الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المبحث الثاني- أسباب الإصابة عند ذوي الاحتياجات الخاصة
إن الإصابات عند ذوي الاحتياجات الخاصة ترجع الى أسباب وعوامل أدت الى حدوثها، اتناولها في هذا المبحث في مطالب ستة:
المطلب الأول الإصابة بسبب عامل وراثي
.
المطلب الثاني: إصابة الجنين أثناء الحمل أو الولادة.
المطلب الثالث: الإصابة بسبب التعرض للحوادث.
المطلب الرابع: الإصابة بسبب الاعتداء.
المطلب الخامس: الإصابة بسبب القصاص في الجنايات.
المطلب السادس: الاصابة بسبب ما ينتج عن الأمراض العضوية أو النفسية.
• المطلب الأول: الإصابة بسبب عامل وراثي:
إن من أبرز أسباب الإصابة عند ذوي الاحتياجات الخاصة ما يعرف بالعامل الوراثي، فللعوامل الوراثية تأثير هام في نشوء الإصابة وتطورها، ويعزى لتلك العوامل السبب في حدوث حالات الإصابة المتوسطة والشديدة، وهي تشمل الحالات التي تنتقل من جيل الى جيل، إذْ يتم نقل الخصائص أو السمات، من السلف الى الخلف عن طريق الجينات* (1). مما يؤدي الى إصابة بعض الأفراد بالشلل، أو العمى، أو الصمم، ونحو ذلك.
وقد يقع تساؤل هل الزواج من الأقارب بحد ذاته سبب للأمراض الوراثية؟
أجيب على هذا التساؤل من ناحيتين: شرعية وطبية، أما من الناحية الشرعية فلم يثبت ما يدل على ذلك، وأما ما يتناقله الناس من قولهم غربوا النكاح وينسبونه الى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا القول لم تثبت صحته الى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بحثت في كتب الحديث عنه فلم أجده وأما ما ورد في هذا المعنى، فهي نصيحة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قدمها لآل السائب، الذين حصروا الزواج فيما بينهم، (عن ابن أَبي مُلَيكة قال: قال عمر لِآل السَّائب قد أَضوأتُم فانكحوا في النَّوابِغ، قال الحَربيُّ يعني تزوَّجوا الغرائب). (2)
جاء في معجم مقاييس اللغة: "ضَوِيَ" الضَّادُ والواوُ والياءُ أَصلٌ صحيحٌ يدلُّ على هُزال، يقال: غُلام ضاوِي: مهزول، وجارِية ضاوِيَّةٌ، وكانت العربُ تقول: إِذا تقارب نسبُ الأَبوين خرج الولدُ ضاوِيا (3).
(1) - انظر؛ رشوان، د. حسين عبد الحميد، الاعاقة والمعوقون، ص 75.
*- الجين: "وحدة وراثيَّة موجودة في الكروموسوم تحدِّد خصائص معيَّنة للكائن الحيّ". (د. أحمد مختار عبد الحميد، معجم اللغة العربية المعاصر، ج 3، ص 2421).
(2)
- ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، ، (توفى: 852 هـ)، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 هـ-1989 م، كتاب النكاح، باب ما جاء في استحباب النكاح وصفة المخطوبة وغير ذلك، ج 3، ص 309.
(3)
- انظر؛ احمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 3، ص 376.
إن الاسلام لم يُحَرِّم زواج الأقارب، بل جعله مباحا دل على ذلك قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ الَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (50)} [الأحزاب: 50]
قال الامام الطبري رحمه الله: فأحل الله له صلى الله عليه وسلم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، المهاجرات معه منهن دون من لم يهاجر منهن معه، يعني: اللاتي تزوجتهن بصداق مسمى. (1)
فهذا نص صريح على زواج الأقارب، والنبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته فاطمة لابن عمه علي رضي الله عنه، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على حسن الاختيار سواءٌ أكان من الأقارب أم من غيرهم، عن عائشة قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء، وأنكحوا اليهم). (2)
اما رأي العلم والطب بزواج الأقارب، فيقول الدكتور محمد الربيعي في كتابه "الوراثة والإنسان":" كل منا يحمل من أربعة الى ثمانية جينات شريرة أو مشوهة، إلا أنها لا تشكل اي خطر على صحتنا، لأنها توجد متنحية، ولقد قدر أن كل واحد من ثلاثة أشخاص طبيعيين يحمل جينا مختبئا، يؤدي في حالة وجوده بشكل زوجي الى قصور عقلي خطير، وعند زواج شخص بآخر من نفس العشيرة، فان الاحتمال كبير في أن يكون الزوج حاملا لنفس الجين الشرير، ويرتفع ذلك الاحتمال عند الزواج من نفس العائلة، مما يؤدي الى زيادة مضطردة في احتمال ولادة أطفال مصابين بأحد الأمراض الوراثية، ويساوي احتمال ولادة طفل مصاب بمرض وراثي، لأولاد العم أو الخال من 6 - 8%، في مقابل احتمال 3 - 4% لظهور مثل ذلك المرض في المجتمع ككل، لذلك لا ينصح بزواج أبناء العم خصوصا، عند وجود حالة مرضية وراثية في العائلة". (3)
فلا تعارض بين الشّرع والعلم فكل منهما يدعو لحسن الاختيار، فهو العامل الأساسي لتجنب الإصابة بالأمراض الوراثية، سواءٌ أكان مِنَ الأقارب أمْ مِنَ الأباعد.
(1) - انظر؛ الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي أبو جعفر، (توفى: 310 هـ)، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة للنشر، ط 1، 2014 هـ-2001 م، ج 20، ص 284.
(2)
- ابن ماجة، ابو عبد الله بن يزيد القزويني، (توفي: 273 هـ)، سنن ابن ماجة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، دار الرسالة العالمية، ط 1، 1430 هـ-2009 م، أبواب النكاح، باب الأكفاء، ج 3، ص 14، حكم الأرنؤوط حديث حسن بطرقه وشواهده.
(3)
- د. محمد الربيعي، الوراثة والانسان، الكويت، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص 56، 57.