المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس في خبر الواحد - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٥

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل الخامس في خبر الواحد

‌الفصل الخامس في خبر الواحد

ش: شرع المؤلف ها هنا في خبر (1) الواحد، أي في حقيقته (2)، والاحتجاج (3) به، وشروطه.

قد تقدم لنا أن الخبر عند المؤلف ثلاثة أقسام (4):

تواتر، وآحاد، وما ليس بتواتر ولا آحاد، وهو خبر (5) الواحد إذا احتفت (6) به القرائن حتى يفيد (7) العلم، فإنه ليس بتواتر لعدم العدد، وليس بآحاد لإفادته العلم؛ إذ خبر الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم (8).

(1)"الخبر" في الأصل.

(2)

في ز: "حقيقة خبر الواحد".

(3)

"والاحتياج" في ز.

(4)

انظر: مخطوط الأصل صفحة 272، وانظر صفحة 25 من هذا المجلد في أول الفصل الثاني في التواتر.

(5)

"المنفرد" زيادة في ز.

(6)

"اختلف" في ز.

(7)

"افاد" في ز.

(8)

"الظن" في ز.

ص: 63

مثاله: إذا أخبر (1) واحد بأن فلانًا (2) المريض مات، وسمعت النياحة، قال المؤلف في شرحه (3): هذا القسم الثالث لا أعلم له اسمًا في الاصطلاح (4).

قال بعضهم: هذا القسم الثالث الذي زاده المؤلف فيه نظر، لاندراجه في خبر الآحاد، لأن الأصوليين كلهم يقولون: الخبر على قسمين: تواتر، وآحاد.

فالتواتر: خبر جماعة مفيد بنفسه العلم بصدقه.

وخبر الآحاد: ما لم ينته إلى التواتر، كما قاله (5) ابن الحاجب فيهما (6).

وقولنا: ما لم ينته إلى التواتر، يندرج فيه [خبر](7) الواحد المنفرد إذا احتفت (8) به القرائن المفيدة للعلم.

والصحيح أن الخبر على قسمين: تواتر، وآحاد خاصة، كما قاله غير واحد كابن الحاجب وغيره (9)، وكون الخبر (10) المنفرد يفيد العلم بالقرائن لا

(1)"خبر" في ز.

(2)

"فلان" في الأصل.

(3)

"الشرح" في ز.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 349.

(5)

"قال" في ز.

(6)

انظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 51 و55.

(7)

ساقط من ز.

(8)

"اختلف" في ز.

(9)

انظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 51، والبرهان فقرة 518 و537، وإحكام الفصول للباجي 1/ 301، والإحكام لابن حزم 1/ 93.

(10)

"الخبر" في ز.

ص: 64

يخرجه ذلك عن خبر الآحاد (1)، لأن مورد التقسيم إنما هو الخبر من حيث هو خبر، أي باعتبار نفسه لا باعتبار القرائن.

ومنهم من زاد قسمًا رابعًا وهو الخبر/ 276/ المستفيض وهو: ما زادت نقلته على ثلاثة، قاله ابن الحاجب (2)(3).

(1) قال الباجي في إحكام الفصول: أخبار الآحاد تنقسم إلى قسمين: قسم لا يقع به العلم، وقسم يقع به العلم، وهو ستة أضرب، ثم عدها، فراجع: إحكام الفصول 1/ 301، وقد قال بإيجاب خبر الواحد المحتف بالقرائن العلم جماعة من كبار الأصوليين ولم يخرجوه من خبر الواحد كما فعل الغزالي في المستصفى 1/ 136، وإمام الحرمين في البرهان فقرة 504 و505، والآمدي في الإحكام 2/ 32.

ومثل هذا قول من قال بأن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم، وهو قول كثير من الحنابلة، ونقله الجويني عن ابن فورك، وبه قال الباجي وبعض المالكية، ولم يخرجه هؤلاء عن كونه خبر واحد. انظر البرهان فقرة 520، وإحكام الفصول للباجي 1/ 291 و302، وانظر: مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 2/ 362، ونقل حلولو في شرحه صفحة 305 عن الفهري أنه قال: خبر الواحد إذا أفاد العلم فليس من الآحاد اصطلاحًا، لأن اصطلاحهم خاص بما لا يفيد العلم فهو على خلاف اللغة طردًا وعكسًا.

(2)

انظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 55.

ونقل في البرهان فقرة 519، عن أبي إسحاق أنه جعل المستفيض قسمًا ثالثًا، قال: ومثله ما يتفق عليه أئمة الحديث، ونقله حلولو في شرحه ص 306 عن الأستاذ أبي إسحاق وابن فورك وجماعة، وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 31، وتيسير التحرير 3/ 37.

(3)

المشهور عند الحنفية أن الأخبار ثلاثة: متواتر، وآحاد، ومشهور، ويعنون به: ما كان من الآحاد في الأصل ثم تواتر في العصر الثاني أو الثالث، وعند عامتهم أنه قسيم للمتواتر، والجصاص يجعله قسمًا من المتواتر. انظر: المغني للخبازي ص 192، وتيسير التحرير 3/ 37، وأصول الجصاص لوحة 163/ أ، و167/ ب، 168/ ب.

ص: 65

قوله: (وهو (1) خبر العدل (2) أو العدول المفيد للظن).

ش (3): احترز بالعدل من الفاسق (4).

قوله: (أو العدول) ليندرج (5) خبر الجماعة المفيد للظن (6).

قوله: (المفيد للظن) راجع إلى العدل والعدول، احترازًا من خبر العدل المفيد للعلم بالقرائن، فإنه ليس بخبر الواحد عند المؤلف كما تقدم (7).

واحترز بقوله: المفيد للظن أيضًا، من خبر العدول المفيد للعلم (8) فإنه من التواتر لا من الآحاد (9).

قوله: المفيد للظن، احترازًا من خبر العدل [أو العدول](10) المفيد للشك فلا عبرة بالشك (11).

(1)"وهذا" في ز.

(2)

"الواحد" زيادة في ش.

(3)

"قوله" زيادة في ز.

(4)

انظر: شرح المسطاسي ص 103.

(5)

"فيندرج" في ز.

(6)

انظر: المسطاسي ص 103.

(7)

انظر: شرح المسطاسي ص 103.

(8)

في ز: زيادة ما يلي: "بالقرائن فإنه ليس بخبر الواحد عند المؤلف كما تقدم، واحترز بقوله المفيد للظن أيضًا من خبر العدول المفيد للعلم" اهـ.

ويبدو أنه تكرار للعبارة السابقة.

(9)

انظر: شرح المسطاسي ص 103.

(10)

ساقط من ز.

(11)

انظر: شرح المسطاسي ص 103.

ص: 66

قال المؤلف في شرحه: كون خبر الجماعة إذا أفاد الظن يسمى (1) خبر الواحد، هو اصطلاح (2) لا لغة، انتهى [نصه](3)(4).

وذلك أن خبر الواحد في اللغة إنما هو خبر إنسان واحد أعم من أن يكون عدلاً أو فاسقًا، وهو أعم من أن يفيد علمًا أو ظنًا أو شكًا (5).

قوله: (وهو عند مالك رحمه الله وعند أصحابه حجة.

[واتفقوا على جواز العمل به في الدنيويات، والفتوى، والشهادات.

والخلاف إِنما هو في كونه حجة] (6) في حق المجتهدين، فالأكثرون على أنه حجة لمبادرة الصحابة رضي الله عنهم إِلى العمل به).

ش: اختلف العلماء: هل يجوز التعبد بخبر الواحد عقلاً أو لا يجوز؟

ومذهب الجمهور جوازه، فإذا قلنا بمنعه، فقيل: يمتنع عقلاً، وقيل: يمتنع سمعًا، فإذا قلنا بجوازه، هل (7) يجب (8) العمل به أو لا يجب؟ (8).

مذهب (9) الجمهور وجوبه، فإذا قلنا بوجوب العمل به، فاختلفوا هل

(1)"سمي" في ز.

(2)

"اصطلاحى" في ز.

(3)

ساقط من ز.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 357.

(5)

انظر: جامع الأصول لابن الأثير 1/ 124.

(6)

ساقط من ز.

(7)

"فهل" في ز.

(8)

"يجوز" في ز.

(9)

"ومذهب" في ز.

ص: 67

يجب العمل به مطلقًا أو لا بد من زيادة؟ ومذهب (1) الجمهور وجوب العمل به مطلقًا من غير زيادة.

فإذا قلنا بالزيادة، فاختلفوا، فقيل: لا بد أن يكون هنالك ما يقويه، وقيل: لا بد أن يرويه اثنان (2)، وقيل: لا بد أن يرويه اثنان إلا فيما يتعلق بالزنا فلا بد أن يرويه أربعة، قاله عبد الجبار من المعتزلة (3)، وقيل: لا بد أن يرويه أربعة في كل شيء، قاله غيره من المعتزلة (4).

قوله: (وهو عند مالك رحمه الله وعند أصحابه حجة).

قال المؤلف في شرحه: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن خبر الواحد حجة (5)، ......

(1)"وهذا هو" في ز.

(2)

"مطلقًا" زيادة في ز.

(3)

نسبه له ابن السبكي في جمع الجوامع 2/ 137، وقد ذكر أبو الحسين في المعتمد 2/ 622، أن القاضي عبد الجبار حكى هذا القول في الشرح عن أبي علي الجبائي. اهـ. وقد نسبه إلى الجبائي أبو الخطاب في التمهيد 3/ 75، وابن الحاجب في مختصره 2/ 68، والصواب نسبته إلى الجبائي كما سيأتي في الفصل السابع. وانظر: شرح القرافي ص 357، والمسطاسي ص 103.

(4)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 308، وقد ذكره الشيرازي في التبصرة ص 312 دون نسبة، وكذا صنع صاحب الإبهاج 2/ 360 نقلاً عن جامع الأصول لابن الأثير 1/ 70، ونسبه المسطاسي في شرحه ص 103 إلى المعتزلة ولعله مصدر المؤلف.

(5)

انظر: اللمع ص 215، والتبصرة ص 301، والمعتمد 2/ 573، و622، والمحصول 2/ 1/ 507، والإحكام للآمدي 2/ 45 و51، وشرح العضد 2/ 58، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 35، والروضة ص 100، 101.

ص: 68

وهو مذهب مالك (1)، والشافعي (2)، وأبو حنيفة (3)، وأحمد بن حنبل (4) وغيرهم (5).

وقال القاضي عبد الوهاب في الملخص: وبه قال الفقهاء والأصوليون خلافًا لبعض المتكلمين (6).

قال الباجي: خالف في ذلك القاساني (7)(8) وغيره من المعتزلة (9).

(1) انظر: مقدمة ابن القصار في أصول الفقه ص 87.

(2)

انظر: الرسالة للشافعي ص 401 وما بعدها.

(3)

انظر: مذهب الحنفية في المغني للخبازي ص 194، وتيسير التحرير 3/ 82.

(4)

انظر: العدة 3/ 859.

(5)

انظر: الفقيه والمتفقه للخطيب 1/ 96، والإحكام لابن حزم 1/ 107، والمعتمد 2/ 583، وانظر: شرح القرافي ص 357، والمسطاسي ص 103، وشرح حلولو ص 306.

(6)

انظر: شرح القرافي ص 357، والمسطاسي ص 103.

(7)

"النسائي" في ز.

(8)

القاساني بفتح القاف بعدها ألف ثم سين، وبعضهم يقول: القاشاني بالشين وهما نسبة إلى بلدة قرب قم، وبعضهم يقول: قاسان بالسين المهملة ناحية من نواحي أصفهان تشتمل على قرى منها راوند التي ينسب إليها ابن الراوندي، وقاشان نسبة إلى الناحية المجاورة لقم.

انظر: اللباب لابن الأثير 3/ 7، ومعجم البلدان في قاسان وقاشان من حرف القاف، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص 96، 97.

والمقصود بالقاساني أو القاشاني هنا محمد بن إسحاق، كان من أصحاب داود ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وصار رأسًا فيه، له كتاب إثبات القياس في الرد على داود، وكتاب أصول الفتيا، انظر: الفهرست ص 300، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 176، وقيل: بل هو أبو محمد جعفر بن محمد بن القاساني الرازي، كذا ذكره الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله في تعليقه على الإحكام للآمدي 4/ 24، وانظر ترجمته في اللباب 3/ 7.

(9)

عبارة الباجي: ذهب القاساني وغيره من القدرية إلى أنه لا يجوز العمل بخبر =

ص: 69

حجة الجمهور على وجوب العمل به: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس (1).

فالكتاب قوله تعالى: {إِن جَاءَكمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (2) فأوجب التبين (3) عند الفسق، وعند عدمه يجب العمل وهو المطلب.

وقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (4).

فأوجب الحذر بقول الطائفة الخارجة من الفرقة (5)، والفرقة تصدق على ثلاثة والخارج منها يكون أقل منها وهو واحد أو اثنان، فإذا وجب الحذر عند قولهم كان قولهم حجة وهو المطلوب (6).

وأما السنة: فقوله عليه السلام: "نحن نحكم بالظاهر والله يتولى (7)

= الواحد. انظر: إحكام الفصول 1/ 308، وحكي الخلاف هنا أيضًا عن الرافضة وعن ابن داود، انظر: التمهيد ص 46، وشرح العضد 2/ 58، والإحكام للآمدي 2/ 51، وحكاه الباجي عن الجبائي في إحكام الفصول 1/ 303، ونسب له ابن الحاجب المنع عقلاً، انظر: شرح العضد 2/ 58، والمسطاسي ص 103.

(1)

ساق القرافي في شرحه ص 358 هذه الأدلة جوابًا على حجة من منع الوقوع، وانظرها في شرح المسطاسي ص 103، 104.

(2)

الحجرات: 6، وتمامها:{أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} .

(3)

"التبيين" في ز.

(4)

التوبة: 122.

(5)

"الفرق" في ز.

(6)

انظر: تفسير الطبري 14/ 572، تحقيق شاكر، ط دار المعارف بمصر، وتفسير القرطبي 8/ 294، وتفسير روح المعاني للآلوسي 11/ 48، وانظر: القاموس المحيط مادة: طاف، والفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ص 272، 273.

(7)

"متولى" في ز.

ص: 70

السرائر".

وأما الإجماع فهو ما أشار إليه المؤلف بقوله لمبادرة الصحابة رضي الله عنهم إلى العمل [به](1).

مثل (2) ما روي عن عائشة رضي الله عنها في (3) التقاء الختانين لأنهم رجعوا إلى خبرها بعد اختلافهم فيه.

وكذلك رجوعهم إلى خبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وهو قوله عليه السلام:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب"(4).

وكذلك رجوعهم إلى خبر حمل (5) بن مالك في الغرة قال: ضربت امرأة

(1) ساقطة من ز. ومكانها بياض.

(2)

"مثال" في ز.

(3)

"من" في ز.

(4)

أخرجه مالك في الموطأ 1/ 207، من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه. قال ابن عبد البر في التمهيد 2/ 114: هذا حديث منقطع لأن محمدًا لم يلق عمر ولا عبد الرحمن بن عوف، ثم ساق له طريقين آخرين كلاهما منقطع، وقال: ولكن معناه متصل من وجوه حسان. وانظر: فتح الباري 6/ 261، فإن لابن حجر فيه كلامًا حسنًا حول الحديث. وللحديث شواهد صحيحة في البخاري برقم 3157، والترمذي برقم 1586، 1587.

(5)

جمل بالجيم في النسختين، والصواب بالحاء المهملة والميم المفتوحتين ثم لام، وهو حمل بن مالك بن النابغة الهذلي، يكنى أبا نضلة، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات هذيل، نزل البصرة وكان له بها دار، ولهذا يذكر مع البصريين، وإن كان مسلم ذكره في أهل المدينة.

انظر ترجمته في: الإصابة 1/ 355، والاستيعاب 1/ 366، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 169، والمغني في ضبط أسماء الرجال لمحمد طاهر ص 81.

ص: 71

امرأة أخرى فألقت جنينًا ميتًا فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة (1)، فقال عمر رضي الله عنه: لو (2) لم نسمع هذا لقضينا فيه برأينا (3)، وغير ذلك من أخبار كثيرة لا تعد ولا تحصى.

وأما القياس: فبالقياس على الفتوى والشهادة، لأن كل واحد منهما خبر واحد.

حجة القول بعدم جواز التعبد به عقلاً (4): أن التكاليف تعتمد تحصيل المصالح ودرء المفاسد، وذلك يقتضي أن تكون المصلحة والمفسدة معلومة، وخبر الواحد إنما يفيد الظن، والظن يجوز (5) خطؤه فيقع المكلف في الجهل والفساد (6) وهو غير سائغ (7).

(1) فسرت روايات الحديث الغرة بأنها عبد أو أمة، وهذا الذي عليه جمهور المحدثين وقد ذكره أهل اللغة، فانظر: فتح الباري 12/ 249، والصحاح، ومعجم مقاييس اللغة مادة (غر).

(2)

"فلو" في الأصل، والمثبت من ز وهو في روايات الحديث.

(3)

أخرجه بقريب مما هنا عبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس برقم 18343، وعن طاوس عن أبيه برقم 18342، وأخرجه أبو داود عن طاوس برقم 4573، والبيهقي في الكبرى 8/ 114، وأخرجه أبو داود عن ابن عباس برقم 4572 وليس فيه قول عمر الأخير، وكذا أخرجه البيهقي في الكبرى 8/ 43، والنسائي 8/ 47، وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم برقم 1681.

(4)

نسبه ابن الحاجب في مختصره للجبائي فانظره 2/ 58، وانظر هذا القول في اللمع ص 211، والتبصرة ص 301، والمعتمد 2/ 583، والبرهان فقرة 539، وإحكام الفصول للباجي 1/ 303، والمحصول 2/ 1/ 507.

(5)

"يعشون" في ز.

(6)

"معلومة" زيادة في ز.

(7)

انظر: شرح القرافي ص 357، والمسطاسي ص 104.

ص: 72

أجيب عن هذا بوجهين:

أحدهما: أن هذا مبني على قاعدة التحسين والتقبيح، نحن نمنعها.

الوجه الثاني: أن الظن إصابته غالبة، وخطؤه نادر، والقواعد (1) تقتضي ألا تترك المصلحة الغالبة للمفسدة النادرة، ولذلك أقام [الشرع](2) الظن مقام العلم في أمور كثيرة لغلبة صوابه وندرة (3) خطئه (4).

حجة القول بمنع التعبد به سمعًا (5): قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ (6) مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ} (7)، وخبر الواحد لا يفيد علمًا، وقوله تعالى:{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (8)(9).

وجوابه: أن ذلك مخصوص بأصول الديانات وقواعد العبادات، ويدل على ذلك قوله عليه السلام:"نحن نحكم بالظاهر والله متولي السرائر"،

(1)"والقاعدة" في ز.

(2)

ساقط من ز.

(3)

"وندارة" في ز.

(4)

انظر الجوابين في: شرح القرافي ص 357، والمسطاسي ص 104.

(5)

حكى الشيرازي في اللمع والتبصرة هذا القول عن القاساني وابن داود والرافضة. فانظر: اللمع ص 211، والتبصرة ص 303.

وانظر القول في: المعتمد 2/ 583، والبرهان فقرة 539، وإحكام الفصول 1/ 303.

(6)

"فلا تقف" في ز.

(7)

الإسراء: 36، وتمامها:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} .

(8)

يونس: 36، وقبلها:{ومَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَاّ ظَنًّا} .

(9)

انظر: شرح القرافي ص 357، 358، والمسطاسي ص 104.

ص: 73

وكذلك غيره من الأدلة المذكورة الدالة على قبوله، إذ الجمع بين الأدلة أولى من اطراح أحدها (1).

حجة القول بأنه لا بد مما يقويه (2): قوله عليه السلام: "إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإلا فاتركوه"(3).

حجة القول بأنه لا بد من اثنين (4): أنه عليه السلام أنكر خبر ذي اليدين حتى أخبره (5) غيره. وكذلك أنكر أبو بكر خبر المغيرة (6) في ميراث الجدة

(1) انظر الإجابة في: شرح المسطاسي ص 104.

(2)

نسب هذا للجبائي وأراد بالذي يقويه: أن يرويه عدلان أو يرويه واحد ويعضده ظاهر، أو عمل بعض الصحابة أو اجتهاد أو يكون منتشرًا. انظر: المعتمد 2/ 622، والمحصول 2/ 1/ 599، وشرح العضد 2/ 68.

(3)

هذا حديث منكر، قال فيه ابن حجر: إنه جاء من طرق لا تخلو من مقال، وقال العقيلي: ليس له إسناد يصح، وقال الصاغاني: هو موضوع، وقال البيهقي والخطابي: هو حديث باطل. قال صاحب التمييز وغيره: وقد جمع طرقه البيهقي في كتابه المدخل. اهـ. قلت: ولم أجدها في المطبوع منه، وقد نقلها عنه السيوطي في مفتاح الجنة ص 12 وما بعدها. وقد أخرج الحديث بألفاظ كثيرة كلها تدل على هذا المعنى. فانظره في: سنن الدارقطني 4/ 208 و209، وفي الكفاية للخطيب ص 603، والإحكام لابن حزم 1/ 197 و198.

وانظر: الرسالة للشافعي ص 224، 225، والمعتبر للزركشي ص 175، وتمييز الطيب من الخبيث ص 13، وكشف الخفا 1/ 89.

(4)

حكي هذا القول عن الجبائي أيضًا، حكاه صاحب المعتمد 2/ 622، واللمع ص 215، والبرهان فقرة 546، وإحكام الفصول 1/ 308، وأبو الخطاب في التمهيد 3/ 75، وغيرهم.

(5)

"شهد معه" في ز.

(6)

هو ابن شعبة بن أبي عامر الثقفي، أسلم قبل الحديبية فشهد بيعة الرضوان وحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من دهاة العرب، ولاه عمر البصرة ثم الكوفة وبقي بها حتى =

ص: 74

السدس حتى رواه محمد بن مسلمة (1)(2). وكذلك أنكر عمر خبر أبي موسى الأشعري (3) في الاستئذان حتى رواه أبو سعيد الخدري (4)[وهو قوله عليه السلام: "الاستئذان ثلاثًا فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع"](5)(6). وكذلك أنكر عمر أيضًا خبر فاطمة بنت قيس في السكنى وقال (7): لا ندع كتاب ربنا

= قتل عثمان، ولما تولى معاوية ولاه الكوفة فمازال أميرها حتى توفي بها سنة 50 هـ، انظر: الإصابة 3/ 452، والاستيعاب 3/ 388.

(1)

محمد بن مسلمة بن سلمة من الأوس، ولد قبل البعثة فهو ممن سمي محمدًا في الجاهلية، أسلم قديمًا على يد مصعب وشهد المشاهد، وكان عند عمر معدًا لكشف الأمور المعضلة، ولما وقعت الفتنة اعتزل الناس حتى قتله بعض أهل الشام بالمدينة سنة 46 هـ. انظر: الاستيعاب 3/ 334، والإصابة 3/ 383.

(2)

خبر المغيرة أخرجه مالك في الموطأ 2/ 513، والترمذي برقم 2100، 2101، وأبو داود برقم 2894، كلهم عن قبيصة بن ذؤيب في الفرائض، وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 338، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه البغوي في شرح السنة برقم 2221 وقال: حديث حسن، وانظر: التلخيص الحبير 3/ 82.

(3)

هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري، أسلم ثم قدم بعد خيبر، كان حسن الصوت بالقرآن، وكان من علماء الصحابة وهو الذي فقه أهل البصرة وأقرأهم حين كان واليًا عليها لعمر، وكان أحد الحكمين بصفين ثم اعتزل الفريقين، توفي سنة 42 هـ بالكوفة أو بمكة. انظر: الاستيعاب 2/ 371، والإصابة 2/ 359.

(4)

سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري، والخدري نسبة لجده خدرة، شهد ما بعد أحد وهو أحد مكثري الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة 74 هـ، انظر: الاستيعاب 2/ 47، والإصابة 2/ 35.

(5)

ساقط من الأصل.

(6)

رواه البخاري في الاستئذان عن أبي سعيد برقم 6245، وعن عبيد بن عمير في البيوع برقم 2062، ورواه مسلم عن أبي سعيد في الآداب برقم 2153، وعن أبي موسى برقم 2154.

(7)

"فقال" في ز.

ص: 75

وسنة نبينا عليه السلام بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت. حتى رواه غيرها. / 277/

وكذلك أنكرت عائشة رضي الله عنها خبر ابن عمر رضي الله عنه في تعذيب الميت ببكاء أهله [عليه](1) حتى رواه غيره (2).

أجيب: عن حديث ذي اليدين: أنها واقعة عظيمة وقعت بمجمع (3) عظيم، فلو لم يخبر بها غيره لكانت ريبة توجب الرد (4).

[و](5) أجيب عن خبر أبي موسى في الاستئذان بأنه مما يتكرر وتعم به البلوى، فلو لم يعرفه إلا (6) واحد لكان ريبة توجب الرد (7).

وكذلك الجواب عن (8) خبر المغيرة في ميراث الجدة، وخبر فاطمة بنت قيس في السكنى.

وأما خبر ابن عمر رضي الله عنه في تعذيب الميت ببكاء أهله [عليه](9)

(1) ساقط من ز.

(2)

روى هذا الخبر البخاري في صحيحه عن هشام بن عروة عن أبيه في المغازي برقم 3978، ورواه مسلم عن هشام أيضًا في الجنائز برقم 931 و932، ورواه عن عبد الله بن أبي مليكة في الجنائز أيضًا برقم 928، ورواه الترمذي في الجنائز برقم 1004، 1006.

(3)

"في جمع" في ز.

(4)

انظر: شرح المسطاسي ص 104.

(5)

ساقط من ز.

(6)

في صلب الأصل "غير" وقد صححت في أعلى الصفحة.

(7)

انظر: المسطاسي ص 104.

(8)

"في" في الأصل.

(9)

ساقط من ز.

ص: 76

فإنما (1) أنكرته عائشة رضي الله عنها لأنه مخالف للقاعدة وهي: أن الإنسان لا يؤخذ بذنب غيره لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2)، وقد ثبت في الأحاديث الصحاح أن النبي عليه السلام قال:"إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه" أثبته مالك في الموطأ (3) وغيره (4) من العلماء (5).

واختلف في الجواب عن هذا الحديث فقيل: هذا [إذا](6) أوصى الميت بالبكاء والنياحة عليه (7) كما قال الشاعر وهو طرفة العبدي (8) من الشعراء الستة (9).

(1)"فإنها" في ز.

(2)

الأنعام: 164، وقبلها:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلا عَلَيْهَا} ، والإسراء: 15، وقبلها:{وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} ، وفاطر: 18، وبعدها:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} ، والزمر: 7، وقبلها:{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} .

(3)

لم أجد في الموطأ بعد طول بحث سوى الحديث مع استدراك عائشة عليه.

فانظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي 2/ 27، ولعل الحديث يوجد مستقلاً في رواية أخرى للموطأ.

(4)

"أو غيره" في ز.

(5)

رواه البخاري برقم 1290، ورواه أيضًا مسلم برقم 927، ورقمه الخاص 18 عن عمر بن الخطاب، ورواه أيضًا مسلم برقم 930 عن ابن عمر، وابن ماجه برقم 1594 عن أبي موسى، وليس فيها كلها قوله:"عليه".

وقد روى البخاري عن ابن عمر برقم 1286، ومسلم برقم 927، خاص 16 عن عمر، والترمذي برقم 1002 عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" هذا لفظ البخاري ولفظها قريب منه.

(6)

ساقط من ز.

(7)

انظر: المنتقى للباجي 2/ 27، وفتح الباري 3/ 154.

(8)

"البعدى" في ز.

(9)

طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد من بني بكر بن وائل، كان في حسب كريم وعدد =

ص: 77

إذا (1) مت فانعني (2) بما أنا أهله

وشقي علي الجيب (3) يا ابنة (4) معبدي (5)

فعلى هذا إنما يعذب الميت بفعله، وهو إيصاؤه بالبكاء والنياحة عليه.

وقيل: هذا إذا كان مع البكاء والنياحة ألفاظ تدل على الافتخار (6)

= كثير، وكان شاعرًا جريئًا، وله شعر حسن، أحسنه معلقته المشهورة التي مطلعها:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

قتل وهو ابن عشرين، وقيل: ست وعشرين، قبل البعثة بأكثر من سبعين سنة، قتله عامل عمرو بن هند على البحرين، وطرفة لقب له، واسمه عمرو. انظر: معجم الشعراء للمرزباني ص 14، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص 76.

ولا أعلم ماذا يريد بالشعراء الستة، فإن أراد أصحاب المعلقات فهم سبعة: هو ولبيد وامرؤ القيس وعنترة وزهير وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة، وإن أراد طبقته فإنه عد من الثانية أو الرابعة على خلاف. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 78، وشرح المعلقات العشر للشنقيطي ص 37، 38.

(1)

"إذا" في ز، والرواية المشهورة: "فإن مت

" البيت.

(2)

كذا في النسختين، والرواية المشهورة: "فانعيني

" بالياء قبل النون.

(3)

"الجنب" في ز.

(4)

في ز "يا بنة"، وفي الأصل:"يا بنت"، ولعل الألف سقطت من الناسخ.

(5)

بيت من البحر الطويل من معلقة طرفة، والرواية المشهورة:

فإن مت فانعيني بما أنا أهله

وشقي علي الجيب يا ابنة معبد

وقد أثبت الناسخ في النسختين الياء بعد معبد فأثبتها، والصواب حذفها.

وقبل هذا البيت:

فظل الإماء يمتللن حوارها

ويسعى علينا بالسديف المسرهد

فانظر: ديوان طرفة ص 46، وشرح المعلقات السبع للزوزني ص 78، وشرح المعلقات العشر للشنقيطي ص 49.

(6)

"الافتتاح" في ز.

ص: 78

بالمنكرات، كسفك الدماء، والغصب (1)، والفسوق، كما هو عادة العرب (2)، فإطلاق البكاء على هذه الأفعال مجاز، والعلاقة بين البكاء وهذه الأفعال المحرمات (3) هي الملازمة، لأن البكاء يلازم هذا اللفظ، واللفظ يلازم مدلوله، فتقدير الكلام: إن الميت يعذب بلازم لازم البكاء، فعلى هذا أيضًا إنما يعذب الميت بفعله لا بفعل غيره.

وقيل: المراد بالعذاب المذكور في [هذا](4) الحديث هو التشويش، وليس المراد به عذاب الآخرة المتوعد به شرعًا.

[فرع: الأموات يعلمون أحوال الأحياء من الشدة والرخاء والفقر والغنى](5).

وقد روي أن امرأة في العراق (6) مات لها ولد فحزنت عليه حزنًا شديدًا، وبكت [عليه](7) بكاءً عظيمًا، وصارت تخرج (8) كل عيد إلى المقابر تبكي (9) وتنوح عليه، ورحلت (10) من ذلك البلد إلى بلد آخر فلما حضر (11) العيد

(1)"الغضب" في ز.

(2)

انظر: المنتقى للباجي 2/ 27، وفتح الباري 3/ 155.

(3)

"المحرضات" في ز.

(4)

ساقط من ز.

(5)

ساقط من الأصل.

(6)

"من أهل العراق" في ز.

(7)

ساقط من ز.

(8)

"في" زيادة في ز.

(9)

"فتبكي" في ز.

(10)

"ثم رحلت" في ز.

(11)

"دضر" في ز.

ص: 79

فخرجت إلى مقابر ذلك البلد [الذي](1) حلت [به](2) فأكثرت البكاء والعويل (3) فيها ثم نامت، فرأت أهل تلك المقابر قد هاجوا يسأل بعضهم بعضًا هل لهذه المرأة ولد عندنا؟

قالوا (4): لا، فقال بعضهم لبعض كيف جاءت عندنا تؤذينا ببكائها وعويلها من غير أن يكون لها عندنا ولد، ثم ذهبوا إليها فضربوها ضربًا وجيعًا، فاستيقظت فوجدت ألمًا عظيمًا من ذلك (5) الضرب (6).

وذلك يقتضي أن الأرواح تتألم بالمؤلمات وتفرح باللذات في البرزخ كما كانت في الدنيا.

وقد ورد أن الأرواح (7) تتألم بالمؤلمات وبعدم الزيارات، وتفتخر بالزيارات وتفرح باللذات، وأن الأموات يعلمون أحوال الأحياء (8) من الشدة والرخاء والفقر والاستغناء وغير ذلك، انظر القواعد السنية في الفرق الحادي والمائة بين قاعدة: فعل غير المكلف لا يعذب به، وقاعدة: البكاء على

(1) ساقط من الأصل.

(2)

ساقط من ز.

(3)

"في العويل" في ز.

(4)

"فقالوا" في ز.

(5)

"داء" في ز.

(6)

انظر القصة في: الفرق 101 من فروق القرافي 2/ 176، 177.

(7)

علق فوقها في صلب الأصل كلمة: الأموات.

(8)

جاءت العبارة في ز هكذا: وقد ورد أن أمواتًا يفرحون باللذات ويتألمون بالمؤلمات، ويفتخرون بالزيارات ويتألمون بعدم الزيارات، وأنهم يعلمون أحوال الأحياء

إلخ.

ص: 80

الميت يعذب الميت به (1).

وأما حجة القول بأربعة في الخبر المتعلق بالزنا، فذلك بقياس الرواية على الشهادة (2).

وحجة القول بأربعة في جميع الأخبار: فإن ذلك احتياطًا بأعلى مراتب الشهادات (3)(4).

وأجيب عن هذين: بما قدمناه أولًا من الأدلة الدالة على قبول خبر الواحد من كتاب وسنة وإجماع وقياس.

قوله: ([واتفقوا] (5) على جواز العمل به في الدنيويات (6) والفتوى والشهادات، والخلاف إِنما هو في كونه حجة في حق المجتهدين).

ذكر المؤلف ها هنا محل الاتفاق ومحل الخلاف، فذكر أن محل الاتفاق ثلاث (7) مسائل، وهي: الأمور الدنيوية، والفتاوى، والشهادات (8).

ومعنى الأمور الدنيوية: كما إذا أخبر عدل بالأمن أو الخوف (9) في الطريق

(1) الفروق للقرافي 2/ 176 وما بعدها. وانظر: الروح لابن القيم ص 5، وما بعدها و12، 14، فقد ساق آثارًا كثيرة عن السلف تدل على علم أهل القبور بالزيارة، وفرحهم بها، وترقبهم لها، وعلمهم بأحوال الأحياء وأعمالهم.

(2)

انظر: شرح المسطاسي ص 104.

(3)

"الشهادة" في ز.

(4)

انظر: شرح المسطاسي ص 104، 105.

(5)

ساقط من الأصل.

(6)

"الدنيوية" في ز.

(7)

"ثلاثة" في ز.

(8)

انظر: المعتمد 2/ 571، 572، والإبهاج 2/ 333.

(9)

"لخوف" في الأصل.

ص: 81

فإن خبره يعتمد عليه، وكذلك إذا أخبر طبيب بأن المريض ينفعه هذا الطعام أو هذا الشراب أو يضره هذا الطعام أو هذا الشراب فإن خبره يعتمد عليه.

ومعنى الفتوى: إذا أفتى المفتي فإنه يجب الاعتماد على قوله، وإن كان قوله لا يفيد إلا الظن عند المستفتي.

ومعنى الشهادات: أن قول الشاهد العدل يجب على الحاكم قبول شهادته، وإن كان قوله لا يفيد إلا الظن عند الحاكم (1).

قوله: (والخلاف إِنما هو في كونه حجة في حق المجتهدين)، [أي: وإنما الخلاف في الأحكام المتعلقة بالفتاوى، هل يجوز للمجتهد الاعتماد على ذلك أم لا؟ على الخلاف المتقدم] (2)(3).

قوله: (ويشترط في المخبر العقل والتكليف وإِن كان تحمل (4) الصبي صحيحًا (5)، والإِسلام (6)، واختلف في المبتدعة إِذا كفرناهم فعند القاضي أبي بكر منا [وعند](7) القاضي عبد الجبار لا تقبل روايتهم، وفَصَّل (8) فخر

(1) انظر التفصيل للدنيويات والفتوى والشهادة في: شرح القرافي ص 358، وشرح المسطاسي ص 105، وشرح حلولو ص 306.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 358، وشرح المسطاسي ص 105.

(4)

"تحصل" في ز.

(5)

"وصحيحًا" في ز.

(6)

"والضبط" زيادة في خ.

(7)

ساقط من نسخ المتن.

(8)

"الإمام" زيادة في نسخ المتن.

ص: 82

الدين وأبو الحسين (1) بين من يبيح الكذب وغيره، [والعدالة](2)، والصحابة رضي الله عنهم عدول إِلا عند قيام المعارض).

ش: ذكر المؤلف أن المخبر يشترط فيه أربعة شروط:

العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، وزاد الباجي في الفصول شرطًا خامسًا، وهو: ألا يكون كثير الخطأ والنسيان (3).

أما (4) اشتراط العقل: فلأن العقل أصل الضبط (5)، والضبط لا يمكن من غير العاقل (6) كالمجنون والصبي غير المميز (7)، فلا تقبل رواية غير العاقل من غير خلاف (8).

وأما اشتراط التكليف، وهو البلوغ: فاحترز به من الصبي المميز (9)، وإنما لا تقبل إذ ليس معه وازع يمنعه من الكذب، والوازع من الكذب هو الخوف من

(1)"الحسن" في ز.

(2)

ساقط من ش.

(3)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 364، وشرح المسطاسي ص 105.

(4)

"وأما" في ز.

(5)

انظر: شرح القرافي ص 359.

(6)

"لعاقل" في ز.

(7)

"المصير" في ز.

(8)

انظر شرط العقل في: البرهان فقرة 550، والمحصول 2/ 1/ 563، والمغني للخبازي ص 200، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 11، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 107، وشرح المسطاسي ص 105، وشرح حلولو ص 309.

(9)

انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 61، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 106، وتيسير التحرير 3/ 39.

ص: 83

عذاب الله، وليس معه هذا المانع (1) لأنه غير مكلف فهو آمن من عذاب الله في كذبه لعدم تكليفه، فلا يؤمن عليه الكذب في روايته، فلا تقبل روايته (2)، بخلاف تحمله الرواية /278/ فإن تحمله مقبول، إذ لا (3) يشترط في تحمله إلا الضبط والميز (4).

ونقل عن الشافعي رضي الله عنه قول بجواز رواية الصبي (5)، وهو منكر من حيث النظر والقواعد، وذلك من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ليس معه وازع يمنعه من الكذب كما قدمناه.

الوجه الثاني: أنه إذا لم تقبل رواية (6) الفاسق مع وجود الوازع في حقه، فالصبي أولى لعدم الوازع في حقه.

الوجه الثالث: أن إقراره على نفسه لا يقبل، فأولى وأحرى ألا يقبل قوله

(1)"الصانع" في ز.

(2)

انظر: البرهان فقرة 551، 552، وقد حكاه عن القاضي ونصره، والمحصول 2/ 1/ 564، والإحكام للآمدي 2/ 71، وشرح القرافي ص 359، والمسطاسي ص 105، وحكى حلولو في شرحه ص 309 قولًا بقبول الصبي المميز فيما طريقه المشاهدة دون ما طريقه الاجتهاد.

(3)

"إلا" في الأصل.

(4)

انظر: اللمع للشيرازي ص 220، والمعتمد 2/ 620، وإحكام الفصول 1/ 360، والمحصول 2/ 1/ 565، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 106، والإحكام للآمدي 2/ 72، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 61، وتيسير التحرير 3/ 39، وشرح المسطاسي ص 105، وحلولو ص 310.

(5)

انظر: الإبهاج 2/ 346، وشرح القرافي ص 359، والمسطاسي ص 105.

(6)

"روايته" في ز.

ص: 84

على الشريعة (1).

قوله: (وإِن كان تحمل الصبي صحيحًا)، هذا تأكيد وإغياء (2) راجع إلى التكليف الذي هو البلوغ، كأنه يقول: لا تقبل رواية الصبي ولو صح تحمله للرواية في حالة الصبا إلا تأديتها بعد بلوغه (3)، والدليل على صحة تحمل الصبي للرواية إجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على قبول رواية الصبيان إذا أدوا بعد البلوغ (4) ما تحملوه في حالة الصبا، كابن عباس (5)، وابن الزبير (6)، والحسن بن علي (7)، والنعمان بن بشير (8)، وأنس بن

(1) انظر هذه الأوجه الثلاثة في: شرح المسطاسي ص 105.

(2)

"اغناء" في ز.

(3)

"بلوغها" في ز.

(4)

انظر: الكفاية للخطيب البغدادي ص 105، والمعتبر للزركشي ص 126، وإحكام الفصول للباجي 1/ 360، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 106، والمحصول 2/ 1/ 565، وشرح القرافي ص 359.

(5)

انظر: التاريخ الصغير للبخاري 1/ 126 و127.

(6)

أبو خبيب، عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أمه أسماء بنت أبي بكر "ذات النطاقين"، ولد عام الهجرة، فهو أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة، فحنكه النبي صلى الله عليه وسلم وسماه باسم جده، بويع بالخلافة سنة 64 هـ بعد موت يزيد، فاجتمع له أهل الحجاز والعراق واليمن، وحج بالناس ثماني حجج حتى غلب على الأمر بنو مروان، فقتله الحجاج سنة 73 هـ، وصلبه بمكة.

انظر: الاستيعاب 2/ 300، والإصابة 2/ 309.

وانظر لروايته وهو صغير: الكفاية للخطيب ص 106.

(7)

انظر: الكفاية للخطيب ص 106.

(8)

النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة، الخزرجي الأنصاري، يكنى أبا عبد الله، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة، تولى إمرة الكوفة لمعاوية ثم حمص، وبقي بها حتى قتله أنصار مروان بن الحكم لمناصرته ابن الزبير، وكان قتله سنة 65 هـ.

انظر: الاستيعاب 3/ 550، والإصابة 3/ 559، وانظر: الكفاية للخطيب ص 107.

ص: 85

مالك (1)، ومحمود (2) بن الربيع (3) وغيرهم، رضي الله عنهم، فإن المعتبر عندهم إنما هو حالة الأداء لا حالة التحمل لأنهم يقبلون ما تحمله (4) الكافر (5) أو الفاسق أو الصبي بعد زوال الكفر والفسوق والصبا، فإن المعتبر في الرواية (6) وقت التأدية لا وقت [التحمل](7) بمنزلة الشهادة (8).

قال ابن الحاجب في الأصول في باب الخبر: والرواية بعده، والسماع قبله مقبولة (9) كالشهادة (10)، الضمير (11) في قوله: بعده وقبله (12) يعود على البلوغ.

قوله: (والإِسلام)(13)، أما اشتراط الإسلام فاحترز به من الكافر،

(1) انظر: التاريخ الصغير للبخاري 1/ 208، 209.

(2)

في الأصل: "محمد". وهو خطأ.

(3)

هو أبو محمد: محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو الخزرجي الأنصاري، سكن المدينة وعقل من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهه من دلو في دارهم، وسنه إذ ذاك خمس أو أربع، توفي سنة 99، وقيل غير ذلك.

انظر: الاستيعاب 3/ 421، والإصابة 3/ 386.

(4)

"محمله" في ز.

(5)

انظر: الإبهاج 2/ 348، وتيسير التحرير 3/ 41.

(6)

"هو" زيادة في ز.

(7)

ساقط من الأصل.

(8)

انظر: شرح القرافي ص 359، وشرح المسطاسي ص 105، 106، وشرح حلولو ص 310.

(9)

"مقبول" في ز.

(10)

انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 61.

(11)

"الصبي" في ز.

(12)

"قبله وبعده" في ز بالتقديم والتأخير.

(13)

انظر شرط الإسلام في: المعتمد 2/ 618، والبرهان فقرة 550، والمحصول 2/ 1/ 567، وإحكام الفصول للباجي 1/ 385، والمغني للخبازي ص 199، =

ص: 86

والكافر على ضربين: كافر من غير أهل القبلة كاليهود (1) والنصارى، وكافر من أهل القبلة كالمبتدعة.

فأما الكافر من غير أهل القبلة كاليهود والنصارى فلا تقبل روايته باتفاق لعدم الوازع معه (2)، وإن كان أبو حنيفة رضي الله عنه قبل شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر، واستدل بقوله تعالى:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (3) لأنه يقول: أو آخران من غير أهل دينكم، والجمهور يقولون: أو آخران من غير تلك القبيلة (4)(5).

= والتوضيح 2/ 11، 12، وتيسير التحرير 3/ 41، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 106، ومختصر ابن الحاجب 2/ 62.

(1)

"واليهود" في ز.

(2)

انظر: المعتمد 2/ 618، والمحصول 2/ 1/ 567، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 115، وشرح القرافي ص 359، وشرح المسطاسي ص 106.

(3)

المائدة: 106.

(4)

"القفيلة" في ز.

(5)

خلاف الجمهور هنا مع أحمد، وليس مع أبي حنيفة رحمهما الله؛ لأن أحمد هو الذي يجوز شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر، والأئمة الثلاثة يخالفونه، وقد سبق أحمد إلى القول بهذا كل من ابن عباس وابن مسعود وأبي موسى وشريح وسعيد بن المسيب والشعبي وابن سيرين وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وجمع غيرهم.

وبالرأي الثاني قال الحسن البصري والزهري، وروي عن عكرمة وعبيدة، وبه أخذ الأئمة الثلاثة.

فانظر: تفسير ابن كثير 2/ 111، والمغني 9/ 182، والإفصاح لابن هبيرة 2/ 360، ومسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص 435.

ومما يدل على أن هذا المذهب ليس قولًا للحنفية، ما قاله السرخسي في المبسوط =

ص: 87

وأما الكافر من أهل القبلة، وهو المبتدع فقد بينه المؤلف بقوله:(واختلف في المبتدعة إِذا كفرناهم، فعند القاضي أبي بكر منا وعند القاضي عبد الجبار لا تقبل روايتهم، وفصّل فخر الدين وأبو الحسين بين من يبيح الكذب وغيره).

ش: ففي قبول رواية المبتدعة ثلاثة أقوال، ثالثها: التفصيل بين من يبيح الكذب فلا تقبل روايته، و (1) من لا يبيحه فتقبل روايته.

حجة القول بالمنع مطلقًا، وهو مذهب مالك رحمه الله (2): [فإنهم إما

= ونصه: وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ، أي من غير دينكم

ففيه تنصيص على جواز شهادتهم على وصية المسلم، ومن ضرورة جواز شهادتهم على وصية المسلم جوازها على وصية الكافر، وما يثبت بضرورة النص فهو كالمنصوص، ثم انتسخ ذلك في حق المسلم بانتساخ حكم ولا يتهم على المسلمين، فبقي حكم الشهادة فيما بينهم على ما ثبت بضرورة النص. اهـ. انظر: المبسوط 6/ 134.

وخلاف أبي حنيفة هو ما قاله ابن الحاجب في المختصر في شروط الراوي، قال: وفيها الإسلام للإجماع، وأبو حنيفة وإن قبل شهادة بعضهم على بعض لم يقبل روايتهم. اهـ. انظر المختصر: 2/ 62.

وهذا يصرح به الحنفية في كتبهم وينكره عليهم الأئمة، وإن كان عن أحمد فيه رواية ضعيفة، فانظر المبسوط 16/ 133، 134، وبدائع الصنائع للكاساني 6/ 280، والجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري 2/ 333، والمغني 9/ 184، والإفصاح 2/ 60.

قلت: ولعل الشوشاوي تبع القرافي في هذه النسبة إذ قد ذكر هذه المسألة القرافي في شرحه ص 359، وكذا صنع المسطاسي ص 106.

(1)

"بين" زيادة في ز.

(2)

وبه قال الشيرازي في اللمع ص 222، ونقله صاحب المعتمد 2/ 618، عن عبد الجبار، وحكاه الرازي في المحصول 2/ 1/ 567، والآمدي في إحكامه 2/ 73، وحكاه أبو الخطاب في التمهيد 3/ 115 عن أبي يعلى، انظر رأيه في: العدة 3/ 948 - 952.

ص: 88

كفار وإما فساق، وأيًا ما كان فلا تقبل روايتهم (1).

حجة القبول مطلقًا:] (2)(3) أنهم (4) من أهل القبلة، وأن أحكام الإسلام تجري عليهم [لأنهم](5) يُورّثُوْن (6) ويُورَثُونْ (7).

حجة [القول](8) بتجويز رواية من منع الكذب دون من جوزه (9)، وهو مذهب الشافعي، كما قاله المؤلف (10) في قوله (11): قبل الشافعي رواية أرباب الأهواء (12)(13): أن من منع الكذب معه الوازع يمنعه من الإقدام على الكذب، لعلمه (14) بتحريم الكذب.

ورد هذا الجواب: بأنه ينتقض عليه بالفاسق (15) فإن روايته لا تجوز مع

(1) انظر: شرح القرافي ص 360، والمسطاسي ص 106.

(2)

ما بين القوسين ساقط من ز.

(3)

قال في المعتمد 2/ 618، وعند جل الفقهاء أن الفسق في الاعتقاد لا يمنع من قبول الحديث. اهـ.

(4)

"لانهم" في ز.

(5)

ساقط من ز.

(6)

"لا يرثون" في ز.

(7)

انظر: شرح القرافي ص 360.

(8)

ساقط من الأصل.

(9)

انظر رأي أبي الحسين في: المعتمد 2/ 618، 619، ورأي الرازي في المحصول 2/ 1/ 567، وانظر الإحكام للآمدي 2/ 73.

(10)

"بعد هذا" زيادة في ز.

(11)

"بقوله" في ز.

(12)

انظر صفحة 281 من مخطوط الأصل وصفحة 103 من هذا المجلد.

(13)

"أي حجته" زيادة في ز.

(14)

"تعلمه" في ز.

(15)

"بالفسق" في الأصل.

ص: 89

علمه بتحريم الكذب (1). وكذلك ينتقض عليه بالكافر فإن منهم من لا يجيز (2) الكذب مع أن روايتهم (3) لا تجوز باتفاق (4).

فحصل (5) مما ذكرنا أن الخلاف في المبتدعة مطلقًا، سواء قلنا بتكفيرهم أم لا، فقول المؤلف: إذا كفرناهم، يقتضي أن الخلاف مخصوص بالقول بتكفيرهم، وليس الأمر كذلك، بل الخلاف عام، ولأجل هذا قال بعضهم: صوابه أن يقول: واختلف (6) في المبتدعة وإن كفرناهم، بزيادة الواو على وجه التأكيد (7).

قوله: (والعدالة)(8)، أما اشتراط العدالة، فاحترز بذلك من الفاسق،

(1) ليس النزاع في العلم بتحريم الكذب وعدمه، وإنما النزاع في الفرق بين من يحرم في دينه الكذب فيمتنع عنه، وبين من يبيح دينه الكذب.

(2)

"يجوز" في ز.

(3)

"وايته" في ز.

(4)

انظر: شرح المسطاسي ص 106.

(5)

"يحصل" في ز.

(6)

"اختلف" في ز.

(7)

حكى هذا المسطاسي في شرحه ص 106 على سبيل الاعتراض، فانظره.

(8)

انظر شرط العدالة في: اللمع ص 220، والمعتمد 2/ 616، والبرهان فقرة 550، وإحكام الفصول للباجي 1/ 355، والمحصول 2/ 1/ 571، والإحكام للآمدي 2/ 76، والمغني للخبازي ص 200، والتوضيح 2/ 12، وتيسير التحرير 3/ 44، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 108.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 218، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 53، واختصار علوم الحديث لابن كثير ص 77، وتدريب الراوي للسيوطي 1/ 300، 301، وانظر: شرح القرافي 360 - 364، والمسطاسي ص 106 وما بعدها.

ص: 90

فلا تقبل روايته باتفاق (1).

والدليل على ذلك ثلاثة أوجه:

أحدها: قياس روايته على شهادته؛ لأن الفاسق لا تجوز شهادته، فإذا كانت شهادته لا تجوز في أمر جزئي، فأولى وأحرى ألا تجوز روايته التي تثبت حكمًا عامًا على الخلق إلى يوم القيامة.

[و](2) الوجه الثاني: قوله (3) تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (4) فإنه يقتضي أن الفسق مانع من القبول.

والوجه الثالث: أن مقتضى الدليل ألا يعمل [بالظن](5)، خالفناه في العدل، فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل (6).

قوله: (والصحابة رضوان الله عليهم عدول إِلا عند قيام المعارض).

ش: الأصل في الصحابة العدالة حتى يدل الدليل على خلافه، والأصل في غيرهم عدم العدالة حتى يدل الدليل على خلافه، عملًا بالغالب في الفريقين (7).

(1) انظر: شرح المسطاسي ص 106.

(2)

ساقط من ز.

(3)

"في قوله" في ز.

(4)

الحجرات: 6.

(5)

ساقط من الأصل.

(6)

انظر هذه الأوجه الثلاثة في: شرح القرافي ص 360، وشرح المسطاسي ص 107.

(7)

انظر: شرح القرافي ص 360، 361، والمسطاسي ص 107.

ص: 91

قوله: (إِلا عند قيام المعارض)، مثل: زنا ماعز مع الغامدية (1)(2).

قوله: (والصحابة رضوان الله عليهم عدول). هذا هو الذي عليه أكثر السلف، وجمهور (3) الخلف (4).

وقيل: حكمهم كحكم غيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم (5).

وقيل: هم عدول إلا الداخلين في الفتنة (6) الواقعة بينهم، فإن (7) أحد الفريقين ظالم، [وهو](8) غير معين، فيجب البحث عن (9) العدالة (10).

وقالت المعتزلة: هم عدول إلا من قاتَل عليًا رضي الله عنه (11).

حجة الجمهور: الكتاب والسنة.

(1) في النسختين: العامرية، وهو خطأ كما سبقت الإشارة إليه في صفحة 409 من المجلد الرابع.

(2)

انظر شرح القرافي ص 360، والمسطاسي ص 107.

(3)

"وجماهير" في ز.

(4)

انظر: اللمع ص 224، والبرهان فقرة 567 - 572، وأحكام الفصول للباجي 1/ 379، وابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 67، والإحكام للآمدي 2/ 90، وروضة الناظر ص 118.

(5)

ذكره الباجي في إحكام الفصول 1/ 379، ونسبه لبعض المبتدعة، وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 67، والإحكام للآمدي 2/ 90، والمسطاسي ص 107.

(6)

"الفتن" في ز.

(7)

"لأن" في ز.

(8)

ساقط من ز.

(9)

"على" في ز.

(10)

انظر: شرح العضد 2/ 67، والإحكام للآمدي 2/ 90.

(11)

انظر: اللمع ص 225، وشرح العضد على ابن الحاجب 2/ 67، والإحكام للآمدي 2/ 90، غير أنه ذكره بدون نسبة.

ص: 92

أما الكتاب: فقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (1).

وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (2) أي: عدولًا.

وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (3).

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ] (4)} الآية (5)، وغير ذلك من الآيات الدالة على فضل الصحابة رضي الله عنهم.

ومن السنة: قوله عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"(6)؛ لأن الاهتداء من غير عدالة محال.

(1) آل عمران: 110.

(2)

البقرة: 143.

(3)

الفتح: 18.

(4)

ساقط من ز.

(5)

الفتح: 29.

(6)

هذا حديث مشهور عند الأصوليين يحتجون به كثيرًا، وقد روي بألفاظ كثيرة هذا أحدها، وهي كلها روايات ضعيفة بل يصل بعضها إلى حد النكارة والوضع، وقد أخرجه ابن حزم في الإحكام 2/ 810 عن جابر، وقال بعد بحث في سند رجاله، فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلًا، بل لا شك أنها مكذوبة. اهـ. وأخرجه ابن عبد البر في جامعه 2/ 90، 91 بهذا اللفظ وغيره، وقال بعد كل رواية: إسناده لا يصح، وذكر علة عدم الصحة فراجعه إن شئت.

وأخرجه ابن الجوزي في العلل برقم 457 عن عمر، وقال: لا يصح.

وانظر الفقيه والمتفقه للخطيب 1/ 177، والاعتقاد للبيهقي ص 160، والتلخيص الحبير 4/ 190، والمعتبر للزركشي ص 80 وما بعدها.

ص: 93

وقوله عليه السلام: "والذي (1) نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبًا /279/ ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"(2).

وقوله عليه السلام: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"(3).

قوله عليه السلام: "إن الله تعالى اختار لي أصحابًا وأصهارًا وأنصارًا"(4).

(1)"فوالذي" في ز.

(2)

"نصفه" في ز.

(3)

حديث صحيح أخرجه البخاري عن عمران بن حصين في الشهادات برقم 2651 بلفظ: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم

" الحديث، وأخرجه أيضًا عن عبد الله بن مسعود برقم 2652 بلفظ: "خير الناس قرني

" الحديث.

وبهذا اللفظ أخرجه الترمذي عن عمران برقم 2302 في كتاب الشهادات، إلا أنه قال:"ثم الذين يلونهم" ثلاث مرات.

وانظره عند مسلم بألفاظ أخر برقم 2533 عن ابن مسعود، وبرقم 2534 عن أبي هريرة، وبرقم 2535 عن عمران.

(4)

أخرجه الخطيب في التاريخ 2/ 99 من حديث أنس بلفظ: "إن الله اختارني واختار لي أصحابًا واختار لي منهم أنصارًا وأصهارًا

" الحديث.

وأخرجه أيضًا في الكفاية ص 96 بلفظ: "إن الله اختارني واختار أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري

" الحديث.

وأخرجه أبو نعيم في الحلية 2/ 110 عن عويم بن ساعدة بلفظ: "إن الله تعالى اختارني واختار لي أصحابًا وجعل منهم أصهارًا وأنصارًا ووزراء

" الحديث، وبقريب من لفظه أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن بسنده إلى محمد بن طلحة، قال: حدثني عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده.

ثم قال - أي البيهقي -: تفرد به محمد بن طلحة، وفيه إرسال لأن عبد الرحمن بن عويم ليست له صحبة. اهـ.

وتعقبه المحقق بأن المقصود بجده عويم وهو صحابي، ثم قال: إلا أن الحديث ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن سالم وأبيه، وضعف محمد بن طلحة. اهـ.

انظر: المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 113.

ص: 94

وأنصار الله تعالى لا يكونون غير عدول، وغير ذلك من الأحاديث.

وأما المعقول: فهو ما تواتر واشتهر من جدهم واجتهادهم (1) في امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب مناهيه، وذلك (2) دليل على عدالتهم رضي الله عنهم، فهذا هو القول الواضح.

وأما الأقوال الثلاثة (3) فهي كلها جرأة على السلف الصالح رضي الله عنهم.

لأن من قال: حكمهم (4) كحكم غيرهم، فأين (5) من مدحه الله تعالى ومدحه رسوله صلى الله عليه وسلم من غيره (6).

ومن قال: إلا من دخل الفتن (7) التي وقعت بينهم؛ لأن (8) أحد الفريقين ظالم، وهو غير معين، فيجب البحث على (9) العدالة، لا يصح ذلك؛ لأن ما وقع بينهم إنما هو بالتأويل والاجتهاد، فكلهم (10) على الحق، سواء قلنا، كل مجتهد مصيب، أو قلنا: المصيب واحد من غير تعيين؛ لأنه إن قلنا: كل

(1)"واجداداهم" في ز.

(2)

"أدل" زيادة في ز.

(3)

"الباقية" زيادة في ز.

(4)

"خدمهم" في ز.

(5)

"فان" في ز.

(6)

انظر: شرح المسطاسي ص 107.

(7)

"الفتان" في ز.

(8)

"فإن" في ز.

(9)

كذا في النسختين، والصواب:"عن".

(10)

"وكلهم" في ز.

ص: 95

مجتهد مصيب، فكل واحد منهم على الحق لإصابته، فلا كلام.

وإن قلنا أيضًا: المصيب واحد، فقد اتفق الأصوليون على أن كل مجتهد يجب عليه ما أداه إليه اجتهاده، فكل واحد منهم على الحق؛ لأن كل واحد منهم عمل [ما عمل](1) بمقتضى اجتهاده، وبالله التوفيق بمنه (2)(3).

فإذا ثبت أن الصحابة عدول فما معنى الصحابي؟

فاختلف العلماء في الصحابي من هو؟ على ثمانية أقوال:

فقيل: من ولد في زمانه عليه السلام (4).

وقيل: من ولد في زمانه، وبلغ في زمانه.

وقيل: من رآه، ولو مرة واحدة (5).

وقيل: من روى عنه، ولو حديثًا واحدًا.

وقيل: من رآه وطالت صحبته معه (6).

(1) ساقط من ز.

(2)

في ز كأن العبارة: "وفاته التوفيق عنه".

(3)

انظر: شرح المسطاسي ص 107، وشرح حلولو ص 311.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 360، والمسطاسي ص 107.

(5)

انظر: شرح العضد 2/ 67، والإحكام للآمدي 2/ 92، وشرح القرافي ص 360، والمسطاسي ص 107، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 172، والعدة 3/ 987، وانظر: الكفاية للخطيب ص 99. وقد نقله عنه البخاري، وتدريب الراوي 2/ 208 قال: فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(6)

نسبه أبو الخطاب في التمهيد 3/ 173 لأكثر العلماء، وانظر العدة 3/ 988، والإحكام للآمدي 2/ 92، والمسطاسي ص 107.

ص: 96

[وقيل: من رآه وروى عنه وطالت صحبته معه](1)(2).

وقيل: من غزا معه غزوة أو غزوتين أو قعد معه سنة أو سنتين، قاله سعيد ابن المسيب [رضي الله](3) عنه (4).

وقال شهاب الدين القرافي: أصحابه عليه السلام [هم الملازمون له](5)(6) المهتدون بهديه، حتى فاضت عليهم أنواره، وظهرت عليهم بركته (7) وأسراره صلى الله عليه وسلم (8).

قال ابن الحاجب في الأصول: مسألة: الصحابي (9): من رآه صلى الله عليه وسلم وإن لم يرو ولم تطل (10)، وقيل: إن طالت صحبته، وقيل: إن اجتمعا (11)، فذكر

(1) ساقط من ز.

(2)

انظر: تدريب الراوي 2/ 210، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 173، والعدة 3/ 988، والمسطاسي ص 107.

(3)

ساقط من ز، ومكانها بياض.

(4)

أخرجه عنه الخطيب في الكفاية ص 99، وقد نقله علماء المصطلح عن سعيد، كابن كثير في اختصار علوم الحديث ص 152، وابن الصلاح في مقدمته ص 424، والنووي في التقريب. انظر: التدريب 2/ 212، وقد نقل السيوطي عن الحافظ العراقي ضعف اتصاله بابن المسيب، وانظر كلام العراقي في التقييد والإيضاح له ص 297، حيث قال: لا يصح؛ فإن في الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث. اهـ.

(5)

ساقط من ز ومكانها بياض.

(6)

"من ربه" زيادة في ز.

(7)

"بركاته" في ز.

(8)

انظر: شرح القرافي ص 360، وفيه:"بركاته وآثاره"، وانظر: شرح المسطاسي ص 107.

(9)

"الصحابة" في ز.

(10)

"أو لم تطل" في ز.

(11)

انظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 67.

ص: 97

ثلاثة أقوال من الأقوال المتقدمة.

وقوله: إن اجتمعا يعني: الرواية والطول.

قوله: (والعدالة اجتناب الكبائر وبعض الصغائر والإِصرار عليها والمباحات القادحة في المروءة)(1).

ش: لما ذكر [المؤلف](2) أن العدالة شرط أخذ [ها هنا](3) بذكر (4) حقيقتها، فذكر أن الذنوب فيها كبائر وصغائر، وهذا مذهب أرباب السنة وذهبت (5) طائفة من المعتزلة إلى أن الذنوب كلها كبائر بالنسبة إلى من يعصى بها، وهو الله عز وجل (6).

(1) انظر: اللمع ص 220، والمعتمد 2/ 617، وإحكام الفصول للباجي 1/ 355، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 108، وشرح العضد على ابن الحاجب 2/ 63، وشرح القرافي ص 361، وشرح المسطاسي 107، 108.

(2)

ساقط من ز.

(3)

ساقط من ز.

(4)

"يذكر" في ز.

(5)

"وذهب" في الأصل.

(6)

المعتزلة قالوا: فاعل الكبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل الكفر، فهو في المنزلة بين المنزلتين، وعلى أصلهم القائل بإنفاذ الوعيد فهو مخلد في النار. وقال الخوارج أيضًا بهذا، أي بأن فاعل الذنب الكبير يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر ويخلد في النار. انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 356.

وقد ذهب إلى أن الذنوب كلها كبائر بالنسبة إلى من يعصى بها بعض العلماء كأبي إسحاق الإسفراييني وأبي بكر الباقلاني، ونسبه بعضهم إلى جمهور الأشاعرة، وهو الذي مال إليه إمام الحرمين، مع قوله بأنها تتفاوت، ولكن هؤلاء لا يقولون بكفر فاعلها بل يقولون هو في مشيئة الله. انظر: الفروق للقرافي 4/ 65، 66، وفتح الباري 10/ 409، 410، وتفسير روح المعاني 5/ 18، وشرح القرافي ص 361، =

ص: 98

وذهبت (1) طائفة أخرى من المعتزلة أيضًا إلى أن الذنوب كلها صغائر بالنسبة إلى الإيمان فقالوا (2): لا كبيرة مع الإيمان كما لا حسنة مع الكفر (3)، والصحيح مذهب أهل السنة.

والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (4).

وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلا اللَّمَمَ} (5) واللمم [هي](6) صغائر الذنوب.

وقوله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (7) فالفسوق (8) هو الكبائر، والعصيان هو الصغائر.

= وشرح المسطاسي ص 108، والإرشاد للجويني ص 385، 386، 391.

(1)

"وذهب" في ز.

(2)

"فقال" في ز.

(3)

الصواب أن أصحاب هذه المقالة: المرجئة، وأول من قال مقالتهم: جهم بن صفوان، فإنه أول من ابتدع التعطيل والإرجاء، ولا يعني هذا أن كل مرجئ جهمي. بل يوجد من المرجئة: الجهمي، والمعتزلي، والأشعري.

والمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 356، والروضة الندية شرح العقيدة الواسطية ص 252، 253.

(4)

النساء: 31.

(5)

النجم: 32.

(6)

ساقط من ز.

(7)

الحجرات: 7.

(8)

"والفسوق" في ز.

ص: 99

قوله: (اجتناب الكبائر)، اختلف العلماء في الكبائر اختلافًا كثيرًا، قال (1) أبو عمر بن عبد البر: وأحسن ما قيل فيها: إنها عشرون، منها أربعة في القلب، وهي: الرياء، والحسد، والعجب، والكبر.

ومنها ثمانية في الفم، وهي: الغيبة، والنميمة، وقذف المحصنات (2)، وشهادة الزور، ويمين الغموس، وشرب الخمر، وأكل الربا، وأكل أموال اليتامى بالباطل.

ومنها اثنان في اليد: وهما: القتل، والسحر.

ومنها اثنان في الفرج، وهما الزنا، واللواط.

ومنها أربعة في سائر الجسد: وهي (3): ترك الصلاة، وعقوق الوالدين، والتولي يوم الزحف، وإفساد أموال (4) المسلمين (5)(6).

(1) في هامش الأصل ما يلي: "انظر الكبائر عشرون".

(2)

"المؤمنات" زيادة في ز.

(3)

"وهو" في ز.

(4)

"امول" في ز.

(5)

انظر قول الإمام ابن عبد البر في شرح المسطاسي ص 108.

(6)

اختلف العلماء رحمهم الله في حد الكبيرة وعدد الكبائر، وأحسن ما قيل في حدها أنها كل ذنب قرن بلعن أو وعيد.

وقريب منه قول بعضهم: هي ما ترتب عليها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، أما عددها فقيل: سبع، وقيل: سبع عشرة، وروي عن ابن عباس أنه قال: هي إلى السبعمائة أقرب، والصواب أنها لا تحصر بعدد معين، وما ورد في الأحاديث من التقييد بعدد كقوله:"اجتنبوا السبع الموبقات"، فيحمل على ذكر بعضها.

وقد صنف الحافظ الذهبي كتابًا ذكر فيه سبعين من الكبائر.

ص: 100

قوله: (وبعض الصغائر)، أي واجتناب بعض الصغائر يعني الصغائر التي تدل على أن صاحبها مستهزئ بدينه ومروءته، كسرقة بصلة أو تمرة أو لقمة، أو التطفيف (1) بحبة، أو تقبيل أجنبية بحضرة (2) الناس، وشبهها (3)، فهذا (4) وشبهه لا يفعله إلا من يستهزئ بدينه ومروءته (5).

وإنما قال: بعض الصغائر، ولم يقل: اجتناب جميع الصغائر كما قال في الكبائر؛ لأن من الصغائر ما لا يفسق فاعلها، إذ ليس (6) فيها إلا مجرد المعصية كالنظر إلى الأجنبية (7)، والكذب الذي لا يتعلق به ضرر أحد (8).

قوله: (والإِصرار عليها)، أي على الصغائر، معناه: واجتناب

= وصنف الإمام محمد بن عبد الوهاب كتابًا ذكر فيه كثيرًا منها.

وللاطلاع على الأحاديث والآثار الواردة فيها وأقوال السلف والخلف، انظر: تفسير ابن كثير 1/ 480 وما بعدها، وفتح الباري 10/ 410 - 412، 12/ 182 - 184، وتفسير روح المعاني 5/ 17 - 19.

وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/ 19 - 21، وشرح الطحاوية ص 417، 418.

(1)

"الطفيف" في الأصل، وفي ز "التصفيف"، والمثبت الصواب، فانظر المحصول 2/ 1/ 571.

(2)

"بمحضرة" في الأصل.

(3)

"وشبههما" في ز.

(4)

"فهذه" في ز.

(5)

انظر: شرح القرافي ص 361، وشرح المسطاسي ص 108.

(6)

"وليس" في ز.

(7)

"وجه أجنبية" في ز. وقد علق الناسخ كلمة وجه في الهامش وكتب فوقها أظن، بعد أن ترك مكانها بياضًا.

(8)

انظر: شرح القرافي ص 361، وشرح المسطاسي ص 108.

ص: 101

الإصرار على الصغائر، أي: وترك العزم على معاودة الصغائر، فالإصرار معناه: اعتقاد العودة إلى الذنب، وفي الحديث:"لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار".

قال بعض العلماء: سبعة أشياء تصير الصغيرة كبيرة وهي (1):

الإصرار على الذنب وهو المقام عليه، واحتقار الذنب واستصغاره، والسرور والفرح به، والتهاون بستر الله [وحمله](2)، وإتيان الذنب مشاهرة بغير حياء، والتحدث على وجه الافتخار به، وأن يفعله عالم مقتدى به (3).

قوله: (والمباحات القادحة في المروءة)، كالأكل في السوق لغير السوقي، والبول في الطريق، واللعب بالحمام، والحرف الدنية لمن لا تليق (4) به من غير ضرورة، كدباغة، وحجامة، وحياكة، وغيرها من كل ما يدل /280/ على أن صاحبه غير [مكترث](5) بدينه (6) ومروءته (7).

قال الغزالي: إلا [أن](8) يكون ممن يفعل ذلك على سبيل كسر النفس

(1)"وهو" في ز.

(2)

كذا في النسختين ولعل الصواب: وحلمه. وفي شرح المسطاسي: والتهاون بحكم الله وستره. انظر: صفحة 190 من مخطوط مكناس رقم 352.

(3)

انظر: شرح المسطاسي ص 190 من مخطوط مكناس رقم 352.

(4)

"يليق" في ز.

(5)

ساقط من ز.

(6)

"يدينه" في الأصل.

(7)

انظر: شرح القرافي ص 361، وشرح المسطاسي ص 190، من مخطوط مكناس رقم 352.

(8)

ساقط من الأصل.

ص: 102

وقمعها وإلزامها التواضع، كما يفعله بعض العباد (1).

قوله: (ثم الفاسق إِن كان فسقه مظنونًا قبلت روايته بالاتفاق، وإِن كان مقطوعًا [به] (2) قبل الشافعي رواية (3) أرباب الأهواء إِلا الخطابية (4)(5) من الرافضة لتجويزهم الكذب لموافقة مذهبهم (6)، ومنع القاضي أبو بكر من قبولها) (7).

ش: لما ذكر أن العدالة شرط (8)[في](9) قبول الرواية شرع ها هنا في

(1) انظر: شرح القرافي ص 361، وشرح المسطاسي ص 190 من مخطوط مكناس رقم 352، ولم أجده فيما راجعت من كتب الغزالي.

(2)

ساقط من أوش.

(3)

"روايته" في أ، والأصل.

(4)

فرقة من غلاة الرافضة، تنسب لأبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي مولاهم، يزعمون أن الأئمة آلهة، ويقولون: هم أبناء الله وأحباؤه، وقد قتل أبا الخطاب: عيسى ابن موسى بأمر المنصور في الكوفة، وافترقت الخطابية بعده فرقًا كثيرة، وهم يحلون دماء وأموال وأعراض غيرهم، ويجيزون شهادة الزور من موافقيهم على مخالفيهم. انظر: الفِصَل لابن حزم 5/ 28، والملل والنِحَل للشهرستاني 2/ 124، والفَرْق بين الفِرَق ص 247، والمعارف لابن قتيبة ص 623.

(5)

"الخاطبية" في الأصل.

(6)

انظر رأي الشافعي في الأم 6/ 205، والمحصول 2/ 1/ 573، والإبهاج 2/ 354، والإحكام للآمدي 2/ 83، والمستصفى 1/ 170، وقد نسب أبو الحسين قبول رواية أرباب الأهواء إلى جهل الفقهاء، وفي نسبته نظر، فارجع إلى المعتمد 2/ 618 لتتبين.

ونسبه الباجي إلى بعض أهل الحديث، انظر: إحكام الفصول 1/ 385.

(7)

انظر: المحصول 2/ 1/ 572، والإحكام للآمدي 2/ 83. وقد اختاره الشيرازي في اللمع ص 227، وصححه الباجي في إحكام الفصول 1/ 385.

(8)

"من شروط" زيادة في ز.

(9)

ساقط من ز.

ص: 103

ضدها وهو الفسق، فذكر أن الفسق على ضربين: مظنون، ومقطوع، فالمظنون لا يمنع من القبول باتفاق (1).

فالمظنون (2) أن يعتقد أنه على صواب لمستند حصل له، ونحن نظن بطلان ذلك المستند ولا نقطع ببطلانه، فهو في حكم الفاسق لولا ذلك المستند، أما لو ظننا فسقه ببينة شهدت عليه أنه ارتكب شيئًا من أسباب الفسق فلا تقبل روايته باتفاق وليس من هذا القبيل (3).

فالفسق المظنون هو فسق الجوارح بالتأويل، والفسق المقطوع هو فسق العقائد.

قال الإمام فخر الدين في المحصول: وأما الفاسق (4) الذي يعلم كونه فاسقًا فلا تقبل روايته بالإجماع (5).

فقول المؤلف: ثم الفاسق، يعني الفاسق الذي لا يعلم كونه فاسقًا، وأما الفاسق الذي يعلم كونه فاسقًا فلا تقبل روايته بالإجماع (6).

فمثال الفسق المظنون: كفسق الحنفي إذا شرب النبيذ من غير سكر، فإنه غير مقطوع به عند الشافعي كما سيأتي، وإليه أشار المؤلف بقوله: ثم الفاسق

(1) نقل الاتفاق الرازي في المحصول 2/ 1/ 572، والآمدي في الإحكام 2/ 83.

(2)

"فالظنون" في الأصل.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 363، وشرح المسطاسي ص 109.

(4)

"الفسق" في الأصل.

(5)

انظر: المحصول 2/ 1/ 572.

(6)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 385.

ص: 104

إن كان مظنونًا قبلت روايته بالاتفاق (1).

ومثال الفسق المقطوع (2): فسق المعتزلة [كالخوارج](3) والقدرية، فإنهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم (4)، ففسقهم مقطوع به، وإليه أشار المؤلف بقوله: وإن كان مقطوعًا به قبل الشافعي رواية أرباب (5) الأهواء، يعني: المعتزلة (6)، وإنما قبل روايتهم لأنهم من أهل القبلة، ولأن أحكام المسلمين تجري عليهم من الإرث والتوريث (7) لأنا نورثهم ونرثهم (8)، وإنما منع الشافعي رواية الخطابية من الرافضة لتجويزهم الكذب ليوافقهم الناس على التمسك بمذهبهم (9).

(1)"باتفاق" في ز.

(2)

"به" زيادة في ز.

(3)

كذا في النسختين، وهو مشكل؛ لأن الخوارج غير المعتزلة، وإن قلت: لعل العبارة والخوارج، فهو مشكل أيضًا لعطف القدرية على الخوارج؛ لأن المعتزلة من القدرية كما هو مسطور في كتب الفرق، والتعليل بأنهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم لا ينطبق إلا على فرق من الخوارج، ولا ينطبق على القدرية المعتزلة، والله أعلم.

(4)

"وأمولهم" في ز.

(5)

في صلب الأصل "أهل"، وقد عدلت في الهامش إلى المثبت، وهي كذا في ز.

(6)

قوله: يعني المعتزلة، فيه نظر، بل الصواب أنه يريد المعتزلة وغيرهم من الفرق، ويدل عليه استثناء الخطابية، وهم من الرافضة الغلاة، ويدل عليه قول الشافعي في الأم 6/ 205: "فلم نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة يقتدى به

رد شهادة أحد بتأويل، وإن خطأه وضلله

وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول

إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور

إلخ" اهـ.

(7)

"التواريث" في ز.

(8)

انظر: شرح القرافي ص 363، وشرح المسطاسي ص 109.

(9)

"بدينهم" في ز.

ص: 105

قوله: (إِلا الخطابية)(1)، سميت هذه الطائفة بالخطابية، لأنهم منسوبون إلى شيخهم أبي (2) الخطاب، وكان يأمر أصحابه بأن يشهدوا بالزور على من خالفهم في الدماء والأموال والجروح، وكان يقول: كل من خالف دينكم فماله ودمه حلال لكم، قاله ابن (3) قتيبة في المعارف (4)(5).

قوله: (من الرافضة)، سموا بذلك لأنهم رفضوا إمامة علي رضي الله عنه (6).

قوله: (ومنع القاضي أبو بكر من قبولها)، وهذا هو مذهب مالك، لأنهم إما كفار وإما فساق، كما تقدم.

(1)"الخاطبية" في الأصل.

(2)

في النسختين: "أبو" بالرفع.

(3)

في النسختين: "أبو"، والصواب المثبت.

(4)

من أشهر كتب ابن قتيبة ذكره كل من ترجم له، وهو كتاب مطابق لاسمه، فهو مجموعة من المعارف في التاريخ والأنساب والتراجم والنوادر وغيرها، طبع مرتين ثم حققه ثروت عكاشة، ونشرته دار المعارف بالقاهرة.

(5)

انظر: المعارف ص 623.

(6)

الصواب في سبب تسميتهم بالرافضة أن زيد بن علي بن الحسين خرج بقوم منهم من الكوفة لقتال والي هشام بن عبد الملك على العراق، فلما استمر القتال قالوا لزيد: لا نقاتل معك حتى تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر، فقال: لا أقول فيهما إلا خيرًا، وإنما أقاتل بني أمية الذين خرجوا على جدي وقتلوه، فعند ذلك فارقوه، وقال لهم: رفضتموني، فسموا رافضة، ثم شاع الاسم حتى أصبح مرادفًا لاسم الشيعة.

انظر: الفَرْق بين الفِرَق ص 35، 37، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص 52.

ص: 106

قوله: (وإِن كان مقطوعًا به قبل الشافعي رواية أرباب الأهواء) إلى قوله: (ومنع القاضي أبو بكر من قبولها) هو تكرار (1) لقوله أولًا: واختلف في المبتدعة إذا كفرناهم .. إلى قوله: وفصّل فخر الدين وأبو الحسين بين من يبيح الكذب وغيره (2).

وذلك الخلاف المذكور أولًا هو هذا الخلاف المذكور ها هنا.

وقال بعضهم: ليس بتكرار؛ لأنه تكلم أولًا على حكم المبتدعة على القول بأنهم كفار، وتكلم ها هنا: على حكمهم على القول بأنهم فساق، وذلك أنه لما ذكر شرط الإسلام أعقبه [بحكم](3) المبتدعة بالنسبة إلى ضده الذي هو الكفر، ولما ذكر شرط العدالة أعقبها بضدها الذي هو الفسق، فذكر حكم المبتدعة بالنسبة إلى الفسق، فلا تكرار ولو كان الخلاف كالخلاف (4).

قوله: (واختلف العلماء في شارب النبيذ من غير سكر (5)، فقال الشافعي: أحده وأقبل شهادته [بناء على أن فسقه مظنون، وقال مالك رحمه الله: أحده ولا أقبل شهادته](6) كأنه (7) قطع بفسقه) (8).

(1)"تكل" في الأصل.

(2)

انظر: صفحة 278 من مخطوط الأصل، وصفحة 82 من هذا المجلد، وشرح القرافي ص 359.

(3)

ساقط من ز.

(4)

انظر: شرح المسطاسي ص 106.

(5)

"مسكر" في أ.

(6)

ساقط من ز.

(7)

"وكأنه" في أ.

(8)

هذا هو المشهور من مذهب الشافعي ومالك، وقد ذهب أحمد رحمه الله إلى مثل مذهب الشافعي، أما الحنفية فلا يقولون بتفسيقه أصلًا بناءً على القول بعدم حرمته =

ص: 107

ش: ذكر المؤلف ها هنا جزئية يحتمل [الفسق](1) فيها الأمرين.

يحتمل أن يكون مظنونًا كما قاله الشافعي، ويحتمل أن يكون مقطوعًا كما قاله مالك، وهي (2) شارب النبيذ إذا لم يسكر منه.

وسبب الخلاف (3) فيه قاعدتان: تمسك الشافعي فيه بإحداهما (4)، وتمسك مالك بالأخرى.

فالقاعدة التي تمسك بها الشافعي: أن الزواجر إنما شرعت لدرء المفاسد لا لتحصيل المصالح، ولذلك يزجر الصبيان والبهائم لأجل الاستصلاح لهم وإن لم يكونوا عصاة، ولهذا قال الشافعي: أحده وأقبل شهادته، وإنما حده

= في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو مشهور الحنفية.

انظر: مذهب الشافعي في: الأم 6/ 206، والوجيز للغزالي 2/ 250، والمحصول 2/ 1/ 572، والإحكام للآمدي 2/ 83، والإبهاج 2/ 354، والمستصفى 1/ 160.

وانظر مذهب مالك في: الكافي لابن عبد البر 2/ 896، وشرح القرافي ص 362 - 364.

وانظر مذهب أحمد في: المغني 9/ 181، والمسودة ص 265، وشرح الكوكب المنير 2/ 408.

وانظر مذهب الحنفية في: الهداية 4/ 110 - 111، والجوهرة النيرة 2/ 269 - 270، وتيسير التحرير 3/ 43.

وانظر أيضًا: المغني لابن قدامة 9/ 181، وشرح العضد 2/ 63.

(1)

ساقط من الأصل.

(2)

"وهو" في ز.

(3)

"خلاف" في الأصل.

(4)

"أحدهما" في ز.

ص: 108

لدرء المفسدة (1)، وهي فساد العقل من التسبب إلى ذلك بالسكر (2)، وإنما قبل شهادته لعدم عصيانه لأنه قلد أبا حنيفة القائل بجواز شرب النبيذ (3)، فهذه القاعدة هي مدرك الشافعي فلا تناقض حينئذ بين حده وقبول شهادته، لأن حده لدرء المفسدة، وقبول شهادته لعدم المعصية (4).

القاعدة الثانية التي تمسك بها مالك رحمه الله: أن الحكم ينقض إذا خالف أربعة أشياء، وإن تأكد بقضاء القاضي، وهي: الإجماع، والنص، والقياس الجلي، والقواعد (5).

فإذا كان الحكم لا يقر (6) إذا خالف هذه الأشياء فلا يجوز التقليد فيه، فالتقليد فيه كالعدم، فيكون المقلد فيه كأنه (7) لم يقلد أحدًا، ومن لم يقلد أحدًا في شرب النبيذ كان عاصيًا في شربه، والعاصي بمثل هذه الفعلة يكون

(1)"المفاسد" في ز.

(2)

"فاسكر" في ز.

(3)

انظر: الهداية للمرغيناني 4/ 110 - 111.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 363، وشرح المسطاسي ص 109.

(5)

انظر: تفاصيل نقض القاضي قضاء نفسه أو قضاء غيره في: المغني لابن قدامة 9/ 56، والأم 6/ 204، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 253.

وانظر لنقض القضاء بهذه الأربعة: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/ 135، والفروق للقرافي 2/ 101 و109 و4/ 40، وإيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي ص 150 و161، وشرح المسطاسي ص 190.

وانظر باب الاجتهاد من هذا الكتاب صفحة 344 من مخطوط الأصل، وصفحة 59 من المجلد السادس من هذا الكتاب، وشرح القرافي ص 432.

(6)

"لا يضر" في ز.

(7)

"فكأنه" في الأصل.

ص: 109

فاسقًا، فهذه القاعدة هي مدرك مالك رحمه الله، ولأجل هذا قال مالك: أحده ولا أقبل شهادته، وإنما حده لعصيانه، ورد شهادته لفسقه (1).

قال المؤلف في شرحه: وقاعدة مالك أوجه في النظر من قاعدة الشافعي، / 281/ لأن قاعدة الشافعي [و](2) إن كانت صحيحة يرد عليها أنها لم توجد إلا في الزواجر التي ليست بمحدودة (3)، وأما المحدودة فلا توجد إلا في المعاصي (4).

وإنما قلنا: إن المقلد في شرب النبيذ لأبي حنيفة كأنه غير مقلد لأحد، لأن أبا حنيفة خالف ها هنا [النص، والقياس الجلي، والقواعد.

أما النص: فهو قوله عليه السلام: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"(5).

وأما القياس: فهو قياسه على الخمر بجامع السكر] (6).

وأما القواعد: [فهو](7) سد الذريعة في صون العقل (8).

(1) انظر: شرح القرافي ص 363، 364، وشرح المسطاسي ص 109.

(2)

ساقط من ز.

(3)

أي التي لا حد فيها، بمعنى أن الحد لا يوجد إلا فيما كان معصية لله كالسكر والزنا ونحوهما.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 363، وشرح المسطاسي ص 110.

(5)

حديث صحيح رواه مسلم بهذا اللفظ عن ابن عمر في الأشربة برقم 2003، ورقمه الخاص 75.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(7)

ساقط من ز.

(8)

"العقول" في ز.

ص: 110

ولأجل هذا انعقد الإجماع على تحريم القطرة الواحدة من الخمر وإن كانت لا تسكر سد الذريعة (1)(2).

قوله: (وقالت (3) الحنفية (4): يقبل قول المجهول).

ش: يعني أن من جهل حاله ولا يعلم كونه فاسقًا أو كونه (5) عدلاً، هل تقبل روايته؟ قاله أبو حنيفة (6)، أو لا تقبل روايته؟ قاله الجمهور:

(1) هكذا في النسختين ولا يستقيم الأسلوب إلا بلامين فتصبح العبارة: سدًا للذريعة، وفي شرح القرافي سدًا لذريعة الإسكار فانظره ص 364، وانظر أيضًا: شرح المسطاسي ص 110.

(2)

انظر: شرح القرافي ص 364، وشرح المسطاسي ص 110.

(3)

"وقال" في أوش وخ.

(4)

"أبو حنيفة" في ش.

(5)

"ولا كونه" في ز.

(6)

يحكي كثير من الأصوليين هذا المذهب عن أبي حنيفة وأصحابه بالإطلاق، والذي يرجع إلى كتب الحنفية يجدهم يصرحون بالتقييد، فهم يقبلون مجهول الحال أو المستور لكن ذلك مقيد بالصدر الأول، أي القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمران بن حصين وغيره، فالحنفية لا يقبلون مستور الحال بإطلاق.

يقول الخبازي في المغني ص 202: مستور الحال لا يقبل عند الحنفية، كالفاسق ما لم تظهر عدالته، إلا في الصدر الأول لأن العدالة هناك غالبة.

ويصرح صدر الشريعة في التوضيح 2/ 10، 11 بتحديد الفترة فيقول: وأما بعد القرن الثالث فلا لغلبة الكذب. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 146، 147.

وقد روي عن أبي حنيفة رواية ضعيفة أن المستور إذا روى عنه الثقات ولم يردوا روايته يقبل، انظر: التيسير 3/ 48، وهذا غير منكر لأن بعض الأئمة يقولون بأن رواية الثقة عن غيره تعديل كما سيأتي، فانظر صفحة 282، 283 من مخطوط الأصل، وصفحة 116 و120 من هذا المجلد.

ص: 111

مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وجل أهل العلم (1).

حجة الجمهور من وجوه:

أحدها: قوله عليه السلام: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله"، وصيغته صيغة الخبر، ومعناه الأمر [تقديره:] (2) ليحمل (3) هذا العلم من [كل](4) خلف عدوله، فأمر عليه السلام بالعدالة في الرواية، فلو لم تكن العدالة شرطًا لبطلت حكمة هذا الخبر ولكان العدل وغيره في ذلك سواء (5).

والوجه الثاني: أنه عليه السلام كان يطلب العدالة فيمن ينفذه إلى القبائل والبلاد، فدل ذلك على أن العدالة شرط.

الوجه (6) الثالث: أن الصحابة رضوان الله عليهم يردون أخبار المجاهيل كما رد عمر رضي الله عنه [خبر](7) فاطمة بنت قيس في السكنى فقال: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا عليه السلام بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، وغير ذلك.

(1) انظر مذهب الجمهور في: اللمع ص 228، والتبصرة ص 337، والبرهان فقرة 553، والمحصول 2/ 1/ 576، والمعالم ص 225، والإحكام للآمدي 2/ 78، وشرح القرافي ص 364، وشرح المسطاسي ص 110، ومختصر ابن الحاجب 2/ 64، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 121، وتدريب الراوي 1/ 316.

(2)

ساقط من الأصل.

(3)

"يحمل" في ز.

(4)

ساقط من ز.

(5)

انظر: شرح القرافي ص 364.

(6)

"والوجه" في ز.

(7)

ساقط من ز.

ص: 112

والوجه الرابع: بالقياس على مجهول الإسلام إذ [لا](1) فرق بينهما.

والوجه الخامس: أن مقتضى الدليل ألا يعمل بالظن (2)[خالفناه](3) فيمن ثبتت عدالته، فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل (4).

حجة الحنفية من وجوه أيضًا:

أحدها: قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (5)، فأوجب التبين (6) عند وجود الفسق، وعند عدم وجود الفسق لا يجب التبين (6)، فيجوز العمل بقول المجهول، وهو المطلوب (7).

الوجه (8) الثاني: قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (9) فأوجب الحذر عند قولهم ولم يشترط العدالة، فيقبل قول المجهول (10).

والوجه الثالث: أن أعرابيًا شهد عند النبي عليه السلام برؤية الهلال

(1) ساقط من الأصل.

(2)

"إلا" زيادة في ز.

(3)

ساقط من ز.

(4)

انظر الأوجه الخمسة في شرح المسطاسي ص 110.

(5)

الحجرات: 6.

(6)

"التبيين" في ز.

(7)

انظر: شرح القرافي ص 364، وشرح المسطاسي ص 110.

(8)

"والوجه" في ز.

(9)

التوبة: 122.

(10)

انظر: شرح القرافي ص 364، وشرح المسطاسي ص 110.

ص: 113

فقبل شهادته (1)، فإذا جاز المجهول في الشهادة (2) ففي الرواية أولى؛ لأن الشهادة يشترط فيها ما لا يشترط في الرواية من الذكورية والحرية والعدد (3).

الجواب عن الأول وهو قوله تعالى (4): {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (5): أن الفسق إذا علم زواله ثبتت (6) العدالة، لأنهما ضدان لا ثالث لهما، متى علم زوال (7) أحدهما ثبت الآخر، [ومع جهل الحال لم ينتف قطعًا ولا ظنًا، فلا يقبل](8).

[وأجيب عن الثاني: وهو قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآية (9) أن الطائفة مطلقة](10) وقوله عليه السلام: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله" مقيد لإطلاق (11) الآية، لأن السنة تبين القرآن؛ لقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (12).

[وأجيب عن الثالث وهو قبول شهادة الأعرابي في الهلال: أن قضايا

(1) روى الترمذي رقم 691، وأبو داود رقم 2340، وابن ماجه رقم 1652 عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، قال:"أتشهد أن لا إله إلا الله؟ أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ " قال: نعم، قال:"يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا"، وهذا لفظ الترمذي، وقد روي مرسلاً عن عكرمة، انظر: سنن أبي داود رقم 2341، وانظر الحديث في النسائي 2/ 132، والدارقطني 2/ 158.

(2)

"الرواية" في الأصل.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 364، وشرح المسطاسي ص 110.

(4)

لو قال: وهو استدلالهم بقوله تعالى .... إلخ، لكان أحسن.

(5)

الحجرات: 6.

(6)

"قبلت" في ز.

(7)

"زول" في ز.

(8)

ساقط من الأصل.

(9)

التوبة: 122.

(10)

ساقط من ز.

(11)

"مقيد الإطلاق" في ز.

(12)

النحل: 44.

ص: 114

الأعيان إذا جهل حالها نُزِّلتْ على القواعد، وقاعدة الشهادة العدالة، ولو نقل عن قاض من قضاة الوقت أنه حكم بقول رجل ولم يذكر صفته، حمل (1) على أنه ثبتت (2) عنده عدالته، فإذا كان هذا في آحاد القضاة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، لاسيما وهو عليه السلام يقول (3):"إذا شهد ذو عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا"، فتصريحه (4) عليه السلام بالعدالة يأبى قبول شهادة المجهول، فثبت بما ذكرنا أن قول أبي (5) حنيفة مرجوح (6).

واختلف في سبب قول أبي حنيفة: قيل: سببه أن العدالة معناها (7) الإسلام، والسلامة (8) من ظهور الفسق.

وأما معناها عند الجمهور فهي اجتناب الكبائر وبعض الصغائر والإصرار عليها، والمباحات القادحة في المروءة، كما تقدم (9).

وقيل: سببه: أن العدالة [عندهم](10) حق للعبد (11) فإذا لم

(1)"حكم" في ز.

(2)

"ثبت" في ز.

(3)

في هامش الأصل ما يلي: انظر قوله عليه السلام: "إذا شهد ذو عدل فصوموا وأفطروا". اهـ.

(4)

"فتصريحد" في ز.

(5)

"أبا" في الأصل.

(6)

انظر الأجوبة عن الأدلة الثلاثة في شرح القرافي ص 364، 365، وشرح المسطاسي ص 110، 111.

(7)

في هامش الأصل كلمة لم أتبينها ولعلها: "معناها"؛ لأن كلمة معناها غير موجودة في صلب الأصل.

(8)

"والسلام" في ز.

(9)

انظر صفحة 280 من مخطوط الأصل، وصفحة 98 من هذا المجلد، وشرح القرافي ص 361، وانظر إحكام الفصول 1/ 355.

(10)

ساقط من الأصل.

(11)

"العبد" في ز.

ص: 115

يطلبها الخصم فلا تجب، فإذا طلبها الخصم وجب على الحاكم إجابته.

وأما الجمهور فالعدالة عندهم حق لله تعالى فلا بد من ثبوتها طلبت أو لم تطلب (1).

وقيل سبب ذلك: أن أبا حنيفة إنما قال في ذلك في أول الإسلام حيث كان الناس الغالب عليهم العدالة (2)، ولما كثر الفساد وقل الرشاد فلا بد من ثبوت العدالة إلحاقًا للنادر بالغالب (3) في الوجهين (4)، والله أعلم.

قوله: (وتثبت العدالة إِما بالاختبار أو بالتزكية).

لما ذكر المؤلف أن العدالة شرط، أراد أن يذكر ما تثبت به، فذكر ها هنا أنها تثبت بأحد شيئين: أحدهما: الاختبار، والثاني: التزكية (5)، وزاد في الشرح شيئين آخرين، وهما: السماع المتواتر، أو المستفيض (6)، وزاد غيره خامسًا، وهو رواية العدل (7)، فهذه خمسة أشياء تدل على العدالة.

ومعنى الاختبار: هو (8) المعاملة [و](9) المخالطة التي يطلع بها على خبايا (10) النفوس ودسائسها (11).

(1) انظر هذا السبب في: المسطاسي ص 110، وشرح حلولو ص 312.

(2)

العبارة في ز هكذا: حيث كان الغالب على الناس العدالة

إلخ.

(3)

"للغالب" في الأصل.

(4)

انظر: المغني للخبازي ص 202، والتوضيح 2/ 10، 11، وفواتح الرحموت 2/ 146، 147. وانظر: المسطاسي ص 110، وشرح حلولو ص 312.

(5)

انظر: المحصول 2/ 1/ 584، وشرح القرافي ص 365.

(6)

انظر: شرح القرافي ص 365، وشرح المسطاسي ص 111.

(7)

انظر: اللمع ص 229، حيث حكاه عن بعض الشافعية، والتبصرة ص 339، والبرهان فقرة 563، وإحكام الفصول 1/ 376، والمحصول 2/ 1/ 589، وشرح العضد 2/ 66، والعدة 3/ 934، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 129، والروضة ص 118، وشرح المسطاسي ص 111.

(8)

"هي" في الأصل.

(9)

ساقط من ز.

(10)

"اخبار" في ز.

(11)

انظر: شرح القرافي ص 365، وشرح المسطاسي ص 111، وشرح حلولو ص 313.

ص: 116

ومعنى التزكية: ثناء العدول (1) المبرزين عليه بصفات العدالة، وصفة هذا معروفة (2) عند الفقهاء (3).

قال مالك: هي (4) أن يقول المزكي: هو عدل رضا (5).

قال أبو محمد في الرسالة: لا (6) يقبل في التزكية إلا من/ 282/ يقول: عدل رضا (7)، فاللفظ عند مالك معتبر متعين على المشهور من مذهبه، وقد بين القاضي عبد الوهاب ذلك في التلقين بقوله: والمراعى في تزكية الشاهد: أن يشهد المزكي بأنه عدل رضا، وذلك يغني عما سواه، ولا يغني غيره عنه (8).

(1)"العدل" في ز.

(2)

"معرفة" في ز.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 365، وشرح المسطاسي ص 111، والمشهور من مذهب الشافعي أنه لا بد أن يقول: هو عدل لي وعلي، انظر: الأم 6/ 205، والكفاية للخطيب ص 145، والإبهاج 2/ 358، والمغني 9/ 68.

وقال الحنفية: لا بد أن يقول المعدل: هو حر عدل جائز الشهادة، وقيل: يكتفى بقوله: هو عدل، وقد ذكر ابن همام للتزكية مراتب فانظرها في التيسير 3/ 49.

وانظر: الهداية للمرغيناني 3/ 118، والجوهرة النيرة شرح القدوري 2/ 327، والحنابلة قالوا: يكفي قوله: أشهد أنه عدل. انظر: المغني لابن قدامة 9/ 68.

(4)

"هو" في ز.

(5)

وقد روى عنه ابن وهب أن للمزكي أن يقول: لا أعلم إلا خيرًا، انظر: المنتقى للباجي 5/ 196، وانظر النص على قوله عدل رضا في: إحكام الفصول 1/ 372، والكافي لابن عبد البر 2/ 900، والقوانين الفقهية ص 266، وشرح المسطاسي ص 111.

(6)

"فلا" في ز.

(7)

انظر: الرسالة لابن أبي زيد ص 111.

(8)

انظر: التلقين للقاضي عبد الوهاب ورقة/ 117/ ب، مخطوط في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم: ج 672، وفيه: ولا يغني عنه غيره.

ص: 117

قال بعضهم: هذا اللفظ الذي هو عدل رضا بمنزلة أم القرآن [في الصلاة](1) لأنها تغني عن غيرها من القرآن ولا يغني غيرها عنها.

قوله: ولا يغني غيره عنه كإذا قال: هو نعم العبد، أو نعم الرجل، أو نعم الإنسان، أو مقبول الشهادة، أو جائز الشهادة، أو غير ذلك، فلا يزكى بذلك (2).

ولا يزكي الشاهد إلا من هو عارف بحاله ظاهرًا وباطنًا (3) كما قال عمر رضي الله عنه في رجل زكى شاهدًا عنده: هل ساكنته؟ هل سافرت معه؟ هل عاملته بالدنانير والدراهم التي تقطع الرحم؟ فقال: لا، فقال:[ائتني بغيره](4)(5)(6).

(1) ساقط من ز.

(2)

انظر: الكافي لابن عبد البر 2/ 900، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 266.

وقد مر بنا أن الباجي نقل عن مالك رواية أخرى، وهي قوله: لا أعلم إلا خيرًا.

انظر: المنتقى 5/ 196، ونقل عن القاضي أبي بكر أنه قال: كل لفظ يخبر به عن العدالة والرضى صح التعديل به، انظر: إحكام الفصول 1/ 372.

(3)

انظر: المنتقى 5/ 195، والكافي لابن عبد البر 2/ 901، والمغني لابن قدامة 9/ 68.

(4)

ساقط من ز.

(5)

في ز زيادة: "يا ابن أخي لا تعرفه".

(6)

أخرجه البيهقي في الكبرى 10/ 125، عن خرشة بن الحر، وفيه: فعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع، وأخرج مثله الخطيب في الكفاية ص 144. وقد ذكره الصنعاني في سبل السلام 4/ 259، ونسبه لابن كثير في الإرشاد، قال: قال ابن كثير: رواه البغوي بإسناد حسن. قلت: ولم أقف عليه في شرح السنة.

وقد ذكره صاحب المغني 9/ 64، بقريب من هذا اللفظ.

ص: 118

قال مالك: ولا يكفي (1) في ذلك مصاحبة شهر (2)(3).

واختلف في هذين اللفظين قيل: مترادفان، وقيل: متباينان.

فإذا قلنا: متباينان، فقيل: عدل في أفعاله، [و] (4) رضا معناه: مأمون من التخيل (5) عليه في شهادته.

وقيل: عدل فيما بينه وبين الله، رضا فيما بينه وبين الناس.

واختلف في هذين اللفظين، هل يكتفى بأحدهما (6) عن الآخر أم لا؟

[قولان](7)(8)، سببهما: الاختلاف المذكور في ترادفهما وتباينهما، فإذا قلنا بترادفهما فيكتفى بأحدهما عن الآخر، وإذا قلنا بتباينهما فلا يكتفى بأحدهما عن الآخر.

ومعنى السماع المتواتر: هو خبر أقوام عن أمر محسوس يستحيل تواطؤهم على (9) الكذب عادة، كما تقدم بيانه أول الباب (10).

(1)"يكتفى" في ز.

(2)

في ز: "مصاحبة شهرا".

(3)

انظر: المنتقى للباجي 5/ 195.

(4)

ساقط من ز.

(5)

كذا في النسختين، وهي بمعنى التخييل، وهو الوهم وتوجيه التهمة، لأنه يقول: يشبه أن يكون كذا، لعله أن يكون كذا. انظر: القاموس المحيط مادة: (خال)، والصحاح، ومعجم مقاييس اللغة، مادة:(خيل).

(6)

"أحدهما" في الأصل.

(7)

ساقط من ز.

(8)

انظر: المنتقى للباجي 5/ 196، والكافي لابن عبد البر 2/ 900.

(9)

"عن" في الأصل.

(10)

انظر: مخطوط الأصل صفحة 273، وصفحة 27 من هذا المجلد.

ص: 119

ومعنى السماع المستفيض: هو السماع المنتشر ولم يبلغ حد التواتر.

قال ابن الحاجب في الأصول: والمستفيض ما زادت نقلته على ثلاثة. انتهى (1).

ولكن هذا على القول بأن الخبر (2) ثلاثة أقسام: تواتر، وآحاد، ومستفيض.

والمشهور أنه محصور في قسمين خاصة، وهو التواتر، والآحاد، [و](3) لا ثالث لهما.

فقولنا: السماع المتواتر والمستفيض تثبت (4) بهما العدالة، وذلك أنا نقطع بعدالة أقوام من العلماء والصلحاء من سلف هذه الأمة ولم نختبرهم، بل بالسماع المتواتر أو المستفيض.

وقد نص الفقهاء بأن (5) من عرف بالعدالة لا تطلب تزكيته (6).

وأما رواية العدل كإذا قال العدل: رويت هذا عن فلان، هل ذلك

(1) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 55.

(2)

"على" زيادة في ز.

(3)

ساقط من ز.

(4)

"ثبتت" في الأصل.

(5)

"على أن" في ز.

(6)

انظر: الكفاية للخطيب ص 147، والكافي لابن عبد البر 2/ 900، وشرح المسطاسي ص 111، ومقدمة ابن الصلاح ص 218، وشرح القرافي ص 365.

ص: 120

تعديل لفلان؟ ففيه ثلاثة أقوال: مشهورها التفصيل (1).

قال ابن الحاجب في الأصول: [و](2) رواية العدل ثالثها المختار، تعديل إن كانت عادته أنه لا يروي إلا عن عدل. انتهى (3).

قوله: (واختلف الناس في اشتراط العدد في التزكية والتجريح، فشرطه (4) بعض المحدثين في التزكية والتجريح، في الرواية والشهادة،

(1) ذهب أكثر العلماء إلى المنع من كون رواية الثقة عن المجهول تعديلاً له، كذا حكاه الباجي في إحكام الفصول 1/ 376، واختاره الشيرازي في اللمع ص 229، والتبصرة ص 339، وحكاه أبو الخطاب في التمهيد 3/ 129 عن الشافعية، وهو رواية عن أحمد.

وأشار لهذا المذهب: صاحب البرهان فقرة 563، وابن الحاجب في مختصره 2/ 66.

والقول الثاني: أنها تعديل: نسبه صاحب اللمع ص 229 لبعض الشافعية، وكذا فعل في التبصرة ص 339، وهو رواية عن أحمد كما في العدة 3/ 934 اختارها أبو يعلى، وانظر: التمهيد 3/ 129، الروضة ص 118.

وانظر هذا القول في إحكام الفصول للباجي 1/ 376، والبرهان فقرة 563، وشرح العضد 2/ 66.

والقول الثالث: التفصيل بين أن يكون لا يروي إلا عن الثقات فتقبل وتكون تعديلاً، أو إذا كان يروي عنهم وعن غيرهم فلا تكون تعديلاً.

وقد اختار هذا الرأي: الجويني في البرهان فقرة 563، والباجي في إحكام الفصول 1/ 376، والرازي في المحصول 2/ 1/ 589، والآمدي في الإحكام 2/ 89، وانظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 66، وشرح المسطاسي ص 111.

(2)

ساقط من ز.

(3)

انظر: مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2/ 66.

(4)

"فشرط" في أ.

ص: 121

واشترطه القاضي أبو بكر [في تزكية](1) الشهادة فقط (2)، واختاره [الإمام](3) فخر الدين) (4).

ش: اختلف الأصوليون هل يكتفى بمزكٍ واحد ومجرح واحد في الرواية والشهادة (5)؟ أو لا بد من اثنين في الرواية والشهادة (6)، أو التفصيل بين الرواية

(1) غير واضحة في الأصل.

(2)

قال صاحب المحصول 2/ 1/ 585، وقال القاضي أبو بكر: لا يشترط العدد في تزكية الشاهد ولا في تزكية الراوي، وإن كان الأحوط في الشهادة الاستظهار بعدد المزكي. اهـ. فهذا يدل على أن القاضي يقول بالواحد، وهو الذي نقله عنه الآمدي في الإحكام 2/ 85، وابن السبكي في الإبهاج 2/ 356، والعضد 2/ 64، ونقل حلولو ص 314 عنه مثلما نقل الرازي، وحكى المسطاسي القولين في شرحه ص 112. قال: وقيل: يكتفى بواحد في الجميع، قاله أبو بكر، وقيل: يكتفى بواحد في الرواية دون الشهادة، وإليه ذهب القاضي. اهـ. إلا أن يريد بالقاضي عبد الوهاب فيكون قول القاضي أبي بكر هو الأول من هذين القولين فقط.

(3)

ساقط من أ، وخ.

(4)

انظر: المحصول 2/ 1/ 585.

(5)

نسب هذا المذهب الباجي إلى أكثر أهل العلم، وصححه، واختاره أيضًا الشيرازي، ونسبه صاحب المحصول إلى القاضي أبي بكر، وجعل شرطه الاثنين في الشهادة احتياطًا، وكذا نسبه له الآمدي وابن السبكي.

أما صاحب البرهان فجعل مرد العدد إلى حصول الثقة، فلو حصلت بواحد قبل.

انظر: البرهان فقرة 562، واللمع ص 228، وإحكام الفصول 1/ 369، والمحصول 2/ 1/ 585، والإبهاج 2/ 356، والإحكام للآمدي 2/ 85، وشرح العضد 2/ 64، والكفاية للخطيب ص 161.

(6)

نسبه الشوشاوي لبعض المحدثين، وكذا نسبه لهم الرازي في المحصول 2/ 1/ 585 وصاحب الإبهاج 2/ 356، ونسبه الشيرازي لبعض الشافعية، فانظر اللمع ص 228، ونسبه الباجي في إحكام الفصول 1/ 369 لكثير من الفقهاء، وانظر: شرح العضد 2/ 64، والإحكام للآمدي 2/ 85.

ص: 122

والشهادة، على ثلاثة أقوال.

والقول الذي عليه الجمهور: التفصيل: أي يكتفى بواحد في التعديل والتجريح في الرواية، وأما الشهادة فلا بد في تعديلها وتجريحها من اثنين (1).

حجة اشتراط العدد فيهما، أي في الرواية الشهادة: قياسًا لهما على الترشيد، والتسفيه، والكفاءة، وغيرهما (2) لأن الجميع صفات (3)، وقياسًا (4) لهما أيضًا على الشهادة (5).

حجة القول بالاكتفاء بالواحد فيهما: قياسًا على الرواية (6).

حجة القول بالتفصيل: إلحاقًا للفرع بأصله تسوية بين البابين، وذلك أن الرواية يكتفى فيها بواحد على الصحيح، فيكتفى بواحد في التعديل والتجريح فيها.

والشهادة لا يكتفى فيها بواحد فلا بد فيها من اثنين، فكذلك لا بد من اثنين في التزكية والتجريح فيها، تسوية بين الفرع وأصله (7).

(1) انظر: المحصول 2/ 1/ 585، والإبهاج 2/ 356، والإحكام للآمدي 2/ 85، وشرح العضد على ابن الحاجب 2/ 64، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 129، والروضة ص 117، والكفاية للخطيب ص 160، 161، ومقدمة ابن الصلاح ص 223.

(2)

كذا في النسختين، والأولى:"وغيرها".

(3)

انظر: شرح القرافي ص 365، والمسطاسي ص 112.

(4)

"وقياس" في ز.

(5)

انظر: شرح المسطاسي ص 112.

(6)

انظر: شرح المسطاسي ص 112.

(7)

انظر: شرح القرافي ص 365، وشرح المسطاسي ص 112.

ص: 123

قوله: (في تزكية الشهادة)، يريد: وتجريحها.

قوله: (وقال الشافعي: يشترط إِبداء سبب التجريح دون التعديل لاختلاف المذاهب (1) والعدالة شيء واحد (2)، وعكس قوم لوقوع الاكتفاء بالظاهر في العدالة دون التجريح (3)، ونفى ذلك القاضي أبو بكر فيهما) (4).

ش: واختلف في إظهار سبب التجريح والتعديل، هل يشترط أم لا؟ علي أربعة أقوال:

(1)"في ذلك" زيادة في ش.

(2)

ذكر هذا المذهب عن الشافعي صاحب البرهان فقرة 560، والباجي في إحكام الفصول 1/ 383، والرازي في المحصول 2/ 1/ 586، والآمدي في الإحكام 2/ 86، وابن الحاجب 2/ 65، والخطيب في الكفاية ص 178، وما ذكروه عن الشافعي موافق لما أورده رحمه الله في كتاب الأقضية من الأم إلا أنه اشترط في المعدل أن يعرف من عدله معرفة باطنة. فانظر الأم 6/ 205.

وقد أورده القاضي رواية ظاهرة عن أحمد، فانظر العدة 3/ 931، ونسبه الخطيب في الكفاية ص 166، 179 إلى الأئمة من حفاظ الحديث كالبخاري ومسلم وأبي داود وغيرهم، وانظر تدريب الراوي 1/ 305. وقد اختار هذا المذهب الشيرازي في اللمع ص 229.

(3)

نسب الجويني في البرهان هذا المذهب إلى القاضي ومال إليه، ثم رجح أن الأمر يرد إلى حال الجارح والعدل من حيث معرفته بالجرح والتعديل وشدته ولينه فيهما. انظر الفقرتين 560 و561.

وانظر هذا المذهب في المحصول 2/ 1/ 587، والإبهاج 2/ 357، والإحكام للآمدي 2/ 86، ومختصر ابن الحاجب 2/ 65.

(4)

انظر: المحصول 2/ 1/ 587، ومختصر ابن الحاجب 2/ 65، والإحكام للآمدي 2/ 86، والإبهاج 2/ 357. وقد نسبه الباجي في إحكام الفصول 1/ 374، 383 إلى الجمهور واختاره إن كان المجرح أو المعدل عدلاً عالمًا بهما، واختاره أيضًا الآمدي، والرازي، والقرافي في شرحه ص 366.

ص: 124

قيل: يشترط في التعديل والتجريح، وقيل: لا يشترط فيهما، وقيل: يشترط في التجريح دون التعديل، وقيل: بالعكس.

ذكر المؤلف ثلاثة أقوال وسكت عن القول باشتراطه فيهما (1).

حجة القول باشتراط إظهار سبب التجريح والتعديل: الاحتياط، لأن الإنسان قد يعتقد أن شيئًا جرحة ويعتقد غيره أن ذلك الشيء ليس بجرحة، فالاحتياط (2) إظهار السبب (3).

حجة القول بعدم إظهار (4) السبب فيهما (5): أن العالم المتقن لا يجرح ولا يعدل إلا بما لو صرح به عند الحاكم لكان موجبًا للتجريح أو التعديل، وحينئذ يكتفي الحاكم بعلمه عن سؤاله (6).

حجة القول باشتراط ذلك في التجريح دون التعديل: أن ذلك لاختلاف المذاهب في سبب التجريح، فقد يعتقد إنسان في شيء أنه موجب للجرح، ويعتقد غيره أن ذلك الشيء بعينه غير موجب للجرح، فيحتاج (7) إلى إظهار سبب التجريح (8).

(1) انظر هذا المذهب في: البرهان فقرة 560، وإحكام الفصول للباجي 1/ 374، 383، والمحصول 2/ 1/ 587، والإحكام للآمدي 2/ 86، وشرح العضد 2/ 65، وشرح المسطاسي ص 112.

(2)

"الاحتياط" في الأصل.

(3)

انظر: شرح المسطاسي ص 112.

(4)

"اشتراط" في ز.

(5)

"فيها" في ز.

(6)

انظر: شرح المسطاسي ص 112.

(7)

"وليحتاج" في ز.

(8)

انظر: شرح المسطاسي ص 112.

ص: 125

قوله: (لاختلاف المذاهب)[أي لاختلاف المذاهب](1) فيما يجرح به بخلاف سبب العدالة فهو واحد، وهو اجتناب الكبائر وبعض الصغائر والإصرار عليها، والمباحات القادحة في المروءة، وذلك يجمعها اجتناب القادحات.

حجة القول باشتراط الإظهار في التعديل دون التجريح: أن الناس يسرعون كثيرًا إلى الاعتماد (2)[على](3) الظاهر (4)،/ 283/ بخلاف التجريح فلا بد من الاطلاع على سببه (5).

والصحيح من هذه الأقوال عدم الاشتراط فيهما، لأجل الاحتياط (6)، وهو قول القاضي أبي (7) بكر رحمه الله.

وأما ما احتجوا به من اختلاف المذاهب، فلا حجة فيه؛ لأن العالم

(1) ساقط من الأصل.

(2)

"الاعتقاد" في الأصل.

(3)

ساقط من ز.

(4)

"بالظاهر" في ز.

(5)

انظر: شرح المسطاسي ص 110.

(6)

في الأسلوب لبس، فإن كان مراده الصحيح من الأقوال: عدم الاشتراط فيهما، وحجته الاحتياط، فغير مسلم؛ لأن الاحتياط هو في اشتراط السبب فيهما، كما سبق بيان ذلك في حجج الأقوال، وإن أراد غير ذلك فلم يظهر لي.

أما حجة هذا القول فهي ما ذكره صاحب المحصول وغيره عن القاضي أنه إن لم يكن بصيرًا بهذا الشأن لم تصح تزكيته، وإن كان بصيرًا فلا معنى للسؤال. اهـ.

انظر: المحصول 2/ 1/ 587، والإبهاج 2/ 357، والمستصفى 1/ 162.

(7)

"أبو" في ز.

ص: 126

المتقن (1) لا يجرح بأمر مختلف فيه، يمكن التقليد فيه، ولا يفسق بذلك إلا جاهل، فما من مذهب إلا وفيه [أ](2) مور ينكرها أهل المذاهب الأخر، ولو صح التفسيق بذلك لفسقت كل طائفة طائفة أخرى، وذلك يؤدي إلى تفسيق جميع الأمة، وذلك خلاف الإجماع، فالمذاهب كلها مسالك إلى الجنة وطرق إلى السعادة فمن سلك منها طريقًا وصله إلى الجنة، فكل من قلد تقليدًا صحيحًا فهو مطيع لله تعالى، وإن [كان](3) غيره من [أهل](4) المذاهب مخالفًا في ذلك (5).

قال المؤلف في شرحه: وأما الاكتفاء بالظاهر فهو شأن الجهلة والأغبياء، الضعفاء الحزم والعزم، ومثل هؤلاء لا ينبغي للحاكم الاعتماد على قولهم في التزكية، وكل من كان يغلب عليه حسن الظن بالناس فلا ينبغي أن يكون مزكيًا ولا حاكمًا لبعده من الحزم، وقد قال عليه السلام:"الحزم سوء الظن"(6)(7) فمن ضيع سوء الظن فقد ضيع الحزم، ثم لا ينبغي أن يبني على سوء ظنه شيئًا

(1)"المتيقن" في الأصل.

(2)

ساقط من ز.

(3)

ساقط من ز.

(4)

ساقط من ز.

(5)

انظر: شرح القرافي ص 366، وشرح المسطاسي ص 112.

(6)

حديث ضعيف، أخرجه الديلمي في مسنده عن علي بن أبي طالب موقوفًا، وقد روي مرسلاً عن عبد الرحمن بن عايد يرفعه، وهو ضعيف أيضًا، وفي معناه ما روي من قوله:"احترسوا من الناس لسوء الظن". قال في الكشف: وجميع طرقه بمعانيه المختلفة يتقوى بعضها ببعض. انظر: تمييز الطيب من الخبيث ص 67، وكشف الخفا 1/ 56 و426، والغماز على اللماز ص 61.

(7)

انظر: شرح المسطاسي ص 112.

ص: 127

إلا لمستند شرعي، وهو معنى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (1)، أي: اجتنبوا العمل (2) به حتى يثبت بطريق شرعي (3)، فالحق مذهب القاضي. انتهى نصه (4).

قال ابن الحاجب في الفروع في كتاب الشهادات (5): ولا يجب ذكر سبب التعديل، وفي سبب الجرح، ثالثها لمطرف: إن كان عالمًا بوجهه لم يجب، ورابعها لأشهب: إن كان غير مبرز لم يجب. انتهى نصه (6).

قوله: (ويقدم الجرح على التعديل، إِلا أن يجرحه بقتل إِنسان (7) فيقول المعدل رأيته حيًّا (8)، وقيل: يقدم المعدل إِذا (9) زاد (10) عدده).

ش: قوله: (ويقدم الجرح على التعديل)، يعني: مطلقًا، سواء كان

(1) الحجرات: 12.

(2)

"العلم" في ز.

(3)

انظر: تفسير البحر المحيط 8/ 114.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 366، وانظر: شرح المسطاسي ص 113.

(5)

"الشهادة" في ز.

(6)

انظر: جامع الأمهات المعروف بالفروع لابن الحاجب ورقة/ 89/ ب، من مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 887 د.

(7)

"معين" زيادة في ش.

(8)

انظر: المحصول 2/ 1/ 588، والإبهاج 2/ 357، والإحكام للآمدي 2/ 87، وشرح العضد 2/ 65، 66، وشرح القرافي ص 366.

(9)

"ان" في ش.

(10)

"زاي" في أ.

ص: 128

عدد المجرح (1) أكثر أو أقل أو مساويًا لعدد المعدل (2).

أما إذا كان عدد المجرح أكثر، فلا خلاف أنه يقدم، قاله القاضي عياض في الإكمال (3)(4).

وإن كان عدد المجرح أقل أو مساويًا، فقولان، مشهورهما: يقدم الجرح أيضًا (5).

وقيل: يقدم التعديل إذا كان عدد الجرح أقل (6)، ولا يقدم أحدهما على الآخر إذا تساويا لتعارضهما (7).

حجة القول بتقديم الجرح مطلقًا: أن المجرح اطلع على ما لم يطلع عليه

(1)"المجروح" في الأصل.

(2)

انظر: الكفاية للخطيب ص 175 و177، وإحكام الفصول للباجي 1/ 389، وقد نقله عن أبي بكر فيما إذا كان المجرح مساويًا للمعدل أو أكثر، ونسب لأكثر الناس تقديم المجرح ولو زاد عدد المعدل. وانظر: شرح المسطاسي ص 113.

(3)

اسمه: إكمال المعلم بفوائد كتاب مسلم، كمل به كتاب المعلم للمازري، (ت 536 هـ)، وهناك كتاب إكمال إكمال المعلم لأبي عبد الله محمد بن خليفة الوشتاني (ت 827 هـ)، انظر: كشف الظنون 1/ 557، وفهرسة ما رواه عن شيوخه لأبي بكر بن خير ص 196.

(4)

انظر: الإكمال ص 13 مخطوط بالخزانة العامة بالرباط برقم/ ج/ 933.

(5)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 389، والمسطاسي ص 113.

وقد ذكر الشيرازي في اللمع ص 229، القول بتقديم الجرح فيما إذا عدله واحد وجرحه واحد.

(6)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 389، وقد ضعفه الرازي في المحصول 2/ 1/ 588، وقال الآمدي في الإحكام 2/ 87، ويصح ترجيح أحدهما على الآخر بكثرة العدد. اهـ.

وانظر: شرح القرافي ص 366، وشرح المسطاسي ص 113.

(7)

ذكره الباجي عن بعض فقهاء المالكية، انظر: إحكام الفصول 1/ 389.

ص: 129

المعدل، فلا منافاة بين البينتين (1).

حجة القول بتقديم المعدل إذا زاد عدده: أن الكثرة تقوي الظن، والعمل بالراجح متعين (2).

جوابه: أن المجرح اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل فلا منافاة، ولأن المجرح مستنده العلم، والمعدل مستنده الظن، ولا يعارض العلم بالظن (3).

وأما من قال: لا يقدم أحدهما على الآخر عند التساوي، فلا وجه له، ولأجل ذلك حمله الباجي على الصورة المخصوصة (4)، وهي الصورة التي استثناها المؤلف بقوله: إلا أن يجرحه بقتل إنسان فيقول المعدل: رأيته حيًا، يعني: أن الجرح يقدم على التعديل مطلقًا إلا إذا ذكر المجرح سبب التجريح ونفاه المعدل، مثل أن يقول المجرح: رأيت هذا الشاهد قتل فلانًا ظلمًا، ويقول المعدل: رأيت ذلك الفلان بعد ذلك التأريخ حيًا، فإن البينتين ها هنا متعارضتان، فلا تقدم إحداهما على الأخرى (5).

ومثاله أيضًا: أن يقول المجرح: رأيت هذا الشاهد يشرب الخمر أمس، ويقول المعدل: هو لم يفارقني أمس (6) من الصباح إلى الغروب، فلا خلاف في

(1) انظر: شرح المسطاسي ص 113.

(2)

انظر: شرح المسطاسي ص 113.

(3)

انظر: شرح المسطاسي ص 113.

(4)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 391.

(5)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 390، 391، والمحصول 2/ 1/ 588، وشرح العضد على ابن الحاجب 2/ 65، 66، والإبهاج 2/ 357، والإحكام للآمدي 2/ 87.

(6)

"بالأمس" في الأصل.

ص: 130

مثل هذا أنه لا يقدم أحدهما على الآخر لحصول التعارض من كل وجه، ولا يمكن أن يقال ها هنا: إن المجرح اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل، لأن كل واحد منهما ادعى المعرفة بما (1) أخبر به، فقد حصل التعارض، فوجب (2) التوقف، وإلا لزم الترجيح (3) من غير مرجح وهو محال، فيتساقطان [و](4) كأنهما لم يكونا، فيرجع إلى [الاستصحاب أي إلى](5) استصحاب الحالة السابقة قبل قيام هاتين البينتين (6).

(1)"فيما" في ز.

(2)

"فيجب" في ز.

(3)

"التجريح" في ز.

(4)

ساقط من ز.

(5)

ساقط من ز.

(6)

انظر: شرح القرافي ص 366، وشرح المسطاسي ص 113.

ص: 131

الفصل السادس في مستند (1) الراوي (2)

ش: أي: [في](3) بيان الشيء الذي يستند إليه راوي الحديث.

والمستند في ذلك إما علم أو ظن (4)، فذكر المؤلف في ذلك المستند أربع مراتب (5).

قوله: (فأعلاه (6): أن يعلم قراءته على شيخه، [أ](7) وإِخباره [له](8)،

(1)"مسند" في أ.

(2)

بدأ ناسخ ز كعادته في سرد المتن ثم عاد للشرح.

(3)

ساقط من ز.

(4)

"وأما ظن" في ز.

(5)

جل الأصوليين أدرج مسائل هذا الفصل ضمن كيفية الرواية التي سيذكرها المؤلف في الفصل التاسع، انظر: شرح حلولو ص 315، وقد ذكر مسائل هذا الفصل مفردة صاحب المعتمد 2/ 627، وجعلها بعنوان: فصل: في الرواية من الكتاب، وهو أقرب من عنوان المؤلف، وصاحب المحصول 2/ 1/ 595، وجعلها تحت عنوان: الفصل الثاني: في الأمور التي يجب ثبوتها حتى يحل للراوي أن يروي الخبر.

ولعلك وأنت تعرف العلاقة بين المعتمد والمحصول، وبين المحصول والتنقيح تفسر إفراد المؤلف لمسائل هذا الفصل.

(6)

"فأعلى مراتبه" في ش: وهو اجتهاد من المحقق. فانظر: شرح القرافي ص 367.

(7)

ساقط من أ.

(8)

"به" في خ، وش، وهي ساقطة من أ.

ص: 133

أو يتفكر (1) ألفاظ قراءته).

ش: أي فأعلى مستند الراوي، أي فأعلى مراتب [مستند] (2) الراوي: أن يعلم الراوي قراءته، أي: أن يعلم أنه قرأ الحديث على شيخه (3).

قوله: (أو إِخباره له)، أي: أن يعلم الراوي إخبار الشيخ له بالحديث، أي أن يعلم الراوي أن الشيخ (4) حدثه بالحديث (5).

قوله: (أن يعلم قراءته أو إِخباره له)، معنى ذلك أن يقره الشيخ على ذلك بأن يقول له: الأمر كما قرأت (6).

قوله: (أو يتفكر ألفاظ قراءته)، أي أن يتذكر الراوي ألفاظ قراءة شيخه وهو يسمع (7).

قال المسطاسي: تذكر ألفاظ قراءة الشيخ أقوى من الأول (8)، والمؤلف

(1)"بتفكر" في خ، وفي المحصول: ويتذكر بواو التشريك، وكذا في المعتمد، وهي أحسن في هذا الموضع من "أو".

(2)

ساقط من ز.

(3)

انظر: المعتمد 2/ 627، والمحصول 2/ 1/ 595، وجمع الجوامع 2/ 174.

(4)

"شيخه" في ز.

(5)

انظر: المعتمد 2/ 627، والمحصول 2/ 1/ 595.

(6)

سبق أن بين أن معنى قراءته هو قراءة التلميذ على الشيخ، ومعنى إخباره هو تحديث الشيخ التلميذ بالحديث، وظاهر كلام الشوشاوي هنا تفسير الإخبار بأنه الإقرار، وقد تبع في هذا المسطاسي ص 113.

(7)

سبق التنبيه على أنها في المحصول والمعتمد بالواو.

قلت: ولا يمنع أن يكون التذكر لألفاظه هو في أثناء قراءته على شيخه ولألفاظ شيخه في أثناء تحديثه.

(8)

انظر: جمع الجوامع 2/ 174، حيث قدم قراءة الشيخ على غيرها، وانظر: شرح العضد 2/ 69.

ص: 134

ساوى بين الأمرين، وليس الأمر كذلك، فإن السمع من الشيخ مشافهة أقوى من إقراره على القراءة، لأنهم لم يختلفوا في سماعه مشافهة، أن له أن يقول: حدثني وأخبرني مطلقًا، واختلفوا في إقراره على القراءة، هل له أن يقول أخبرني مطلقًا، أو لا يقول إلا أخبرني قراءة (1) عليه؟ (2).

قوله: (وثانيهما: أن يعلم قراءة جميع الكتاب ولا يذكر الألفاظ ولا الوقت)(3). / 284/

ش: يعني أن يعلم أنه روى جميع الكتاب عن شيخه وجزم بروايته عن شيخه من حيث الجملة، ولكن لم يذكر (4) تلك الألفاظ ولا تذكر وقت الرواية من الأعوام أو الشهور أو الأيام، فيجوز العمل بما رواه لحصول الثقة بذلك، بمنزلة من قطع بأنه رأى مسألة في كتاب ولا يذكر (5) صورة حروفها، فإنه يجوز له الاعتماد على ما جزم به من ذلك (6).

قوله: (أن يعلم قراءة (7) جميع الكتاب)، يريد أو حدثه الشيخ [به](8)(9).

(1)"قرأت" في ز.

(2)

انظر: شرح المسطاسي ص 113، 114.

(3)

انظر: اللمع ص 233، والمعتمد 2/ 627، والمحصول 2/ 1/ 595، والمسطاسي ص 114.

(4)

"يتذكر" في ز.

(5)

"ولا تذكر" في ز.

(6)

انظر: شرح القرافي ص 367.

(7)

"قراءته" في ز.

(8)

ساقط من ز.

(9)

انظر: المعتمد 2/ 627، والمحصول 2/ 1/ 595.

ص: 135

قوله: (وثالثها: أن يشك في سماعه فلا تجوز له روايته (1)(2) بخلاف الأولين).

ش: لأن الشاك (3) لا مستند له لا علم ولا ظن (4).

قوله: (ورابعها: أن يعتمد على خطه، فيجوز عند الشافعي وأبي يوسف ومحمد (5)، خلافًا لأبي حنيفة).

ش: يعني أن الراوي لم يتذكر (6) سماعه ولا قراءته، لكنه يظن ذلك لما رآه من خطه.

قوله: (أن يعتمد على خطه)، يحتمل [الضمير](7) في خطه أن يعود على الشيخ، [أو أن](8) يعود (9) على نفس الراوي، وهو الظاهر والله أعلم (10).

(1)"رواية" في ش.

(2)

انظر: المعتمد 2/ 627، 628، والمحصول 2/ 1/ 595، وروضة الناظر ص 122.

(3)

"الشك" في ز.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 367، والمسطاسي ص 114.

(5)

في الأصل، علق الناسخ:"وأبي، قبل محمد"، وكتب في الهامش:"وأبي محمد"، وهو وهم منه.

(6)

"يذكر" في ز.

(7)

ساقط من ز، ومكانها بياض.

(8)

ساقط من ز.

(9)

"ويعود" في ز.

(10)

لا مانع من عوده عليهما معًا، بل وعلى غيرهما، وهو خط كل من يثق به الراوي.

انظر: الإحكام للآمدي 2/ 102، وروضة الناظر ص 122، والمغني للخبازي ص 222.

ص: 136

قوله: (ومحمد)(1) يعني به: أبا الحسين (2).

فذكر المؤلف قولين في الاعتماد على الخط في الرواية، وكذلك أيضًا في الاعتماد على الخط في الشهادة، فإذا جمعت بين الرواية والشهادة، فتقول (3): في الاعتماد على الخط ثلاثة أقوال:

قال مالك: يعتمد على الخط في الرواية والشهادة (4).

وقال أبو حنيفة: لا يعتمد على الخط [لا](5) في الرواية ولا في الشهادة (6).

وقال الشافعي: يعتمد على الخط في الرواية دون الشهادة (7).

(1)"وأبو محمد" في الأصل، وهو خطأ.

(2)

في ز: أبو الحسين، والصحيح: ابن الحسن، أي محمد بن الحسن الشيباني وكنيته أبو عبد الله.

(3)

"فنقول" في الأصل.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 367، والكافي لابن عبد البر 2/ 915، والمنتقى للباجي 5/ 199، والمسطاسي ص 114، وحلولو ص 315، وقد نقله الخبازي في المغني ص 222، وصاحب التوضيح 2/ 24 عن محمد بن الحسن.

(5)

ساقط من ز.

(6)

انظر: المغني للخبازي ص 222، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 24، وقد نسبه لأبي حنيفة صاحب المعتمد 2/ 628، والآمدي في الإحكام 2/ 102، وصاحب الروضة ص 122، وانظر: المحصول 2/ 1/ 596، والعدة 3/ 975، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 169، والمسطاسي ص 114، ونقله صاحب اللمع ص 234 عن بعض الشافعية.

(7)

وقد أومأ إليه أحمد كما في العدة 3/ 974، ورواه أهل الأصول عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، والصواب أنه عن أبي يوسف دون محمد، لأن محمدًا يقول به أيضًا في الشهادة كما سبق بيانه.

وانظر نسبته إليهم في المعتمد 2/ 628، والمحصول 2/ 1/ 596، والإحكام للآمدي =

ص: 137

حجة القول بالاعتماد مطلقًا: أن الإنسان قد يقطع بصور الحروف وأنها لم تتبدل بقرائن حالية قامت بتلك الحروف، ولا يمكن التعبير عن تلك القرائن، كما أن منتقد الذهب والفضة يقطع بجيدها ورديئها بقرائن في تلك الأعيان لا يمكنه (1) التعبير (2) عنها (3)(4).

حجة المنع من الاعتماد على الخط: قوة احتمال التزوير على الخط، ومن استقرأ (5) أحوال المزورين على الخطوط علم (6) أن وضع مثل الخط ليس من البعيد المتعسر وأنه من القريب المتيسر، حتى روى بعض المصنفين في مذهب مالك أنه رجع عن الشهادة على (7) الخط (8).

وذكر الباجي في إحكامه في الشهادة على الخط خمسة أقوال (9) في المذهب: تجوز، لا تجوز، تجوز على خط نفسه دون خط غيره، تجوز في

= 2/ 102، والعدة 3/ 975، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 169، وانظر: روضة الناظر ص 122، وشرح القرافي ص 367، والمسطاسي ص 114.

(1)

"ولا يمكنه" في ز.

(2)

"التلبيس" في ز.

(3)

"عنهما" في ز.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 367، والمسطاسي ص 114.

(5)

"استقر" في ز.

(6)

"على" في ز.

(7)

"في" في الأصل.

(8)

انظر: المنتقى للباجي 5/ 199، والكافي لابن عبد البر 2/ 915، وشرح القرافي ص 367، والمسطاسي ص 114، وشرح حلولو ص 315.

(9)

لم أجد هذه الأقوال في الإحكام للباجي، وإنما ذكرها في كتابه الموسوم بالمنتقى في شرح الموطأ 5/ 198 - 202، وانظرها في شرح المسطاسي ص 114.

ص: 138

الرق (1) دون غيره، تجوز إن لم يكن محو ولا ريبة في الوثيقة وإلا فلا (2).

حجة الشافعي رضي الله عنه القائل بقبول الشهادة على (3) الخط في الرواية دون الشهادة وجهان:

أحدهما: أن الرواية لا تتعلق بشخص معين؛ لأنها متعلقة بجميع الأمة فيضعف فيها التزوير؛ إذ لا يتصور أن يعادي أحد جميع الأمة إلى قيام الساعة، بخلاف الشهادة فإنها تتعلق بشخص معين، وهو مظنة العداوة.

الوجه الثاني: أن الشهادة غالبًا إنما تقع في الأموال النفيسة والأغراض (4) الخطيرة، فتقوى الداعية فيها على التزوير على ما تقتضيه الطباع البشرية، وبالله التوفيق (5)(6).

(1) كذا في النسختين، وفي شرح المسطاسي: يجوز إن كانت في رق وإلا فلا.

والظاهر أنه يريد بالرق: الجلد الرقيق الذي يكتب عليه، ولعل ذلك راجع إلى صعوبة تزوير ما كتب فيه، غير أني لم أجد هذا القول في كتب الباجي فيحتمل أن الكلمة صحفت عن: المقر؛ فإن الباجي ذكر عن ابن المواز: أن قول مالك لم يختلف في جواز الشهادة على خطه، ونقل عن الشيخ أبي القاسم أنه قال: فيه روايتان بالجواز والمنع، فانظر: المنتقى 5/ 202.

(2)

وذكر الباجي في المنتقى قولاً آخر: هو جواز الشهادة على خط الشاهد في الأموال خاصة، قاله مطرف وابن الماجشون. انظر: المنتقى 5/ 202.

وانظر أقوال المالكية في المعيار المعرب للونشريسي 10/ 196، 197 و210، 211.

(3)

"في" في الأصل.

(4)

"الأعراض" في ز.

(5)

"بمنه" زيادة في ز.

(6)

انظر الوجهين في: شرح القرافي ص 367، والمسطاسي ص 115.

ص: 139