الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شفقة، وتارة نظرة تُقلل من قدرهم أو قدراتهم، فبدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع تزول هذه الأمور، لأن أهل العافية يتعرفون عن قرب على خصائص ذوي الاحتياجات الخاصة، وسماتهم واحتياجاتهم، كما أن ذوي الاحتياجات الخاصة بتعاملهم مع أهل العافية يعرفون قدرهم وقدراتهم، عندها يكون الاحترام متبادلاً ويتقبل كل منهما الآخر، فهم أفراد المجتمع يُكَمِّل بعضهم بعضا، لهم حقوق وعليهم واجبات، فكل يأخذ حقوقه بأداء ما عليه من واجبات، وإن حَثَّ القرآن الكريم على مشاركتهم في المأكل والمشرب فيه دلالة على ضرورة مخالطتهم في بقية أمور الحياة، كالدمج في المؤسسات التعليمية والوظائف الإدارية وغير ذلك، فبدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع تزداد ثقتهم بأنفسهم ويتعاونون مع غيرهم في تقديم كل ما ينفع لأمتهم، وبذلك يعرف أهل العافية نعمة الله عليهم بالصحة وتقوى إرادتهم وتعلو همتهم ويوسع الله عليهم بالرزق ويمدهم بالنصر، فعن أبي الدرداء رضي الله عنهم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم). (1)
فهذه الآية التي دعت لمشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في المأكل والمشرب، تؤكد أن الإسلام هو أول من دعا إلى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وهذا المستوى السامق في التربية الخلقية لا يمكن أن تصل إليه التشريعات الأرضية.
•
المطلب الثاني: احترام وتقدير ذوي الاحتياجات الخاصة
.
يوصي القرآن الكريم إلى عدم السخرية أو الانتقاص أو التنابز بالألقاب أو الغيبة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وأولى الناس بمن أوصى بهم ذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم الأكثر عرضة لهذا الأمر، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11].
جاء في صفوة التفاسير: " أي يا معشر المؤمنين، يا من اتصفتم بالإيمان وصدَّقتم بكتاب الله، لا يهزأ جماعة بجماعة، ولا يسخر أحد من أحد، فقد يكون المسخور منه خيرا عند الله من الساخر". (2)
فقد حرم الله عز وجل كل ما يخل بتكريم الإنسان، الذي جعله الله مكرماً في آدميته، من سخرية واستهزاء وهمز ولمز، وقد كان صلى الله عليه وسلم يُربي أصحابه على هذا المنهج، فعندما ضحك بعض الصحابة من دقة ساقي ابن مسعود رضي الله عنهم، علمهم كيف يقدر الرجال وبما يوزنون، " فعن زر بن حُبَيْش، عن ابن مسعود، أَنه كان يجتني سواكا من الأَراك، وكان دقيقَ الساقين، فجعلت
(1) - أبو داود، سنن أبي داود، كِتَاب الْجِهَاد، بَابٌ فِي الِانْتِصَارِ بِرُذُلِ الْخَيْلِ وَالضَّعَفَةِ، ج 3، ص 32، حديث رقم 2594، حكم الألباني صحيح.
(2)
- الصابوني، محمد علي، صفوة التفاسير، ج 3، ص 235.
الريح تكفؤُه، فضحك القوم منه، فقال صلى الله عليه وسلم:" ممَّ تضحكون؟ " قالوا: يا نبي الله، مِنْ دقَّة ساقيه، فقال:" والذي نفسي بيده، لهما أَثقل في الميزان من أُحد". (1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنهم، أنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(رُبَّ أشعثَ، مَدفوعٍ بالأَبوابِ لو أَقسمَ على اللهِ لأَبرَّه). (2) فقيمة الإنسان عند الله بإيمانه وليس بسلامة حواسه وأعضائه.
قال تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} .
جاء في صفوة التفاسير في تأويل قوله تعالى: " {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} أي لا يعيب بعضكم بعضا، أو لا يدعو بعضكم بعضا بلقب السوء، وإنما قال: {أَنْفُسَكُمْ} لأن المسلمين كأنهم نفس واحدة، {بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ}، أي بئس أن يسمى الإنسان فاسقا بعد أن صار مؤمنا، وفي الآية دلالة على أن التنابز فسق، والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي ومن لم يتب عن اللمز والتنابز، فأولئك هم الظالمون بتعريض أنفسهم للعذاب". (3)
كما أن القرآن الكريم يوصي المسلمين بالابتعاد عن الغيبة، والغيبة هي ذكر الآخرين بما يكرهون، فذكر ذوي الاحتياجات الخاصة بما يكرهون تعد غيبة لهم، كأن يقال فلان الأقطع أو فلان الأعور ونحو ذلك، فإذا عُلِمَ أنهم لا يكرهون ذلك فلا حرج باستخدام هذه الألقاب، أو إن كان لاستخدامها حاجة، من أجل التعريف أو التوصيف ونحو ذلك.
قال الإمام الطبري في تأويل قوله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ، أي لا يَقُلْ بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره المقولة في وجهه، ولو مرّ بك رجل أقطع، فقلت: إنه أقطع كنت قد اغتبته (4).
فالقرآن الكريم يدعو الى احترام ذوي الاحتياجات الخاصة، فتحرم غيبتهم كبقية المسلمين، وهذه دعوة للبعد عن ذكرهم بما لا يحبون، حتى وإن لم يكونوا حاضرين، وهذا هو منهج النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالت:(ذَهبتُ أَحكِي امرأَة، أَو رجلا، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا أَعْظَمَ ذَلِكَ). (5)
(1) - احمد بن حنبل، مسند احمد، مسند عبد الله بن مسعود، ج 7، ص 98 - 99، حديث رقم 3991، حكم الأرنؤوط صحيح لغيره.
(2)
- مسلم، صحيح مسلم، باب فَضل الضعَفَاء والخاملين، كتاب البر والصلَة والآداب، ج 4، ص 2024.
(3)
- الصابوني، صفوة التفاسير، ج 3، ص 235.
(4)
- انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج 22، ص 305.
(5)
- احمد بن حنبل، مسند أحمد، مسند الصديقة عائشة، ج 41، ص 433. حكم الأرنؤوط اسناده صحيح.