظهرِ الجزع والعَجزَ وَالهلعَ فإِن اللهَ يُحبُّهُ، ومحبَّةُ اللهِ تعالى للعَبدِ عبارة عن إِرادة إكرامه وإعزازه وتعظيمه، والحكم له بالثَّواب وَالجنةِ، وذلك نهايةُ الْمَطلوب". (4)
وأما عظم الأجر الذي أعده الله للصابرين، قال تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمر: 10]،
قال الطبري رحمه الله: إنما يعطي الله أهل الصبر على ما لقوا في الدنيا ثوابهم بغير حساب، (5) وقال الأوزاعي:"ليس يوزن لهم ولا يكال لهم إنما يغرف لهم غرفا."(6)
قال الامام القرطبي: والصبر يورث الرضى بقضاء الله، وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات.
فالصبر ترك الشكوى، والصبر حده ألا تعترض على التقدير، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر (7).
وفي نهاية هذا المبحث يتبين أن القرآن الكريم يهدي الى الطريق القويم، ويُعطي كل ذي حق حقه الضعيف والقوي، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة توجه ذوي الاحتياجات الخاصة لبيان فضلهم وحقوقهم وواجباتهم، وأن ما يعانيه ذوو الاحتياجات الخاصة لا ينقص من كرامتهم ولا يحط من قيمتهم، فالبلاء الحقيقي هو ما يصيب الإيمان لا ما يصيب الأبدان، فكرّم الله عز وجل الانسان سواء في ذلك ذوو الاحتياجات الخاصة أو غيرهم وجعلهم في معظم المسؤوليات والجزاء
(1) - انظري؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج 3، ص 221.
(2)
- الصابوني، محمد علي، صفوة التفاسير، القاهرة، دار الصابوني للطباعة والنشر، ج 1، ص 107.
(3)
- الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، (توفي: 1250 هـ)، فتح القدير، دمشق، وبيروت، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، ط 1، 1414 هـ، ج 2، ص 359.
(4)
- فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي، (توفي: 606 هـ)، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1420 هـ، ج 9، ص 381.
(5)
- انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج 21، ص 270.
(6)
- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 7، ص 79.
(7)
- انظر؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 2، ص 174.
متساويين، وما أصاب ذوي الاحتياجات الخاصة فبقدر الله عز وجل، والتسليم بذلك والصبر عليه توجيه قرآني وهدي نبوي لأنه جزء لا يتجزأ من الإيمان، وان الله عز وجل وعد الصابرين بالأجر العظيم إن هم صبروا على ما أصابهم من مصائب ومصاعب واحتسبوا الأجر والثواب عند الله.