الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أَبي هريرةَ رضي الله عنهم، أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قالوا: اللهُ ورسولُهُ أَعلم، قال: ذِكْرُكَ أَخَاك بمَايَكْرَهُ قيلَ: أفرأَيت إِن كان في أَخي ما أَقولُ؟ قال: إِنْ كانَ فيهِ ما تَقولُ، فقد اغتَبتَهُ، وإِن لَم يكُن فيه فقد بَهتَّهُ). (1)
فما أحسن أن يبتعد المسلم عن الغيبة، ولا يسمح للسانه أن يخوض في أعراض المسلمين، فبذلك يحافظ على إيمانه، ويسلم الآخرون من أذيتة.
قال الطبري في تأويل قوله تعالى: {أَيُحِبُ أحدَكُمْ أَنْ يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتَاً فَكَرِهتُمُوه} ، أي يقول تعالى ذكره للمؤمنين، أيحبّ أحدكم أيها القوم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته، فإن لم تحبوا ذلك وكرهتموه لأن الله حرّمه عليكم، فاكرهوا غيبته حيا، كما كرهتم لحمه ميتا، فإن الله حرّم غيبته حيا، كما حرم أكل لحمه ميتا، وقوله:{وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} أي يقول تعالى ذكره، فاتقوا الله أيها الناس، فخافوا عقوبته، ولا تتبعوا عورات من كان مسلما، أو التجسس عما ستر عنه من أمره، أو اغتيابه بما يكرهه، تريدون به شينهُ وعيبهُ؟ ، وغير ذلك من الأمور التي نهاكم عنها ربكم {إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} يقول: رحيم به فلا يعذبه على ذنب تاب منه. (2)
فما أعظم هذه المعاني القرآنية، وما أجمل هذا الاحترام والتقدير الذي دعا اليه القرآن الكريم، فعندما يعيش ذوو الاحتياجات الخاصة في مجتمع الاحترام فيه متبادل، والتقدير فيه حاضرٌ، فإنهم يثقون بأنفسهم، ولا يشعرون بخجل أمام الآخرين، بل يعيشون في سعادة، لأنهم لا يشعرون بنقص مما أصابهم، فلا انتقاص لذواتهم، ولا هضم لحقوقهم، ولا ظلم لضعفهم، بل محبة وإخاء.
•
المطلب الثالث: حسن معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية مطالبهم
.
ومن عناية القرآن الكريم بذوي الاحتياجات الخاصة أن الله عز وجل عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تولى عن "ابن أم مكتوم، ففي ذلك رسالة لأهل العافية، أَلَّا يتعاملوا مع ذوي الاحتياجات الخاصة بسلوك لا يتعاملون بمثله مع غيرهم مستغلين ضعفهم، فقد عاتب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم على العبوس في وجه أعمى، مع أنه لم ير ذلك، وفي هذا إشارة إلى أن الله عز وجل يحافظ على حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ممثلين بابن ام مكتوم، فهذا يدل على أهمية البر والإحسان إليهم، فإن كان البر والإحسان مطلوبان مع جميع الناس، فإنهما يكونان أكثر طلبا مع من يحتاج اليهما مثل: ذوي الاحتياجات الخاصة، وبعد ذلك يكون الثواب المترتب على البر والإحسان معهم أكثر من غيرهم.
(1) - مسلم، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، ج 4، ص 2001، حديث رقم 2589.
(2)
- انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج 22، ص 308 - 309.
قال تعالى: {وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)} [عبس: 11].
قال الطبري: وأما هذا الأعمى الذي جاءك يسعى، وهو يخشى الله ويتقيه، فأنت عنه تتلهى وتعرض وتتغافل، وتتشاغل عنه بغيره، {كَلَّا} ليس الأمر كما تفعل يا محمد، حيث تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدى لمن استغنى، {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} إن هذه السورة والدعوة تذكرة وعظة وعبرة (1).
فبذلك يتبين لنا أن قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة مقدم على قضاء حوائج الآخرين، جاء في صفوة التفاسير: " قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا العتاب، لا يعبس في وجه فقير قط، ولا يتصدى لغني أبدا، وكان الفقراء في مجلسه أمراء. (2)
وبقي هذا الإحسان والعناية والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، عند الخلفاء والأئمة والولاة الذين التزموا تعاليم القرآن الكريم، وساروا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدولة الإسلامية، فنجد أبا بكر قد أكد في أول خطبة له بعد البيعة، على أهمية نصرة الضعفاء فجاء في خطبته: الضعيف فيكم قوي عندي حتى أُريح* عليه حقه إن شاء الله. (3)
ونجد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رعاية هذه الشريحة ومعرفة قدرهم، فقد حضر عمرو بن طفيل، وكانت يده قد قطعت يوم معركة اليمامة، وبينما هم جلوس، حضر الطعام فتنحى عمرو عنه، فالتفت إليه عمر رضي الله عنه وقال: لعلك تنحيت لمكان يدك؟ قال عمرو: أجل، قال عمر بن الخطاب: والله لا أذوق حتى تسوطه بيدك، ما في الحاضرين مَن بعضه في الجنة غيرك. (4)
ونجد أن العناية بشؤون هذه الشريحة، وقضاء حوائجها قد زاد بزيادة موارد الدولة الإسلامية واتساع رقعتها.
ففي عهد عمر بن عبد العزيز: "كتب الى أمصار الشام، أن ارفعوا اليّ كل أعمى في الديوان، أو مُقعدا أو من به الفالج أو من به زمانة، تحول بينه وبين القيام الى الصلاة، فرفعوا اليه، فأمر لكل أعمى بقائد، وأمر لكل اثنين من الزمنى بخادم"، (5) وذلك على نفقة الدولة.
وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك "أعطى الناس وأعطى المجذومين وقال لهم: لا تسألوا الناس، فأعطى كل مُقعد خادما وكل ضرير قائدا"، (6) وقد انشأ الوليد بن عبد الملك مستشفاً متخصصاً لعلاج مرض الجذام*. (7)
(1) - انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج 24، ص 220 - 221.
(2)
- الصابوني، صفوة التفاسير، ج 3، ص 520.
(3)
- ابن هشام، ابي محمد عبد الملك بن هشام بن ايوب الحميري المعافري، (توفي: 213 هـ) السيرة النبوية لإبن هشام، تحقيق مصطفى السقى وابراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده، ط 2، 1375 هـ-1955 م، ج 2، ص 661.
*-أراح الرجل واستراح إذا رجعت اليه نفسه بعد إعياء. ابن منظور، لسان العرب، ج 2، ص 461.
(4)
- انظر؛ ابن عساكر ، ابي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، (توفي: 571 هـ) ، تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامه العمروي، دار الفكر للطباعة والنشروالتوزيع، 1415 هـ-1995 م، ج 25، ص 13.
(5)
- ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 45، ص 218.
(6)
- ابن كثير، ، البداية والنهاية، ج 9، ص 164.
(7)
-دائرة المعارف العالمية، الموسوعة العربية، السعودية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، ط 2، 1999 م، ج 23، ص 167.
*- الجذام: يقال: رجل أجذم ومجذوم ومُجذم إذا تهافتت أطرافه من داء الجذام. يقال حبل جَذِم، مجذوم: مقطوع، الأجذم: المقطوع اليد (ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 87)