الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3. الشكر في الرخاء والصبر على البلاء علامة الإيمان
.
عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمرَهُ كُلَّهُ له خير، وليس ذلك لأحد الا للمؤمن، إن أصابته سَرّاءُ شَكَر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضَرّاء صبر، فكان خيراً له). (1)
جاء في تطريز رياض الصالحين: "في هذا الحديث: فَضْلُ الشكر على السّرّاء والصبر على الضرّاء، فمن فعل ذلك حصل له خيرُ الدارين، ومَنْ لم يشكر على النعمة، ولم يصبر على المصيبة، فاته الأَجر، وحصل له الوِزْر". (2)
من فقه الحديث:
أ. من ابرز صفات المؤمن الرضى عن الله تعالى.
ب. اذا وصل اليك من ربك العطاء فلتبادر الى الشكر، وإذا وصل اليك البلاء فلتتحلّ بالصبر.
ج. تذكر عند المصيبة ان كل شيء بقضاء وقدر، تهن عليك مصيبتك.
4.
مثل المؤمن والمنافق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلُ المؤمن كمثل الزرع، لا تزالُ الريحُ تُميلُهُ، ولا يَزالُ المُؤمنُ يُصيبُهُ البلاء، ومثلُ المنافقِ كمثلِ شجرةِ الأرز*، لا تَهتزُّ حتى تَستَحصِد). (3)
جاء في كتاب المنهاج، شرح صحيح مسلم بن حجاج: معنى الحديثِ أَن المؤْمن كثيرُ الآلامِ في بدنه أَو أَهله أَو ماله، وذلك مُكفِّرٌ لسيِّئَاته ورافعٌ لدرجاته، وأَما الكافر أو المنافق فقليلُها، وَإِن وقعَ به شيءٌ لم يُكفِّر شيئا مِنْ سيِّئَاته، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة. (4)
من فقه الحديث:
أ. لا يخلو مؤمن من محنة.
ب. من ضعف إيمانه قل بلاؤه.
(1) - مسلم، صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، بَابُ الْمُؤْمِنُ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْر، ج 4، ص 2295، حديث رقم 2999.
(2)
- النجدي، فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي، (توفي: 1376 هـ)، تطريز رياض الصالحين، تحقيق: د. عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الزير آل حمد، الرياض، دار العاصمة للنشر والتوزيع، ط 1، 1423 هـ-2002 م، ص 37.
(3)
- مسلم، صحيح مسلم، كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالزَّرْعِ وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَشَجَرِ الْأَرْزِ، ج 4، ص 2163، حديث رقم 2809.
*- الأرز شجر حرجية من فصيلة الصنوبريات، (تستحصد) أي لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه (النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج، ج 7، ص 151 - 153)
(4)
- انظر؛ النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج، ج 7، ص 151 - 153.
5.
الصبر والرضا علامة التسليم.
عن انس رضي الله عنه قال: قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ). (1)
قال ابن رجب: فهاتان درجتان للمُؤمن بالقضاءِ والقدَرِ في المصائبِ:
أَحدُهُما: أَن يرضى بذلك، وهي درجة عالية رفيعة جدا، قال اللهُ عز وجل:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)} [التغابن: 11]، هي المصيبةُ تُصيبُ الرَّجل، فيعلمُ أَنها من عند اللهِ، فَيُسلِّم لها ويرضى.
فالحياةُ الطيِّبةُ: هي الرِّضا والقناعةُ، فالرِّضا بابُ اللهِ الأَعظَم وجنَّةُ الدنيا ومستراح العابدين.
أما الدرجةُ الثانيةُ: أَن يَصبرَ على البلاءِ، وهذهِ لِمَن لَم يستطع الرِّضا بالقضاء، فالرِّضا فضلٌ مندُوبٌ إِليه، والصَّبرُ واجبٌ على المُؤمن حَتم، وفي الصَّبرِ خَير كثير، فإِن اللهَ أَمر به، ووعد عليه جزيل الأَجر، قال اللهُ عز وجل: {
…
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (1)} [الزمر: 10]، وَقَالَ:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 157].
والفرقُ بَينَ الرِّضا وَالصَّبرِ: أَن الصَّبرَ كَفُّ النَّفس وحبسُها عن التَّسخُّط مع وُجود الأَلم، وتمني زوال ذلك، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا: انشراحُ الصَّدر وسعتُهُ بالقضاءِ، وتركُ تمنِّي زوال ذلك المُؤلِم، وإِنْ وُجِدَ الإِحساسُ بالأَلمِ، لكنَّ الرِّضا يُخفِّفُه لِمَا يُباشرُ القلبَ مِنْ روح اليقين والمَعرِفةِ، وإِذا قَوِيَ الرِّضا، فقد يُزيلُ الإِحساسَ بالأَلمِ بالكُلِّيَّة. (2)
من فقه الحديث:
أ. بالصبر على البلاء تكفر السيئات وترفع الدرجات.
ب. من الأمور الدالة على محبة الله الإبتلاء.
ج. اصبر ولا تجزع فقضاء الله نافذ.
6.
الابتلاء بالأجسام من علامات قوة الايمان.
عن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (قُلْتُ يَا رسول الله: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الأَنبياءُ ثُمّ الأَمثَلُ فَالأَمثلُ، فَيُبتلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فَإِن كَان دِينُهُ صُلبًا اشتَدَّ بلاؤُهُ، وإِن
(1) - الترمذي، سنن الترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ج 4، ص 601، حديث رقم 2396. "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ".
(2)
- انظر؛ ابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ج 1، ص 486 - 488.
كانَ في دِينهِ رِقَّةٌ ابتُلي على حسَبِ دِينِهِ، فما يَبرَحُ البلاءُ بالعَبدِ حَتَّى يَترُكَهُ يَمشي على الأَرضِ ما عليهِ خطيئَة). (1)
جاء في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: "أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ" أَي: أَكثر أَو أَصعبُ بلاء؟ أَي: مِحنَةً وَمُصيبةً، قال:"الأَنبياءُ" أَي: هُم أَشدُّ في الابتلاءِ، لأَنهُم يتلذذون بالبلاء كما يتلذَّذُ غيرُهُم بالنَّعماء، ولأَنهم لو لم يُبتلَوا لَتُوُهِّمَ فيهمُ الأُلوهيَّةُ، وليُهون على الأُمَّة الصَّبرُ على البليَّة. "ثُمَّ الأَمثلُ" أَيِ: الأَشبهُ بهم، "فَالأَمثَل": أَيِ الأَشرَفُ فَالأَشرفُ، والأَعلى فالأَعلى رُتبةً ومنزلةً يعني: مَنْ هو أَقربُ إِلى اللهِ بلاؤُهُ أَشدُّ ليكونَ ثوابُهُ أَكثرَ، إِذ لا يخلو واحدٌ منهُم مِنْ عظيم مِحنَةٍ، وجَسيمِ بَليَّة بالنِّسبةِ لأَهل زمنه، ويدُلُّ عليه قَولُه:"يُبتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ" أَي: مقداره ضعفًا وقُوَّة، ونقصا وكمالا. "فَإِنْ كَانَ دِينه صُلْبًا" أَي: شديدا، اشتَدَّ بلاؤُه أَي: كمِّيَّة وكيفيَّة، وإِن كان في دينه رقة هون عليه البلاء، ليكون ثوابهُ أَقلَّ، ولولا التخفيفُ في بلائه لَخُشِيَ عليه الكُفرُ مِنَ ابتلائهِ، "حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ": كنايةٌ عن خلاصه من الذُّنوب، فكَأَنهُ كان محبوسا، ثمَّ أُطلق وخُلِّيَ سبيله، "مَا لَهُ" أَي: عليه ذَنبٌ. (2)
من فقه الحديث:
أ. أتباع الأنبياء هم أشد الناس بلاء.
ب. المحن والبلايا مِمْحاةٍ للخطايا.
ج. بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.
7.
من يشكر النعمة ويؤدي حقها تدوم عليه.
عن ابي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ ثلاثةً في بني إِسرائيل: أَبرَص وأَقرعَ وأَعمى، بدا للهِ عز وجل أَن يَبتلِيهم، فَبعَث إِلَيهِم مَلَكا، فأَتى الأَبرَص، فقال: أَيُّ شيءٍ أَحبُّ إِليك؟ قال: لَونٌ حَسَنٌ، وَجِلدٌ حَسَنٌ، قَد قَذِرَنِي النَّاس، قال: فمسحهُ فذهب عنهُ، فأُعطيَ لونا حسنا، وجلدا حسنا، فقال: أَيُّ المال أَحب إِليك؟ قال: الإِبل، - أَو قال: البقرُ، هو شكَّ في ذلك: إِنَّ الأَبرصَ، والأَقرع، قال أَحدُهُما الإِبلُ، وقال الآخر: البقر -، فأُعطي ناقةً عشراءَ، فقال: يُبارَكُ لك فيها وأَتى الأَقرع فقال: أَي شيء أَحبُّ إِليك؟ قال شعر حسن، ويذهبُ عني هذا، قد قَذِرَنِي النَّاس، قال: فمَسَحَهُ فذهبَ وأُعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أَحبُّ إِلَيك؟ قال: البقر، قال: فأَعطاه بقرةً حاملا، وقال: يبارَكُ لك فيها، وأَتى الأَعمى فقال: أَيُّ شيءٍ أَحبُّ إِليك؟ قال: يَرُدُّ اللهُ إِليَّ بَصرِي، فأُبصِرُ به النَّاس، قال: فَمسحهُ فَرَدَّ اللهُ إِليهِ بصرهُ، قال: فأَيُّ المال أَحبُّ إِليك؟ قال الغنمُ: فَأَعطاهُ شاةً والِدًا، فأُنتجَ هذان وولَّدَ هذا، فكان لهذا وادٍ مِنْ إِبل، ولهذا وادٍ من بقر، ولهذا وادٍ من غنم، ثُم إِنه أَتى
(1) - الترمذي، سنن الترمذي، ابواب الزهد، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ عَلَى البَلَاءِ، ج 4، ص 601، حديث رقم 2398، حكم الالباني حسن صحيح.
(2)
- انظر؛ القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج 3، ص 1140 - 1141.