الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يد مخابرات الاحتلال، وضعف شديد في إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وأمراض أخرى. كل هذا البلاء لم يمنعه من أن يكون مدرسا وإماما وخطيبا في المساجد، فقد كان أشهر خطيب عرفه قطاع غزة.
تعرض للاعتقال عدة مرات من قبل الاحتلال، اثر نشاطه الدعوي والجهادي، وتأسيسه لحركة المقاومة الإسلامية، كان شعلة من النشاط والإيمان، لا يعرف الكلل ولا الملل من العمل وخدمة الناس، فقد لا يكون هناك مكان في فلسطين إلا ووصله الشيخ "أحمد ياسين" خلال نصف قرن من البذل والعطاء، قاد مسيرة الدعوة والجهاد لنصرة الدين والدفاع عن المسلمين لسنوات طويلة، حتى نال الشهادة بتاريخ 22/ 3/2004 م. (1)
ما أعظم هؤلاء الضعفاء، فترى الواحد منهم ضعيف البنية لكنه قوي الإرادة، عالي الهمة، صلب العزيمة، ومن حكمة الله عز وجل، أن يُجري على أيدي الضعفاء أعمالاً يعجز عنها الأقوياء، ليعلم الجميع أن العون والتوفيق بيد الله الخالق البديع.
•
المطلب الثاني: موقف يعقوب عليه السلام وصبره على الإبتلاء في بصره:
لقد سجل القرآن الكريم ابتلاء يعقوب عليه السلام في بصره، فقال الله تعالى:{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)} [يوسف: 84].
جاء في تفسير الواحدي: (ابيضت عيناه) أي انقلبت إلى حال البياض، وقوله:{مِنَ الْحُزْنِ} ، قال ابن عباس: من البكاء، يريد أن عينيه ابيضتا لكثرة بكائه، والحزن لما كان سببا للبكاء سمي البكاء حزنا (2).
قال ابو حيان في تفسيره البحر المحيط: وابيضاض عينيه من توالي العَبْرَة، فينقلِب سواد العين إِلى بياض كدر، قيل انه كان يدرك ادراكا ضعيفا والظاهر أَنه كان عمي لِقوله: فارْتد بصيرا.
وقال: (وما يستوي الأَعمى والبصير) فقابل البصير بالأَعمى، وعلل الإبيضاض بالحزنِ، وإِنما هو من البكاء المتوالي، وهو ثمرة الحزن (3).
قال القرطبي: الحزن ليس بِمحظور، وإِنما المحظور الولولة وشق الثياب، والكلام بما لا ينبغي، (4) وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(تَدمعُ العَينُ وَيحزَنُ القلبُ، ولا نقولُ إِلا ما يرضي ربَّنا، والله يا إِبراهيمُ إِنَّا بك لمحزونون)(5).
(1) - انظر؛ اليافاوي، الشيخ الشهيد أحمد ياسين، ص 2 - 14.
(2)
- الواحدي، الوسيط في تفسير القران المجيد، ج 2، ص 627.
(3)
- انظر؛ ابو حيان، محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، (توفي: 745 هـ)، البحر المحيط في التفسير، تحقيق صدقي محمد جميل، بيروت، دار الفكر للنشر، ط 1، 1420 هـ، ج 6، ص 314.
(4)
- انظر؛ القرطبي، الجامع لاحكام القران، ج 9، ص 249.
(5)
- مسلم، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمتهعليه السلام، الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، ج 4، ص 1807، حديث رقم 2315.
وقد بين الله عز وجل ذلك بقوله: {فَهُوَ كَظِيمٌ} أَي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه. (1)
ان الله عز وجل يبتلي ليعافي، ويأخذ ليعطي، فهو الكريم الحليم العليم الرحيم، ومن رحمة الله عز وجل أنه ليس بعد العسر إلا اليسر، وليس بعد الكرب إلا الفرج، وهذا ما كان مع يعقوب عليه السلام.
قال تعالى: {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)} [يوسف: 96].
قال الطبري رحمه الله تعالى: أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب، فرجع مبصرا بعينيه، بعدما عَمي (2). وقال سيد قطب " فكانت مفاجأة القميص، وهو دليل على يوسف وقرب لقياه، ومفاجأة ارتداد البصر بعدما ابيضت عيناه"(3).
فهذا يدل على إكرام الله عز وجل، لمن شاء من عباده بمعافاته من البلاء، فالله بيده الأمر واليه يُرجع الأمر، فإذا عوفي العبد من البلاء فليحمد الله، وليعلم أنما هو اختبار وابتلاء، قال تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)} [الانسان: 2]، وإذا بقي البلاء به، فليحمد الله وليرضى بقضاء الله وليصبر ويحتسب الاجر من الله، فالخير كل الخير في ما يختاره الله تعالى.
فالإبتلاء في البصر مستمر عبر القرون والأزمان، إبتليِ به بعض الأنبياء والعلماء والأولياء ومن هؤلاء الشيخ عبد العزيز بن باز، الذي كان عالما في علوم الشريعة، ومرجع المستفتين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ولد في الرياض عام، شاء الله أن يحجب عنه ضياء البصر وهو في مطالع الصبا، حفظ القرآن عن ظهر قلب قبل أن يبدأ مرحلة البلوغ، مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحفظه لكتاب الله باشر انطلاقه في طلب العلم، اتصل بالعديد من المشايخ يتلقى عنهم العلم.
ولي القضاء وبقي فيه (14) سنة ونيفا، وكان مصدر خير وبركة لكل ما حوله ومن حوله، حرص على نفع الطلبة أثناء قيامه بمهمة القضاء.
تخلى الشيخ عن عمله في القضاء، ليتفرغ للتدريس في المعاهد والكليات، أصبح رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكان له أثره البارز والعميق في كل تقدم أحرزته الجامعة تحت إشرافه، ولم يقتصر نشاط الشيخ العلمي عند حدود الجامعة بل امتد إلى الأقاصي البعيدة من وطن
(1) - انظر؛ القرطبي، الجامع لاحكام القران، ج 9، ص 249.
(2)
- انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج 16، ص 258.
(3)
- سيد قطب، في ظلال القرآن، ج 3، ص 47.