المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ، وَحَكَى الْهَرَوِيُّ وَجْهًا أَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ يَقْتَضِي سَبْقَ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٢

[النووي]

الفصل: الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ، وَحَكَى الْهَرَوِيُّ وَجْهًا أَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ يَقْتَضِي سَبْقَ

الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ، وَحَكَى الْهَرَوِيُّ وَجْهًا أَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ يَقْتَضِي سَبْقَ الْمِلْكِ حَتَّى يَكُونَ النِّتَاجُ لِلْمُدَّعِي.

فَرْعٌ

الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُشْتَرِي إِذَا اسْتَحَقَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ، وَانْتَزَعَ مِنْهُ، وَلَمْ يَظْفَرْ بِبَائِعِهِ، هَلْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْأَوَّلَ بِالثَّمَنِ؟ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ.

‌فَصْلٌ

ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا، فَشَهِدَ الشُّهُودُ بِالْمِلْكِ، وَذَكَرُوا سَبَبَهُ، لَمْ يَضُرَّ، فَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَقْدِيمَ بَيِّنَتِهِ بِذِكْرِ السَّبَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ مُرَجِّحٌ، لَمْ يَكْفِ لِلتَّرْجِيحِ تَعَرُّضُهُمْ لِلسَّبَبِ أَوَّلًا، لِوُقُوعِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى وَالِاسْتِشْهَادِ، بَلْ يَدَّعِي الْمِلْكَ وَسَبَبَهُ، ثُمَّ يُعِيدُونَ الشَّهَادَةَ، فَحِينَئِذٍ تُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ، وَقِيلَ: لَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَتَكْفِي الشَّهَادَةُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَاقِعَةً بَعْدَ الدَّعْوَى وَالِاسْتِشْهَادِ، وَلَوِ ادَّعَى الْمِلْكَ، وَذَكَرَ سَبَبَهُ، وَشَهِدُوا بِالْمِلْكِ، وَلَمْ يُذْكُرُوا السَّبَبَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمَقْصُودِ، وَلَا تَنَاقُضَ، وَلَوِ ادَّعَى الْمِلْكَ وَسَبَبُهُ، وَذَكَرَ الشُّهُودُ سَبَبًا آخَرَ، فَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِمْ، لِلتَّنَاقُضِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ، وَيَلْغُو السَّبَبُ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ عَنْ ثَمَنٍ، وَآخَرُ بِأَلْفٍ عَنْ قَرْضِ، وَالدَّعْوَى مُطْلَقَةٌ، فَقَدْ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا شَيْءٌ، وَقِيَاسُ الْوَجْهِ الثَّانِي عَلَى ضَعْفِهِ ثُبُوتُ الْأَلْفِ.

ص: 66

فَرْعٌ

فِي يَدِهِ دَارٌ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ بِمِلْكِهَا، فَادَّعَى خَارِجٌ انْتِقَالَ الْمِلْكِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَشَهِدُوا بِانْتِقَالِهِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، وَلَمْ يُبَيِّنُوهُ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَأَفْتَى فِيهَا فُقَهَاءُ هَمْدَانَ بِسَمَاعِ الدَّعْوَى، وَالْحُكْمِ بِهَا لِلْخَارِجِ، كَمَا لَوْ عَيَّنُوا السَّبَبَ، وَكَذَا أَفْتَى الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، قَالَ: وَمَيْلِي إِلَى أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يُبَيِّنُوا، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الِانْتِقَالِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ بِأَنَّ فُلَانًا وَارِثٌ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الْإِرْثِ.

الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْعُقُودِ، وَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: إِذَا قَالَ الْمُكْرِي: أَكَرَيْتُكَ هَذَا الْبَيْتَ شَهْرَ كَذَا بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ: اكْتَرَيْتُ جَمِيعَ الدَّارِ بِالْعَشَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا، ثُمَّ يُفْسَخُ الْعَقْدُ أَوْ يَنْفَسِخُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ التَّحَالُفِ، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا سَكَنَ فِي الدَّارِ أَوِ الْبَيْتِ، فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً دُونَ الْآخَرِ، قُضِيَ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، فَقَوْلَانِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ، لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ اكْتِرَاءُ جَمِيعِ الدَّارِ، وَأَظْهَرُهُمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: يَتَعَارَضَانِ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيِ التَّعَارُضِ، وَإِنْ قُلْنَا: بِالسُّقُوطِ، تَحَالَفَا، وَإِنْ قُلْنَا: بِالِاسْتِعْمَالِ، جَازَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي الْيَمِينِ مَعَهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: لَا يُقْرَعُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ عِنْدَ تَسَاوِي الْجَانِبَيْنِ، وَلَا تُسَاوِي؛ لِأَنَّ جَانِبَ الْمُكْرِي أَقْوَى لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ وَالْقِسْمَةُ، فَلَا يَجِبَانِ هَكَذَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ، وَنَقَلَ الْمَاسَرْجِسِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ تَجِيءُ الْقِسْمَةُ فِي الْمِلْكِ، وَالْوَقْفِ فِي الْأُجْرَةِ. وَلَوِ اخْتَلَفَا وَالزِّيَادَةُ فِي جَانِبِ الْمُكْرِي، بِأَنْ قَالَ: أَكْرَيْتُكَ بِعِشْرِينَ،

ص: 67

قَالَ: بَلْ بِعَشَرَةٍ، فَقَوْلُ التَّعَارُضِ بِحَالِهِ، وَعَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ: بَيِّنَةُ الْمُكْرِي رَاجِحَةٌ لِلزِّيَادَةِ. وَيَطَّرِدُ مَا ذَكَرَهُ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا كَانَ فِي بَيِّنَةِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ، وَلَوْ وُجِدَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ قَالَ: أَكْرَيْتُكَ هَذَا الْبَيْتَ بِعِشْرِينَ، فَقَالَ: بَلْ جَمِيعَ الدَّارِ بِعَشَرَةٍ، فَلِابْنِ سُرَيْجٍ رَأْيَانِ، الصَّحِيحُ مِنْهُمَا: الرُّجُوعُ إِلَى التَّعَارُضِ، وَالثَّانِي: الْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَيُجْعَلُ جَمِيعُ مَكْرِيٍّ بِعِشْرِينَ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَالشُّهُودِ، ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا إِذَا كَانَتِ الْبَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةً، أَوِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، فَإِنِ اخْتَلَفَ بِأَنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا أَنَّ كَذَا مَكْرِيٌّ مِنْ سَنَةٍ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَالْأُخْرَى مَنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ تُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ السَّابِقَ صَحِيحٌ، وَلَا مُخَالَفَةَ، وَالثَّانِي تُقَدَّمُ الْمُتَأَخِّرَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ نَاسِخٌ، وَرُبَّمَا تَخَلَّلَتْ إِقَالَةً، قَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» وَغَيْرُهُ: مَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُجْرَ إِلَّا عَقْدٌ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، تَعَارَضَتَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي يَدِهِ دَارٌ جَاءَ رَجُلَانِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ بِكَذَا، وَسَلَّمْتُ الثَّمَنَ، وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ، فَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا، سُلِّمَتِ الدَّارُ إِلَيْهِ، وَهَلْ يَحْلِفُ الْآخَرُ؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ: إِنْ قُلْنَا: إِتْلَافُ الْبَائِعِ كَآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَلَا، وَإِنْ قُلْنَا: كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَثْبَتْنَا الْخِيَارَ، فَأَجَازَ، وَأَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الْبَائِعِ قِيمَتَهَا، بُنِيَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِلثَّانِي بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ هَلْ يُغَرَّمُ فَيَحْلِفُ أَمْ لَا؟ فَلَا وَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُهُ، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَدَّعِيَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي زَعْمِهِ، وَإِنْ

ص: 68

أَنْكَرَ مَا ادَّعَيَا وَلَا بَيِّنَةَ، حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا، وَبَقِيَتِ الدَّارُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً، سُلِّمَتِ الدَّارُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ لِتَغْرِيمِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْهَا عَلَيْهِ، إِنَّمَا أُخِذَتْ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَهُ دَعْوَى الثَّمَنِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَتَا مُؤَرَّخَتَيْنِ بِتَارِيخٍ مُخْتَلِفٍ، قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، وَإِنْ لَمْ تَكُونَا كَذَلِكَ، فَلَهُ حَالَانِ، الْأُولَى أَنْ يَسْتَمِرَّ صَاحِبُ الْيَدِ عَلَى التَّكْذِيبِ، فَيَتَعَارَضَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ سَقَطَتَا، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَهَلْ لَهُمَا اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، هَذَا إِذَا لَمْ تَتَعَرَّضِ الْبَيِّنَةُ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ تَعَرَّضَتْ، فَلَا رُجُوعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ عُهْدَةُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِيءُ الْوَقْفُ، وَالْأَصَحُّ مَجِيئُهُ، فَتُنْزَعُ الدَّارُ مِنْ يَدِهِ وَالثَّمَنَانِ، وَيُوقَفُ الْجَمِيعُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ الدَّارُ بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ، وَاسْتَرَدَّ الْآخَرُ الثَّمَنَ الَّذِي أَدَّاهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ، وَلَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَسَخَا اسْتَرَدَّا جَمِيعَ الثَّمَنِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَإِنْ أَجَازَ اسْتَرَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ الثَّمَنِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجِيزَ أَحَدُهُمَا، وَيَفْسَخَ الْآخَرُ، وَيَسْتَرِدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ. ثُمَّ إِنْ سَبَقَتِ الْإِجَازَةُ الْفَسْخَ، رَجَعَ الْمُجِيزُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الْمَرْدُودَ، وَيَضُمَّهُ إِلَى مَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَجَازَ، رَضِيَ بِالنِّصْفِ، وَإِنْ سَبَقَ الْفَسْخُ الْإِجَازَةَ، فَهَلْ لِلْمُجِيزِ أَخْذُ الْجَمِيعِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّا نُفَرِّعُ عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ، فَلَا يَأْخُذُ إِلَّا مَا اقْتَضَتْهُ، وَالْمَرْدُودُ يَعُودُ إِلَى الْبَائِعِ، وَأَصَحُّهُمَا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ

ص: 69

بَيِّنَتَهُ قَامَتْ بِالْجَمْعِ، وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ، وَنَقَلَ الرَّبِيعُ قَوْلًا: أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ مَفْسُوخَانِ، وَرُوِيَ بَاطِلَانِ، وَهُوَ مَعْنَى مَفْسُوخَانِ هُنَا، وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَامْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ جَعْلِهِ قَوْلًا، مِنْهُمْ مَنْ غَلَّظَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ تَخْرِيجٌ لَهُ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُصَدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ أَحَدَهُمَا، فَعَلَى قَوْلِ السُّقُوطِ تُسَلَّمُ الدَّارُ لِلْمُصَدَّقِ، وَكَأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ، وَعَلَى قَوْلِ الِاسْتِعْمَالِ وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يُقَدَّمُ الْمُصَدَّقُ، وَكَأَنَّهُ نَقَلَ إِلَيْهِ يَدَهُ، فَصَارَ مَعَهُ يَدٌ وَبَيِّنَةٌ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى إِسْقَاطِ يَدِهِ، وَانْتِزَاعِ الْمَالِ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْأَقْوَالِ، وَالْيَدُ الْمُزَالَةُ لَا يُرَجَّحُ بِهَا، فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. ثُمَّ إِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْبَيِّنَتَانِ مُخْتَلِفَتَيِ التَّارِيخِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مُطْلَقَتَيْنِ أَوْ مُتَّحِدَتَيِ التَّارِيخِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةً، وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةً، بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا الْفَرَجِ الزَّازَ اسْتَدْرَكَ، فَقَالَ: هَذَا إِذَا لَمْ يُقَدَّمِ الْمُؤَرَّخَةَ عَلَى الْمُطْلَقَةِ، فَإِنْ قَدَّمْنَاهَا قَضَيْنَا لِصَاحِبِهَا وَلَا تَجِيءُ الْأَقْوَالُ.

عَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ: لَوْ تَعَرَّضَتْ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ، لِكَوْنِ الدَّارِ مِلْكَ الْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ، أَوْ لِكَوْنِهَا مِلْكَ الْمُشْتَرِي الْآنَ كَانَتْ مُقَدَّمَةً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا. وَلَوْ ذَكَرَتْ إِحْدَاهُمَا، نَقْدَ الثَّمَنِ دُونَ الْأُخْرَى كَانَتْ مُقَدَّمَةً، سَوَاءٌ كَانَتْ سَابِقَةً، أَمْ مَسْبُوقَةً؛ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِلنَّقْدِ

ص: 70

يُوجِبُ التَّسْلِيمَ، وَالْأُخْرَى لَا تُوجِبُ لِبَقَاءِ حَقِّ الْحَبْسِ لِلْبَائِعِ، فَلَا تَكْفِي الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ.

فَرْعٌ

فِي يَدِهِ دَارٌ جَاءَ اثْنَانِ يَدَّعِيَانِهَا، قَالَ أَحَدُهُمَا: اشْتَرَيْتُهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: اشْتَرَيْتُهَا مِنْ عَمْرٍو وَهِيَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِمَا يَقُولُهُ، فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، فَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ، وَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْيَدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ فَفِي مَجِيءِ قَوْلِ الْوَقْفِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَيَجِيءُ قَوْلَا الْقُرْعَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالتَّفْرِيعِ كَمَا سَبَقَ، إِلَّا أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ إِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا فَسْخَ الْعَقْدِ، وَالْآخَرُ إِجَازَتَهُ لَا يَكُونُ لِلْمُجِيزِ أَخْذُ النِّصْفِ الْآخَرِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْفَسْخُ أَوِ الْإِجَازَةُ إِذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ بَيْنَ شَخْصَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ يَعُودُ إِلَى غَيْرِ مَنْ يَدَّعِي الْمُجِيزُ الشِّرَاءَ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَأْخُذُهُ، وَحَيْثُ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ، فَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَتَعَرَّضِ الْبَيِّنَةُ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَلَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُدَّعِي، وَإِلَّا فَإِذَا جَرَى الْقَبْضُ، اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ، وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ لَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ عُهْدَتُهُ، وَإِنَّمَا شَرْطُنَا فِي صُورَةِ الْفَرْعِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ: وَهِيَ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ مَنِ ادَّعَى مَالًا فِي يَدِ شَخْصٍ، وَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُولَ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ مِلْكُهُ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ يَقُولَ: وَتَسَلَّمْتُهُ مِنْهُ، أَوْ سَلَّمَهُ إِلَيَّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَلِّمُ مَا يَمْلِكُهُ، وَفِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَأَنْتَ تَمْلِكُهُ، وَيُكْتَفَى بِأَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ فِي الشَّهَادَةِ: اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، أَوِ اشْتَرَاهُ وَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ، أَوْ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ شُهُودًا عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ وَآخَرَيْنِ

ص: 71

أَنَّ فُلَانًا كَانَ يَمْلِكُهُ إِلَى أَنْ بَاعَهُ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا، فَكَأَنَّ الْمُرَادَ إِذَا أَقَامَ شُهُودًا بِالشِّرَاءِ وَقْتَ كَذَا، وَآخِرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ.

فَرْعٌ

أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعَيَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ، وَكَانَ يَمْلِكُهَا، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ مُقِيمِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى، حُكِمَ بِبَيِّنَةِ الثَّانِي، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ الْمُقِيمُ الْبَيِّنَةَ: وَأَنْتَ تَمْلِكُهَا، كَمَا لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: لِصَاحِبِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَمَا أَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَيْهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: دَارٌ فِي يَدِهِ جَاءَ اثْنَانِ، قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، وَكَانَتْ مِلْكِي بِكَذَا، فَأَدِّ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا، طُولِبَ بِالثَّمَنَيْنِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا، طُولِبَ بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ، وَحَلَفَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَنْكَرَ مَا ادَّعَيَاهُ، وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ لَهُمَا يَمِينَيْنِ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ، وَحَلَفَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، نُظِرَ إِنْ أُرِّخَتَا تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ، لِإِمْكَانِ الْجَمِيعِ، وَإِنِ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا بِأَنْ أُرِّخَتَا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ زَوَالِهَا، تَعَارَضَتَا، لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مِلْكًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِهَذَا وَحْدَهُ، وَلِذَاكَ وَحْدَهُ، فَعَلَى قَوْلِ السُّقُوطِ كَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ، وَعَلَى الْقُرْعَةِ يُقْرَعُ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، قُضِيَ لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَرَفَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ، وَعَلَى الْقِسْمَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ، وَكَأَنَّ الدَّارَ لَهُمَا وَبَاعَاهُ بِثَمَنَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَفِي مَجِيءِ الْوَقْفِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَالْمَذْهَبُ مَجِيئُهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْبَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ، وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةٌ، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُمَا كَمُخْتَلِفَتَيِ التَّارِيخِ، فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا كَمُتَّحِدَتَيِ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ

ص: 72

بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْيَقِينُ، وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ، وَابْنُ الْقَطَّانِ، فَعَلَى هَذَا يَعُودُ خِلَافُ التَّعَارُضِ وَفِيهِ طَرِيقٌ ثَانٍ وَهُوَ الْقَطْعُ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: إِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى الْإِقْبَاضِ مَعَ الْبَيْعِ، وَجَبَ الثَّمَنَانِ قَطْعًا، وَلَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى إِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَيَا، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا لَوْ قَامَتَا عَلَى الْبَيِّعَيْنِ، فَيُنْظَرُ أَقَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا، أَمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالشِّرَاءِ مِنْ زَيْدٍ فِي وَقْتٍ، وَمِنْ عَمْرٍو كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجِبُ الثَّمَنَانِ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ مُطْلَقًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمَا إِذَا أُرِّخَتَا تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الِانْتِقَالُ مِنَ الْمُشْتَرِي إِلَى الْبَائِعِ الثَّانِي، ثُمَّ الْعَقْدُ الثَّانِي، فَإِنْ عَيَّنَ الشُّهُودُ زَمَنًا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ، لَمْ يَجِبِ الثَّمَنَانِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ بَاعَ فَلَانًا فِي سَاعَةِ كَذَا، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ كَانَ سَاكِنًا تِلْكَ الْحَالَةَ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ قَبِلَ فَلَانًا سَاعَةَ كَذَا، وَآخَرُ أَنَّهُ كَانَ سَاكِنًا تِلْكَ الْحَالَةَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَعْمَلُ شَيْئًا، فَفِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّفْيِ فِي الْمَضَايِقِ، وَأَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ، فَإِنْ قَبِلْنَاهَا، جَازَ التَّعَارُضُ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْصُورَ كَالْإِثْبَاتِ فِي إِمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

قَالَ الْأَكْثَرُونَ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ: بِعْتُكَ كَذَا

ص: 73

وَهُوَ مِلْكِي وَهَكَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي «الْمُخْتَصَرِ» ، وَقَالَ أَبُو الْفَيَّاضِ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِذَا قُلْنَا: بِالْقِسْمَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، فَقَسَّمَ الثَّمَنَ بِلَا خِيَارٍ لِصَاحِبِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ تَمَامُ الْبَيْعِ، وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ الْبَائِعِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَهُ الْخِيَارُ، فَقَدْ يَرْضَى بِمُعَامَلَةِ وَاحِدٍ دُونَ اثْنَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ، ادَّعَى أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ بَاعَهُ إِيَّاهُ بِكَذَا، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ مَا ادَّعَيَاهُ، وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ لَهُمَا يَمِينَيْنِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ، ثَبَتَ الْعِتْقُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيفُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِتْلَافُ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ مُتْلَفٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، لَكِنْ لَوِ ادَّعَى تَسْلِيمَ الثَّمَنِ، حَلَفَ لَهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ، قُضِيَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَرَفَ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يُقِرُّ لِأَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَلَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ قَوْلًا وَاحِدًا إِلَّا هَذَا، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، نُظِرَ إِنِ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا، قُضِيَ بِأَسْبَقِهِمَا، وَإِنِ اتَّحَدَ تَعَارَضَتَا، وَفِيهِمَا الْقَوْلَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، فَفِي مَجِيءُ قَوْلِ الْوَقْفِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ قُضِيَ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ، عَتَقَ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَنَصِفُهُ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعْتِقُ النِّصْفُ الْآخَرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِإِعْتَاقِهِ الْجَمِيعَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ بِمُوجِبِهَا لِزَحْمَةِ مُدَّعِي الشِّرَاءِ وَقَدْ زَالَتْ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ وَإِنْ أَجَازَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُعْسِرًا، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا،

ص: 74

فَقَوْلَانِ، أَوْ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ قَهْرًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ قَرِيبِهِ، وَأَظْهَرُهُمَا يَسْرِي، لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ بِاخْتِيَارِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجْرِي قَوْلُ الْقِسْمَةِ هُنَا تَحَرُّزًا مِنْ تَبْغِيضِ الْحُرِّيَّةِ، وَصَرَّحَ الْمُزَنِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ مُقَدَّمَةٌ وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ هَذَا، وَامْتَنَعُوا مِنْ إِثْبَاتِهِ قَوْلًا قَالُوا: وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ لَوْ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ، وَلَوْ كَانَتِ الْبَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةً، وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةً، فَهُوَ كَمَا لَوِ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يَجْرِي هُنَا قَوْلُ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُمَا مُمْكِنٌ، بِأَنْ بَاعَهُ صَاحِبُ الْيَدِ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَتَصْدِيقُ صَاحِبِ الْيَدِ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ لَا يُوجِبُ الرُّجْحَانَ إِلَّا عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا سَبَقَ.

الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي التَّدَاعِي وَالتَّعَارُضِ فِي الْمَوْتِ وَالْإِرْثِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْأُولَى: مَاتَ رَجُلٌ عَنِ اثْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: مَاتَ عَلَى دِينِي فَأَرِثُهُ، فَلِلْأَبِ حَالَانِ، الْأُولَى أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالتَّنَصُّرِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَاتَ عَلَى مَا كَانَ، فَيُصَدَّقُ النَّصْرَانِيُّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، نُظِرَ إِنْ أُطْلِقَتَا، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: مَاتَ مُسْلِمًا، وَالْأُخْرَى مَاتَ نَصْرَانِيًّا، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَهُوَ انْتِقَالُهُ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، فُقِدِّمَتِ النَّاقِلَةُ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ، كَمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ

ص: 75

عَلَى التَّعْدِيلِ، وَكَمَا لَوْ مَاتَ عَنِ ابْنٍ وَزَوْجَةٍ، فَقَالَ الِابْنُ: دَارُهُ هَذِهِ مِيرَاثٌ، وَقَالَتْ: أَصْدَقْنِيهَا أَوْ بَاعَنِيهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، فَبَيَّنَتُهَا أَوْلَى، وَكَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّكَ عَبْدِي، وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِفُلَانٍ، وَأَعْتَقَهُ، تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِعِلْمِهَا بِالِانْتِقَالِ مِنَ الرِّقِّ إِلَى الْحُرِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْمَسَائِلِ، وَإِنْ قَيَّدْنَا بِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَلِمَةً، وَأَقَامَ الْمُسْلِمُ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا كَانَتِ النَّصْرَانِيَّةَ، تَعَارَضَتَا، فَعَلَى قَوْلِ السُّقُوطِ يَسْقُطَانِ، وَيَصِيرُ كَأَنْ لَا بَيِّنَةَ، فَيُصَدَّقُ النَّصْرَانِيُّ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، فَعَلَى الْوَقْفِ يُوقَفُ، وَعَلَى الْقُرْعَةِ يُقْرَعُ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ، فَلَهُ التَّرِكَةُ، وَعَلَى الْقِسْمَةِ تُقَسَّمُ، فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَغَيْرِ الْإِرْثِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا تَجِيءُ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حَتْمًا بِالْخَطَأِ يَقِينًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمُوتُ مُسْلِمًا كَافِرًا، وَفِي غَيْرِ صُورَةِ الْإِرْثِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْقِسْمَةِ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُدَّعَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَتِ الْقِسْمَةُ حُكْمًا بِأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا كَافِرًا، بَلْ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ اقْتَضَتْ كَوْنَ جَمِيعِ الْمَالِ لَهُ، وَمُزَاحَمَتِهَا الْأُخْرَى، فَعَمِلْنَا بِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: وَلَيْسَتِ الْقِسْمَةُ خَطَأً يَقِينًا، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا، فَوَرِثَاهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا. وَلَوْ قُيِّدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ النَّصْرَانِيَّةُ، فَهُوَ كَتَقْيِيدِ الْبَيِّنَتَيْنِ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ مَعْرُوفَ الدِّينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، نُظِرَ إِنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ وَجُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا - وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجَمَاعَتُهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِلْيَدِ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، تَعَارَضَتَا، سَوَاءٌ أَطْلَقْنَا

ص: 76

أَوْ قَيَّدْنَا. وَيَجِيءُ فِي الْقِسْمَةِ خِلَافُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَيُصَلِّي عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ، وَيَدْفِنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقُولُ: أُصَلِّي عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا.

فَرْعٌ

يُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يُفَسِّرَ كَلِمَةَ التَّنَصُّرِ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّصَارَى، كَقَوْلِهِمْ:(ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) هَلْ يَجِبُ فِي بَيِّنَةِ الْإِسْلَامِ تَفْسِيرُ كَلِمَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَوَهَّمُونَ مَا لَيْسَ بِإِسْلَامٍ إِسْلَامًا؟ وَجْهَانِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ، هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ؟ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ: لَا. وَإِذَا قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ: فَمَاتَ عَنِ ابْنٍ وَبِنْتٍ، فَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: يُقَسَّمُ مُنَاصَفَةً، وَقَالَ غَيْرُهُ: مُثَالَثَةً، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُمَا كَرَجُلَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ دَارٍ، وَالْآخَرُ نِصْفَهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَلِلْآخَرِ رُبُعُهَا. ثُمَّ الْمَوْتُ عَلَى كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ يُوجِبُ إِرْثَ الِابْنِ الْمُسْلِمِ، لَكِنَّ الْمَوْتَ عَلَى التَّنَصُّرِ لَا يُوجِبُ بِمَجْرَدَهِ إِرْثَ النَّصْرَانِيِّ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ تَنَصَّرَ، وَكَانَ التَّصْوِيرُ فِيمَا إِذَا تَعَرَّضَ الشُّهُودُ لِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ حَتَّى مَاتَ، أَوِ اكْتَفَوْا بِاسْتِصْحَابِ مَا عُرِفَ مِنْ دِينِهِ مَضْمُومًا إِلَى الْمَوْتِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشُّهُودُ.

فَرْعٌ

مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَخٍ مُسْلِمَيْنِ وَأَوْلَادٍ كَفَرَةٍ، فَقَالَ الْمُسْلِمَانِ: مَاتَ

ص: 77

مُسْلِمًا، وَقَالَ الْأَوْلَادُ: مَاتَ كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ أَصْلُ دِينِهِ الْكُفْرَ، صُدِّقَ الْأَوْلَادُ. وَإِنْ أَقَامُوا بَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ أَطْلَقْنَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمَيْنِ، وَإِنْ قَيَّدْنَا فَعَلَى الْخِلَافِ فِي التَّعَارُضِ. وَيَعُودُ خِلَافُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي جَرَيَانِ الْقِسْمَةِ، فَإِذَا رَجَّحْنَا طَائِفَةً، قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ، كَمَا يُقَسَّمُ لَوِ انْفَرَدُوا. وَإِنْ جَعَلْنَا الْمَالَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقِسْمَةِ، فَالنِّصْفُ لِلزَّوْجَةِ وَلِلْأَخِ، وَالنِّصْفُ لِلْأَوْلَادِ، وَفِيمَا تَأْخُذُ الزَّوْجَةُ مِنَ النِّصْفِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: رُبْعُهُ وَكَأَنَّهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ، وَبِهِ قَطَعَ السَّرَخْسِيُّ. وَالثَّانِي: نَصِفُهُ، لِيَكُونَ لَهَا رُبُعُ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخَ مُعْتَرِفٌ بِهِ، وَالْأَوْلَادُ لَا يَحْجُبُونَهَا بِاتِّفَاقِهِمَا، وَبِهِ قَطَعُ الْإِمَامُ.

قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَرِفَةٌ أَيْضًا بِاسْتِحْقَاقِ الْأَخِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ التَّرِكَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَاتَ نَصْرَانِيٌّ وَلَهُ ابْنَانِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِينَا، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا. وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: قَبْلَهُ، فَلَا تَرِثُهُ، فَلَهُمَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، إِحْدَاهَا: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَا يَتَعَرَّضَا لِتَارِيخِ مَوْتِ الْأَبِ، وَلَا لِتَارِيخِ إِسْلَامِ الْمُسْلِمِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ الْأَبِ كَرَمَضَانَ. وَقَالَ الْمُسْلِمُ: أَسْلَمْتُ فِي شَوَّالٍ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: بَلْ أَسْلَمْتَ فِي شَعْبَانَ، فَفِي الْحَالَتَيْنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى دِينِهِ، يَحْلِفُ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْمَالِ. وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ بِهَا. وَإِنْ أَقَامَا

ص: 78

بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي شَعْبَانَ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ لِدِينِهِ فِي شَوَّالٍ، فَمَعَ الْأُولَى زِيَادَةُ عِلْمٍ.

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَارِيخِ إِسْلَامِ الْمُسْلِمِ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ، وَلَكِنِ ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ الْأَبَ مَاتَ فِي شَعْبَانَ. وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقِلُ مِنَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ فِي شَعْبَانَ، وَالْأُخْرَى تَسْتَصْحِبُ الْحَيَاةَ إِلَى شَوَّالٍ. وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُمْ عَايَنُوهُ حَيًّا فِي شَوَّالٍ، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ كَلِمَةَ التَّنَصُّرِ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ مَثَلًا تَعَارَضَتَا.

فَرْعٌ

مَاتَ مُسْلِمٌ وَلَهُ ابْنَانِ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَسْلَمْتُ أَيْضًا قَبْلَهُ. وَقَالَ الْمُتَّفَقُ عَلَى إِسْلَامِهِ: بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَعَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ أَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْأَبَ مَاتَ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ لِحَادِثِ الْإِسْلَامِ: أَسْلَمْتَ فِي شَوَّالٍ. وَقَالَ الْحَادِثُ: بَلْ أَسْلَمْتُ فِي شَعْبَانَ، صُدِّقَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْحَادِثِ. وَإِنِ اتَّفَقَا أَنَّ الْحَادِثَ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ: مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ. وَقَالَ الْحَادِثُ: بَلْ فِي شَوَّالٍ، فَالْمُصَدَّقُ الْحَادِثُ، وَالْمُقَدَّمُ بَيِّنَةُ قَدِيمِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ نَظَائِرُ الصُّورَةِ الْأُولَى، وَصُورَةُ الْفَرْعِ بِأَنْ مَاتَ الْأَبُ حُرًّا، وَأَحَدُ ابْنَيْهِ حُرًّا بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفَا هَلْ عَتَقَ الْآخَرُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ بَعْدَهُ. وَلَوِ اتَّفَقَا فِي صُورَةِ الْفَرْعِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا. وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ أَزَلْ مُسْلِمًا أَيْضًا، وَنَازَعَهُ الْأَوَّلُ، فَقَالَ: كُنْتَ نَصْرَانِيًّا، وَإِنَّمَا أَسْلَمْتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّارِ يَشْهَدُ

ص: 79

لَهُ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: لَمْ أَزَلْ مُسْلِمًا، وَكَانَ صَاحِبِي نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، فَوَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا الْقَفَّالُ. أَحَدُهُمَا: لَا شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَصَحُّهُمَا: يَحْلِفَانِ، وَيُجْعَلُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْيَدِ يَشْهَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا يَقُولُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.

فَرْعٌ

مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، فَقَالَ الْأَبَوَانِ: مَاتَ كَافِرًا، وَقَالَ الِابْنَانِ: مَاتَ مُسْلِمًا، قَالَ ابْنَ سُرَيْجٍ: فِيهِ قَوْلَانِ، أَشْبَهَهُمَا بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ فِي الِابْتِدَاءِ تَبَعًا لَهُمَا، فَيُسْتَصْحَبُ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ. وَالثَّانِي: يُوقَفُ الْمَالُ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْأَمْرُ أَوْ يَصْطَلِحَا، وَالتَّبَعِيَّةُ تَزُولُ بِالْبُلُوغِ وَحُصُولِ الِاسْتِقْلَالِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنَيْنِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّارِ الْإِسْلَامُ.

قُلْتُ: الْوَقْفُ أَرْجَحُ دَلِيلًا، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ، وَأَنْكَرُوا عَلَى صَاحِبِ «التَّنْبِيهِ» تَرْجِيحَهُ قَوْلَ الِابْنَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

لَهُ زَوْجَةٌ وَابْنٌ مَاتَا، فَاخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَأَخُو الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الزَّوْجُ: مَاتَتْ أَوَّلًا، فَوَرِثْتُهَا أَنَا وَابْنِي، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ، فَوَرِثْتُهُ. وَقَالَ الْأَخُ: مَاتَ الِابْنُ أَوَّلًا، فَوَرِثَتْ مِنْهُ أُخْتِي، ثُمَّ مَاتَتْ، فَأَرِثُ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَخِ فِي مَالِ أُخْتِهِ، وَقَوْلُ الزَّوْجِ فِي مَالِ ابْنِهِ. فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا فَهِيَ مِنْ صُوَرِ اسْتِبْهَامِ الْمَوْتِ، فَلَا يُوَرَّثُ مَيِّتٌ مِنْ مَيِّتٍ، بَلْ مَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَمَالُهَا لِلزَّوْجِ وَالْأَخِ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ،

ص: 80

تَعَارَضَتَا، وَجَرَتْ أَقْوَالُ التَّعَارُضِ. هَذَا إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَاخْتَلَفَا فِي أَنَّ الْآخَرَ مَاتَ قَبْلَهُ أَمْ بَعْدَهُ، صُدِّقَ مَنْ قَالَ: بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الْحَيَاةِ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَنْ قَالَ: قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ.

فَرْعٌ

مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلَادٍ فَقَالُوا لَهَا: كُنْتِ أَمَةً، فَعَتَقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ ذِمِّيَّةً، فَأَسْلَمْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَتْ: بَلْ عَتَقْتُ وَأَسْلَمْتُ قَبْلَهُ، فَهُمُ الْمُصَدَّقُونَ. وَإِنْ قَالَتْ: لَمْ أَزَلْ حُرَّةً مَسْلِمَةً، فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا. وَفِي قَوْلٍ: تُصَدَّقُ فِي الْحُرِّيَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ. وَخُرِّجَ قَوْلٌ: أَنَّ الْأَوْلَادَ يُصَدَّقُونَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وِرَاثَتِهَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: سَيِّدٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ قُتِلْتُ، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَتَنَازَعَ بَعْدَهُ الْعَبْدُ وَالْوَارِثُ، وَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قُتِلَ، وَالْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِالْقَتْلِ. وَالثَّانِي: يَتَعَارَضَانِ، لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا. فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، فَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ، فَيَحْلِفُ الْوَارِثُ، وَيَسْتَمِرُّ الرِّقُّ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَسْمِ عَتَقَ نَصْفُهُ، أَوْ بِالْقُرْعَةِ إِنْ خَرَجَتْ لَهُ، وَرَقَّ إِنْ خَرَجَتْ لِلْوَارِثِ، وَلَا يَخْفَى الْوَقْفُ. وَإِذَا قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ الْقَتْلِ فَلَا قَصَاصَ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يُنْكِرُهُ. وَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ فِي رَمَضَانَ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ، وَالْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ فِي شَوَّالٍ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: التَّعَارُضُ، وَأَظْهَرُهُمَا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ، لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْمَوْتِ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَهِيَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ إِلَى شَوَّالٍ. وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَطَّرِدَ فِي نَظَائِرِهِ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ. وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ فِي شَعْبَانَ، فَالْقِيَاسُ مَجِيءُ الْخِلَافِ وَانْعِكَاسُ الْقَوْلِ الثَّانِي

ص: 81