الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انْدَفَعَتْ شَهَادَتُهُمَا. وَلَوْ أَقَامَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِأَنَّ شَاهِدَيْهِ شَرِبَا الْخَمْرَ وَقْتَ كَذَا، فَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ قَصَرَتْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُمَا شَرِبَا الْخَمْرَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَقْتٍ، سُئِلَ الْمُدَّعِي عَنْ وَقْتِهِ، وَحُكِمَ بِمَا يَقْتَضِيهِ تَعْيِينُهُ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، ثُمَّ قَالَ لِلْقَاضِي: لَا تَحْكُمُ بِشَيْءٍ حَتَّى تُحَلِّفَهُ، بَطَلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُعْتَرِفِ بِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا.
قُلْتُ: هَذَا مُشْكَلٌ، فَقَدْ يَقْصِدُ تَحْلِيفَهُ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، وَيُظْهِرَ إِقْدَامَهُ عَلَى يَمِينٍ فَاجِرَةٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي قَدْحًا فِي الْبَيِّنَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْبَيِّنَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
إِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالَ لِلْحَاكِمِ: قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً عَلَى هَذَا بِطَلَبِهِ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفِي، فَإِنْ حَفِظَ الْقَاضِي مَا قَالَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ، وَمَنَعَ الْمُدَّعِيَ مِمَّا طَلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ حَلَّفَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى تَذَكَّرَ حُكْمَهُ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ بَيِّنَةً، وَعَنِ ابْنِ الْقَاصِّ جَوَازُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ، حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ الطَّرْدُ فِي كُلِّ بَابٍ، وَإِنْ قَالَ: حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَأَطْلَقَ، وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَوَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ بِالْمَنْعِ، إِذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ حَلَّفَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ، وَهَكَذَا فَيَدُورُ الْأَمْرُ، وَلَا يَنْفَصِلُ، وَأَصَحُّهُمَا - وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ - يُمَكَّنُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتِمَلٌ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، وَلَا يُسْمَعُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْمُدَّعِي، لِئَلَّا
يَتَسَلْسَلَ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا وَتَخَلَّصَ عَنِ الْخُصُومَةِ، وَإِنِ اسْتَمْهَلَ لِيُقِيمَ، فَقِيَاسُ الْبَيِّنَاتِ الدَّوَافِعِ أَنْ يُمْهَلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ، ثُمَّ يَطْلُبُ الْمَالَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَقَطَتِ الدَّعْوَى. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الْأَصْلِ لَا يَمِينَ التَّحْلِيفِ الْمَرْدُودَةَ عَلَيْهِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا الْآنَ فِي دَعْوَى أُخْرَى. وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: حَلَّفَنِي مَرَّةً عَلَى أَنِّي مَا حَلَّفْتُهُ، وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ، لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَلَوِ ادَّعَى مَالًا عَلَى رَجُلٍ، فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ، ثُمَّ قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ أَيَّامٍ: حَلَفْتَ يَوْمَئِذٍ؛ لِأَنَّكَ كُنْتَ مُعْسِرًا لَا يَلْزَمُكَ تَسْلِيمُ شَيْءٍ إِلَيَّ وَقَدْ أَيْسَرْتَ الْآنَ فَهَلْ يُسْمَعُ لِإِمْكَانِهِ، أَمْ لَا لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسْمَعُ إِلَّا إِذَا تَكَرَّرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ، وَلَمْ يُقْلِعْ عَنِ الْمُخَاصَمَةِ، لَمْ يُحَلِّفْهُ الْقَاضِي، وَلَوْ حَلَفَ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ: لَا يَتَوَقَّفُ التَّحْلِيفُ عَلَى طَلَبِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَوِ امْتَنَعَ مِنْ تَحْلِيفِهِ بِالدَّعْوَى السَّابِقَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنَ الْيَمِينِ، فَإِنْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ عَنِ الْيَمِينِ، سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، وَلَهُ اسْتِئْنَافُ الدَّعْوَى وَتَحْلِيفُهُ.
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي النُّكُولِ
إِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاسْتُحْلِفَ، فَنَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، بَلْ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الْمُدَّعِي، تَحَوَّلَ الْيَمِينُ إِلَيْهِ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَرَّفَ الْقَاضِي، وَبَيَّنَ أَنَّهُ إِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ النُّكُولُ بِأَنْ
يَعْرِضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعَ، وَفَسَّرَ الْعَرْضَ بِأَنْ يَقُولَ: قُلْ وَاللَّهِ، وَالِامْتِنَاعُ بِأَنْ يَقُولَ: لَا أَحْلِفُ، أَوْ أَنَا نَاكِلٌ، قَالَ الْإِمَامُ: قَوْلُهُ: قُلْ: وَاللَّهِ لَيْسَ أَمْرًا جَازِمًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بَيَانُ وَقْتِ الْيَمِينِ الْمُعْتَمَدِ بِهَا عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَوْ قَالَ: أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَقَالَ: لَا، فَلَيْسَ بِنُكُولٍ، وَلَوْ بَدَرَ حِينَ سَمِعَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَحَلَفَ، لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْجَازٌ لَا اسْتِحْلَافٌ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: احْلِفْ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَيْسَ بِنُكُولٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ: نُكُولٌ وَهُوَ أَوْضَحُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: قُلْ: بِاللَّهِ، وَقَوْلِهِ: احْلِفْ بِاللَّهِ، وَلَوِ اسْتُحْلِفَ فَلَمْ يَحْلِفْ، وَلَا تَلَفَّظَ بِأَنَّهُ نَاكِلٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، فَسُكُوتُهُ نُكُولٌ، كَمَا أَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْجَوَابِ فِي الِابْتِدَاءِ يُجْعَلُ كَالْإِنْكَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إِنْ صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، لَمْ يُشْتَرَطْ حُكْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، وَإِنْ سَكَتَ حَكَمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ رَدَّ الْيَمِينِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: حَكَمْتُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَاكِلٌ، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ نَاكِلٌ بِالسُّكُوتِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ السُّكُوتِ لِدَهْشَةٍ وَغَبَاوَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إِذَا سَكَتَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَا إِذَا صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، وَلَوْ تَفَرَّسَ فِيهِ سَلَامَةَ جَانِبٍ، شَرَحَ لَهُ حُكْمَ النُّكُولِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَحْ، وَحَكَمَ بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَمْ أَعْرِفِ النُّكُولَ، فَفِي نُفُوذِ الْحُكْمِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ أَصَحُّهُمَا النُّفُوذُ. وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْأَلَ وَيَعْرِفَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِلَ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ أَنْ يَعُودَ فَيَحْلِفَ، نُظِرَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، أَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَلِفُ، وَإِنْ أَقْبَلْ عَلَيْهِ لِيُحَلِّفَهُ، وَلَمْ يُقْبِلْ بَعْدَ مَا حَلَفَ، فَهَلْ هُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: احْلِفْ؟ وَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَهُ