المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس في تعدد العلل - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٥

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل الخامس في تعدد العلل

‌الفصل الخامس في تعدد العلل

(1)

يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين منصوصتين، خلافًا لبعضهم، كوجوب (2) الوضوء على من بال ولا مس.

ولا يجوز بمستنبطتين، لأن الأصل عدم الاستقلال فيجعلان علة واحدة.

ش: ذكر المؤلف قولين في جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين منصوصتين (3).

(1)"العلة" في ط.

(2)

"نحو وجوب" في ش.

(3)

النزاع في تعليل الحكم بعلتين نزاع تنوع، ونزاع في العبارة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، لأنه لا خلاف في جواز تعليل الحكم الواحد بالجنس والنوع بعلتين، أي أن بعض أنواعه أو أفراده يثبت بعلة، وبعض أفراده أو أنواعه يثبت بعلة أخرى، كالإرث يثبت بالرحم والنكاح والولاء.

فمحل النزاع: في الحكم المعين الواحد بالشخص، مثل لمس النساء، ومس الذكر، والبول علة لنقض الوضوء في حق شخص واحد.

ومع هذا فالفريقان متفقان على أن كل واحدة من العلل مستقلة بالحكم في حال الانفراد، بمعنى أنه يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين على البدل.

ويتفق الفريقان أيضًا على أن الحكم في حال اجتماع العلتين لا يقال إنه ثبت بكل منهما على سبيل الاستقلال؛ لأن هذا جمع بين النقيضين؛ لأنه لا يقال ثبت الحكم بهذه دون هذه، وثبت أيضًا بهذه دون هذه.

فعلى هذا يقال: العلة هي ما وجد أولاً، وما بعدها مؤكد للحكم وعاضد له، أو يقال: إن المجموع هو العلة فكل منها عند الاجتماع جزء علة، وعند الانفراد تستقل بالحكم. =

ص: 405

حجة القول بالجواز، وهو المشهور: أن العلل الشرعية أمارات (1) على الأحكام ومعرفات لها (2)، فيجوز للشارع (3) أن يربط الحكم الشرعي (4) بعلة واحدة، أو بعلتين، أو بأكثر (5)، أو بغير علة، يفعل ما يشاء ويحكم ما

= انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/ 167، وما بعدها، وشرح حلولو ص 357، وانظر تعليل الحكم بعلتين في: المعتمد ص 799، والبرهان فقرة 777، واللمع ص 297، والمستصفى 2/ 342، والمنخول ص 392، والمحصول 2/ 2/ 367، والإحكام للآمدي 3/ 236، وأصول الفقه لابن مفلح 3/ 745، والروضة ص 333، ومختصر ابن الحاجب 2/ 223، وتيسير التحرير 4/ 23، وفواتح الرحموت 2/ 282، وإحكام الفصول 2/ 741، وجمع الجوامع 2/ 245، وشرح القرافي ص 404، والمسطاسي ص 155، وحلولو ص 357.

(1)

"امارة" في ط.

(2)

كون العلل علامات ومعرفات للأحكام، هو مذهب الجمهور.

وقال المعتزلة: العلل مؤثرة بذاتها في الأحكام.

وقال بعض أهل الأصول: هي مؤثرة بجعل الله لها لا بذاتها.

وقيل: هي الباعث على الحكم، أي التي تبعث المكلف للعمل بالحكم.

والصواب: الأول، وهو أن علل الأحكام أمارات ومعرفات وعلامات عليها، لكنها ليست علامات وأمارات ساذجة عاطلة عن الإيجاب، بل هي موجبة للمصالح ودافعة للمفاسد، فإن السكر علة لتحريم الخمر، وهو أمارة يوجد عند وجودها الحكم، ومع ذلك هو موجب لحفظ العقل بترتيب الحد عليه، والخلاف هنا مبني على رأي كل منهم في معنى العلة.

انظر: الإحكام للآمدي 3/ 202، مع تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 124، وجمع الجوامع 2/ 232، والإبهاج 3/ 43، ونهاية السول 4/ 53، واللمع ص 296، وأصول الفقه لابن مفلح 3/ 727، والمسودة ص 385.

(3)

"للشارعى" في ط.

(4)

"الواحد" في ز، وط.

(5)

"او بالخز" في ز.

ص: 406

يريد (1).

مثال ذلك: وجوب الوضوء على من بال ولامس.

وكذلك: الصغر والبكارة، كل واحد منهما علة في إجبار الأب على النكاح.

وكذلك القتل (2) والزنا والردة، كل واحد منها علة لوجوب القتل.

وكذلك: الحيض والصوم والإحرام، كل واحد منها علة لتحريم الوطء (3)، وغير ذلك، وهو كثير، وهذا كله استدلال بالوقوع.

حجة القول بالمنع وجهان:

أحدهما: أن تعليل الحكم الواحد بعلتين يلزم منه نقض (4) العلة، وذلك خلاف الأصل (5).

بيانه: أنه إذا وجدت إحدى العلتين ترتب الحكم عليها، فإذا وجدت العلة الأخرى لم يترتب عليها شيء، فيلزم وجود العلة بدون مقتضاها، وذلك نقض [على](6) العلة، والنقض على العلة يبطلها كما تقدم في مبطلات العلة.

الوجه الثاني: أن تعليل الحكم الواحد بعلتين يلزم منه اجتماع مؤثرين على أثر واحد، وهو محال، لأنه يؤدي إلى الجمع بين النقيضين، وذلك

(1) انظر: شرح القرافي ص 404.

(2)

في هامش الأصل علق أمام هذه الكلمة: "القتال".

(3)

"الوضوء" في ز.

(4)

"نقيض" في ز، وط.

(5)

انظر: شرح القرافي ص 405، والمسطاسي ص 155.

(6)

ساقط من الأصل.

ص: 407

[أن](1) الوقوع بأحدهما سبب في عدم الوقوع بالآخر، فلو وقع بهما للزم ألا يقع بهما، وذلك جمع بين النقيضين، وهو محال (2).

والجواب عن الأول: أن النقض لقيام المانع لا يقدح في العلة (3).

والجواب عن الثاني: أن العلل الشرعية معرفات لا مؤثرات؛ لأن العلل الشرعية علامات وأمارات ودلالات على الأحكام ومعرفات لها وليس بمؤثرات، واجتماع معرفين أو معرفات على معرف واحد جائز، كما يعرف الله تبارك وتعالى بكل جزء من أجزاء العالم (4)، والمحال الذي ذكروه (5) إنما يلزم في العلل العقليات لأنها مؤثرات، وهذا من الوجوه الخمسة التي تخالف بها العلة العقلية العلة (6) الشرعية (7).

أحدها هذا، وهو أن الحكم العقلي لا يعلل بعلتين.

الثاني: أن العقلية توجب حكمها لذاتها، ولا يصح وجودها بدون حكمها (8).

الثالث: أن العقلية لا توجب حكمها لغير محلها.

(1) ساقط من الأصل.

(2)

انظر: شرح القرافي ص 404 - 405، والمسطاسي ص 155.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 405، والمسطاسي ص 155.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 405.

(5)

"ذكره" في ط.

(6)

"العليه" في ط.

(7)

في هامش الأصل تعليق هو: "الفرق بين العلة" اهـ.

(8)

انظر: فواتح الرحموت 2/ 279، ومقدمة ابن القصار ص 123.

ص: 408

الرابع: أن العقلية لا تكون (1) إلا وجودًا، وأما الشرعية فتكون وجودًا وعدمًا.

الخامس: أن العقلية لا تتوقف على شرط في اقتضائها حكمها، بخلاف العلة (2) الشرعية فإنه تفتقر إلى الشرط (3) في اقتضاء حكمها (4)، كالطعم علة في الربا لكن بشرط اتحاد الجنس.

فإن قيل: أليس [العلم](5) من شرطه الحياة، والعلم علة (6) عقلية؟

فالجواب: أن الحياة شرط في وجود العلم، لا في اقتضائه [حكمه](7).

قوله: (ولا يجوز بمستنبطتين). قال المؤلف: إنما لا يجوز في المستنبطتين؛ لأن الشرع إذا ورد بحكم مع أوصاف مناسبة وجب جعل كل واحد منها جزء علة لا علة مستقلة، لأن الأصل عدم الاستقلال حتى ينص صاحب (8) الشرع على استقلالها أو أحدها فيستقل (9).

قوله: (يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين منصوصتين خلافًا لبعضهم)، ذكر المؤلف الخلاف في تعدد العلة للحكم الواحد، وسكت عن الخلاف في

(1)"حكمها" زيادة في ز.

(2)

"العلية" في ط.

(3)

"شرط" في ز، وط.

(4)

انظر: مقدمة ابن القصار ص 123.

(5)

ساقط من ط.

(6)

"علية" في ز.

(7)

ساقط من ط.

(8)

"صاحبه" في ز.

(9)

انظر: شرح القرافي ص 405.

ص: 409

تعدد الحكم للعلة الواحدة.

والمشهور جوازه؛ لأن العلل الشرعية معرفات وأمارات على الأحكام، فكما تكون العلة الواحدة أمارة على حكم واحد، فكذلك تكون أمارة على حكمين فأكثر (1)؛ إذ لا مانع من ذلك (2).

مثال ذلك: الإحرام، علة لتحريم (3) الوطء والطيب ولبس المخيط وغير ذلك.

* * *

(1)"أو أكثر" في ز، وط.

(2)

انظر: إحكام الآمدي 3/ 238، وأصول الفقه لابن مفلح 3/ 751، واللمع ص 297، وجمع الجوامع 2/ 246، ومختصر ابن الحاجب 2/ 228، والمختصر لابن اللحام ص 144، وتيسير التحرير 4/ 29، وفواتح الرحموت 2/ 288، وشرح المسطاسي ص 156، وشرح حلولو ص 357.

(3)

"التحريم" في ز.

ص: 410