الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في حكمه
(وهو حجة عند مالك وجماهير العلماء، خلافًا لأهل الظاهر (1) لقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} (2)، ولقول معاذ رضي الله
(1) اختلف في القياس الشرعي على ثلاثة أقوال رئيسية، وهي:
(أ) أن العقل يجيز التعبد به، وقد ورد السمع بذلك، وهذا قول الجمهور، إلا أن بعضهم كأبي الحسن قال: إن دلالة السمع عليه ظنية.
(ب) أنه لا يجوز التعبد به عقلًا وسمعًا، وإليه ذهب النظام والشيعة وبعض المعتزلة، ونسبه في المحصول للظاهرية، وهو الظاهر من كلام ابن حزم في الإحكام، ونسبه إلى داود وأصحابه.
(جـ) جوازه عقلًا، ومنع الشرع منه، وهو الذي ينسب للظاهرية كما في اللمع والإشارة، وقيد الظاهرية مذهبهم في منع القياس بما يمكن ورود النص فيه.
وقال ابن السبكي في جمع الجوامع 2/ 204: ومنعه ابن حزم شرعًا، وداود غير الجلي. اهـ. فبناءً على هذا يكون قول داود هو إنكار القياس الخفي دون الجلي، لكن يرد هذا كلام ابن حزم حيث نفى أن يكون داود أو أحد من أصحابه قال بنوع من القياس.
وانظر المسألة في: نهاية السول 4/ 7، والبرهان فقرة 689 - 699، والمعتمد ص 705، والإشارة للباجي ص 177، واللمع ص 276، والمنخول ص 324، وأصول الفقه لابن مفلح 3/ 800، والإحكام للآمدي 4/ 5، والروضة ص 279، والمحصول 2/ 2/ 31، وإحكام الفصول 2/ 608، والمستصفى 2/ 234، والوصول لابن برهان 2/ 232 و243، والتوضيح 2/ 108، وأصول الشاشي ص 308، وفواتح الرحموت 2/ 310، والإحكام لابن حزم 2/ 1110، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 365، وشرح القرافي ص 285، وشرح المسطاسي ص 132، وحلولو ص 332 - 333.
(2)
الحشر: 2.
عنه: "أجتهد رأيي"، بعد ذكره للكتاب (1) والسنة).
ش: حجة الجمهور على أن القياس حجة شرعية: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب [فمن وجوه، أحدها](2):
قوله (3) تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي [الأَبْصَار] (4)} (5).
ووجه الاستدلال من هذه الآية: أن الاعتبار معناه تمثيل الشيء بالشيء وإجراء حكمه عليه (6)، فالاعتبار مأخوذ من العبور وهو المجاوزة (7)، ومنه قولهم: المعبر (8) للمكان الذي يعبر (9) منه من شاطئ الوادي (10)(11)، ومنه قولهم أيضًا: المعبر، للسفينة (12)، ومنه قولهم: العبرة (13)، للدمع؛ لأنها
(1)"الكتاب" في نسخ المتن وط.
(2)
ساقط من الأصل.
(3)
"فقوله" في الأصل.
(4)
ساقط من ز.
(5)
الحشر: 2.
(6)
انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة: (عبر).
(7)
"الجاوزه" في ط.
(8)
"المعتبر" في ز.
(9)
"يعتبر" في ز.
(10)
في النسخ الثلاث: الواو، بدون الياء.
(11)
المعبر: بفتح الميم والباء الموحدة وسكون العين المهملة، هو الشط المهيأ للعبور.
انظر: القاموس، والتاج، ومعجم المقاييس، واللسان، مادة:(عبر).
(12)
المعبر بكسرة فسكون ففتحة ما عبر به النهر من فلك ونحوه. انظر: المراجع السابقة.
(13)
"المعبرة" في ز، وط.
تعبر من الشقوق (1) إلى العين (2)، ومنه عابر الرؤيا؛ لأنه يتجاوز من تلك المثل المرئية إلى المراد (3)، فكأن القياس يتجاوز من حكم الأصل إلى حكم الفرع، فيتناول لفظ الآية القياس (4) بالاشتقاق (5)(6).
الوجه الثاني: قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (7)، فإن مقتضى (8) المشاورة: القياس والاجتهاد.
الوجه الثالث: قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (9).
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} (10).
(1) كذا في الأصل، وفي ز، وط: الشوق، ولم أجد لهما معنى يناسب السياق.
وفي شرح القرافي والمسطاسي: الشئون، جمع شأن، وهي ما بين قبائل الرأس، سميت بذلك لأنها مجاري الدمع كأن الدمع يطلبها، وقريب من هذا الرسم: الموق، وهو طرف العين الذي يلي الأنف، وهو مخرج الدمع.
انظر: المخصص لابن سيده 1/ 96، ومعجم المقاييس، والقاموس مادة:"شأن"، وشرح القرافي ص 285، وشرح المسطاسي ص 132.
(2)
انظر: معجم مقاييس اللغة، واللسان، مادة:(عبر).
(3)
انظر: القاموس، والتاج، واللسان، مادة:(عبر).
(4)
"بطريق" زيادة في ز، وط.
(5)
"الاشتقاق" في ز، وط.
(6)
انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس، مادة:(عبر) وانظر شرح القرافي ص 285.
(7)
آل عمران: 159، وقبلها:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِر لهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} .
(8)
"فإنما اقتضى" في ط.
(9)
يس: 78 - 79.
(10)
الواقعة: 62.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى} (1).
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ النُّشُورُ} (2).
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} (3).
وقوله تعالى: {[وَ] (4) كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} (5)، وغير ذلك؛ لأن ذلك كله فيه تنبيه على قياس النشأة الآخرة على الأولى.
الوجه الرابع: قوله تعالى: {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍ} (6).
وقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِنْ تَأْمَنُهُ بِدِينَارٍ لأَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (7).
وقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِتْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (8).
وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ [ذَرَّةٍ] (9)} (10).
(1) البقرة: 73، وقبلها:{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا}
(2)
فاطر: 9، وقبلها:{فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} .
(3)
سورة ق: 11، وقبلها:{رِزْقًا لِلْعِبَادِ وأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدةَ مَّيْتَا} .
(4)
ساقط من ز وط.
(5)
الروم: 19، وقبلها:{يُخْرِجُ الْحَيَّ منَ الْمَيّت وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ منَ الْحَىِّ وَيُحْيِيِ الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} .
وهي بدون الواو - كما في نسخة ز، وط - في الزخرف:11.
(6)
الإسراء: 23.
(7)
آل عمران: 75.
(8)
الزلزلة: 7 - 8.
(9)
ساقط من ز.
(10)
النساء: 40.
الوجه الخامس: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} (1)، ورد من في الأموال ثم قيس غيرها عليها (2).
الوجه السادس: قوله تعالى: {وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} (3)، وقيس (4) شحمه على لحمه (5).
وهذه الأدلة المذكورة/ 298/ تدل على القياس (6).
ويرد على الأول، [وهو] (7) قوله:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} (8): أنه فعل في سياق الثبوت، فلا يتناول إلا مطلق العبور، فلا يتناول كل عبور بل يصدق بفرد (9) واحد؛ لأنه مطلق فلا عموم للآية في كل عبور، فلا تندرج
(1) الطلاق: 2.
(2)
الإشهاد هنا لم يرد في الأموال، بل ورد في الرجعة، أو فيها وفي الطلاق، على قولين مشهورين. والذي ورد بالإشهاد في الأموال قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايعْتُمْ} البقرة: 282، وقوله تعالى:{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} النساء: 6.
انظر: تفسير البحر المحيط 8/ 282، وتفسير ابن كثير 4/ 379.
(3)
البقرة: 173.
(4)
"ثم قيس" في ز، وط.
(5)
انظر: تفسير البحر المحيط 1/ 488.
(6)
لم يرد في شرح القرافي من الأدلة من القرآن إلا الآية الأولى، وهي قوله تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} . انظر: شرح القرافي ص 285. وانظرها، عدا السادس في شرح المسطاسي ص 132 - 133.
(7)
ساقط من ط.
(8)
الحشر: 2.
(9)
"برد" في ز.
فيه صورة النزاع لأنه مطلق، فإذا كان (1) مطلقًا [فإنه](2) يدل على ما هو أعم من القياس، والدال على الأعم غير دال على الأخص، كما أن لفظ الحيوان لا يدل على الإنسان، ولفظ العدد لا يدل على الزوج.
ويرد على الدليل الثاني، وهو قوله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (3)[أنه](4) إنما أمره بذلك لتحسين العشرة مع أصحابه، ولذلك قال له:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكلْ عَلَى اللهِ} (5).
ويرد على الثالث، وهو قوله تعالى:{قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (6) الآية، و [ما] (7) في معناها من الآي المذكورة: أن ذلك أمر عقلي وليس بمحل النزاع؛ إذ محل النزاع هو الأمر (8) الشرعي.
ويرد على الرابع، وهو قوله تعالى:{فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍ} (9)، وما في (10) معناها من الآي المذكورة [معها] (11): أنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى أو بالعكس، وليس من باب القياس عند الأكثرين.
(1)"ذلك" زيادة في ط.
(2)
ساقط من ز، وط.
(3)
آل عمران: 159.
(4)
ساقط من ز.
(5)
آل عمران: 159، تمامها:{إِنَّ اللهَ يُحِبُ الْمُتَوَكلِينَ} .
(6)
يس: 78.
(7)
ساقط من ط.
(8)
"هو أمره" في ز.
(9)
الإسراء: 23.
(10)
"ولا في" في ز.
(11)
ساقط من الأصل.
أو يقال (1): إنما يستفاد حكم المسكوت (2) عنه من دليل آخر، فيستفاد (3) حكم غير التأفيف من قوله تعالى:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (4)، ومن قوله تعالى:{وَقُل لَّهمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (5).
ويستفاد حكم ما فوق الذرة من الخير أو الشر (6) من قوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كسَبَتْ} (7)، ومن قوله تعالى:{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (8)، وما في معنى ذلك.
ويرد على الخامس، وهو قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} (9) أن (10) الشهادة في غير الأموال إنما تثبت بقوله عليه السلام: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر"(11) فإنه يعم جميع الأحكام.
(1)"ونقول" في الأصل.
(2)
"السكوت" في ط.
(3)
"ليستفاد" في الأصل.
(4)
الإسراء: 23.
(5)
الإسراء: 23.
(6)
"الشر والخير" في ز، وفي ط:"الخير والشر".
(7)
غافر: 17.
(8)
آل عمران: 195، وفي الأصل: "إن الله لا يضيع عمل
…
" إلخ، وهو خطأ.
(9)
الطلاق: 2.
(10)
"لان" في ط.
(11)
روي هذا الحديث مرفوعًا وموقوفًا، وله شواهد كثيرة تدل على صحة معناه، فقد رواه البيهقي بهذا اللفظ عن أبي مليكة عن ابن عباس مرفوعًا، فانظر السنن 10/ 252.
ورواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب، وعن أبي هريرة مرفوعًا أيضًا، ولفظه:"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة". فانظر سننه 4/ 218. =
ويرد [على](1) السادس، وهو قوله تعالى:{وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} (2): أن الشحم (3) داخل في مسمى اللحم بوضع اللغة لا بالقياس (4).
وأما دليل السنة فمن وجوه (5):
أحدها: قوله عليه السلام لمعاذ بن جبل حين وجهه إلى اليمن: "بم تحكم يا معاذ؟ " فقال: بكتاب الله، قال:"فإن لم تجد؟ "، قال:"فبسنة رسول الله"، قال:"فإن لم تجد؟ "، قال: أجتهد رأيي، فقال عليه السلام: "الحمد لله الذي
= ورواه الترمذي في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه" قال الترمذي: وفي إسناده مقال. فانظر الحديث رقم 1341.
وروى البخاري في صحيحه في كتاب الرهن عن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس، فكتب إلي أن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى أن اليمين على المدعى عليه".
فانظر الحديث رقم 3514، وانظره في صحيح مسلم مرفوعًا من حديث ابن عباس برقم 1711، وانظر سنن الترمذي برقم 1342، وقد ورد في كتاب عمر إلى أبي موسى فانظره في الدارقطني 4/ 206.
وللحديث شاهد عند البخاري من حديث عبد الله بن مسعود في قصة الخصومة بين الأشعث وأحد اليهود، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ألك بينة؟ " قال: لا، فقال لليهودي: احلف
…
" الحديث.
فانظره في كتاب الخصومات برقم 2416، 2417، وانظره في مسلم برقم 138، وفي الترمذي برقم 1269، وله شاهد أيضًا من حديث وائل بن حجر في قصة الخصومة الواقعة بين رجل حضرمي ورجل من كندة وفيها ما في حديث الأشعث فانظره في مسلم برقم 139، وفي الترمذي برقم 1340.
(1)
ساقط من ز.
(2)
البقرة: 173.
(3)
"اشحم" في الأصل.
(4)
انظر: الأجوبة ما عدا السادس في: شرح المسطاسي ص 133.
(5)
انظرها جميعًا في: شرح المسطاسي ص 133.
وفق رسول (1) رسوله".
الوجه الثاني: قوله عليه السلام: "إذا اجتهد المجتهد فأصاب كان له أجران وإن أخطأ كان له أجر واحد"(2)(3).
الوجه الثالث: قوله عليه السلام حين قيل (4) له: أيباع الرطب باليابس؟: "أينقص (5) الرطب إذا جف؟ "، قالوا: نعم، قال:"فلا إِذًا".
الوجه الرابع: قوله عليه السلام: "إنما أقضي (6) فيكم (7) بالرأي فيما لم ينزل علي فيه شيء"(8).
(1)"رسوله" في ز.
(2)
حديث صحيح، روي من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة رضي الله عنهما.
فحديث عمرو أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام برقم 7352، ولفظه:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". ورواه بهذا اللفظ: مسلم في الأقضية برقم 1716، وأخرجه أيضًا أحمد في المسند 4/ 204، وأبو داود في الأقضية برقم 3574، وابن ماجه في الأحكام برقم 2314، والبيهقي في سننه 10/ 118، بألفاظ متقاربة.
وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الترمذي برقم 1326، بلفظ:"إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر واحد" قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه الدارقطني في سننه 4/ 204، والبيهقي 10/ 119.
(3)
انظر: حلولو ص 333.
(4)
"قال" في ط.
(5)
"أينغص" في ز.
(6)
"يقضي" في ط.
(7)
"فيحكم" في ز، وط.
(8)
روى هذا الحديث أبو داود في سننه عن إبراهيم بن موسى الرازي عن عيسى ابن يونس السبيعي عن أسامة بن زيد الليثي عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة =
الوجه الخامس: قوله عليه السلام لما سأله عمر بن الخطاب عن قبلة الصائم، فقال له: "أرأيت لو تمضمضت (1)[بماء](2) ثم مججته (3) أكنت
= عن أم سلمة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه رجلان يختصمان في مواريث وأشياء قد درست، يقول:"إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه".
وهذا الحديث رجاله ثقات، ما خلا أسامة فقد تكلم فيه، وعده الذهبي فيمن تكلم فيه وهو موثق، وقال: صدوق قوي الحديث، وستأتي ترجمته بعد قليل؛ إذ قدح الشوشاوي في الحديث بضعف أسامة، وسيأتي بحث ذلك .. وانظر ترجمة إبراهيم في تهذيب التهذيب 1/ 170، وترجمة عيسى فيه أيضًا 8/ 327، وانظر ترجمة عبد الله ابن رافع فيه أيضًا 5/ 206، وانظر الحديث في كتاب الأقضية من سنن أبي داود برقم 3585.
وقد أخرج الدارقطني هذا الحديث أيضًا في سننه 4/ 238 - 239، قال: نا أبو بكر، نا يزيد بن سنان نا صفوان بن عيسى نا أسامة بن زيد - يعني الليثي - عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة، ثم ساق الحديث بقريب مما في أبي داود.
وهذا السند أيضًا رجاله ثقات إلا ما مضى من شأن أسامة. فأبو بكر هو إمام الشافعية في وقته عبد الله بن زياد النيسابوري، انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 2/ 819. ويزيد وثقه ابن أبي حاتم والنسائي وابن حبان وجماعة، فانظر تهذيب التهذيب 11/ 335. وصفوان بن عيسى وثقه ابن سعد وابن حبان وغيرهما، فانظر تهذيب التهذيب 4/ 430، وبهذا نعلم أنه لا يقدح في الحديثين إلا من جهة أسامة الليثي، وهو قد روى توثيقه جماعة من أهل العلم كالدوري وأبي يعلى الموصلي.
وعليه يمكن أن يقبل الحديث، خصوصًا أن له شاهدًا من حديث أم سلمة عند البخاري ومسلم وغيرهما.
فعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار". انظره في كتاب الحيل من البخاري برقم 6967، وفي الأقضية من مسلم برقم 1713.
(1)
"تمضمت" في الأصل.
(2)
ساقط من الأصل.
(3)
"لم محجته" في ز.
شاربه (1)؟ " (2)، شبه القبلة إذا لم يعقبها إنزال بالمضمضة إذا لم يعقبها شرب بجامع انتفاء الثمرة المقصودة في الموضعين، وهذا عين القياس (3).
الوجه السادس: قوله عليه السلام للخثعمية (4): أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟، قالت: نعم، قال:"فدين الله أحق أن يقضى"(5).
(1)"تساويه" في ز.
(2)
روى هذا الحديث الإمام أحمد في المسند عن جابر عن عمر، فانظر المسند 1/ 21 و 52 ورواه أبو داود في الصوم من سننه برقم 2385، ورواه النسائي في الكبرى وقال: هذا حديث منكر وبكير مأمون، وعبد الملك بن سعيد رواه عنه غير واحد، ولا ندري ممن هذا. اهـ.
فانظر: تحفة الأشراف 8/ 17. وقد رواه الحاكم في المستدرك 1/ 431، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه على ذلك الذهبي.
ورواه ابن حبان، فانظر زوائده للهيثمي برقم 905، ورواه ابن خزيمة، فانظر صحيحه برقم 999، واحتج به ابن حزم في المحلى، فانظره بإسناده في 6/ 309.
(3)
انظر: شرح القرافي ص 386.
(4)
"للمختلعة" في ز، وط.
(5)
هكذا يورد أكثر الأصوليين والفقهاء هذا الحديث.
ولم أجده هكذا؛ إلا ما أخرجه أبو داود عن الفضل بن عباس في المناسك برقم 2909 قال: أتت امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله عز وجل في الحج، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على دابته، أفأحج عنه؟ قال:"نعم لو كان على أبيك دين قضيته"، وانظر: مسند الشافعي مع مختصر المزني ص 374. وقد روي عن الفضل وليس فيه القياس على الدين، فانظره في مسلم برقم 1335، والترمذي برقم 928، كلاهما في كتاب الحج، وأحمد في المسند 1/ 212، ورويت القصة من حديث ابن عباس وليس فيها قياس فانظرها في البخاري برقم 1513، ومسلم برقم 1334، والموطأ 1/ 359، كلهم في الحج.
وأخرج البخاري عن ابن عباس في جزاء الصيد أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: =
ويرد على الأول، وهو حديث معاذ: أنه رواية الحارث بن عمر (1) وهو مجهول.
ويرد على الثاني، وهو حديث الاجتهاد: أن الاجتهاد أعم من القياس، فالدال (2) على الأعم غير دال على الأخص.
ويرد على الثالث، وهو حديث الرطب إذا جف: أنه نص على العلة وليس بمحل النزاع، وإنما النزاع في العلة المستنبطة لا في المنصوصة.
= "نعم"
…
ثم ذكر الحديث قريبًا مما هنا، فانظره عند البخاري برقم 1852، ويؤيد الحديث: ما أخرج مسلم عن ابن عباس في الصيام قال: جاء رجل، وفي رواية امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: "لو كان على أمك دين
…
" الحديث فذكره بمثل حديثنا، فانظره في مسلم برقم 1148.
وانظر أيضًا: الفتح الرباني 11/ 24، 25، وسنن أبي داود رقم 1809، وانظر الاستدلال بالحديث في: شرح القرافي ص 386، والمسطاسي ص 133.
(1)
كذا في النسخ الثلاث، والصواب: عمرو بالواو، وهو الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي، ذكره البخاري في الصغير فيمن توفي بين المائة إلى العشر، ثم قال: ولا يعرف الحارث إلا بهذا - يعني حديث معاذ - ولا يصح. اهـ.
وقد ذكر العقيلي وابن الجارود وأبو العرب الحارث بن عمرو في الضعفاء. وقال ابن عدي: هو معروف بهذا الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: ما روى عن الحارث غير أبي عون، فهو مجهول. انظر ترجمته والكلام عليه في: التاريخ الكبير للبخاري 2/ 277، والصغير 1/ 268، والضعفاء الكبير للعقيلي 1/ 215، والكاشف للذهبي 1/ 196، وميزان الاعتدال 1/ 349، وتهذيب التهذيب 2/ 151، وانظر تخريج حديثه (حديث معاذ) في صفحة 434 من المجلد الرابع من هذا الكتاب.
(2)
"فادال" في ط.
ويرد على الرابع، وهو حديث القضاء بالرأي (1): أنه رواية أسامة الليثي، وهو ضعيف (2).
ويرد على الخامس والسادس، وهما حديث القبلة، وحديث الدين: أن اجتهاد النبي عليه السلام لا يلحق به غيره؛ لأنه لا ينطق [عن](3) الهوى (4)(5).
(1)"بالراوي" في ط.
(2)
أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني، توفي سنة 153 هـ، أخرج له الأربعة وأخرج له مسلم كثيرًا، وأكثر ما خرج مسلم شواهد ومتابعات.
روى عن طاووس والزهري ونافع وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن رافع وجماعة، وعنه يحيى بن سعيد القطان وابن المبارك والثوري والأوزاعي ووكيع وغيرهم.
ضعفه أحمد بن حنبل، وقال روى عن نافع مناكير، وترك حديثه يحيى القطان بعد أن روى عنه، واختلفت الرواية عن ابن معين فيه إلا أن أكثر أصحابه رووا عنه توثيقه كأبي يعلى الموصلي والدوري وغيرهما.
وقال فيه النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: يروي عنه الثوري وجماعة من الثقات، وقال ابن حبان: يخطئ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب، وقال الحاكم: استدللت بكثرة رواية مسلم له على أنه عند صحيح الكتاب، وقد ذكره العقيلي في الضعفاء.
وذكره الذهبي فيمن تكلم فيه وهو موثق، وقال: الظاهر أنه ثقة، وقال في ديوان الضعفاء: صدوق فيه لين يستر.
انظر ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري 1/ 22، والضعفاء الكبير للعقيلي 1/ 17، والكاشف للذهبي 1/ 154، وميزان الاعتدال 1/ 174، وذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق ص 41، وديوان الضعفاء للذهبي ص 16، وتهذيب التهذيب لابن حجر 1/ 208.
(3)
ساقط من ز.
(4)
"بالهوى" في ز.
(5)
انظر الأجوبة جميعًا في: المسطاسي ص 133.
وأما دليل الإجماع، فهو: أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على العمل بالقياس، وذلك يعلم من استقراء أحوالهم ومناظراتهم، وقد كتب عمر (1) رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري "اعرف الأشباه (2) والنظائر، وما اختلج (3) في صدرك فألحقه بما هو أشبه بالحق"(4)، وهذا عين القياس (5).
أجيب عن هذا: بأن الإجماع لم ينقل (6) عن جميعهم، إذ لا ينسب قول إلى ساكت (7)، وأيضًا لو انعقد عليه إجماع الصحابة لما وقع فيه خلاف (8) بين
(1)"ابن الخطاب" زيادة في ز وط.
(2)
"الأشياء" في ز.
(3)
"اجتلج" في ط.
(4)
هذا جزء من كتاب عمر إلى أبي موسى حينما ولاه القضاء، وهو كتاب مشهور متلقى بالقبول، قال فيه البيهقي: هو كتاب معروف مشهور، لا بد للقضاة من معرفته.
وقد رواه جمع من الأئمة بأسانيد عدة، أصحها ما أخرجه الدارقطني في سننه 4/ 207، عن محمد بن مخلد نا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي نا سفيان بن عيينة نا إدريس الأودي عن سعيد بن أبي بردة، وأخرج الكتاب فقال: هذا كتاب عمر ثم قرئ على سفيان: من ها هنا إلى أبي موسى الأشعري، أما بعد
…
الحديث.
وقد أخرجه جماعة من أهل العلم بأسانيدهم إلى سفيان، منهم ابن حزم في الإحكام 2/ 1003، والخطيب في الفقيه 1/ 200، والبيهقي في سننه 10/ 135.
كما أخرجه الدارقطني بسنده إلى أبي المليح الهذلي فانظر سننه 4/ 106، وابن حزم في الإحكام 2/ 1002 عن عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه.
وانظر سنن البيهقي 10/ 135، 150، وانظر: إعلام الموقعين 1/ 85 حيث ذكره عن أبي عبيد وأبي نعيم بسنديهما إلى سعيد بن أبي بردة، ثم شرحه شرحًا وافيًا في أكثر من 450 صفحة.
(5)
انظر: شرح القرافي ص 385 - 386، والمسطاسي ص 133 - 134.
(6)
"ينتقل" في ز.
(7)
"الساكت" في ز.
(8)
في صلب الأصل: الخلاف، وقد عدلت في الهامش.
التابعين.
وأجيب عن رسالة عمر: بأنها جاءت من طريق عبد الله بن أبي هاشم، وهو مجهول (1).
وأما حجة أهل الظاهر القائلين بمنع (2) القياس فالكتاب، والسنة، وأخبار الصحابة.
أما الكتاب فمن أوجه:
أحدها: قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (3).
وقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِّكُل شَيْءٍ} (4)، وهذا يدل على أن في القرآن [بيان](5) جميع الحوادث، فيبطل حينئذ القياس.
الوجه (6) الثاني: قوله تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ} (7).
[و](8) قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
(1) كذا في جميع النسخ وفي المسطاسي ص 134، عبد الله بن أخي هشام، ولم أجد من يسمى بأي من هذين الاسمين في رواة الحديث، وعلى فرض وجوده وجهالته فلا يضر، لأن الحديث روي من عدة طرق يقوي بعضها بعضًا، بل فيها ما رجاله ثقات، كحديث الدارقطني السابق، والله أعلم.
(2)
في ز: "يمنع"، وفي ط:"بمعنى".
(3)
الأنعام: 38.
(4)
النحل: 89، وقبلها:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكتَابَ} .
(5)
ساقط من ط.
(6)
"قوله" في ط.
(7)
المائدة: 48.
(8)
ساقط من ط.
الْكَافِرُونَ} (1).
و (2){الْظَّالِمُونَ} (3)، و (4){الْفَاسِقُونَ} (5).
وقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} (6).
الوجه الثالث: قوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (7).
وقوله تعالى: {[إِن] (8) نَّظُنّ (9) إلا ظَنًّا} (10).
وقوله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ (11) الظَّنِّ إِثْمٌ} (12)، لأن القياس إنما يفيد الظن.
وقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (13).
وقوله تعالى: {وَأَن تَقولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (14)، وهذا كله يقتضي
(1) المائدة: 44.
(2)
"أو" في ز.
(3)
المائدة: 45.
(4)
"أو" في ز.
(5)
المائدة: 47، ولم يورد القرافي في شرحه ص 386، لهم دليلًا سوى هذه الآية.
(6)
الأعراف: 3
(7)
النجم: 28.
(8)
ساقط من ز.
(9)
"الظن" في ز.
(10)
الجاثية: 32.
(11)
"بعد" في ط.
(12)
الحجرات: 12.
(13)
الإسراء: 36
(14)
البقرة: 169، وقبلها:{إِنَّمَا يَامُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ} . والأعراف: 33، =
منع القياس (1).
أجيب عن الأول، وهو قوله تعالى:{مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (2)، وما في معناه: أنه لو كانت الأحكام في جميع الحوادث مستفادة من القرآن لكان تحريم القياس موجودًا فيه كما زعمتم.
أجيب (3) عن الثاني، وهو قوله تعالى:{فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ} (4)، وما في معناه: بأن (5) الحاكم بالقياس هو حاكم بما أنزل الله، لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (6)، وقد جاءنا بالقياس فقال:{فَاعْتَبِروا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} (7).
أجيب (8) عن الثالث، وهو قوله تعالى:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ} (9)، وما في معناه: بأن الشرع أقام الظن مقام العلم في أشياء كثيرة، كالشهادة وخبر الواحد، فالحاكم بالظن حاكم بالعلم، وما ورد من المنع بمقتضى (10) الظن إنما
= وقبلها: {وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} .
(1)
انظر هذه الأوجه في المسطاسي ص 134.
(2)
الأنعام: 38.
(3)
"وأجيب" في ز.
(4)
المائدة: 48.
(5)
"فان" في ز.
(6)
في ز: زيادة: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ، وهي الآية: 7، من سورة الحشر.
(7)
الحشر: 2، وانظر هذا الجواب في شرح القرافي ص 386.
(8)
"وأجيب" في ز.
(9)
الأنعام: 116، وبعدها:{وَإِنْ هُمْ إلا يَخْرُصُونَ} .
(10)
"فمقتضى" في ز.
ذلك في الظن الذي لا مستند له/ 299/ كظن الكفار ونحوه (1).
وأما دليل السنة، فمنه قوله عليه السلام:"إن الله [تعالى] (2) لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"(3).
ومنه قوله عليه السلام: "تعمل هذه الأمة (4) برهة بالكتاب، وبرهة بالسنة، وبرهة بالقياس، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا"(5).
(1) انظر: شرح المسطاسي ص 134 - 135.
(2)
ساقط من ط.
(3)
حديث صحيح رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وفيه: حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسئلوا فأفتوا
…
الحديث.
فانظره في البخاري برقم 100، وانظره في مسلم برقم 2673، وفيه: يترك عالمًا، وانظره أيضًا في الترمذي برقم 2652، وانظر الاستدلال به في المسطاسي ص 135.
(4)
"الأئمة" في ط.
(5)
حديث ضعيف لا تقوم به حجة، وقد وجدته بإسنادين إلى أبي هريرة يرفعه، وليس فيهما القياس، وإنما فيهما الرأي، وكلا الإسنادين ضعيف. أما أحدهما ففيه جبارة بضم الجيم وفتح الموحدة، ابن المُغَلِسْ كمحدث، قال فيه ابن معين: كذاب، وقال البخاري: مضطرب، وقيل: ليسَ بكذاب وإنما يوضع له الحديث فيحدث به. وفيه أيضًا حماد بن يحيى الأبح، وفيه قال البخاري: يهم في الشيء بعد الشيء، وأما الطريق الآخر ففيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي الزهري، قال البخاري: تركوه، وقال الهيثمي في الزوائد: متفق على ضعفه.
وانظر الحديث بطريقيه في الفقيه والمتفقه 1/ 179، والإحكام لابن حزم 2/ 786، ومجمع الزوائد 1/ 179، وعزاه لأبي يعلى، وجامع بيان العلم 2/ 134.
وانظر ترجمة جبارة في: الخلاصة/ 65، وديوان الضعفاء ص 41، والمغني للهندي ص 56، و238، وترجمة حماد في: الخلاصة أيضًا ص 92، وديوان الضعفاء ص 73، وترجمة عثمان في: الخلاصة ص 261، وديوان الضعفاء ص 210، وانظر المعتبر للزركشي 226.
أجيب عن ذلك: بأن المراد (1) محمول على القياس الفاسد الوضع (2)، المخالف للنص؛ إذ من شرط القياس ألا يخالف النص الصريح جمعًا بين الأدلة (3).
وأما أخبار الصحابة: فلأن الصحابة يذمون القياس، فمن ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه:"أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن (4) قلت في القرآن برأيي"(5).
وقال عمر رضي الله عنه: "إياكم وأصحاب (6) الرأي فإنهم أعداء السنن (7)،
(1)"بهذا" زيادة في ز، وط.
(2)
"الواضع" في ط.
(3)
انظر الدليل الثاني والإجابة عنه في: شرح القرافي ص 386، 387، والمسطاسي ص 135.
(4)
"إذا" في ز، وط، وهي في إحدى روايات الأثر، فانظر جامع بيان العلم 2/ 52.
(5)
هذا الأثر روي عن أبي بكر رضي الله عنه حينما سئل عن الأب في قوله تعالى: {وَفَاكهَةَ وَأَبًّا} سورة عبس: 31، فقال هذه الكلمات.
وقد رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 52، وروى قريبًا من هذه الكلمات، ونسبها لعلي بن أبي طالب.
وانظره عن أبي بكر الصديق في مسنده الذي جمعه السيوطي ص 36، وقد عزاه السيوطي إلى أبي عبيد في فضائله، وعبد بن حميد في مسنده. وكذا عزاه لهما في الدر المنثور، فانظر الدر 6/ 317، وانظره بسند أبي عبيد إلى إبراهيم التيمي في تفسير ابن كثير 4/ 473، وقال فيه ابن كثير: هو منقطع بين التيمي والصديق.
وانظر الاستدلال به في شرح القرافي ص 386، والمسطاسي ص 135.
(6)
"وأصحابي" في ط.
(7)
"السقر" في ز.
أعيتهم الأحاديث [أن يحصوها](1) فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا" (2).
وقال علي رضي الله عنه: "لو كان الدين يؤخذ بالقياس، لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره"(3)، وهذا يدل على منع القياس.
أجيب عن هذا: أن ذم الصحابة القياس محمول على القياس الفاسد المخالف للشرع، جمعًا بين الأدلة (4).
قوله: (وهو مقدم على خبر الواحد عند مالك، [لأن الخبر إِنما يرد (5) لتحصيل الحكم، والقياس متضمن للحكمة، فيقدم على الخبر] (6)) (7).
(1) ساقط من ز، وط.
(2)
أثر مشهور النسبة إلى عمر بن الخطاب، أخرجه عنه الدارقطني في النوادر من سننه 4/ 146، وفي سنده مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، فانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 10/ 39.
وقد أخرجه بغير إسناد الدارقطني: الخطيب في الفقيه 1/ 180 - 181، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 135، وابن حزم في الإحكام 2/ 780.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين 1/ 55، بعد أن ساق آثارًا هذا منها: وأسانيد هذه الآثار في غاية الصحة. اهـ.
انظر الاستدلال به في: القرافي ص 386، والمسطاسي ص 135.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة من سننه عن عبد خير، قال: قال علي
…
الحديث، فانظره برقم 162، قال ابن حجر في التلخيص 1/ 160: إسناده صحيح.
وأخرجه أيضًا الدارقطني 1/ 199، وابن حزم في الإحكام 2/ 780، وقد أخرج الخطيب في الفقيه 1/ 181، قريبًا من هذا القول منسوبًا إلى عمر.
وانظر ذكر هذا الأثر دليلًا لهم في شرح القرافي ص 386، والمسطاسي ص 135.
(4)
انظر: شرح القرافي ص 387، والمسطاسي ص 135
(5)
"ورد" في ش.
(6)
ما بين القوسين ساقط من أ.
(7)
المنقول في المذاهب الثلاثة تقديم خبر الواحد على القياس، إلا ما روي عن بعض الحنفية من تقديم القياس على خبر غير الفقيه. أما مالك فقد روي عنه تقديم القياس، =
ش: ذكر القاضي عياض في التنبيهات، وابن رشد في المقدمات (1)، قولين في مذهب مالك في تقديم القياس على خبر الواحد (2).
حجة تقديم القياس: أنه متضمن لتحصيل المصالح ودرء المفاسد (3) بخلاف الخبر، فما تضمن المصلحة أو درًا المفسدة (4) موافق للقواعد، [و](5) ما لم يتضمن ذلك فهو مخالف للقواعد، فالقياس مقدم لموافقته القواعد، والخبر المخالف له مخالف للقواعد (6)، فيقدم (7) القياس عليه (8).
حجة المنع: أن القياس فرع النصوص، والفرع لا يقدم على
= وهذا المشهور عند المالكية، وروي عنه تقديم الخبر.
وذهب أبو الحسن البصري إلى تفصيل القول:
لأنه إما أن يثبت حكم الأصل بدليل مقطوع به أو لا.
فإذا كان حكم الأصل لم يثبت بدليل مقطوع به قدم خبر الواحد، وإن كان حكم الأصل ثابتًا بدليل مقطوع به فلا يخلو، إما أن تكون علة القياس منصوصة، أو مستنبطة، فإن كانت منصوصة قدم القياس للقطع بطريقه، وإن كانت العلة مستنبطة فينبغي أن يكون الناس إنما اختلفوا في هذا.
انظر المسألة في: المعتمد 2/ 653، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 94، والروضة ص 129، وتيسير التحرير 3/ 116، وفواتح الرحموت 2/ 177، ومختصر ابن الحاجب 2/ 73، والإحكام للآمدي 2/ 118، ومقدمة ابن القصار ص 100.
(1)
"المتقدمات" في ط.
(2)
انظر النقل عنهما في: شرح القرافي ص 387.
(3)
"المفساد" في ز.
(4)
"المفاسد" في ط.
(5)
ساقط من ز.
(6)
"القواعد" في ز.
(7)
"على" زيادة في ط.
(8)
انظر: شرح القرافي ص 387، والمسطاسي ص 136.
أصله (1)، وإنما قلنا: إن القياس فرع النصوص، لأنه لم يكن حجة إلا بالنصوص الدالة على كونه حجة، فالقياس فرع النصوص، وأيضًا فالمقيس عليه لا بد أن يكون منصوصًا عليه، فصار القياس فرع النصوص من هذين الوجهين (2).
أما قولنا: إن الفرع لا يقدم على أصله، فلأنه (3) لو قدم على أصله لبطل أصله، ولو بطل أصله لبطل هو في نفسه.
أجيب عن هذه: بأن النصوص التي هي أصل القياس، غير النص الذي قدم عليه القياس، فلا تناقض، ولم يقدم الفرع على أصله، بل قدم على غير أصله (4).
قوله: (وهو حجة في الدنيويات اتفاقًا)(5).
ش: مثاله: مداواة الأمراض، فإذا رأينا شيئًا صلح لمرض (6)(7)، فإنا نقيس عليه مرضًا آخر، فإن الطب مبني على القياس والتجريب.
فإنهم (8) يقولون: من قواعد الطب: مقابلة الضد بالضد، فإن الضد يمنع
(1) انظر: مختصر ابن الحاجب ص 73، وشرح القرافي ص 387 - 388.
(2)
انظر: شرح القرافي ص 388، والمسطاسي ص 136.
(3)
"فإنه" في ط وز.
(4)
انظر: شرح القرافي ص 388، والمسطاسي ص 136.
(5)
انظر: المحصول 2/ 2/ 29، وجمع الجوامع بشرح المحلي 2/ 203 - 204، وشرح القرافي ص 387، والمسطاسي ص 136، وشرح حلولو ص 332.
(6)
"للمرض" في ز.
(7)
"ما" زيادة في ز، وط.
(8)
"فإن" في ز، وط.
ضده، وهذه قاعدة (1) يعتمد عليها في الطب (2).
مثاله: إذا كان المرض من الحرارة فيكون شفاؤه التبريد، وإن كان المرض من البرد [فيكون](3) شفاؤه (4) التسخين، وإن كان المرض من الرطوبة فيكون شفاؤه التيبيس (5)، وإن كان المرض من اليبوسة [فيكون](6) شفاؤه (7) الترطيب (8)(9).
قوله: (وهو إِن كان بإِلغاء الفارق فهو (10) تنقيح المناط عند الغزالي، أو باستخراج الجامع من الأصل ثم تحقيقه في الفرع، فالأول (11) تخريج المناط، والثاني تحقيقه).
ش: ذكر المؤلف ها هنا ثلاثة أشياء، وهي:
تنقيح المناط، وتخريج المناط، وتحقيق المناط.
(1)"بعيدة" زيادة في ط.
(2)
هذا من الدلائل على خوض الشوشاوي في علم الطب، وقد مر بنا في القسم الدراسي أن له رسالة في الطب، وانظر معنى هذه القاعدة الطبية في: كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية لابن سينا ص 34، وكتاب الطب النبوي للذهبي ص 8 بهامش تسهيل المنافع.
(3)
ساقط من ز، وط.
(4)
"فشفاؤه" في ز، وط.
(5)
"من التيبيس" في ز.
(6)
ساقط من ز.
(7)
"فشفاؤه" في ز.
(8)
"من الترطيب" في ز.
(9)
انظر: المسطاسي ص 136.
(10)
"فهي" في ش.
(11)
"يسمى" زيادة في ش.
قال المؤلف في شرحه (1): المناط: اسم مكان الإناطة، [والإناطة] (2): هي (3) التعليق والإلصاق (4).
قال (5) حسان بن ثابت رضي الله عنه فيمن هجاه:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد (6)
الزنيم: هو الملاصق (7) للقوم (8)، ومنه قوله تعالى:{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (9) ومنه قول حبيب (10) الطائي (11) أيضًا:
(1) انظر: شرح القرافي ص 388، وانظر: شرح المسطاسي ص 137.
(2)
ساقط من ط.
(3)
"هو" في الأصل وط.
(4)
انظر: القاموس المحيط، وشرحه تاج العروس، وانظر لسان العرب، والصحاح، كلها في مادة:"نوط".
(5)
"وقال" في ز وط.
(6)
بيت من الطويل من قصيدة له يهجو فيها أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأولها:
لقد علم الأقوام أن ابن هاشم
…
هو الغصن ذو الأفنان لا الواحد الوغد
والبيت هنا كما في ديوانه ص 89، ويروى: وأنت هجين، ويروى: وأنت دعي، فانظر اللسان مادة: نوط.
(7)
"المصالق" ط.
(8)
الزنيم: المستلحق في القوم ليس منهم، انظر: القاموس، والصحاح مادة (زنم).
(9)
سورة القلم: 13.
(10)
"جيب" في ز.
(11)
هو أبو تمام: حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، نشأ بمصر، وقيل: بدمشق، وجالس الأدباء والعلماء حتى ظهر صيته في الشعر، فطلبه المعتصم فوافاه بسر من رأى، ومدحه بقصائد عدة حتى صار من خلصائه، توفي بالموصل سنة ص 231، وله ديوان الحماسة جمع فيه أجود شعر العرب. =
بلاد بها نيطت علي تمائمي
…
وأول أرض مس جلدي ترابها (1)
أي: علقت علي الحروز فيها.
وسميت العلة مناطًا (2) على وجه الاستعارة والتشبيه؛ لأن الحكم علق عليها (3) ونيط بها.
قوله: (إِن كان بإِلغاء الفارق (4))، أي إن كان القياس واقعًا بإلغاء الفارق، فيسمى (5) تنقيح المناط عند الغزالي (6).
فنقول على هذا: تنقيح المناط هو إلغاء الفارق، أي ترك الفارق بين المقيس والمقيس عليه.
= انظر: ترجمته في: الفهرست ص 235، وتاريخ بغداد 8/ 248، ووفيات الأعيان 2/ 11، وطبقات الأدباء لابن الأنباري ص 123.
(1)
بيت من الطويل نسبه لأبي تمام تابعًا القرافي في شرحه ص 388، ولم أجده في ديوانه، وقد ذكره صاحب اللسان وصاحب التاج في مادة:(نوط)، ونسباه للرقاع ابن قيس الأسدي.
وذكره القالي في الأمالي 1/ 83، وابن عبد البر في بهجة المجالس 1/ 2/ 804، ولم ينسباه، وصدره عندهما: بلاد بها حل الشباب تمائمي، وذكرا قبله:
أحب بلاد الله ما بين منعج
…
إلي وسلمى أن يصوب سحابها
وذكره المبرد في الكامل 1/ 406 غير منسوب، وصدره عنده:
بلاد بها حل الشباب تميمتي
وفي صدر الذي قبله: ما بين مشرف.
(2)
"مناطه" في ز، وط.
(3)
"بها" في الأصل.
(4)
"أي إن كان القياس بإلغاء الفارق" زيادة في ط، وز.
(5)
"فسمي" في ط.
(6)
انظر: المستصفى 2/ 231، 232، المحصول 2/ 2/ 29، والإبهاج 3/ 87، وشرح القرافي ص 388، والمسطاسي ص 137.
مثاله: قياس العبد على الأمة في تشطير (1) الحد، [لأنه ورد النص بالتشطير في الأمة في قوله تعالى:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِن الْعَذَابِ} (2)، فيقاس على الأمة في ذلك] (3)؛ إذ لا فارق بينهما إلا الذكورية، وهو وصف لا يصلح (4) للتعليل، فيسوى (5) في الحكم بينهما لعدم الفارق (6).
ومثاله أيضًا: [قياس](7) بيع الصفة على بيع الرؤية في الجواز؛ إذ لا فارق بينهما إلا الرؤية، وهي لا يصح (8) أن تكون (9) فارقًا بينهما في أغراض (10) المبيع، فيسوى بينهما في الحكم (11).
(1)"شطير" في ز.
(2)
النساء: 25.
(3)
ما بين القوسين ساقط من ز، وط.
(4)
"يصح" في ز، وط.
(5)
"فسوى" في ط.
(6)
انظر: التنبيه للشيرازي ص 140، وبداية المجتهد 2/ 437، والهداية للمرغيناني 2/ 97، وشرح منتهى الإرادات 3/ 344.
(7)
ساقط من الأصل.
(8)
"وهو لا يصلح" في الأصل وز.
(9)
"يكون" في ط.
(10)
"أعراض" في ط.
(11)
جواز بيع الصفة قياسًا على بيع الرؤية هو قول مالك وأكثر المدنيين، وللعلماء فيه ثلاثة أقوال:
1 -
الصحة مطلقًا.
2 -
عدم الصحة.
3 -
تعليق الصحة بالرؤية، وإذا رآه فله الخيار.
انظر: بداية المجتهد 2/ 155، والمغني لابن قدامة 3/ 582.
ومثاله أيضًا: قياس الأمة على العبد في وجوب التقويم (1) على معتق (2) الشقص، كما في قوله عليه السلام:"من أعتق شركًا له في عبد (3) قوم عليه نصيب شريكه"(4)، فتقاس الأمة على العبد في ذلك التقويم (5)؛ إذ لا فارق بينهما إلا الذكورية، وهي لا يصح (6) أن تكون فارقًا (7) بينهما في ذلك الحكم، فهذا معنى تنقيح المناط عند الغزالي (8).
قوله: (أو باستخراج الجامع (9))، أي إن كان القياس واقعًا باستخراج الجامع من الأصل، أي باستخراج العلة الجامعة بين الفرع المقيس والأصل المقيس عليه من الأصل المقيس عليه (10).
مثاله: وجوب الكفارة على كل مفطر هتك (11) حرمة رمضان، قياسًا على الأعرابي/ 300/ الذي جاء الرسول (12) صلى الله عليه وسلم يضرب صدره
(1)"التقديم" في ز.
(2)
"المعتق" في ز.
(3)
"عند" في ز.
(4)
حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر، فانظره في البخاري برقم 2522، وفي مسلم برقم 1501.
(5)
"التقديم" في ز.
(6)
"فهي لا يصلح" في الأصل وز.
(7)
"فارق" في ز.
(8)
انظر: شرح القرافي ص 388، وفيه الأمثلة الثلاثة، وانظر أيضًا المسطاسي ص 137.
(9)
"من الأصل" زيادة في ز، وط.
(10)
يريد أن هذا هو تخريج المناط، وقد ذكره بعد، ولو بين هنا لكان أتم.
(11)
"متد" في ز.
(12)
"إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" في ز، وط.
وينتف (1) شعره، فقال: هلكت [هلكت](2) واقعت (3) أهلي في نهار رمضان، فأوجب (4) النبي عليه السلام الكفارة عليه.
فذكر (5) في الحديث كونه أعرابيًا، وكونه يضرب صدره، وكونه ينتف شعره، وهذه الأوصاف كلها لا تصلح للتعليل لعدم (6) مناسبتها، وكونه مفسد [اً](7) للصوم هو (8) المناسب للكفارة، فقد استخرجت علة (9) الحكم من الأصل (10).
ومثاله أيضًا: قياس الأرز مثلًا على البر في تحريم الربا إلا مثلًا بمثل، يدًا بيد، [لأنه ورد النهي عن بيع البر (11) بالبر إلا مثلًا بمثل يدًا بيد](12)، ولم
(1)"ونتف" في ز.
(2)
ساقط من ز، وط.
(3)
"واقطعت" في ط.
(4)
"فوجب" في ط.
(5)
"قد كان" في ط.
(6)
"التعليل بعدم" في ط.
(7)
ساقط من ط.
(8)
"وهو" في الأصل.
(9)
"استخرت عليه" في ط.
(10)
المعروف أن هذا المثال مثال لتنقيح المناط لا لتخريجه؛ لأن العلة استخرجت فيه من أوصاف مذكورة، هذا ما ذكره القرافي في شرحه ص 389، والمسطاسي ص 137، وقد مثل به لتنقيح المناط: الغزالي في المستصفى 2/ 232، والآمدي في الإحكام 3/ 303.
(11)
"الربا" في ز.
(12)
ما بين القوسين ساقط من ط.
يذكر العلة، ولا أوصافًا تشتمل على العلة.
فاختلف في العلة، هل الطعم أو القوت أو الكيل أو المالية؟ كما هو المعروف في الفقه، فهذا أيضًا استخراج العلة من الأصل، بخلاف القسم [الثاني](1) الذي هو إلغاء الفارق.
فإن القسم الأول يسمى عند الغزالي تنقيح المناط، وهذا القسم الثاني يسمى عند الغزالي تخريج المناط (2).
قوله: (عند الغزالي)، راجع إلى القسمين تنقيح المناط وتخريج المناط.
ونبه بقوله: عند الغزالي، على أن معناهما عند غيره مخالف لمعناهما عند الغزالي.
وذلك أن معنى تنقيح المناط عند غير الغزالي: استخراج العلة من أوصاف مذكورة.
[ومعنى تخريج المناط: استخراج العلة من أوصاف غير مذكورة](3)(4).
مثال استخراجها من أوصاف مذكورة: حديث الأعرابي المذكور.
ومثال (5) استخراجها من أوصاف غير مذكورة: قياس الأرز على البر
(1) ساقط من الأصل.
(2)
انظر: المستصفى 2/ 233، والمحصول 2/ 2/ 29 - 30.
(3)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(4)
نسبه القرافي إلى الحسكفي في جدله، وتبعه المسطاسي، فانظر: شرح القرافي ص 389، والمسطاسي ص 137، وانظر: الإحكام للآمدي 3/ 303، والإبهاج 3/ 89 - 90.
(5)
"ومثل" في ط.
في حديث بيع الربا المتقدم.
فتحصل مما ذكرنا (1): أن [معنى](2) تنقيح المناط فيه قولان، و [معنى] (3) تخريج المناط أيضًا فيه قولان:
فتنقيح المناط قال الغزالي: معناه إلغاء الفارق (4).
وقال غيره: معناه استخراج العلة من أوصاف مذكورة.
وأما تخريج المناط فقال الغزالي: معناه استخراج العلة مطلقًا، من أوصاف مذكورة، ومن (5) أوصاف غير مذكورة (6).
(1)"فتحصيل ما" في الأصل.
(2)
ساقط من ز، وط.
(3)
ساقط من ز، وط.
(4)
أي معناه: أن تقول: لا فارق بين بيع الصفة وبيع الرؤية إلا الرؤية، وهي لا تصلح أن تكون فارقًا، وهكذا كما مر في الأمثلة، وانظر: شرح القرافي ص 388، وما في المستصفى من كلام الغزالي، غير مطابق لا نقل عنه القرافي، حيث قال عن تنقيح المناط: أن يضيف الشارع الحكم إلى سبب وينوطه به، وتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة، فيجب حذفها عن درجة الاعتبار ليتسع الحكم (ثم مثل بقصة جماع الأعرابي وقال): والمقصود أن هذا تنقيح المناط بعد أن عرف المناط بالنص لا بالاستنباط. اهـ.
فإن كان القرافي نقل للغزالي رأيًا من غير المستصفى فلم أطلع عليه، وإن كان أراد ما في المستصفى فإني لا أرى بين الفريقين خلافًا، ويدل على ذلك أن الفريقين مثلوا بقصة الأعرابي.
والخلاصة أن الغزالي يقول: نص على العلة واقترن بها أوصاف لا مدخل لها في التعليل فيجب حذفها، وغيره يقول: وردت أوصاف أحدها يصلح للتعليل فيجب حذف غيره. والله أعلم. انظر: المستصفى 2/ 231 - 233.
(5)
"أو من" في ز، وط.
(6)
قال الغزالي في المستصفى مبينًا معنى تخريج المناط: أن يحكم الشارع بتحريم في محل، =
وقال غيره: معناه استخراج العلة من أوصاف غير مذكورة.
والاصطلاحان المذكوران في تنقيح المناط كلاهما مناسب؛ لأن التنقيح معناه: التصفية والإصلاح والإزالة (1)، وهو إزالة ما لا يصلح عما يصلح (2).
قوله: (ثم تحقيقه في الفرع) هذا هو اللفظ الثالث من الألفاظ الثلاثة، وهو تحقيق المناط.
ومعنى تحقيق المناط: عبارة عن تحقيق العلة في الفرع بعد الاتفاق عليها (3).
مثال (4)[ذلك](5): أن يتفق على أن علة الربا هي القوت الغالب، ثم يختلف بعد ذلك [في الربا](6) في التين.
فقيل فيه بالربا (7) بناء على أنه يقتات غالبًا بالأندلوس (8).
= ولا يذكر إلا الحكم والمحل، ولا يتعرض لمناط الحكم وعلته
…
فنحن نستنبط المناط بالرأي والنظر. اهـ. انظر: المستصفى 2/ 233.
فكلامه يدل على أن تخريج المناط عنده استخراج العلة من أوصاف غير مذكورة.
(1)
انظر: القاموس المحيط، ومعجم مقاييس اللغة، مادة:(نقح).
(2)
انظر: شرح القرافي ص 389.
(3)
انظر: المستصفى 1/ 230، والمحصول 2/ 2/ 29 - 30، والإبهاج 3/ 89، والإحكام للآمدي 3/ 302، وشرح القرافي 389، والمسطاسي ص 137.
(4)
"مثاله" في ز، وط.
(5)
ساقط من ز، وط.
(6)
ساقط من ز، وط.
(7)
"الربا" في ز.
(8)
كذا في النسخ الثلاث، وهكذا ينطقها العامة في المغرب وجهاته، ولعلها مأخوذة من اللغة الأسبانية؛ لأن الأسبان يسمونها "أندلوسيا"، والعرب يقولون: الأندلس، =
وقيل فيه بعدم الربا بناء على أنه لا يقتات غالبًا بالحجاز (1) وغيرها.
فهذا معنى تحقيق المناط وهو أن ينظر في المناط، هل هو محقق في الفرع أم لا؟ [أي](2) هل هو موجود في الفرع أم لا؟ بعد الاتفاق على كونه علة للحكم في الأصل.
فقد تبين (3) لك الفرق بين هذه الحقائق الثلاث، وهي: تنقيح المناط، وتخريج المناط، وتحقيق المناط، وكلها اصطلاحات لفظية (4).
…
= بفتح الدال وضمها وضم اللام، ومن الفتح قول شاعرهم:
سألت الناس أين الأنس قالوا
…
بأندلس وأندلس بعيد
وبلاد الأندلس تشمل أسبانيا والبرتغال، وقد فتحها طارق بن زياد سنة 92 هـ في خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان طارق أحد قادة جيوش موسى بن نصير والي المغرب للوليد. انظر: معجم البلدان 1/ 262، وفتوح البلدان للبلاذري 232.
(1)
"المجاز" في ز.
(2)
ساقط من ط.
(3)
"بين" في ز.
(4)
انظر: شرح القرافي ص 389، والمسطاسي ص 139.