المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِرَجُلٍ، ثُمَّ ادَّعَاهَا، لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إِلَّا - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٢

[النووي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِرَجُلٍ، ثُمَّ ادَّعَاهَا، لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إِلَّا

‌فَصْلٌ

مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِرَجُلٍ، ثُمَّ ادَّعَاهَا، لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إِلَّا أَنْ تَذْكُرَ تَلَقِّيَ الْمِلْكَ مِنْهُ، وَلَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهَا هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ التَّلَقِّي؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَاخَذًا بِالْبَيِّنَةِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ وَأَطْلَقَ، سُمِعَتْ.

فُرُوعٌ

أَكْثَرُهَا عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ رحمه الله. أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكِي غَصَبَهَا مِنِّي الدَّاخِلُ، أَوْ قَالَ: أَجَّرْتُهَا لَهُ، أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ، وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكَهُ، فَهَلْ يُقَدَّمُ الْخَارِجُ أَمِ الدَّاخِلُ؟ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ: الْخَارِجُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَصَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَبِهِ أَجَابَ الْهَرَوِيُّ، وَخَالَفَهُمُ الْبَغَوِيُّ، فَصَحَّحَ تَقْدِيمَ الدَّاخِلِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَنَكَلَ الدَّاخِلُ عَنِ الْيَمِينِ، فَحَلَفَ الْخَارِجُ، وَحُكِمَ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ الدَّاخِلُ بِبَيِّنَةٍ، سُمِعَتْ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا لَوْ أَقَامَهَا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَقِيلَ: لَا تُسْمَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، وَلَوْ تَنَازَعَا شَاةً مَذْبُوحَةً فِي يَدِ أَحَدِهِمَا رَأْسُهَا وَجِلْدُهَا وَسَوَاقِطُهَا، وَفِي يَدِ الْآخَرِ بَاقِيهَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّ الشَّاةَ لَهُ، قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ الشَّاتَيْنِ لَهُ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ الَّتِي فِي يَدِهِ، لِاعْتِقَادِ بَيِّنَتِهِ بِالْيَدِ. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّ الَّتِي فِي يَدِ الْآخَرِ مِلْكُهُ قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمَا فِي يَدِ الْآخَرِ.

السَّبَبُ الثَّالِثُ: اشْتِمَالُ أَحَدِهِمَا عَلَى زِيَادَةِ تَارِيخٍ، فَإِذَا أُرِّخَتَا، نُظِرَ إِنِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، فَلَا تَرْجِيحَ، وَإِنِ اخْتَلَفَ، بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ

ص: 61

زَيْدٍ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَبَيِّنَةُ عَمْرٍو أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَهَلْ تَتَعَارَضَانِ، أَمْ يُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا؟ طَرِيقَانِ، الْمَذْهَبُ التَّقْدِيمُ، وَيَطَّرِدُ الْخِلَافُ فِي بَيِّنَتَيْ شَخْصَيْنِ تَنَازَعَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ إِذَا اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا، وَفِيمَا إِذَا تَعَارَضَتَا مَعَ اخْتِلَافِ التَّارِيخِ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، بِأَنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ مُنْذُ سَنَةٍ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَلَوْ نَسَبَا الْعَقْدَيْنِ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ مُنْذُ سَنَةٍ، وَذَاكَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَالسَّابِقُ أَوْلَى بِلَا خِلَافٍ، وَطَرَدُوا الْخِلَافَ أَيْضًا فِيمَا إِذَا تَنَازَعَا أَرْضًا مَزْرُوعَةً، فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا أَرْضُهُ زَرَعَهَا، وَالْآخَرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّرْعِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ مِنْ وَقْتِ الزِّرَاعَةِ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِزَمَانٍ مَعْلُومٍ حَتَّى لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ سُنَّةٍ، وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَانَ فِيهِ الْخِلَافُ، فَإِنْ رَجَّحْنَا بِسَبْقِ التَّارِيخِ، حَكَمْنَا بِهَا لِصَاحِبِ السَّبْقِ، وَلَهُ الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَاتُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَإِنْ لَمْ نُرَجِّحْ بِهِ، فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَصْلِ التَّعَارُضِ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهَا مُؤَرَّخَةً، وَالْأُخْرَى مُطْلَقَةً، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَتَتَعَارَضَانِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْمُؤَرَّخَةُ. وَلَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَالْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَهُوَ الَّذِي نَتَجَهَا، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَبْقِ التَّارِيخِ، وَطَرَدُوهُ فِي كُلِّ بَيِّنَتَيْنِ أَطْلَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْمِلْكَ، وَنَصَّتِ الْأُخْرَى عَلَى سَبَبِهِ مِنْ إِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ النِّتَاجِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ لَهُ، وَالَّتِي سَبَقَ تَارِيخُهَا لَا تُثْبِتُ ابْتِدَاءَ مِلْكِهِ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَقْتَضِي اطِّرَادَ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا لَوْ تَنَازَعَا ثَمَرَةً وَحِنْطَةً،

ص: 62