المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع عشرفي القياس - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٥

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الباب السابع عشرفي القياس

‌الباب السابع عشر

في القياس

وفيه سبعة فصول:

الفصل الأول: في حقيقته.

الفصل الثاني: في حكمه.

الفصل الثالث: في الدال على العلة.

الفصل الرابع: في الدال على عدم اعتبار العلة.

الفصل الخامس: في تعدد العلل.

الفصل السادس: في أنواعها.

الفصل السابع: فيما يدخله القياس.

ص: 251

الباب السابع عشر في القياس

وفيه سبعة فصول

[ش](1) القياس شريف القدر، عظيم (2) الخطر، وهو أصل الرأي في استنباط الأحكام الشرعية، فمن علم تقاسيمه، وصحيحه وفاسده (3)، وجليه [وخفيه](4) فقد ظفر بعلم الفقه (5).

(1) ساقط من ط.

(2)

"وعظيم" في ز، وط.

(3)

"وماسده" في ز.

(4)

ساقط من ز.

(5)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 20/ 504 - 505: لفظ القياس مجمل يدخل فيه القياس الصحيح، والقياس الفاسد.

فالقياس الصحيح: هو الذي وردت به الشريعة، وهو الجمع بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين، الأول: قياس الطرد، والثاني: قياس العكس.

فالقياس الصحيح مثل أن تكون العلة التي علق بها الحكم في الأصل موجودة في الفرع من غير معارض في الفرع يمنع حكمها، وكذلك القياس بإلغاء الفارق، وهو ألا يكون بين الصورتين فرق مؤثر في الشرع.

فمثل هذه الأقيسة لا تأتي الشريعة بخلافه، وليس من شرطه أن يعلم صحته كل أحد، وحيث علمنا أن النص جاء بخلاف قياس، علمنا قطعًا أنه قياس فاسد؛ إذ ليس في الشريعة ما يخالف قياسًا صحيحًا. اهـ.

وانظر: البرهان فقرة 676 - 679، وشرح المسطاسي ص 129، وشرح حلولو ص 331.

ص: 253

والقياس في اللغة له معنيان:

أحدهما: المساواة، والآخر: التقدير (1).

فمن المساواة قولهم: فلان يقاس بفلان، أي يساوى (2)[به](3)، ويقال: فلان لا يقاس بفلان، [أي](4) لا يساوى (5)[به](6).

ومنه قول الشاعر:

يقاس المرء بالمرء

إذا ما المرء ماشاه

كحذو (7) النعل بالنعل

إذا ما النعل حاذاه (8)

(1) يمكن أن يقال: إن المعنيين يرجعان لمعنى واحد؛ إذ المساواة لازم التقدير؛ لأنها لا تعلم إلا به، ولذلك قال أصحاب المعاجم: قاس الشيء يقيسه قيسًا وقياسًا واقتاسه وقيسه، إذا قدره على مثاله اهـ. فلا تعرف المساواة إلا بعد التقدير.

قال في الصحاح: تقسى فلان القوم إذا تشبه بهم اهـ. فهو قدر فعلهم ثم ساواهم فيه.

وقال صاحب معجم المقاييس: قوس: أصل يدل على تقدير شيء بشيء، ومنه القياس وهو تقدير الشيء بالشيء.

انظر: اللسان (قيس)، وتاج العروس (قاس)، والصحاح (قوس)، و (قيس)، والمشوف المعلم (قيس)، ومعجم مقاييس اللغة (قوس).

(2)

"يساويه" في ز، وط.

(3)

ساقط من ز وط.

(4)

ساقط من ط.

(5)

"يساويه" في ز.

(6)

ساقط من ط.

(7)

"لحذو" في ز.

(8)

انظر: شرح المسطاسي ص 129.

ص: 254

وهذا الشعر منسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأوله:

[لا تصحب](1) / 297/ أخا الجهل

وإياك وإياه

فكم من جاهل أردى

حليمًا حين واخاه (2)

يقاس المرء بالمرء

إذا ما المرء (3) ماشاه

كحذو النعل بالنعل

إذا ما النعل حاذاه

وللشيء على الشيء (4)

مقاييس وأشباه (5)

وللقلب على القلب

دليل حين يلقاه (6)

(1) ساقط من ز، وط، وهو كذا في الأصل، وفي مخطوط كتاب الآجري أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز، وفي عيون الأخبار:(ولا تصحب)، وبه يستقيم الوزن.

(2)

كذا في النسخ الثلاث، وفي عيون الأخبار ومخطوط الآجري: آخاه، وهي اللغة الفصيحة، أما واخى فهي من كلام العامة على ما في الصحاح واللسان، ووجهها من القياس: حمل الماضي على المستقبل؛ إذ يقال في الفصيح: يواخي بقلب الهمزة واوا على التخفيف.

وقيل: واخيته لغة طيء، وروي عن الزيديين: آخيت وواخيت. انظر: اللسان والصحاح مادة: (أخا).

(3)

في الأصل: "إذا هو"، وفي عيون الأخبار:"إذا ما هو".

(4)

في ط: "وللشيء بالشيء".

(5)

"وامشاه" في ز، وط.

(6)

أوردها ابن قتيبة في عيون الأخبار 3/ 79 ما عدا الرابع، وهو قوله: كحذو النعل

إلخ، وقال قبلها: قال أبو قبيل: أسرت ببلاد الروم فاصبت على ركن من أركانها، ثم ساقها. وأورده في 2/ 182 أن أبا العتاهية قال:

وللقلب على القلب

دليل حين يلقاه

وللناس من الناس

مقاييس وأشباه

يقاس المرء بالمرء

إذا ما هو ماشاه =

ص: 255

وأما المعنى الآخر، وهو التقدير، فمنه قولهم: قست (1) الأرض بالقصبة [أو بالحبل](2) وقست (3) الثوب بالذراع، أي قدرته، وذلك راجع إلى القسمة بين الشيئين على وجه المساواة بينهما.

وأما حقيقة القياس في الشرع: فهو مساواة الفرع بالأصل في الحكم، وهو من باب تخصيص ما عممته اللغة، كتخصيص الدابة بالحمار عند أهل مصر، أو بالفرس عند أهل العراق.

= وفي العين غنى

للعين أن تنطق أفواه

وفي 3/ 8 أورد هذه الأربعة ونسبها لأبي العتاهية إلا أنه جعل بدل: وللناس من الناس

إلخ، وللشكل على الشكل

إلخ. وليست الأبيات في ديوان أبي العتاهية. وقد أورد الجاحظ في البيان والتبيين 1/ 101 ثلاثة أبيات ولم ينسبها، وهي:

وللقلب على القلب

دليل حين يلقاه

وفي الناس من الناس

مقاييس وأشباه

وفي العين غنى للمرء

أن تنطق أفواه

وفي مخطوط لكتاب الآجري المسمى أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز: روى أبو القاسم عبد الملك بن بشران قال: حدثنا أبو بكر الآجري قال: حدثنا أبو محمّد السكري: قال: حدثنا أبو يعلى الساجي قال: نا الأصمعي قال: حدثنا سلمة بن بلال عن مجالد عن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام فساق الأبيات ما عدا الرابع إلا أنه قال: حين آخاه، وقال: وللشيء من الشيء.

فانظر: راموز الصفحة الأخيرة من المخطوط في صفحة 43 من الكتاب المطبوع، وهي ضمن مجموع في ظاهرية دمشق برقم 30/ 1 مجموع.

(1)

"قسمت" في ز.

(2)

ساقط من الأصل.

(3)

"وقسمت" في ز.

ص: 256

فالقياس إذًا: حقيقة عرفية، مجاز لغوي (1).

قوله: (الفصل الأول: في حقيقته (2)، وهو إِثبات مثل حكم معلوم لمعلوم آخر، لأجل [ا](3) شتباههما (4) في علة الحكم عند المثبت.

فالإِثبات (5)، المراد به: المشترك بين العلم والظن والاعتقاد، ونعني بالمعلوم: المشترك بين المعلوم والمظنون (6).

وقولنا: عند المثبت، ليدخل فيه القياس الفاسد).

ش: [قوله]: (7) إثبات، هذا جنس وما بعده فصول، فالإثبات قدر مشترك بين العلم والظن والاعتقاد الجازم؛ لأن إثبات الحكم في الفرع أعم من كونه علمًا أو ظنًا أو اعتقادًا جازمًا، فقد اشتركت هذه الثلاثة في الإثبات،

(1) انظر: شرح القرافي ص 384، وشرح المسطاسي ص 129.

(2)

يعني: في حقيقته العرفية، أي تعريفه الاصطلاحي. وانظر هذا الحد في: المحصول 2/ 2/ 17. وانظر حد القياس اصطلاحًا. في: اللمع ص 275، والبرهان فقرة 681، والمستصفى 2/ 228، والإحكام للآمدي 3/ 183، وما بعدها، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 358، والعدة 1/ 174، وإحكام الفصول للباجي 2/ 603. والمعتمد 2/ 197، 1031، والمنخول ص 323، والإبهاج 3/ 5، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 204، والمغني للخبازي ص 285، والتوضيح 2/ 105، وتيسير التحرير 3/ 264، والمعالم للرازي ص 262، والإشارة للباجي ص 177، والوصول لابن برهان 2/ 216، وشرح القرافي ص 383، وشرح المسطاسي ص 129 - 130.

(3)

ساقط من ط.

(4)

"اشتراكهما" في خ.

(5)

"كالإثبات" في ط.

(6)

المظنون والمعلوم في أ، وخ بالتقديم والتأخير.

(7)

ساقط من ط.

ص: 257

وهو المطلوب (1).

وقوله: (مثل حكم معلوم)، وإنما قال: مثل، ولم يقل: إثبات حكم معلوم؛ لأن الحكم الثابت في الفرع ليس هو عين الحكم الثابت في الأصل، بل هو مثله لا عينه، وهما مختلفان بالعوارض، فقد يكون الأول ثابتًا بالنص [أ](2) وبالإجماع، ويكون الثاني ثابتًا (3) بالقياس، وحكم الأول لا خلاف فيه، وحكم الثاني مختلف فيه، غير أنه مثله من حيث إنه تحريم أو تحليل (4).

قوله: (حكم معلوم لمعلوم آخر)، احترازًا ممن قال: حد القياس: إثبات حكم الأصل في الفرع (5)؛ لأن الأصل والفرع لا يعقلان إلا بعد معرفة القياس، فتعريف القياس بهما (6) دور، فإذا قيل: إثبات مثل (7) حكم معلوم لمعلوم آخر اندفع الدور (8).

[و](9) قوله: (لأجل (10) اشتباههما في علة الحكم (11))، احترازًا من

(1) انظر: شرح القرافي ص 383، والمسطاسي ص 130، وشرح حلولو ص 331.

(2)

ساقط من ط.

(3)

"ثابت" في ز.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 384، والمسطاسي ص 130، وحلولو ص 332.

(5)

انظر: المعتمد 2/ 697، واللمع ص 275، والعدة 1/ 174، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 358، وشرح العضد 2/ 204.

(6)

"بما هو" في ز وط.

(7)

في ز: "إثباته"، "ومثل" ساقط من الأصل، وز.

(8)

انظر: شرح القرافي ص 383، والمسطاسي ص 130، وحلولو ص 331.

(9)

ساقط من ز، وط.

(10)

"لا على" في ط.

(11)

"الكم" في الأصل.

ص: 258

إثبات الحكم بالنص، [كما](1) لو ورد نص بتحريم الربا في الأرز كما ورد في البر، فإن ذلك لا يكون قياسًا (2).

قوله: (عند المثبت)، ليندرج (3) القياس الفاسد، فإنه قياس شرعي، فإنا لو قلنا: لأجل اشتباههما في علة الحكم خاصة، فإن ذلك لا يتناول إلا العلة المرادة للشرع، ولا يتناول العلة التي هي غير مرادة للشرع، فيخرج القياس الفاسد من الحد، فيكون الحد [غير](4) جامع (5)، لأن القياس الفاسد هو قياس شرعي (6).

وذلك أن العلماء لما اختلفوا في علة الربا، هل هي الطعم أو القوت أو الادخار (7) أو الكيل أو غير ذلك (8)؟ وقاس كل إمام بعلة اعتقدها،

(1) ساقط من ط.

(2)

انظر: شرح القرافي ص 383، والمسطاسي ص 130.

(3)

"ليتدرج" في ز.

(4)

ساقط من ط.

(5)

"لا جماع" في ط.

(6)

انظر: المحصول 2/ 2/ 16 - 17، 19، وشرح المسطاسي ص 130، وشرح حلولو ص 332.

(7)

في النسخ الثلاث بالعطف بأو، والأولى العطف بالواو؛ لأن أصحاب هذا القول وهم المالكية شرطوهما على الجمع لا على البدل، وهذا لا تفيده عبارة الشوشاوي، وانظر التعليق الآتي.

(8)

الربا نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة، وجمهور العلماء على وقوع الربا بهما، وقد روي عن بعض الصحابة كابن عباس، وابن الزبير، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، أنهم قالوا: إنما الربا في النسيئة.

لكن الجمهور على وقوع ربا الفضل في الأصناف الستة وهي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وهل يقاس عليها غيرها؟ الجمهور: نعم، وبعض التابعين: لا، وهو مذهب الظاهرية. =

ص: 259

أجمعت (1) الأمة (2) على أن الجميع أقيسة شرعية، سواء قلنا: كل مجتهد مصيب، أو قلنا: المصيب واحد.

فإن قلنا: كل مجتهد مصيب، فكل واحد مصيب للعلة المرادة للشرع.

وإن قلنا: المصيب واحد، وذلك الواحد المصيب لم يتعين، فيتعين أن يكون الجميع أقيسة شرعية، مع أن جميع تلك العلل غير مرادة للشرع (3)(4)،

= ثم المتفقون على إلحاق غيرها بها اختلفوا في علة القياس. فقيل: العلة في الذهب والفضة: الوزن، وفي الباقي: الكيل، وهو مشهور الحنابلة، ورأي الحنفية.

وقيل: العلة في الذهب والفضة: الثمينة، وفي الباقي: الطعم، وهو قول الشافعية، ورواية عند الحنابلة.

وقيل: العلة في الأربعة: القوت والادخار، وفي الذهب والفضة الثمينة والقيمية، وهو قول المالكية.

وأما كونه من جنس واحد، فهو شرط لربا الفضل عند جل العلماء، لقوله عليه السلام:"فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"، رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم 1587.

انظر: المغني 4/ 3 - 9، وبداية المجتهد 2/ 129 - 132، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 218، والتنبيه للشيرازي ص 56، والهداية للمرغيناني 3/ 61.

(1)

"اجتمعت" في ز.

(2)

"الأئمة" في ط.

(3)

"للشرعي" في ط.

(4)

قوله: جميع تلك العلل غير مرادة للشرع، فيه نظر؛ إذ لا يلزم من قولنا: المصيب واحد، كون تلك العلل جميعًا غير مرادة للشرع.

لأن واحدة منها، وهي علة المصيب مرادة للشرع في نفس الأمر؛ لأن الصواب لا يخرج عن أقوال الأمة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" الحديث. رواه البخاري في الاعتصام برقم 7311، ومسلم في الإمارة برقم 1923 واللفظ له: ثم إن باقي العلل مرادة للشرع ظاهرًا، ولذا كلف كل مجتهد باتباع اجتهاده، وجعل له أجرًا بذلك.

ص: 260

فالقياس بغير علة صاحب الشرع قياس فاسد، مع أنه قياس شرعًا، فلأجل هذا زاد المؤلف: عند المثبت، ليتناول (1) جميع العلل، كانت علة صاحب الشرع أو غيرها (2)(3).

(1)"يتناول" في ز.

(2)

انظر: شرح القرافي ص 384، والمسطاسي ص 130.

(3)

أورد المسطاسي على حد القرافي عددًا من الاعتراضات لم يذكرها الشوشاوي، منها:

1 -

أن القياس اشتمل على أمور متباينة، وهي الأصل والفرع والحكم والجامع، والحقائق المتباينة لا تدخل تحت حد واحد.

2 -

قوله: إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم فيه تعريف الشيء بثمرته، وهو دور.

3 -

قوله: لأجل اشتباههما في علة الحكم، لا يندرج فيه إلا قياس العلة، فلا يكون جامعًا.

فانظرها وغيرها، والإجابة عنها في شرح المسطاسي ص 130 - 131، كما أورد اعتراضات على الحدود الأخرى للقياس فانظر شرحه ص 131 - 132.

وانظر: شرح حلولو ص 331 - 332.

ص: 261