المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هَذِهِ: أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ وَحْدَهُ، عَتَقَ الثَّالِثُ. وَلَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٢

[النووي]

الفصل: هَذِهِ: أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ وَحْدَهُ، عَتَقَ الثَّالِثُ. وَلَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ

هَذِهِ: أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ وَحْدَهُ، عَتَقَ الثَّالِثُ. وَلَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ لَا غَيْرَ، فَهَلْ يَعْتِقُ؟ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ. وَلَوْ قَالَ: آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الدَّارَ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ، لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ، فَيَبِينَ الْآخَرُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَمَضَى الْعَامُ، وَاخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ حَجَّ، فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ النَّحْرِ - عَتَقَ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: إِذَا جَاءَ الْغَدُ، فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَجَاءَ الْغَدُ، عَتَقَ أَحَدُهُمَا، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ. فَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ أَعْتَقَهُ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ، وَجَاءَ الْغَدُ وَالْآخَرُ فِي مِلْكِهِ، لَمْ يَتَعَيَّنِ الْعِتْقُ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حِينَئِذٍ إِعْتَاقَهُمَا، فَلَا يَمْلِكُ إِعْتَاقَ أَحَدِهِمَا. وَلَوْ بَاعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَى مَنْ بَاعَ، وَجَاءَ الْغَدُ وَهُمَا مِلْكُهُ، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ الْحِنْثِ. وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ أَحَدِهِمَا، وَجَاءَ الْغَدُ وَفِي مِلْكِهِ نِصْفُهُ الْآخَرُ، فَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ، فَإِنْ عَيَّنَ مَنْ نِصْفُهُ لَهُ، وَقَعَ النَّظَرُ فِي السِّرَايَةِ.

وَلَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ الْغَدُ وَأَحَدُكُمَا فِي مِلْكِي فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ وَالْآخَرُ فِي مِلْكِهِ، عَتَقَ. وَإِنْ بَاعَ أَحَدَهُمَا وَنِصْفَ الْآخَرِ، وَجَاءَ الْغَدُ، لَمْ يَعْتِقِ النِّصْفُ الْبَاقِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مِلْكِهِ.

‌فَصْلٌ

فِي خَصَائِصِ الْعِتْقِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا عَنِ الطَّلَاقِ، وَهِيَ خَمْسٌ: الْأَوْلَى السِّرَايَةُ، فَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ مَمْلُوكٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ لَهُ، فَيَعْتِقُ كُلُّهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، سَوَاءٌ الْمُوسِرُ وَالْمُعْسِرُ. وَلَوْ أَضَافَ إِلَى عُضْوٍ مُعَيَّنٍ، كَيَدٍ، وَرِجْلٍ، عَتَقَ كُلُّهُ، كَالطَّلَاقِ. وَفِي كَيْفِيَّةِ التَّكْمِيلِ إِذَا أَضَافَ الْعِتْقَ إِلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَحْصُلُ فِي الْجُزْءِ الْمُسَمَّى، ثُمَّ يَسْرِي إِلَى الْبَاقِي.

ص: 110

وَالثَّانِي: يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دُفْعَةً وَيَكُونُ إِعْتَاقُ الْبَعْضِ عِبَارَةً عَنْ إِعْتَاقِ الْكُلِّ. وَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ، فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ، وَأَوْلَى بِحُصُولِهِ دُفْعَةً، وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْخِلَافُ بِتَفَارِيعِهِ فِي الطَّلَاقِ.

وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ الْحَامِلَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، عَتَقَ الْحَمْلُ أَيْضًا، لَا بِالسِّرَايَةِ، فَإِنَّ السِّرَايَةَ فِي الْأَشْقَاصِ، لَا فِي الْأَشْخَاصِ، بَلْ بِطَرِيقِ التَّبَعِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، إِلَّا أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِاسْتِثْنَائِهِ، وَالْعِتْقُ لَا يَبْطُلُ لِقُوَّتِهِ. وَلِهَذَا لَوِ اسْتَثْنَى عُضْوًا فِي الْبَيْعِ، بَطَلَ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ، عَتَقَ، وَلَمْ يَعْتِقِ الْأُمُّ عَلَى الصَّحِيحِ ; لِأَنَّهَا لَا تَتْبَعُهُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ: تَعْتِقُ بِعِتْقِهِ.

وَلَوْ كَانَتِ الْأُمُّ لِوَاحِدٍ، وَالْحِمْلُ لِآخَرَ، لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ. وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إِذَا وَلَدْتِ فَوَلَدُكِ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ، عَتَقَ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا، عَتَقَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكِ الْوَلَدَ حِينَئِذٍ، فَقَدْ مَلَكَ الْأَصْلَ الْمُفِيدَ لِمِلْكِ الْوَلَدِ.

وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ: إِنْ كَانَ أَوَّلُ مَنْ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَإِنْ وَلَدَتِ الذَّكَرَ أَوَّلًا، عَتَقَ، وَرَقَّتِ الْأُمُّ وَالْأُنْثَى، وَإِنْ وَلَدَتِ الْأُنْثَى أَوَّلًا، عَتَقَتِ الْأُمُّ وَالذَّكَرُ أَيْضًا، لِكَوْنِهِ فِي بَطْنِ عَتِيقِهِ، وَتَرِقُّ الْأُنْثَى ; لِأَنَّ عِتْقَ الْأُمِّ طَرَأَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا. وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا، فَلَا عِتْقَ، إِذْ لَا أَوَّلَ فِيهِمَا. وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، فَلَا عِتْقَ، لِلشَّكِّ. وَإِنْ عُلِمَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا، وَأَشْكَلَ، فَالذَّكَرُ حُرٌّ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْأُنْثَى رَقِيقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْأُمُّ مَشْكُوكٌ فِيهَا، فَيُؤْمَرُ السَّيِّدُ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا رَقِيقَةٌ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: يُقْرَعُ

ص: 111

عَلَيْهَا بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ غَلَطٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي عِتْقِهَا، وَالْقُرْعَةُ لَا يُثْبِتُ مَشْكُوكًا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي تَعْيِينِ مَا تَيَقَّنَّا أَصْلَهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: هَذَا كُلُّهُ إِذَا وَلَدَتْ فِي صِحَّةِ السَّيِّدِ، فَلَوْ وَلَدَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الثُّلُثُ يَفِي بِالْجَمِيعِ، لَمْ يَخْتَلِفِ الْجَوَابُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا هَذِهِ الْأَمَةُ وَمَا وَلَدَتْ، أُقْرِعَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْغُلَامِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْغُلَامِ، عَتَقَ وَحْدَهُ إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْأُمِّ، قُوِّمَتْ حَامِلًا بِالْغُلَامِ يَوْمَ وَلَدَتِ الْجَارِيَةَ إِنْ وَلَدَتْهَا أَوَّلًا، وَيَعْتِقُ مِنْهَا وَمِنَ الْغُلَامِ قَدْرُ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِائَةً وَقِيمَةُ الْأُمِّ حَامِلًا بِالْغُلَامِ مِائَتَيْنِ، فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَنِصْفُ الْغُلَامِ وَهُوَ مِائَةٌ، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ النِّصْفَانِ، وَهُوَ مِائَةٌ، وَالْجَارِيَةُ وَهِيَ مِائَةٌ أُخْرَى.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي لِغَيْرِهِ، فَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةٍ بَاقِيهِ، لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلشَّرِيكِ، وَعَتَقَ الْبَاقِي عَلَيْهِ وَوَلَاءُ جَمِيعِ الْعَبْدِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ التَّقْوِيمُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ.

أَحَدُهَا: كَوْنُ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُعَدَّ غَنِيًّا، بَلْ إِذَا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَفِي بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ، وَيُصْرَفُ إِلَى هَذِهِ الْجِهَةِ كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، فَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ، وَكُلُّ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ يَوْمٍ، وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَدَسْتِ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ، وَسُكْنَى يَوْمٍ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْيَسَارِ بِحَالَةِ الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، ثُمَّ أَيْسَرَ، فَلَا تَقْوِيمَ. وَلَوْ مَلَكَ قِيمَةَ الْبَاقِي، لَكِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ.

وَلِهَذَا

ص: 112

لَوِ اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ، نَفَذَ. وَالثَّانِي: لَا يُقَوَّمُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوسِرٍ، بَلْ لَوْ أُبْرِئَ عَنِ الدَّيْنِ، لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا، كَالْمُعْسِرِ يُوسِرُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُضَارِبُ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْمُضَارَبَةِ مَا يَفِي بِقِيمَةِ جَمِيعِ نَصِيبِهِ، فَذَاكَ، وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى حِصَّتِهِ، وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ إِنْ قُلْنَا: تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، ضَارَبَ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ بَاقِيهِ، إِلَى أَنْ يَعْتِقَ الْجَمِيعُ.

وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا: أَعْتِقْ نَصِيبَكَ مِنْهُ عَنِّي عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا، فَأَجَابَهُ، عَتَقَ نَصِيبُهُ عَنِ الْمُسْتَدْعِي، وَلَا سِرَايَةَ ; لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنِ الْعَشَرَةِ بِمَا جَرَى، وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي ذِمَّتِي، فَإِنْ قُلْنَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ التَّقْوِيمَ، لَمْ يُقَوَّمْ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْنَعُ، فَإِنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، عَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ، وَيُقَسَّمُ الْعَشَرَةُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، وَتَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، عَتَقَ مِنْ نَصِيبِ الشَّرِيكِ بِالسِّرَايَةِ حِصَّةُ الْخَمْسَةِ، وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الرِّقِّ، وَلِلشَّرِيكِ الْمُسْتَدْعِي مِنْهُ خَمْسَةٌ فِي ذِمَّتِهِ.

وَلَوْ مَلَكَ نِصْفَيْنِ مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيِ الْقِيمَةِ، فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ بِنِصْفِ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا، نُظِرَ، إِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا، عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمَا، وَسَرَى إِلَى نِصْفِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَهَذَا إِذَا حَكَمْنَا بِالسِّرَايَةِ فِي الْحَالِ. وَقُلْنَا: الْيَسَارُ بِقِيمَةِ بَعْضِ النَّصِيبِ يَقْتَضِي السِّرَايَةَ بِالْقِسْطِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مُرَتَّبًا، سَرَى إِلَى جَمِيعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ إِنْ قُلْنَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ، فَلَا سِرَايَةَ فِي الْعَبْدِ

ص: 113

الثَّانِي، وَإِلَّا فَيَسْرِي، وَمَا فِي يَدِهِ يُصْرَفُ إِلَى الشَّرِيكِ، وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ.

وَإِنْ كَانَ الشِّقْصَانِ لِشَخْصَيْنِ، صُرِفَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ. وَلَوْ مَلَكَ الشِّقْصَيْنِ، فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا، فَلَا سِرَايَةَ ; لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ. وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُرَتَّبًا، عَتَقَ كُلُّ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ فِي نَصِيبِهِ فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ وَفَاءً بِبَاقِي الَّذِي أَعْتَقَ شِقْصَهُ، ثُمَّ إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنَ الثَّانِي نَفَذَ الْعِتْقُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا سِرَايَةَ ; لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَإِنَّمَا نَفَذَ إِعْتَاقُهُ نَصِيبَهُ مِنَ الثَّانِي ; لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ، بَلْ هُوَ فِي الذِّمَّةِ.

فَرْعٌ

أَعْتَقَ شَرِيكٌ نَصِيبَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، نُظِرَ، إِنْ خَرَجَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَعَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إِلَّا نَصِيبُهُ، عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَلَا تَقْوِيمَ، وَإِنْ خَرَجَ نَصِيبُهُ وَبَعْضُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَيَجِيءُ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي يَسَارِ الْمُعْتِقِ بِبَعْضِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ. وَبِالْجُمْلَةِ الْمَرِيضُ فِي الثُّلُثِ كَالصَّحِيحِ فِي الْكُلِّ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مُعْسِرٌ. وَاحْتَجَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِاعْتِبَارِ الثُّلُثِ عَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ ; لِأَنَّ الثُّلُثَ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْمَوْتِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ حَالَ إِعْتَاقِهِ، ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا، وَوَفَى عِنْدَ الْمَوْتِ، قُوِّمَ جَمِيعُهُ. وَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ نِصْفَيْنِ مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيِ الْقِيمَةِ، فَأَعْتَقَهُمَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، نُظِرَ، إِنْ خَرَجَا مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَا، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ إِلَّا نَصِيبَاهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا، عَتَقَ نَصِيبَاهُ، وَلَا سِرَايَةَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا

ص: 114

مُرَتَّبًا، عَتَقَ كُلُّ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَعْتِقْ مِنَ الثَّانِي شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ لَزِمَهُ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ مِنَ الْأَوَّلِ، وَصَارَ نَصِيبُهُ مِنَ الثَّانِي مُسْتَحَقَّ الصَّرْفِ إِلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ نَصِيبَاهُ، وَنَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُرَتَّبًا، عَتَقَ جَمِيعُ الْأَوَّلِ، وَلَا يَعْتِقُ مِنَ الثَّانِي إِلَّا نَصِيبُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ: نَصِيبَاهُ، وَنِصْفُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَالثَّانِي: يُقْرَعُ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، عَتَقَ كُلُّهُ، وَلَمْ يَعْتِقْ مِنَ الْآخَرِ إِلَّا نَصِيبُهُ ; لِأَنَّ الْقُرْعَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْعِتْقِ، وَلَا يُصَارُ إِلَى التَّشْقِيصِ مَعَ إِمْكَانِ التَّكْمِيلِ. وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ إِلَّا أَحَدُ نَصِيبَيْهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ نَصِيبِهِ، وَهُوَ رُبُعُ كُلِّ عَبْدٍ، وَأَصَحُّهُمَا: يُقْرَعُ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، عَتَقَ مِنْهُ جَمِيعُ نَصِيبِهِ، وَلَا يَعْتِقُ مِنَ الْآخَرِ شَيْءٌ. وَلَوْ أَعْتَقَ النَّصِيبَيْنِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: إِنْ أَعْتَقَهُمَا مُرَتَّبًا، عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ مِنَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ مَالِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ ذَلِكَ الْعَبْدِ، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ سُدُسُ ذَلِكَ الْعَبْدِ، وَنِصْفُ الْعَبْدِ الْآخَرِ. وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا وَمَاتَ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَا نَصِيبِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَوْصَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا سِرَايَةَ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنَ الثُّلُثِ ; لِأَنَّ الْمَالَ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إِلَى الْوَارِثِ، وَيَبْقَى الْمَيِّتُ مُعْسِرًا، بَلْ لَوْ كَانَ كُلُّ الْعَبْدِ لَهُ فَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ بَعْضِهِ، فَأَعْتَقَ، لَمْ يُسَرَّ. وَكَذَا لَوْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَقَالَ: إِذَا مُتُّ، فَنَصِيبِي مِنْكَ حُرٌّ، وَإِنْ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ: أَعْتِقُوا نَصِيبِي، وَكَمِّلُوا الْعِتْقَ كَمَّلْنَاهُ،

ص: 115

إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَخْرُجُ.

وَهُنَا فَائِدَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: عِنْدِي أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى بِالتَّكْمِيلِ، لَا يُكَمَّلُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الشَّرِيكِ ; لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا بِاخْتِيَارِ الْمُعْتِقِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتِقَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا، ثُمَّ أَيْسَرَ، أَوْ قَالَ: قَوِّمُوهُ عَلَيَّ حَتَّى أَسْتَقْرِضَ، لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ، وَالْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا، وَوَجَّهَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ. وَإِذَا أَوْصَى بِالتَّكْمِيلِ، فَقَدِ اسْتَبْقَى لِنَفْسِهِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَبْدِ مِنَ الثُّلُثِ، فَكَانَ مُوسِرًا بِهِ.

الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ لِصُورَةِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّكْمِيلِ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرُوا نَصِيبَ الشَّرِيكِ، فَأَعْتِقُوهُ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: أَعْتِقُوهُ إِعْتَاقًا سَارِيًا، فَلَا خَيْرَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا سِرَايَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ أَعْتَقْنَا نَصِيبَهُ، فَالَّذِي أَتَى بِهِ وَصِيَّةٌ بِمُحَالٍ. وَلَوْ مَلَكَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ، فَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، أَعْتَقَ عَنْهُ النَّصِيبَانِ، وَلَا سِرَايَةَ. وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَكَمِّلُوا عِتْقَهُمَا، فَإِنْ خَرَجَا مِنَ الثُّلُثِ، كَمَنْ عَتَقَهُمَا، وَإِنْ خَرَجَ الْبَاقِي مِنْ أَحَدِهِمَا، فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيُّ.

أَحَدُهُمَا: فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ النَّصِيبَيْنِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ إِلَّا نَصِيبَاهُ مَعَ الْبَاقِي مِنْ أَحَدِهِمَا، فَفِي وَجْهٍ: يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَفِي آخَرَ: يُقْرَعُ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، أَعْتَقَ كُلَّهُ، وَأَعْتَقَ مِنَ الْآخَرِ نَصِيبَهُ لَا غَيْرَ. الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْقُرْعَةِ ; لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّكْمِيلَ هُنَا حَيْثُ أَوْصَى بِهِ، فَيُرَاعَى مَقْصُودُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

ص: 116

فَرْعٌ

لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ مُوسِرًا بِبَعْضِ قِيمَةِ النَّصِيبِ، فَوَجْهَانِ، الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ فِي «الْأُمِّ» : أَنَّهُ يَسْرِي إِلَى الْقَدْرِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَسْرِي ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الِاسْتِقْلَالَ فِي ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ عَبْدٌ، فَأَعْتَقَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا، وَأَحَدُهُمَا مُوسِرٌ، قُوِّمَ نَصِيبُ الثَّالِثِ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحْصُلَ عِتْقُ نَصِيبِهِ بِاخْتِيَارٍ، فَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، نُظِرَ، إِنْ مَلَكَهُ لَا بِاخْتِيَارِهِ بِأَنْ وَرِثَهُ، لَمْ يَسْرِ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِاخْتِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقٍ يُقْصَدُ بِهِ اجْتِلَابُ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ، وَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ، سَرَى، وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّمَلُّكُ غَالِبًا، لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ، فَإِنْ كَانَتْ عَبْدًا، فَاشْتَرَى شِقْصًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ، ثُمَّ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ فَصَارَ الشِّقْصُ لَهُ، وَعَتَقَ، لَمْ يَسْرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ.

وَإِنْ عَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ، لَمْ يَسْرِ، لِعَدَمِ اخْتِيَارِ سَيِّدِهِ. وَلَوْ بَاعَ شِقْصًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى وَارِثِهِ، بِأَنْ بَاعَ ابْنَ أَخِيهِ بِثَوْبٍ وَمَاتَ، وَوَارِثُهُ أَخُوهُ، فَوَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا، فَرَدَّهُ، وَاسْتَرَدَّ الشِّقْصَ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، فَفِي السِّرَايَةِ وَجْهَانِ ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي تَمَلُّكِهِ، لَكِنَّ مَقْصُودَهُ رَدُّ الثَّوْبِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ هُنَا السِّرَايَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ وَجَدَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ بِهِ عَيْبًا، فَرَدَّهُ، فَلَا سِرَايَةَ، كَالْإِرْثِ. وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِشِقْصٍ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى وَارِثِهِ، بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ جَارِيَةٍ، لَهُ مِنْهَا ابْنٌ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ، وَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ، فَقَبِلَهَا ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ، عَتَقَ عَلَيْهِ الشِّقْصُ، وَلَا سِرَايَةَ

ص: 117

عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ بِقَبُولِهِ يَدْخُلُ الشِّقْصُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ. فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشِقْصٍ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَى وَارِثِهِ، بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِشِقْصٍ مِنْ أَمَةٍ، وَوَارِثُهُ أَخُوهُ مِنْ أَبِيهِ، فَمَاتَ وَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ أَخُوهُ، عَتَقَ ذَلِكَ الشِّقْصُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَيَسْرِي إِنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ يَفِي ثُلُثُهَا بِقِيمَةِ الْبَاقِي ; لِأَنَّ قَبُولَ وَارِثِهِ كَقَبُولِهِ فِي الْحَيَاةِ. قَالَ الْإِمَامُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ ; لِأَنَّ الْقَبُولَ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا لِابْنِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ صَفْقَةً وَاحِدَةً، عَتَقَ نَصِيبُ الِابْنِ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِمَحَلِّ السِّرَايَةِ حَقٌّ لَازِمٌ، فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ مَرْهُونٌ، سَرَى عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمَالِكِ، وَتَنْتَقِلُ الْوَثِيقَةُ إِلَى الْقِيمَةِ. وَلَوْ كَاتَبَا عَبْدًا، ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، فَالصَّحِيحُ أَوِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَسْرِي، وَهَلْ يُقَوَّمُ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ؟ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُ تَفَارِيعَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابَةِ. وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ مُدَبَّرًا، قُوِّمَ أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ ; لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ كَالْقِنِّ فِي الْبَيْعِ.

فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْرِي، فَرَجَعَ عَنِ التَّدْبِيرِ، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَسْرِي، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ. وَقِيلَ: يَسْرِي، لِزَوَالِ الْمَانِعِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يُحْكَمُ بِالسِّرَايَةِ عِنْدَ ارْتِفَاعِ التَّدْبِيرِ، أَمْ يُتَبَيَّنُ اسْتِنَادُهَا إِلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ؟ وَجْهَانِ. وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مُسْتَوْلَدًا، بِأَنِ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، لَمْ يَسْرِ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ، وَأُمُّ الْوَلَدِ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ، وَقِيلَ: يَسْرِي ; لِأَنَّ السِّرَايَةَ كَالْإِتْلَافِ، وَإِتْلَافُ أُمِّ الْوَلَدِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَلَوِ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي، ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا، فَفِي السِّرَايَةِ الْوَجْهَانِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يُوَجِّهَ الْإِعْتَاقَ إِلَى مَا يَمْلِكُهُ لِيَعْتِقَ نَصِيبُهُ،

ص: 118

ثُمَّ يَسْرِي، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْتُ نَصِيبِي مِنْ هَذَا الْعَبْدِ، أَوِ النِّصْفَ الَّذِي أَمْلِكُهُ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ نَصِيبَ شَرِيكِي، أَوْ نَصِيبُ شَرِيكِي مِنْ هَذَا الْعَبْدِ حُرٌّ، فَهُوَ لَغْوٌ، وَلَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ لِعَبْدٍ يَمْلِكُ نِصْفَهُ: أَعْتَقْتُ نِصْفَكَ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَمْلِكُهُ، أَمْ عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا؟ وَجْهَانِ.

وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ إِلَّا فِي تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ إِعْتَاقٍ. وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ يَمْلِكُ نِصْفَهُ، فَإِنْ قَالَ: بِعْتُ النِّصْفَ الَّذِي أَمْلِكُهُ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ نَصِيبِي مِنْهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ، صَحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ: بِعْتُ نِصْفَهُ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ، أَمْ عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا؟ وَجْهَانِ، فَعَلَى الثَّانِي يَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ. وَفِي صِحَّتِهِ فِي نِصْفِ نَصِيبِهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِنِصْفِهِ الْمُشْتَرَكِ، فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحْمَلُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ. وَفِي الْإِقْرَارِ عَلَى الْإِشَاعَةِ أَنَّهُ إِخْبَارٌ، وَاسْتَحْسَنَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ هَذَا، وَصَحَّحَ الْبَغَوِيُّ الْإِشَاعَةَ فِيهِمَا.

قُلْتُ: الرَّاجِحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِنْ دَخَلْتَ دَارَ زَيْدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ فَنَصِيبِي مِنْكَ حُرٌّ، فَدَخَلَهَا، عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبُهُ، وَلَا يُقَوَّمُ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ دُفْعَةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: إِنْ كَلَّمْتَ زَيْدًا فَنَصِيبِي مِنْكَ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ شَتَمْتَهُ، فَنَصِيبِي مِنْكَ حُرٌّ فَشَتَمَهُ. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَا رَجُلًا فِي عِتْقِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ دُفْعَةً، وَلَا أَثَرَ لِوُقُوعِ التَّعْلِيقَيْنِ أَوِ التَّوْكِيلَيْنِ فِي

ص: 119

وَقْتَيْنِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْوُقُوعِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: إِنْ دَخَلْتِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَدَخَلَتْ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، وَنَجَّزَ الْآخَرُ عِتْقَهُ بَعْدَ تَعْلِيقِ الْأَوَّلِ بِيَوْمٍ مَثَلًا، فَلَهُ أَحْوَالٌ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمُوتَ الْمُعَلِّقُ لِدُونِ شَهْرٍ مِنَ التَّعْلِيقِ، فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَلَى الْمُنَجِّزِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَعْتِقَ بِالتَّعْلِيقِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْعِتْقُ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ أَوَّلِ شُرُوعِهِ فِي لَفْظِ التَّعْلِيقِ بِلَا زِيَادَةٍ، وَمَا لَمْ يَمْضِ شَهْرٌ مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيقِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتِقَ بِالتَّعْلِيقِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمُوتَ لِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ بِأَيَّامٍ، فَيَعْتِقَ جَمِيعُهُ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا ; لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالتَّعْلِيقِ إِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْتِ بِشَهْرٍ وَإِعْتَاقُ الْمُنَجِّزِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الشَّهْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْمَوْتِ، فَيُؤْخَذُ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمُعَلِّقِ مِنَ الْمُنَجِّزِ لِوَرَثَةِ الْمُعَلِّقِ. هَذَا إِنْ قُلْنَا السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، أَوْ قُلْنَا بِالتَّبْيِينِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَحْصُلُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا سَبَقَ وَقْتَ الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ، كَانَ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ عَنِ الْمُعَلِّقِ خِلَافٌ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَفْرِيعِ أَقْوَالِ السِّرَايَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الثَّالِثَةُ: إِذَا مَاتَ عَلَى رَأْسِ شَهْرٍ مِنْ تَمَامِ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ، عَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ عَلَى الْمُعَلِّقِ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا مَاتَ عَلَى تَمَامِ شَهْرَيْنِ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الْمُنَجِّزِ، عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبُهُ، وَلَا تَقْوِيمَ، لِوُقُوعِ الْعِتْقَيْنِ مَعًا.

فَرْعٌ

مَتَى تَثْبُتُ السِّرَايَةُ إِذَا حَكَمْنَا بِهَا؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَظْهَرُهَا: بِنَفْسِ

ص: 120

إِعْتَاقِ الشَّرِيكِ، وَالثَّانِي: بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ. وَالثَّالِثُ: مَوْقُوفٌ، فَإِنْ رَأَى الْقِيمَةَ، تَبَيَّنَّا حُصُولَ الْعِتْقِ بِاللَّفْظِ، وَإِنْ فَاتَ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْأَقْوَالِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: إِذَا أَوْلَدَ أَمَةً لَهُ نِصْفُهَا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، سَرَى الِاسْتِيلَادُ، وَهَلْ يَسْرِي بِنَفْسِ الْعُلُوقِ أَمْ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، أَمْ يَتَبَيَّنُ كَأَدَائِهَا السِّرَايَةَ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ؟ فِيهِ الْأَقْوَالُ كَالْعِتْقِ. وَعَلَى الْأَقْوَالِ تَلْزَمُ الْمُسْتَوْلِدَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِشَرِيكِهِ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الْأَمَةِ، ثُمَّ إِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَجَبَ مَعَ ذَلِكَ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ.

وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ بِالْعُلُوقِ، أَوْ قُلْنَا بِالتَّبَيُّنِ، فَهَلْ يَثْبُتُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ قَبْلَهُ؟ وَجْهَانِ، إِنْ قُلْنَا: بَعْدَهُ، وَجَبَ أَيْضًا نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ قُلْنَا: قَبْلَهُ، فَلَا، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ وَطِئَهَا الثَّانِي قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ أَثْبَتْنَا السِّرَايَةَ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ، فَعَلَى الثَّانِي كَمَالُ الْمَهْرِ لِلْأَوَّلِ، وَلِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُهُ، فَيَقَعُ الْمَهْرُ قِصَاصًا. وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَهُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُهُ، فَيَتَقَاصَّانِ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَوْلَدَ مُعْسِرًا، ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي نِصْفِهِ، وَنِصْفُ الْآخَرِ يَبْقَى قِنًّا. وَهَلْ يَكُونُ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا، أَمْ تُبَعَّضُ حُرِّيَّتُهُ؟ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي الْغَنَائِمِ.

الثَّانِيَةُ: عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، لِوَاحِدٍ نِصْفُهُ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ، وَلِلْآخَرِ سُدُسُهُ، فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ، يَسْرِي الْعِتْقُ إِلَى نَصِيبِ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِ قِيمَةِ الْبَاقِي وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ بِنِسْبَةِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَ مُوسِرًا بِثُلُثِ الْبَاقِي، قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُلُثُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ

ص: 121

أَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ نَصِيبَهُمَا مَعًا، أَوْ عَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ، أَوْ وَكَّلَا مَنْ أَعْتَقَ عَنْهُمَا دُفْعَةً، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ مُوسِرًا، قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الثَّالِثِ. وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، قُوِّمَ نَصِيبُ الثَّالِثِ عَلَيْهِمَا، وَكَيْفَ يُقَوَّمُ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، الثَّانِي عَلَى قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ، كَنَظِيرِهِ مِنَ الشُّفْعَةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنَّهَا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ; لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ كَالثَّمَرَةِ، وَهُنَا سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلِفِ، فَيَسْتَوِي الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَاتِهَا الْمُخْتَلِفَةِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْمَذْهَبُ بِاتِّفَاقِ فِرَقِ الْأَصْحَابِ، إِلَّا الْإِمَامَ، فَرَجَّحَ طَرِيقَ الْقَوْلَيْنِ.

الثَّالِثَةُ: إِنْ قُلْنَا: تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِاللَّفْظِ أَوْ قُلْنَا بِالتَّبَيُّنِ، اعْتُبِرَتْ قِيمَةُ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ قُلْنَا: بِالْأَدَاءِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْإِعْتَاقِ أَمِ الْأَدَاءِ، أَمْ أَكْثَرُ الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ إِلَى الْأَدَاءِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: الْأَوَّلُ، وَرَجَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الثَّانِيَ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ، رَاجَعْنَا الْمُقَوِّمِينَ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ، أَوْ غَابَ، أَوْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ، فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْمُعْتِقُ ; لِأَنَّهُ غَارِمٌ كَالْغَاصِبِ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي صَنْعَةٍ لِلْعَبْدِ تَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ، وَاتَّفَقْنَا عَلَى قِيمَتِهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الصَّنْعَةُ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا وَهُوَ يُحْسِنُ الصَّنْعَةَ، وَلَمْ يَمْضِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ زَمَنٌ يُمْكِنُ تَعَلُّمُهُ فِيهِ، صُدِّقَ الشَّرِيكُ، وَإِنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ التَّعَلُّمُ فِيهِ، أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، أَوْ غَابَ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمُصَدَّقَ الْمُعْتِقُ. وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ: إِنِّي أُحْسِنُهَا، أَوْ لَا أُحْسِنُهَا، بَلْ يُجَرَّبُ.

وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ، نُظِرَ إِنِ ادَّعَى الْمُعْتِقُ عَيْبًا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، بِأَنْ قَالَ: كَانَ أَكْمَهَ أَوْ أَخْرَسَ، وَقَالَ الشَّرِيكُ: بَلْ بَصِيرًا نَاطِقًا، وَقَدْ

ص: 122

غَابَ الْعَبْدُ أَوْ مَاتَ، صُدِّقَ الْمُعْتِقُ بِيَمِينِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: فِي الْمُصَدَّقِ قَوْلَانِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: الطَّرِيقَانِ فِيمَا إِذَا ادَّعَى النَّقْصَ فِي الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا إِذَا ادَّعَاهُ فِي الْبَاطِنَةِ، فَقَوْلَانِ كَالصُّورَةِ الْآتِيَةِ، لِتَمَكُّنِ الشَّرِيكِ مِنَ الْبَيِّنَةِ عَلَى سَلَامَةِ الظَّاهِرَةِ. وَإِنِ ادَّعَى حُدُوثَ عَيْبٍ بَعْدَ السَّلَامَةِ، بِأَنْ زَعَمَ ذَهَابَ بَصَرِهِ أَوْ سَرِقَتَهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَدَّقَ الشَّرِيكُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يُشَاهَدُ وَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ فِيمَا لَا يُشَاهَدُ بِتَصْدِيقِ الشَّرِيكِ لِعُسْرِ إِثْبَاتِهِ بِبَيِّنَةٍ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَلَوْ أَعْسَرَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَمَاتَ مُعْسِرًا، فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْإِعْتَاقَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، فَالْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ، لَمْ يَعْتِقْ حِصَّةُ الشَّرِيكِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بِاللَّفْظِ، مَاتَ حُرًّا مَوْرُوثًا، وَأُخِذَتْ مِنَ الْمُعْتِقِ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّبْيِينِ، لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، فَإِذَا أَدَّاهَا تَبَيَّنَّا الْعِتْقَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ، سَقَطَتِ الْقِيمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَعْتِقُ.

وَالثَّانِي: تَجِبُ ; لِأَنَّهُ مَالٌ اسْتُحِقَّ فِي الْحَيَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ تَبْيِينُ أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ تَفْرِيعًا عَلَى تَأَخُّرِ السِّرَايَةِ أَنَّهُ يَمُوتُ نِصْفُهُ رَقِيقًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي مُطَالَبَةِ الشَّرِيكِ لَهُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ، لَمْ يَنْفُذْ إِنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قُلْنَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِئَلَّا يُفَوِّتَ حَقًّا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ، وَنَفَّذَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَعَلَى هَذَا فِي نُفُوذِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا

ص: 123

وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ: الْمَنْعُ، فَإِنْ نَفَّذْنَا الْبَيْعَ، فَهَلْ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ، وَيَبْذُلَ الْقِيمَةَ كَالشَّفِيعِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ.

السَّادِسَةُ: لِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، أَمَّا عَلَى غَيْرِ التَّأَخِيرِ، فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى التَّأْخِيرِ، فَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالْحَيْلُولَةُ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيَلْزَمُ عَلَى تَنْفِيذِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنْ لَا يَمْلِكَ مُطَالَبَتَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَإِذَا دَفَعَ الْمُعْتِقُ الْقِيمَةَ، أُجْبِرَ الشَّرِيكُ عَلَى قَبُولِهَا إِنْ وَقَفْنَا الْعِتْقَ عَلَى أَدَائِهَا، وَإِذَا لَمْ نَدْفَعْ، وَلَمْ يُطَالِبْهُ الشَّرِيكُ، فَلِلْعَبْدِ طَلَبُ الدَّفْعِ مِنْ هَذَا، وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ، فَإِنِ امْتَنَعَ، طَالَبَهُمَا الْحَاكِمُ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا، دَفَعَ الْقِيمَةَ إِلَى وَكِيلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، جَعَلَهُ الْقَاضِي عِنْدَ أَمِينٍ، وَلَهُ أَنْ يُقِرَّهَا فِي يَدِ الْمُعْتِقِ إِنْ كَانَ ثِقَةً.

السَّابِعَةُ: إِذَا تَعَذَّرَتِ الْقِيمَةُ بِإِفْلَاسٍ أَوْ هَرَبٍ، فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يَبْقَى نَصِيبُ الشَّرِيكِ رَقِيقًا، وَيَرْتَفِعُ الْحَجْرُ عَنْهُ، إِذْ لَا وَجْهَ لِتَعْطِيلِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ بِلَا بَدَلٍ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يُثْبِتُ الْعِتْقَ، وَجَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَجْهًا، فَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ إِعْسَارَ الْمُعْتِقِ يَدْفَعُ الْحَجْرَ وَلَوْ عَادَ الْيَسَارُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَعُودُ التَّقْوِيمُ ; لِأَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ ارْتَفَعَ بِتَخَلُّلِ الْإِعْسَارِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ.

الثَّامِنَةُ: إِذَا قُلْنَا: لَا سِرَايَةَ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَوَطِئَهَا الشَّرِيكُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِنِصْفِهَا الْحُرِّ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلْيُصَوَّرْ فِي وَطْءٍ مُحَرَّمٍ أَوْ فِي مُكْرَهَةٍ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا:

ص: 124

لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَالثَّانِي: يَجِبُ وَيُصْرَفُ إِلَى الْمُعْتِقِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الِانْقِلَابِ إِلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْجَارِيَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَجَبَ لَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ، وَلَا حَدَّ لِلِاخْتِلَافِ فِي مِلْكِهِ.

التَّاسِعَةُ: قَالَ لِشَرِيكِهِ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ، أَوْ فَجَمِيعُ الْعَبْدِ حُرٌّ، أَوْ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ عِتْقِ نَصِيبِكَ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْمَقُولُ لَهُ نَصِيبَهُ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ مُعْسِرًا، عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبُهُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ. ثُمَّ إِنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، سَرَى عَلَيْهِ، وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّ السِّرَايَةَ قَهْرِيَّةٌ تَابِعَةٌ لِعِتْقِ نَصِيبِهِ، لَا مَدْفَعَ لَهَا، وَمُوجِبُ التَّعْلِيقِ قَابِلٌ لِلدَّفْعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.

وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّبَيُّنِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا أُدِّيَتِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَدَاءِ، فَنَصِيبُ الْمُعَلِّقِ عَمَّنْ يَعْتِقُ فِيهِ وَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ عِتْقِ نَصِيبِكَ، أَوْ فِي حَالِ عِتْقِ نَصِيبِكَ، وَقُلْنَا: السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَعْتِقُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ، وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: يَعْتِقُ جَمِيعُهُ عَنِ الْمَقُولِ لَهُ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ: مَعَ نَصِيبِكَ ; لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ لَا يُقَارِنُ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ، بَلْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِلَا شَكٍّ. وَلَوْ قَالَ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَ عِتْقِ نَصِيبِكَ، فَأَعْتَقَ الْمَقُولُ لَهُ نَصِيبَهُ، نُظِرَ، إِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ أَوِ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا، عَتَقَ نَصِيبُ الْمُنَجِّزِ، وَعَتَقَ عَلَى الْمُعَلِّقِ نَصِيبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ، وَلَا سِرَايَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُوسِرًا، وَقُلْنَا: السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، فَوَجْهَانِ، مَنْ صَحَّحَ الدَّوْرَ اللَّفْظِيَّ، كَابْنِ الْحَدَّادِ يَقُولُ: لَا يَنْفُذُ إِعْتَاقُ الْمَقُولِ لَهُ فِي نَصِيبِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ، لَعَتَقَ نَصِيبُ

ص: 125

الْقَائِلِ قَبْلَهُ، وَلَوْ عَتَقَ لَسَرَى، وَلَوْ سَرَى لَبَطَلَ عِتْقُهُ، فَيَلْزَمُ مِنْ نُفُوذِهِ عَدَمُ نُفُوذِهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: مَهْمَا أَعْتَقْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَهُ، لَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ إِعْتَاقِهِ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ صَدَّ هَذَا التَّعْلِيقَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، امْتَنَعَ الْإِعْتَاقُ عَلَيْهِمَا. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَتَى بِعْتَ نَصِيبَكَ، فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ، لَمْ يَنْفُذِ الْبَيْعُ، وَالْمُسْتَبْعِدُونَ لِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى بِالِاسْتِبْعَادِ هُنَا لِتَضَمُّنِهِ الْحَجْرَ عَلَى الْعَيْنِ، وَمَنْ لَا يُصَحِّحُ الدَّوْرَ - وَهُوَ الْأَصَحُّ - يَقُولُ: يَعْتِقُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ، وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ قَالَ: مَعَ نَصِيبِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ نَفَّذْنَا عِتْقَ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، عَتَقَ نَصِيبُ الْمُنَجِّزِ عَلَيْهِ، وَنَصِيبُ الْمُعَلِّقِ عَلَى الْمُعَلِّقِ. وَإِنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ قَالَ الْإِمَامُ: تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا، وَعَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ جَمِيعًا لَوْ أَعْتَقَ الْمُعَلِّقُ نَصِيبَهُ، عَتَقَ وَتَثْبُتُ السِّرَايَةُ إِذَا وُجِدَ شَرْطُهَا.

الْعَاشِرَةُ: إِذَا قَالَ الشَّرِيكُ الْمُوسِرُ: أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، فَعَلَيْكَ قِيمَةُ نَصِيبِي، فَأَنْكَرَ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ؛ قُضِيَ بِهَا، وَمَتَى يَعْتِقُ حِصَّةُ الْمُدَّعِي؟ فِيهِ الْأَقْوَالُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ حَلَفَ، رَقَّ نَصِيبُهُ، وَإِنْ نَكَلَ، حُلِّفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَاسْتَحَقَّ الْقِيمَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الدَّعْوَى إِنَّمَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْقِيمَةِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلدَّعْوَى عَلَى إِنْسَانٍ بِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَإِنَّمَا هَذَا وَظِيفَةُ الْعَبْدِ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ آخَرُ مَعَ هَذَا الْمُدَّعِي، ثَبَتَ الْعِتْقُ بِشَهَادَةِ الْحِسْبَةِ.

قَالَ الْإِمَامُ: وَأَبْعَدَ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ، فَحَكَمَ بِالْعِتْقِ تَبَعًا لِدَعْوَى الْقِيمَةِ، وَهَلْ يُحْكَمُ بِعِتْقِ

ص: 126

نَصِيبِ الْمُدَّعِي إِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي؟ إِنْ قُلْنَا بِتَعْجِيلِ السِّرَايَةِ، فَنَعَمْ، لِاعْتِرَافِهِ بِسِرَايَةِ إِعْتَاقِ الْمُدَّعَى إِلَيْهِ إِلَى نَصِيبِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّأَخُّرِ، لَمْ يَعْتِقْ. وَإِذَا عَتَقَ نَصِيبُهُ، لَمْ يَسْرِ إِلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُوسِرًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشِئِ الْعِتْقَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوِ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ نَصِيبِي وَأَعْتَقْتَهُ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي وَلَا يَسْرِي. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَعْتِقُ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ الْمُدَّعِي. وَلَوْ صَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشَّرِيكَ، فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُعْسِرًا، وَأَنْكَرَ، وَحَلَفَ، لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنَ الْعَبْدِ، فَإِنِ اشْتَرَى الْمُدَّعِي نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، عَتَقَ مَا اشْتَرَاهُ، لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا يَسْرِي إِلَى الْبَاقِي. وَلَوِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّكَ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، وَطَالَبَ بِالْقِيمَةِ، وَأَنْكَرَ، صُدِّقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِيَمِينِهِ فِيمَا أَنْكَرَهُ، فَإِذَا حَلَفَا، فَلَا يُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِ جَمِيعِ الْعَبْدِ إِنْ قُلْنَا بِتَعْجِيلِ السِّرَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ. وَإِنْ قُلْنَا بِتَأَخُّرِ السِّرَايَةِ أَوْ بِالتَّبَيُّنِ، فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ: أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ، حُكِمَ بِعِتْقِ مَا اشْتَرَاهُ، وَلَا يَسْرِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ إِعْتَاقًا.

وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِعَمْرٍو، وَالْآخَرُ لَزَيْدٍ، صَحَّ، وَلَا عِتْقَ. وَلَوْ بَاعَاهُ لِزَيْدٍ، حُكِمَ بِعِتْقِ نِصْفِهِ ; لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَقِينَ فِي وَاحِدٍ مِنَ النِّصْفَيْنِ، لِجَوَازِ كَوْنِهِمَا كَاذِبَيْنِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ عَلَى قَوْلِ تَعْجِيلِ السِّرَايَةِ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ، وَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُوسِرِ، فَإِنِ اشْتَرَاهُ الْمُعْسِرُ، عَتَقَ كُلُّهُ. وَلَوْ طَارَ طَائِرٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنْ كَانَ غُرَابًا، فَنَصِيبِي مِنْ هَذَا الْعَبْدِ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا، فَنَصِيبِي حُرٌّ، وَلَمْ يُبَيَّنِ الْحَالُ، فَإِنْ كَانَا

ص: 127

مُعْسِرَيْنِ، فَلَا عِتْقَ، فَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ، حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ. وَلَوْ بَاعَاهُ لِثَالِثٍ، حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ أَيْضًا، وَلَا رُجُوعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَزْعُمُ أَنَّ نَصِيبَهُ مَمْلُوكٌ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ، وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ.

وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجْهًا أَنَّهُ إِنِ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِالتَّعْلِيقَيْنِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ عَلِمَ، فَلَهُ الرَّدُّ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا، فَبَانَ أَنَّ نِصْفَهُ حُرٌّ، فَعَلَى هَذَا يُرَدُّ الْعَبْدُ ; لِأَنَّ نِصْفَهُ حُرٌّ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مَعِيبٌ بِسَبَبِ التَّشْقِيصِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَلَوِ اخْتَلَفَ النَّصِيبَانِ، لَمْ يَعْتِقْ إِلَّا أَقَلُّهُمَا. وَلَوْ تَبَادَلَا النَّصِيبَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُحْنِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، بَلِ اعْتَرَفَا بِالْإِشْكَالِ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِتْقِ شَيْءٍ، وَالْحُكْمُ بَعْدَ الْمُبَادَلَةِ كَالْحُكْمِ قَبْلَهَا. وَإِنْ حَنَّثَ كُلُّ وَاحِدٍ الْآخَرَ، حُكِمَ بِعِتْقِ الْجَمِيعِ، لِاعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ بِعِتْقِ مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ مَوْقُوفًا. وَإِنْ حَنَّثَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. وَلَمْ يُحَنِّثْهُ الْآخَرُ، حُكِمَ بِعِتْقِ مَا صَارَ لِلْمُحَنِّثِ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ، وَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ.

وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا بِتَعْجِيلِ السِّرَايَةِ، عَتَقَ الْعَبْدُ، لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ حِنْثَ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ نَتَمَكَّنْ مِنَ التَّعْيِينِ، فَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ، وَيَسْرِي إِلَى الثَّانِي، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَدَّعِيَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَيُحَلِّفَهُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَحْصُلُ السِّرَايَةُ إِلَّا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَالْحُكْمُ كَمَا فِي الْمُعْسِرَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَأَرَادَ طَلَبَ الْقِيمَةِ، حَلَّفَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى قَوْلِ تَعْجِيلِ السِّرَايَةِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، فَإِنْ قُلْنَا بِتَعْجِيلِ السِّرَايَةِ، عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُوسِرِ لِلشَّكِّ فِيهِ. وَإِنْ أَخَّرْنَاهَا إِلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ، لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِ شَيْءٍ فِي الْحَالِ، وَلِلْمُعْسِرِ أَنْ يَدَّعِيَ التَّقْوِيمَ عَلَى الْمُوسِرِ وَيُحَلِّفَهُ.

ص: 128

فَرْعٌ

قَالَ أَحَدُهُمَا: أَعْتَقْنَاهُ مَعًا، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، أَوْ كَانَ الْقَائِلُ مُوسِرًا، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْحَدَّادِ أَنَّهُ يُحَلَّفُ الْمُنْكِرُ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ: إِنَّمَا يَحْلِفُ عِنْدِي إِذَا قَالَ لِلْمُقِرِّ: أَنْتَ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ وَأَنَا لَمْ أَعْتِقْ وَأَرَادَ طَلَبَ الْقِيمَةِ فَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ مَعَهُ لِيَأْخُذَ الْقِيمَةَ ; لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْقِيمَةَ، وَادَّعَى مَا يُسْقِطُهَا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ فِي الْإِعْتَاقِ، فَيُدْفَعُ يَمِينُهُ الْمُسْقِطُ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: لَمْ تَعْتِقْ نَصِيبَكَ، وَلَا أَنَا أَعْتَقْتُهُ، فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْقِيمَةِ، وَلَا يَمِينَ. وَهَلْ يُحْكَمُ بِإِعْتَاقِ جَمِيعِ الْعَبْدِ بِإِقْرَارِ الْمُوسِرِ؟ إِنْ أَثْبَتْنَا السِّرَايَةَ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، فَنَعَمْ، وَإِنْ أَخَّرْنَاهَا، لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ الْمُنْكِرِ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُنْكِرُ فِي التَّصْوِيرِ الْأَوَّلِ أَخَذَ الْقِيمَةَ مِنَ الْمُقِرِّ، وَحُكِمَ بِعِتْقِ جَمِيعِ الْعَبْدِ، وَوَلَاءُ نَصِيبِ الْمُنْكِرِ مَوْقُوفٌ. فَلَوْ مَاتَ الْعَتِيقُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَى الْمُقِرِّ أَخَذَ نِصْفَ مَالِهِ بِالْوَلَاءِ.

وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النِّصْفِ الْآخَرِ قَدْرَ نِصْفِ الْقِيمَةِ الَّذِي غَرِمَهُ لِلْمُنْكِرِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ ; لِأَنَّهُ إِنْ صَدَّقَ، فَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ لَهُ، وَهَذَا مَالُهُ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ كَذَّبَ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِإِعْتَاقِ جَمِيعِهِ، فَجَمِيعُ الْمَالِ لَهُ بِالْوَلَاءِ، وَالثَّانِي لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ.

قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ رَجَعَ الْمُنْكِرُ عَنْ إِنْكَارِهِ، وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ، رُدَّ مَا أُخِذَ مِنْهُ. وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ، قُبِلَ، وَكَانَ جَمِيعُ الْوَلَاءِ لَهُ، كَمَا لَوْ نَفَى نَسَبًا يَلْحَقُهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ

ص: 129

فَرْعٌ

عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، شَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّ الثَّالِثَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ مُعْسِرًا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَحُكِمَ بِعِتْقِ نَصِيبِ الثَّالِثِ، وَرِقِّ الْبَاقِي. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَالْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ بِإِثْبَاتِ الْقِيمَةِ، فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ لَهُمَا قِيمَةٌ، وَيَعْتِقُ نَصِيبُهُمَا، لِاعْتِرَافِهِمَا بِالسِّرَايَةِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ دُونَ الْقِيمَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْحُكْمُ بِعِتْقِ نَصِيبِهِمَا مُفَرَّعٌ عَلَى تَعْجِيلِ السِّرَايَةِ، فَإِنْ أَخَّرْنَاهَا، لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنَ الْعَبْدِ، لَكِنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا، لِاعْتِرَافِهِمَا بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْعِتْقَ عَلَى الثَّالِثِ، هَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ تَعَذُّرَ حُصُولِ الْقِيمَةِ بِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ يَرْفَعُ الْحَجْرَ عَنِ الشَّرِيكِ، وَالتَّعَذُّرُ هُنَا حَاصِلٌ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إِذَا قُلْنَا: السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، فَلَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فِي الْإِرْثِ وَالشَّهَادَةِ وَالْحَدِّ وَالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْقِيمَةَ، وَإِنْ أَخَّرْنَاهَا إِلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَلَهُ حُكْمُ الْأَرِقَّاءِ فِيهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ، وَإِنْ تَوَقَّفْنَا فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ أَعْتَقَ شُرَكَاءُ لَهُ فِي حُبْلَى، وَهُوَ مُوسِرٌ، وَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ حَتَّى وَلَدَتْ، عَتَقَ مَعَهَا وَلَدُهَا، تَفْرِيعًا عَلَى السِّرَايَةِ فِي الْحَالِ، فَأَمَّا إِذَا أَخَّرْنَاهَا إِلَى الْأَدَاءِ فَنُصَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ الْوَلَدُ مَعَهَا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا إِذَا كَانَ حَمْلًا، فَأَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَا.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ مِنَ الْوَلَدِ مَمْلُوكٌ، فَأَمَّا نَصِيبُ الْمُعْتِقِ فَيَجِبُ أَنْ يَعْتِقَ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ مِنَ الْوَلَدِ، لَا يَعْتِقُ بِدَفْعِ نِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ وَعِتْقِهَا،

ص: 130

وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنَ الْوَلَدِ نَصِيبُ الْمُعْتِقِ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْرِيَ.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ضَعِيفٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: وَكَّلَ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ لِلْعَبْدِ: نِصْفُكَ حُرٌّ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ نَصِيبِي، قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ نَصِيبَ شَرِيكِي، قُوِّمَ عَلَى الشَّرِيكِ نَصِيبُ الْوَكِيلِ، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي «الشَّامِلِ» .

قُلْتُ: لَعَلَّ الْأَصَحَّ حَمْلُهُ عَلَى نَصِيبِ الْوَكِيلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: مَرِيضٌ لَهُ نِصْفَا عَبْدَيْنِ، قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا، فَقَالَ: أَعْتَقْتُ نَصِيبِي مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ، وَقُلْنَا: السِّرَايَةُ تُعَجَّلُ، عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ مِنْ سَالِمٍ، فَقَالَ الْوَكِيلُ لِلْعَبْدِ: نِصْفُكَ حُرٌّ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ نَصِيبِي مِنْ سَالِمٍ وَمِنْ غَانِمٍ، وَقُلْنَا: السِّرَايَةُ تُعَجَّلُ، عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ مِنْ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَلَا يَعْتِقُ مِنَ الْآخَرِ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ: نَصِيبِي مِنْ هَذَيْنِ حُرٌّ، عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَيُقْرَعُ، وَيَعْتِقُ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، عَتَقَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ، وَإِنْ نِصْفَاهُمَا ثُلُثُ مَالِهِ فَقَالَ: أَعْتَقْتُ نَصِيبِي مِنْ سَالِمٍ وَمِنْ غَانِمٍ، عَتَقَ سَالِمٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالسِّرَايَةِ، وَلَمْ يَعْتِقْ مِنْ غَانِمٍ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ: نَصِيبِي مِنْهُمَا حُرٌّ، عَتَقَ النِّصْفَانِ، وَلَا سِرَايَةَ.

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْ زَوْجٍ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا وَابْنُهَا الْحُرُّ مَعَهَا وَهُمَا مُوسِرَانِ، فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا لَوْ أَوْصَى مَالِكُهَا بِهِمَا لَهُمَا وَقَبِلَا الْوَصِيَّةَ مَعًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَصَايَا، وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَمَةَ تَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ، وَالْحَمْلُ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُقَوَّمُ.

ص: 131

السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُشْتَرِكِ وَهُوَ مُوسِرٌ، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا، فَشَهَادَتُهُمَا تُثْبِتُ عِتْقَ نَصِيبِهِ، وَيُوجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَيَغْرَمَانِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ قَطْعًا ; لِأَنَّ شُهُودَ الْعِتْقِ يَغْرَمُونَ بِالرُّجُوعِ.

وَهَلْ يَغْرَمَانِ لَهُ قِيمَةَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الَّتِي غَرِمَهَا؟ قَوْلَانِ ; لِأَنَّ فِي تَغْرِيمِ شُهُودِ الْمَالِ قَوْلَيْنِ سَبَقَا. هَذَا إِذَا صَدَّقَ الشَّرِيكُ الشُّهُودَ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ، وَعَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ، إِمَّا بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَإِمَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، فَأَمَّا إِذَا كَذَّبَهُمْ، وَقَالَ: لَمْ يُعْتِقْ زَيْدٌ نَصِيبَهُ، فَإِنْ عَجَّلْنَا السِّرَايَةَ، عَتَقَ الْجَمِيعُ، وَلَا يَلْزَمُهُ لِلشَّرِيكِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَخَّرْنَاهَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ لِيَكْمُلَ الْعِتْقُ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إِنْ أَصَرَّ عَلَى تَكْذِيبِ الشُّهُودِ، كَمَا لَوْ جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِالنَّجْمِ الْأَخِيرِ، فَقَالَ السَّيِّدُ: هَذَا حَرَامٌ غَصَبْتَ مِنْ فُلَانٍ، يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى مَنْ أَقَرَّ لَهُ.

وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَرِيكٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَآخَرَانِ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنَّهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَهُمَا مُوسِرَانِ، فَإِنْ أُرِّخَتِ الْبَيِّنَتَانِ، عَتَقَ كُلُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، إِنْ عَجَّلْنَا السِّرَايَةَ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْآخَرِ، وَإِنْ أَخَّرْنَاهَا إِلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أَنَّ إِعْتَاقَ الثَّانِي قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، هَلْ يُنَفَّذُ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، أُخِذَتْ قِيمَةُ نَصِيبِهِ مِنَ الْأَوَّلِ لِيَعْتِقَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرَّخَا، عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ، وَلَا تَقْوِيمَ. فَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا، لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا، لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ الْعِتْقَ فِي النِّصْفِ الَّذِي شَهِدَا بِهِ حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمَا، أَمْ بِشَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ بِالسِّرَايَةِ، فَلَا يُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ، وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا، فَقِيلَ: الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ قِيمَةَ

ص: 132

الْعَبْدِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَارِيخٌ، فَالْحُكْمُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ مُعَلَّقٌ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ، وَيُقَدَّرُ كَأَنَّ الْإِعْتَاقَيْنِ وَقَعَا مَعًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْخَصِيصَةُ الثَّانِيَةُ: الْعِتْقُ بِالْقَرَابَةِ، فَمَنْ مَلَكَ أَبَاهُ، أَوْ أُمَّهُ، أَوْ أَحَدَ أُصُولِهِ مِنَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوِ الْأُمِّ، أَوْ مَلَكَ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا، عَتَقَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ مَلَكَهُ قَهْرًا بِالْإِرْثِ، أَمِ اخْتِيَارًا بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَا يَعْتِقُ غَيْرُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ. وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُمَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ فَعَلَ، فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ.

وَلَوْ وَهَبَ لِلصَّبِيِّ قَرِيبَهُ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ. نُظِرَ، إِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا، فَلِوَلِيِّهِ قَبُولُهُ، وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ عَلَى الْأَصَحِّ وَظَاهِرِ النَّصِّ، فَإِذَا قَبِلَ، عَتَقَ عَلَى الصَّبِيِّ. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الْقَرِيبُ بِحَيْثُ يَجِبُ تَعَفُّفُهُ فِي الْحَالِ، لَمْ يَجُزْ لِلْوَلِيِّ الْقَبُولُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُعْسِرِ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلِ الْوَلِيُّ قَبِلَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلِلصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْقَبُولُ، كَذَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلْيَكُنْ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ. وَلَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْضُ الْقَرِيبِ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا، قَبِلَ الْوَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، زَادَ النَّظَرَ فِي غَرَامَةِ السِّرَايَةِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَقْبَلُ ; لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ، لَعَتَقَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَسَرَى، وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الشَّرِيكِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ. وَالثَّانِي: يَقْبَلُ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْرِي. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي صِحَّةِ الْقَبُولِ.

فَرْعٌ

اشْتَرَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ بِمُحَابَاةٍ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَقَدْ لَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ

ص: 133

كُلِّ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ، اعْتُبِرَ عِتْقُهُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِهِ، عَتَقَ، وَإِلَّا، عَتَقَ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ، عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى يَعْتِقَ كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ آخَرُ. وَقِيلَ: مِنَ الثُّلُثِ حَتَّى لَا يَعْتِقَ إِلَّا ثُلُثُهُ، إِذَا لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا آخَرَ. وَلَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِرْثُ مِنَ الثُّلُثِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْوَصَايَا.

فَرْعٌ

مِنْ قَوَاعِدِ كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إِذَا قَهَرَ حَرْبِيًّا، مَلَكَهُ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْأَصْحَابُ قَصْدَ الْإِرْقَاقِ، بَلِ اكْتَفَوْا بِصُورَةِ الْقَهْرِ، وَعِنْدِي لَا بُدَّ مِنَ الْقَصْدِ، فَإِنَّ الْقَهْرَ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِخْدَامِ، فَلَا يَتَمَيَّزُ قَهْرُ الْإِرْقَاقِ إِلَّا بِالْقَصْدِ، فَإِذَا قَهَرَ عَبْدٌ سَيِّدَهُ الْحَرْبِيَّ، عَتَقَ الْعَبْدُ، وَصَارَ السَّيِّدُ رَقِيقًا لَهُ. وَلَوْ قَهَرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، وَاسْتَرَقَّهَا، مَلَكَهَا، وَجَازَ لَهُ بَيْعُهَا، وَكَذَا لَوْ قَهَرَتْ زَوْجَهَا.

وَلَوْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ أَبَاهُ أَوِ ابْنَهُ، فَهَلْ لَهُ بَيْعُهُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ. وَالثَّانِي: نَعَمْ ; لِأَنَّ الْقَهْرَ دَائِمٌ، وَبِهَذَا أَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُرَجَّحَ الْأَوَّلُ، وَيُتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ: لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَهْرِ، لِاقْتِرَانِ سَبَبِ الْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ. وَيُخَالِفُ الشِّرَاءَ فَإِنَّا صَحَّحْنَاهُ لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إِلَى تَخْلِيصِهِ مِنَ الرِّقِّ.

فَرْعٌ

قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى بَعْضَ قَرِيبِهِ، عَتَقَ عَلَيْهِ، وَسَرَى إِلَى الْبَاقِي، وَفِي مَعْنَاهُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ. وَلَوْ وَرِثَ نِصْفَهُ، لَا يَسْرِي،

ص: 134

وَشِرَاءُ الْوَكِيلِ وَقَبُولُهُ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ كَشِرَائِهِ وَقَبُولِهِ لِصُدُورِهِ عَنِ اخْتِيَارِهِ، وَكَذَا قَبُولُ نَائِبِهِ شَرْعًا، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ ابْنِهِ، فَمَاتَ، وَقَبِلَ الْأَخُ الْوَصِيَّةَ، عَتَقَ الشِّقْصُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَسَرَى إِلَى الْبَاقِي إِنْ وَفَى بِهِ الثُّلُثُ، وَيُنَزَّلُ قَبُولُ وَارِثِهِ مَنْزِلَةَ قَبُولِهِ فِي حَيَاتِهِ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَارِثِهِ، بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ، فَمَاتَ، وَقَبِلَ الْأَخُ الْوَصِيَّةَ، عَتَقَ الشِّقْصُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَسَرَى إِلَى الْبَاقِي إِنْ وَفَى بِهِ الثُّلُثُ، وَيُنَزَّلُ قَبُولُ وَارِثِهِ مَنْزِلَةَ قَبُولِهِ فِي حَيَاتِهِ.

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَارِثِهِ، بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ، فَمَاتَ، وَقَبِلَ الْأَخُ الْوَصِيَّةَ، عَتَقَ الشِّقْصُ وَلَا سِرَايَةَ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْأَخِ إِرْثًا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي السِّرَايَةِ حَيْثُ يَمْلِكُ بِطَرِيقِ اخْتِيَارٍ يَتَضَمَّنُ الْمِلْكَ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ التَّمَلُّكُ، كَمَا إِذَا بَاعَ ابْنَ أَخِيهِ بِثَوْبٍ وَمَاتَ، وَوَارِثُهُ الْأَخُ، فَرَدَّ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ، وَاسْتَرَدَّ الشِّقْصَ، عَتَقَ عَلَيْهِ. وَفِي السِّرَايَةِ الْخِلَافُ. وَلَوْ وُهِبَ لِعَبْدٍ بَعْضُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ، فَقَبِلَ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ قَبُولُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، عَتَقَ الْمَوْهُوبُ عَلَى السَّيِّدِ، وَسَرَى ; لِأَنَّ قَبُولَ الْعَبْدِ كَقَبُولِهِ شَرْعًا.

قُلْتُ: هَذَا مُشْكِلٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْرِي ; لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْإِرْثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

جَرَحَ عَبْدٌ أَبَاهُ، فَاشْتَرَاهُ الْأَبُ، ثُمَّ مَاتَ بِالْجِرَاحَةِ. إِنْ قُلْنَا: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ، عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ. وَعَلَى هَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ صِحَّةُ الشِّرَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ.

ص: 135

الْخَصِيصَةُ الثَّالِثَةُ: امْتِنَاعُ الْعِتْقِ بِالْمَرَضِ، سَبَقَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا أَنَّ التَّبَرُّعَاتِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُحْسَبُ مِنَ الثُّلُثِ، وَأَنَّ الْعِتْقَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ وَقَدْ يَنْدَفِعُ لِوُقُوعِهِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بَعْدَ حَطِّ قَدْرِ الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا، لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ، فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدٌ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، لَمْ يَعْتِقْ إِلَّا ثُلُثُهُ، وَإِنْ مَاتَ هَذَا الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، مَاتَ، وَثُلُثُهُ حُرٌّ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَهَلْ يَمُوتُ كُلُّهُ رَقِيقًا، أَمْ كُلُّهُ حُرًّا، أَمْ ثُلُثُهُ حُرًّا وَبَاقِيهِ رَقِيقًا؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا عِنْدَ الصَّيْدَلَانِيِّ: الْأَوَّلُ، وَبِهِ أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ فِي مَجْلِسِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْمَحْمُودِيِّ، فَرَضِيَهُ وَحَمِدَهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَا يَعْتِقُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ هُنَا شَيْءٌ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَوْ وَهَبَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، وَأَقْبَضَهُ، وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ السَّيِّدِ، فَإِنْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ، يَمُوتُ رَقِيقًا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَيَلْزَمُهُ مَئُونَةُ تَجْهِيزِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمُوتُ حُرًّا، مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ. وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ، وُزِّعَتِ الْمَئُونَةُ عَلَيْهِمَا.

الثَّانِي: إِذَا كَانَ لِهَذَا الْعَبْدِ وَلَدٌ مِنْ مُعْتِقِهِ، كَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي أُمِّهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمُوتُ حُرًّا، أُنْجِزَ الْوَلَاءُ إِلَى مُعْتِقِ الْأَبِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَعْتِقُ ثُلُثُهُ، أُنْجِزَ وَلَاءُ ثُلُثِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ سِوَاهُ، وَمَاتَ الْعَتِيقُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، قَالَ الْإِمَامُ: قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: لَا يَجِبُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ، فَإِذَا لَمْ تَبْقَ إِلَى الْمَوْتِ، لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحِسَابِ، قَالَ: وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِنَا حُكْمُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَحُكْمِهِ لَوْ عَاشَ، أَنْ يُحْسَبَ

ص: 136

مِنَ الثُّلُثِ. وَلَوْ وَهَبَ عَبْدًا، وَأَقْبَضَهُ، وَلَهُ مَالٌ آخَرُ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ، كَمَا أَنَّ هِبَتَهُ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ كَإِعْتَاقِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ. وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْمُتَّهِبُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ، يُحْسَبُ الْمَوْهُوبُ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ، يَغْرَمُ الْمَوْهُوبُ لِلْوَرَثَةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَلِفَ ; لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ مُضَمَّنَةً، وَالْإِتْلَافُ مُضَمَّنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلِلْإِمَامِ احْتِمَالٌ فِي إِلْحَاقِ التَّلَفِ بِالْإِتْلَافِ وَعَكْسِهِ.

فَرْعٌ

أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ فِرَقُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمَيِّتَ يَدْخُلُ فِي الْقُرْعَةِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ أَنْ يُجْعَلَ الْفَائِتُ كَالْمَعْدُومِ، وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَجْهًا، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمَيِّتِ، بَانَ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا مَوْرُوثًا عَنْهُ، وَرَقَّ الْآخَرَانِ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ، لَمْ يُحْسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَالَ، وَيُحْتَسَبُ بِهِ عَنِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الثَّوَابَ، وَتُعَادُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَبْدَانِ، فَأَعْتَقَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ، وَرَقَّ ثُلُثُهُ مَعَ الْعَبْدِ الْآخَرِ. وَلَوْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ أَوَّلًا عَلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ، فَكَذَلِكَ يَعْتِقُ ثُلُثَاهُ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ امْتِدَادِ يَدِ الْوَارِثِ إِلَى التَّرِكَةِ، فَالْحُكْمُ كَمَا

ص: 137

لَوْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَفْظُ الصَّيْدَلَانِيِّ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمَيِّتُ فِي يَدِهِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ امْتِدَادِ يَدِ الْوَارِثِ إِلَى التَّرِكَةِ، وَقَبْلَ الْإِقْرَاعِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُحْسَبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْوَارِثِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ، عَتَقَ كُلُّهُ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ دَخَلَ فِي يَدِهِ وَضَمَانِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى التَّرِكَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَلَّطْ عَلَى التَّصَرُّفِ. وَلَوْ مَاتَ اثْنَانِ مِنْهُمْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى أَحَدِ الْمَيِّتَيْنِ، صَحَّ عِتْقُ نِصْفِهِ، وَجُعِلَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ، وَهُوَ الْعَبْدُ الْحَيُّ. وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَيْهِ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْمَيِّتِ الْآخَرِ وَالْحَيِّ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْآخَرِ، أَعْتَقْنَا نِصْفَهُ، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَيْهِ، لَمْ يُحْسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَأَعْتَقْنَا ثُلُثَ الْحَيِّ. وَلَوْ قُتِلَ أَحَدُ الْعَبِيدِ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ، دَخَلَ الْقَتِيلُ فِي الْقُرْعَةِ قَطْعًا ; لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ، عَتَقَ كُلُّهُ، وَلِوِرْثَةِ الْآخَرِ قِيمَةُ الْقَتِيلِ، وَإِنْ خَرَجَ لِلْقَتِيلِ، بَانَ أَنَّهُ قُتِلَ حُرًّا، وَعَلَى قَاتِلِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِنْ كَانَ قَاتِلُهُ حُرًّا، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ جَرَحَكَ أَحَدٌ، فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَهُ، فَجَرَحَهُ حُرٌّ، وَمَاتَ بِالْجِرَاحَةِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُتَعَيِّنَةٌ فِيهِ، وَهُنَا التَّعْيِينُ بِالْقُرْعَةِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَانِ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنِ اعْتَقَدَ رِقَّهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَرَفَهُ رَقِيقًا فَبَانَ عَتِيقًا، فَفِي الْقِصَاصِ قَوْلَانِ.

الْخَصِيصَةُ الرَّابِعَةُ: الْقُرْعَةُ، وَفِيهَا طَرَفَانِ: أَحَدُهُمَا فِي مَحَلِّهَا،

ص: 138

وَهُوَ أَنْ يُعْتِقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبِيدًا دُفْعَةً، وَيَقْصُرُ عَنْهُمْ ثُلُثُ مَالِهِ، وَلَا يُجِيزُ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ لِتَجْتَمِعَ الْحُرِّيَّةُ فِي بَعْضِهِمْ، فَيَعْتِقُ، أَوْ يَقْرُبُ مِنَ الْعِتْقِ. وَفِي الضَّابِطِ قُيُودٌ، أَحَدُهَا: وُقُوعُ الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَإِذَا انْتَفَى عَتَقُوا كُلُّهُمْ.

الثَّانِي: أَنْ يُعْتِقَهُمْ دُفْعَةً بِأَنْ يُوَكِّلَ بِإِعْتَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ وَكِيلًا، فَيَعْتِقُوا مَعًا، أَوْ يَقُولَ: هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ، أَوْ يَقُولَ لَهُمْ: أَعْتَقْتُكُمْ، أَوْ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ، فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ أَوَّلًا قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، إِلَى تَمَامِ الثُّلُثِ، كَقَوْلِهِ: سَالِمٌ حُرٌّ، وَغَانِمٌ حُرٌّ، وَفَائِقٌ حُرٌّ، فَلَوْ قَالَ: سَالِمٌ وَغَانِمٌ وَفَائِقٌ أَحْرَارٌ: فَهُوَ مَحَلُّ الْقُرْعَةِ. وَلَوْ قَالَ: سَالِمٌ وَغَانِمٌ وَفَائِقٌ حُرٌّ، فَعَنِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُرَاجَعُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ حُرِّيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتُمْ أَحْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ حُرِّيَّةَ الْأَخِيرِ، قُبِلَ، وَلَا قُرْعَةَ، وَإِنْ قَالَ: حُرِّيَّةُ غَيْرِهِ، لَمْ يُقْبَلْ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَقْصُرَ عَنْهُمْ ثُلُثُ مَالِهِ، وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ وَفَى الثُّلُثُ بِهِمْ، أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ، عَتَقُوا جَمِيعًا. وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبِيدٍ، وَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِهِمْ، وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، أُقْرِعَ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ أَوْصَى بِإِعْتَاقِهِمْ دُفْعَةً، أَوْ قَالَ: أَعْتِقُوا فُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقُوا فُلَانًا ; لِأَنَّ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَوْتُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا رَتَّبَ الْإِعْتَاقَ الْمُنْجِزُ إِلَّا أَنْ يُقَيِّدَ، فَيَقُولَ: أَعْتِقُوا فُلَانًا ثُمَّ فُلَانًا وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ: إِذَا مُتُّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ، أَوْ أَعْتَقْتُكُمْ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ رَتَّبَ فَقَالَ: إِذَا مُتُّ، فَفُلَانٌ حُرٌّ، أَقْرَعَ أَيْضًا. وَفِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّعْلِيقِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا قُرْعَةَ، بَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، أَوْ أَثْلَاثُ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يُقْرَعُ،

ص: 139

بَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّبْعِيضِ. وَأَصَحُّهُمَا: يُقْرَعُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ، أَوْ ثُلُثُكُمْ حُرٌّ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكُمْ أَمْ كَقَوْلِهِ أَثْلَاثُ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ، فِيهِ طَرِيقَانِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إِلَى الْمَوْتِ فَقَالَ: ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ أَثْلَاثُ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ بَعْدَ مَوْتِي، عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَلَا قُرْعَةَ عَلَى الصَّحِيحِ.

فَرْعٌ

يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ مُنْجَزًا فِي الْمَرَضِ قِيمَةُ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَفِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ قِيمَةُ يَوْمِ الْمَوْتِ أَقَلَّ، فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ، فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِمْ، فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ، كَالَّذِي يُغْصَبُ، أَوْ يَضِيعُ مِنَ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَبْضِهِمْ، وَإِذَا أَنْجَزَ إِعْتَاقَ عَبْدٍ، وَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ آخَرَ، قَوَّمْنَا الْمُنْجَزَ حَالَ إِعْتَاقِهِ، وَالْآخَرَ حَالَ الْمَوْتِ، وَبَقِيَّةَ التَّرِكَةِ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَا، وَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا، أَعْتَقْنَا الْمُنْجَزَ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنَ الثُّلُثِ، أَعْتَقْنَا بِقَدْرِهِ مِنَ الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ نَقَصَ الثُّلُثُ، أَعْتَقْنَا مِنَ الْمُنْجَزِ بِقَدْرِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا مُبْهَمًا، بِأَنْ قَالَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ حُرٌّ، أَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بِأَنْ قَالَ: أَعْتِقُوا أَحَدَهُمْ، فَفِي «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ يُكْتَبُ رُقْعَةٌ لِلْعِتْقِ، وَأُخْرَى لِلْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقٍ، وَرُقْعَتَانِ لِلتَّرِكَةِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ، فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ خَرَجَ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِإِعْتَاقِهِ، ثُمَّ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ. وَفِي «الشَّامِلِ» أَنَّهُ يُمَيَّزُ الثُّلُثُ بِالْقُرْعَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُمَيَّزُ بَيْنَ الْمُنْجَزِ وَالْآخَرِ.

ص: 140

فَرْعٌ

كُلُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُنْجَزِ إِعْتَاقُهُمْ عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقُرْعَةِ، وَيُسَلَّمُ لَهُ مَا كَسَبَهُ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الثُّلُثِ، سَوَاءٌ كَسَبَهُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ رَقِيقًا مِنْهُمْ فَأَكْسَابُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ، تُحْسَبُ عَلَى الْوَارِثِ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَأَكْسَابُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ لَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ، لِحُصُولِهَا عَلَى مِلْكِهِ. فَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ، وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً، وَأَقْرَعْنَا، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلْكَاسِبِ، عَتَقَ وَفَازَ بِكَسْبِهِ، وَرَقَّ الْآخَرَانِ، وَإِنْ خَرَجَ لِأَحَدِ الْآخَرَيْنِ، عَتَقَ، ثُمَّ تُعَادُ بَيْنَ الْكَاسِبِ وَالْآخَرِ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْآخَرِ، عَتَقَ ثُلُثُهُ وَبَقِيَ ثُلُثَاهُ مَعَ الْكَاسِبِ، وَكَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْكَاسِبِ، وَقَعَ الدَّوْرُ ; لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ، وَيَتَوَزَّعُ الْكَسْبُ عَلَى مَا عَتَقَ وَعَلَى مَا رَقَّ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ حِصَّةُ مَا عَتَقَ، وَتَزِيدُ التَّرِكَةُ بِحِصَّةِ مَا رَقَّ، وَإِذَا زَادَتِ التَّرِكَةُ، زَادَ مَا عَتَقَ، وَتَزِيدُ حِصَّتُهُ، وَإِذَا زَادَتْ حِصَّتُهُ، نَقَصَتْ حِصَّةُ التَّرِكَةِ.

وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَسَائِلِ الدَّوْرِيَّةِ مِنَ الْوَصَايَا وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ رُبُعُهُ، وَيَتْبَعُهُ رُبُعُ كَسْبِهِ، يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ مَعَ الْعَبْدِ الْآخَرِ، وَجُمْلَتُهَا ضِعْفُ مَا عَتَقَ، وَلَوْ كَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَتَيْنِ، وَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ الثَّانِيَةُ لِغَيْرِ الْكَاسِبِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَالْكَاسِبُ وَكَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْكَاسِبِ،

ص: 141

فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَتَبِعَهُ مِنَ الْكَسْبِ شَيْئَانِ ; لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلَا قِيمَتِهِ، تَبْقَى لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ تَعْدِلُ ضِعْفَ مَا عَتَقَ، وَهُوَ عَبْدَانِ وَشَيْئَانِ فَبَعْدَ الْجَبْرِ أَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ، تَعْدِلُ عَبْدَيْنِ وَخَمْسَةَ أَشْيَاءَ، تُسْقِطُ عَبْدَيْنِ بَعَبْدَيْنِ، يَبْقَى عَبْدَانِ وَشَيْئَانِ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَالشَّيْءُ خُمُسُ الْعَبْدَيْنِ، وَهُوَ خُمُسَا عَبْدٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ، فَقَدْ عَتَقَ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ سِتُّونَ، وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ، وَجُمْلَتُهَا مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ، وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِرُ هَذَا فِي الْوَصَايَا. هَذَا كُلُّهُ فِي الْأَكْسَابِ الْحَاصِلَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ، وَلَوْ كَسَبَ أَحَدُهُمْ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مِائَةً بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَتَبِعَهُ كَسْبُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ كَمَا لَوْ كَسَبَ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْكَاسِبِ، عَتَقَ، وَرَقَّ الْآخَرَانِ، وَلَا تُعَادُ الْقُرْعَةُ لِلْكَسْبِ، بَلْ يَفُوزُ بِهِ الْوَارِثُ لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ، وَكَسْبُ مَنْ أُوصِيَ بِإِعْتَاقِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي لِلْمُوصِي، تَزِيدُ بِهِ التَّرِكَةُ وَالثُّلُثُ، وَكَسْبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا تَزِيدُ بِهِ التَّرِكَةُ وَلَا الثُّلُثُ بِلَا خِلَافٍ.

وَهَلْ هُوَ لِلْوَرَثَةِ أَمْ لِلْعَبْدِ؟ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ أَحَدُهُمَا: قَوْلَانِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ كَسْبَ الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلْمُوصَى لَهُ؟ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي اسْتِحْقَاقًا مُسْتَقِرًّا، وَالْوَصِيَّةُ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، بَلِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، وَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ مَنْ نَجَزَ إِعْتَاقُهُ، كَانَتِ الزِّيَادَةُ كَالْكَسْبِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قَرْعَةُ الْعِتْقِ، تَبِعَتْهُ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيمَنْ أَعْتَقَهُمْ جَارِيَةٌ، فَوَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ، فَالْوَلَدُ كَالْكَسْبِ،

ص: 142

فَإِذَا خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهَا، تَبِعَهَا الْوَلَدُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ مَنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، أَوِ الَّتِي وَلَدَتْ، وَقَعَ لِلدَّوْرِ. وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ، فَبَلَغَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَتَيْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً.

وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَيْنِ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةٌ، فَوَلَدَتْ إِحْدَاهُمَا وَلَدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلَّتِي لَمْ تَلِدْ، عَتَقَتْ، وَرَقَّتِ الْوَالِدَةُ وَوَلَدُهَا، وَهُمَا ضِعْفُ مَا عَتَقَ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْوَالِدَةِ، عَتَقَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَتَبِعَهَا مِنَ الْوَلَدِ مِثْلُهُ، يَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ إِلَّا شَيْئَيْنِ يَعْدِلُ ضِعْفَ مَا أَعْتَقْنَا مَحْسُوبًا، وَهُمَا شَيْئَانِ، فَبَعْدَ الْجَبْرِ يَعْدِلُ ثَلَاثُمِائَةٍ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، فَالشَّيْءُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مِائَةٍ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَتَبِعَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْوَلَدِ، يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ رُبُعُهُمَا وَالْجَارِيَةُ الْأُخْرَى، وَجُمْلَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، ضِعْفُ مَا عَتَقَ مِنْهَا. وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ، أَوْ مَا فِي بَطْنِكِ، فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ تَعْيِينٌ، فَيُقْرَعُ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْوَلَدِ، عَتَقَ دُونَ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِهِ، عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَتِ الْأُمُّ، عَتَقَتْ، وَتَبِعَهَا الْوَلَدُ إِنْ وَفَى بِهِمَا الثُّلُثُ، وَإِلَّا، فَيَعْتِقُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَيَتْبَعُهَا مِنَ الْوَلَدِ شَيْءٌ.

وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَصَايَا فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَكَسَبَ، وَتَقْوِيمُ الْوَلَدِ بِمَا يَكُونُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ، نُظِرَ إِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ، فَالْوَلَدُ كَكَسْبٍ حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلْأُمِّ، عَتَقَتْ، وَتَبِعَهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ

ص: 143

الْوَالِدَةِ، عَتَقَتْ، وَلَا تُعَادُ الْقُرْعَةُ لِلْوَلَدِ ; لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهَلْ تُحْسَبُ عَلَى الْوَارِثِ حَتَّى تُعَادَ الْقُرْعَةُ؟ قَالَ الْبَغَوِيُّ: يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُعْرَفُ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَهُوَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا تُعَادُ، وَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَالْحَادِثِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَتُعَادُ، وَأَطْلَقَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، هَلْ يُحْسَبُ الْوَلَدُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنَ الثُّلُثَيْنِ؟ وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ مَنْ نُجِّزَ، عَتَقَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فِيمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ، حُسِبَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ رَقَّ، لَمْ يُحْسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ إِلَّا النَّاقِصُ. فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَرَجَعَ إِلَى خَمْسِينَ، فَقَدْ ذَكَرْنَا طَرِيقَ اسْتِخْرَاجِهِ فِي الْوَصَايَا. وَحَاصِلُهُ أَنْ يَعْتِقَ مِنْهُ الْخُمُسُ.

وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ، فَعَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ إِلَى خَمْسِينَ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلنَّاقِصِ، عَتَقَ وَحْدَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ مِائَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ لِأَحَدِ الْآخَرَيْنِ، عَتَقَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ، يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ سُدُسُهُ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ وَالنَّاقِصُ.

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، ضِعْفُ مَا عَتَقَ ; لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ عَلَى الْوَرَثَةِ الْبَاقِي بَعْدَ النَّقْصِ، وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، فَعَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا إِلَى خَمْسِينَ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلْآخَرِ، عَتَقَ نِصْفُهُ، وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُ مَعَ الْعَبْدِ النَّاقِصِ، وَهُمَا ضِعْفُ مَا عَتَقَ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلنَّاقِصِ، وَقَعَ الدَّوْرُ، لِأَنَّا نَحْتَاجُ إِلَى إِعْتَاقِ بَعْضِهِ مُعْتَبَرًا بِيَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَإِلَى إِبْقَاءِ ضِعْفِهِ لِلْوَرَثَةِ مُعْتَبَرًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، يَبْقَى خُمُسَاهُ مَعَ الْآخَرِ لِلْوَرَثَةِ.

وَإِنْ حَدَثَ

ص: 144

النَّقْصُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ، وَقَبْلَ الْإِقْرَاعِ، فَهَلْ يُحْسَبُ عَلَى الْوَرَثَةِ؟ قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ كَانَ الْوَارِثُ مَقْصُورَ الْيَدِ عَنِ التَّرِكَةِ، لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُحْسَبُ عَلَيْهِ.

الطَّرَفُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ وَالتَّجْرِبَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا، وَفِيهِ فَصْلَانِ:

الْأَوَّلُ: فِي كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ، قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ لِلْقُرْعَةِ طَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُكْتَبَ أَسْمَاءُ الْعَبِيدِ فِي رِقَاعٍ، ثُمَّ يُخْرَجَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُكْتَبَ فِي الرِّقَاعِ الرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ، وَيُخْرَجَ عَلَى أَسْمَاءِ الْعَبِيدِ، وَذَكَرْنَا أَنَّ مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ أَثْبَتَ قَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ يُقْرَعُ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَمِ الثَّانِي، وَأَنَّ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ خِلَافًا، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا فِي الْعِتْقِ: يَسْلُكُ مَا شَاءَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَلَفْظُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ أَخْصَرُ.

وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ الرِّقَاعُ صِغَارًا لِيَكُونَ أَخْفَى، وَأَنْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةً، وَأَنْ تُدْرَجَ فِي بَنَادِقَ، وَتُجْعَلَ فِي حِجْرِ مِنْ لَمْ يَحْضُرْ هُنَاكَ، كَمَا بَيَّنَّا فِي الْقِسْمَةِ، وَأَنَّهُ يُغَطَّى بِثَوْبٍ، وَيُدْخَلُ مَنْ يُخْرِجُهَا الْيَدَ مِنْ تَحْتِهِ. كُلُّ هَذَا لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ التُّهْمَةِ، وَلَا تَتَعَيَّنُ الرِّقَاعُ، بَلْ تَجُوزُ الْقُرْعَةُ بِأَقْلَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ، وَبِالنَّوَى وَالْبَعْرِ، وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَعَ بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ، كَدَوَاةٍ وَقَلَمٍ وَحَصَاةٍ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا ; لِأَنَّ الْمُخْرِجَ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَظْهَرُ حَيْفُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْإِعْرَاضُ عَنْ أَصْلِ الْقُرْعَةِ، وَالتَّمْيِيزُ بِطَرِيقٍ آخَرَ بِأَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّهُ إِنْ طَارَ غُرَابٌ، فَفُلَانٌ حُرٌّ، أَوْ أَنَّ مَنْ وَضَعَ عَلَى صَبِيٍّ يَدَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ أَنْ يُرَاجَعَ شَخْصٌ لَا غَرَضَ لَهُ

ص: 145

وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ: فَإِنْ كُنَّا نُعْتِقُ عَبْدًا، وَنَرِقُّ آخَرِينَ، وَرَأَيْنَا إِثْبَاتَ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: يَثْبُتُ الرِّقُّ فِي رُقْعَتَيْنِ، وَالْحُرِّيَّةُ فِي رُقْعَةٍ عَلَى نِسْبَةِ الْمَطْلُوبِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَإِنَّ مَا يَكْثُرُ فَهُوَ أَحْرَى بِسَبْقِ الْيَدِ إِلَيْهِ. وَفِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ احْتِيَاطًا، وَقَالَ: يَكْفِي رُقْعَةٌ لِلرِّقِّ وَأُخْرَى لِلْحُرِّيَّةِ، ثُمَّ إِذَا أَخْرَجْنَا رُقْعَةً بِاسْمِ أَحَدِهِمْ، فَخَرَجَتْ لِلْحُرِّيَّةِ، انْفَصَلَ الْأَمْرُ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلرِّقِّ، احْتَجْنَا إِلَى إِخْرَاجِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: إِذَا أَثْبَتْنَا الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ، فَقَالَ الْمُخْرِجُ: أُخْرِجُ عَلَى اسْمِ هَذَا، وَنَازَعَهُ الْآخَرُونَ، وَقَالُوا: أَخْرِجْ عَلَى أَسْمَائِنَا، أَوْ أَثْبَتْنَا الْأَسْمَاءَ، وَقَالَ الْمُخْرِجُ: أُخْرِجُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَقَالُوا: أَخْرِجْ عَلَى الرِّقِّ، أَوْ تَنَازَعَ الْوَرَثَةُ وَالْعَبْدُ، فَقَالَ الْوَرَثَةُ: أَخْرِجْ عَلَى الرِّقِّ، وَقَالَ الْعَبْدُ: عَلَى الْحُرِّيَّةِ، فَهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ، إِنْ أَثْبَتَ الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبِيدِ أَوَّلًا حَتَّى يَتَعَيَّنَ مَنْ يُعْرَضُ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ وَاحِدٌ، أُخْرِجَتْ رُقْعَةٌ عَلَى اسْمِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَثْبُتَ الْحُرِّيَّةُ عَلَى رُقْعَةٍ، وَالرِّقُّ عَلَى رُقْعَتَيْنِ، وَيُعْطِي الْمُخْرِجُ كُلَّ عَبْدٍ رُقْعَةً، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ تَعْيِينَ مَنْ يُبْدَأُ بِهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ وَالْأُجَرَاءِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْقَسَّامِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُنَاطَ هُنَا بِنَظَرِ مُتَوَلِّي الْإِقْرَاعِ مِنْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ، فَيَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى مُضَايَقَاتِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ إِعْطَاءَ كُلِّ عَبْدٍ رُقْعَةً، لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِقْرَاعِ، بَلْ يَكْفِي الْإِخْرَاجُ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ.

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ تَجْزِئَةِ الْعَبِيدِ، وَهِيَ تَقَعُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، أُقْرِعَ بِإِثْبَاتِ اسْمَيْهِمَا فِي رُقْعَتَيْنِ، وَإِخْرَاجِ أَحَدِهِمَا عَلَى الرِّقِّ أَوِ الْحُرِّيَّةِ، أَوْ بِإِثْبَاتِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فِي رُقْعَتَيْنِ، وَالْإِخْرَاجِ عَلَى اسْمِهِمَا، ثُمَّ إِنِ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ، وَرَقَّ بَاقِيهِ مَعَ الْآخَرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا

ص: 146

كَمِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْحُرِّيَّةُ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ، عَتَقَ، وَرَقَّ الْآخَرُ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْآخَرِ عَتَقَ نِصْفُهُ، وَرَقَّ بَاقِيهِ مَعَ الْآخَرِ. وَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمْ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، وَاسْتَوَتْ قِيمَتُهُمْ، فَإِنْ شَاءَ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَقَالَ لِلْمُخْرِجِ: أَخْرِجْ رُقْعَةً عَلَى الْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ، عَتَقَ، أَوْ قَالَ: أَخْرِجْ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَتَعَيَّنَ فِي الْآخَرِ الْحُرِّيَّةُ، وَالْإِخْرَاجُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى فَصْلِ الْأَمْرِ. وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ عَلَى الرِّقَاعِ الرِّقَّ فِي رُقْعَتَيْنِ، وَالْحُرِّيَّةَ فِي رُقْعَةٍ، وَقَالَ: أُخْرِجُ عَلَى اسْمِ سَالِمٍ، أَوْ أَشَارَ إِلَى عَيْنِهِ وَقَالَ: عَلَى اسْمِ هَذَا، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ، رَقَّ، وَأَمَرْنَا بِإِخْرَاجِ رُقْعَةٍ أُخْرَى عَلَى اسْمِ غَانِمٍ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَ، وَرَقَّ الثَّالِثُ، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ فَبِالْعَكْسِ. وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ كَمِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَإِمَّا أَنْ نَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الْأَوَّلِ، عَتَقَ وَأَخْرَجَ رُقْعَةً أُخْرَى، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الثَّانِي، عَتَقَ نِصْفُهُ، وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الثَّالِثِ، عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ الثَّانِي، عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ، وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الثَّالِثِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ، وَرَقَّ بَاقِيهِ وَالْآخَرَانِ، وَإِمَّا أَنْ نَكْتُبَ الرِّقَّ فِي رُقْعَتَيْنِ، وَالْحُرِّيَّةَ فِي رُقْعَةٍ، وَنُخْرِجَ عَلَى أَسْمَائِهِمْ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَسْوِيَةُ الْأَجْزَاءِ عَدَدًا وَقِيمَةً، كَسِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جَزَّأْنَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَصَنَعْنَا صَنِيعَنَا فِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَسَاوِينَ.

وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سِتَّةٍ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ، وَثَلَاثَةٌ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ، فَيُضَمُّ إِلَى كُلِّ نَفِيسٍ خَسِيسًا، وَنَجْعَلُهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، وَفِي سِتَّةٍ اثْنَانِ مِنْهُمْ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثُمِائَةٍ، وَاثْنَانِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَتَانِ، وَاثْنَانِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ، فَنَجْعَلُ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ جُزْءًا، وَيُضَمُّ إِلَى كُلِّ نَفِيسٍ خَسِيسًا، فَيَسْتَوِي الْأَجْزَاءُ عَدَدًا وَقِيمَةً. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ التَّسْوِيَةُ

ص: 147

بِالْعَدَدِ، وَتَيَسَّرَتْ بِالْقِيمَةِ، كَخَمْسَةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، جَزَّأْنَاهُمْ كَذَلِكَ، وَأَقْرَعْنَا. وَإِنْ أَمْكَنَ التَّسْوِيَةُ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ، كَسِتَّةٍ، قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ، فَوَجْهَانِ، الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: يُجَزَّءُونَ بِالْعَدَدِ، وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٌ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي: يُجَزَّءُونَ بِالْعَدَدِ، فَيُجْعَلُ اللَّذَانِ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ جُزْءًا، وَالَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ مَعَ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ جُزْءًا، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَيَعْتِقُ قَدْرُ الثُّلُثِ عَلَى مَا سَبَقَ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ التَّسْوِيَةُ بِالْعَدَدِ وَلَا بِالْقِيمَةِ، كَثَمَانِيَةٍ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنَ التَّثْلِيثِ، فَيُجْعَلُونَ ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً وَاثْنَيْنِ، وَيُقْرَعُ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، رَقَّ غَيْرُهُمْ، وَانْحَصَرَ الْعِتْقُ فِيهِمْ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ عِتْقٍ وَسَهْمِ رِقٍّ، فَلِمَنْ خَرَجَ لَهُ الرِّقُّ، رَقَّ ثُلُثُهُ، وَعَتَقَ ثُلُثُهُ مَعَ الْآخَرَيْنِ.

وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ أَوَّلًا عَلَى الِاثْنَيْنِ، عَتَقَا، وَتُعَادُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ السِّتَّةِ، وَيُجْعَلُ كُلُّ اثْنَيْنِ جُزْءًا، فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ بِاسْمِ اثْنَيْنِ، أَعَدْنَا الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ. هَذَا إِذَا كَتَبْنَا فِي الرِّقَاعِ الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ، وَإِنْ كَتَبْنَا الْأَسْمَاءَ، فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ اثْنَيْنِ وَعَتَقَا لَمْ تُعَدِ الْقُرْعَةُ بَيْنَ السِّتَّةِ، بَلْ يُخْرَجُ قُرْعَةٌ أُخْرَى، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْمُسَمِّينَ فِيهَا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ نُجَزِّئَهُمْ أَرْبَعَةً وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ، لِبُعْدِ هَذِهِ التَّجْزِئَةِ عَلَى التَّثْلِيثِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُرَاعَى التَّثْلِيثُ، بَلْ يُرَاعَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى فَصْلِ الْأَمْرِ، فَيَجُوزُ أَنْ تُكْتَبَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي ثَمَانِ رِقَاعٍ، وَيُخْرِجَ

ص: 148

وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ إِلَى أَنْ يَتِمَّ الثُّلُثُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلُوا أَرْبَاعًا، ثُمَّ إِنْ شِئْنَا أَثْبَتْنَا اسْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ فِي رُقْعَةٍ، فَإِذَا خَرَجَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَا، ثُمَّ يُخْرِجَ رُقْعَةً أُخْرَى، وَيُقْرِعَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْمُهُمَا فِيهَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ شِئْنَا أَثْبَتْنَا الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ، فَأَثْبَتْنَا الْعِتْقَ فِي وَاحِدَةٍ، وَالرِّقَّ فِي ثَلَاثٍ، فَإِذَا خَرَجَتْ رُقْعَةُ الْعِتْقِ لِاثْنَيْنِ، عَتَقَا، وَيُعِيدُ الْقُرْعَةَ بَيْنَ السِّتَّةِ، فَإِذَا خَرَجَتْ لِاثْنَيْنِ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا كَمَا سَبَقَ، وَلَا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا أَنْ يَجُوزَ إِثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي رُقْعَتَيْنِ، وَالرِّقِّ فِي رُقْعَتَيْنِ، وَيَعْتِقُ الِاثْنَانِ اللَّذَانِ خَرَجَتْ لَهُمَا رُقْعَةُ الْعِتْقِ أَوَّلًا، وَيُقْرَعُ بَيْنَ اللَّذَيْنِ خَرَجَ لَهُمَا رُقْعَتَيِ الْعِتْقِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ سَبْعَةً، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُجَزِّئُهُمْ ثَلَاثَةً وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي نُجَزِّئُ كَيْفَ شِئْنَا إِلَى أَنْ يَتِمَّ الثُّلُثُ.

وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ نُجَزِّئُهُمُ اثْنَيْنِ وَوَاحِدًا وَوَاحِدًا فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِأَحَدِ الْفَرْدَيْنِ، عَتَقَ، ثُمَّ يُعِيدُ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ، عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ خَرَجَ لِلِاثْنَيْنِ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ، عَتَقَ كُلُّهُ، وَثُلُثُ الْآخَرِ. وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ إِثْبَاتِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فِي الرِّقَاعِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: يُثْبِتُ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي رُقْعَةٍ، وَيُخْرِجُ بِاسْمِ الْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا، عَتَقَ، وَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ ثَانِيًا، عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجَزِّئُهُمُ اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَوَاحِدًا، وَعَلَى الثَّانِي لَنَا إِثْبَاتُ أَسْمَائِهِمْ فِي خَمْسِ رِقَاعٍ، ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الْإِيجَابِ أَمْ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ، وَبِالثَّانِي قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدٍ عَلَى الْإِبْهَامِ، فَقَدْ يُحْتَاجُ إِلَى

ص: 149

تَجْزِئَتِهِمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ وَخَمْسَةً وَأَكْثَرَ، فَيُجَزَّءُونَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبِيدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، نُظِرَ، إِنِ اسْتَغْرَقَهُمُ الدَّيْنُ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ، فَيُبَاعُونَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُمْ، أُقْرِعَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالتَّرِكَةِ لِيُصْرَفَ الْعِتْقُ عَمَّا يَتَعَيَّنُ لِلدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ قَدْرَ نِصْفِهِمْ، جَعَلْنَا حُرَّيْنِ، وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ دَيْنٍ وَسَهْمِ تَرِكَةٍ، ثُمَّ إِنْ شِئْنَا كَتَبْنَا أَسْمَاءَ كُلِّ حُرٍّ فِي رُقْعَةٍ، وَأَخْرَجْنَا رُقْعَةَ الدَّيْنِ أَوِ التَّرِكَةِ.

وَإِنْ شِئْنَا كَتَبْنَا الدَّيْنَ فِي رُقْعَةٍ وَالتَّرِكَةَ فِي رُقْعَةٍ، وَأَخْرَجْنَا إِحْدَاهُمَا عَلَى أَحَدِ الْحُرَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الدَّيْنِ ثُلُثَهُمْ، جَزَّأْنَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ دَيْنٍ، وَسَهْمَيْ تَرِكَةٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الرَّابِعِ، جَزَّأْنَاهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَقْرَعْنَا بِسَهْمِ دَيْنٍ، وَثَلَاثَةِ أَسْهُمِ تَرِكَةٍ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَعَ لِلدَّيْنِ وَالْعِتْقِ وَالتَّرِكَةِ، بِأَنْ يُقْرَعَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِسَهْمِ دَيْنٍ وَسَهْمِ عِتْقٍ وَسَهْمَيْ تَرِكَةٍ، أَوْ يُجَزِّئَهُمْ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ قَدْرَ نِصْفِهِمْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، وَيُقْرِعَ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلدَّيْنِ وَسَهْمٍ لِلْعِتْقِ وَسَهْمَيْنِ لِلتَّرِكَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: لَا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْعِتْقِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَوْ تَلَفَ الْمُعَيَّنُ لِلدَّيْنِ قَبْلَ قَضَائِهِ، انْعَكَسَ الدَّيْنُ عَلَى الْبَاقِي مِنَ التَّرِكَةِ، وَكَمَا لَا يُقَسَّمُ شَيْءٌ عَلَى الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، لَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَخَفُّ فَلَا يَنْقُصُ بِهِ حَقُّ ذِي حَقٍّ، وَعَلَى هَذَا نَقَلَ الْغَزَالِيُّ أَنَّا نَتَوَقَّفُ فِي تَنْفِيذِ الْعِتْقِ إِلَى أَنْ يُقْضَى الدَّيْنُ. وَفِي التَّهْذِيبِ مَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ فِي الْحَالِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْصُوصِ، فَتَعَيَّنَ بَعْضُهُمْ لِلدَّيْنِ؛ يُبَاعُ وَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ، ثُمَّ يُقْرَعُ لِلْعِتْقِ وَحَقِّ الْوَرَثَةِ. وَلَوْ قَالَ الْوَارِثُ: أَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأُنْفِذَ الْعِتْقُ فِي الْجَمِيعِ، فَهَلْ يُنَفَّذُ الْعِتْقُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ ; لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ النُّفُوذِ الدَّيْنُ،

ص: 150

فَإِذَا سَقَطَ بِالْقَضَاءِ، نَفَذَ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْوَرَثَةُ حَقَّهُمْ مِنْ ثُلُثَيِ التَّرِكَةِ وَأَجَازُوا عِتْقَ الْجَمِيعِ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ مَنَعَ النُّفُوذَ، لَا يَنْقَلِبُ نَافِذًا بِسُقُوطِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ وَقُلْنَا: لَا يُنَفَّذُ، فَقَالَ: أَنَا أَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لِيُنَفَّذَ، فَإِنَّهُ لَا يُنَفَّذُ إِلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ إِعْتَاقًا، وَبُنِيَ الْوَجْهَانِ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ هَلْ يُنَفَّذُ؟ قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ نُفُوذَ الْعِتْقِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

لَوْ أَعْتَقَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَبِيدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، وَمَاتَ، وَأَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِالْقُرْعَةِ، وَأَرْقَقْنَا بَعْضَهُمْ، فَظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ مَدْفُونٌ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُخْرِجُ جَمِيعَهُمْ مِنَ الثُّلُثِ، بِأَنْ كَانَ الْمَالُ مِثْلَيْ قِيمَتِهِمْ، حُكِمَ بِعِتْقِهِمْ جَمِيعًا، فَنَدْفَعُ إِلَيْهِمْ أَكْسَابَهُمْ مِنْ يَوْمِ إِعْتَاقِهِمْ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، كَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ. وَإِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ بَعْضُ مَنْ أَرْقَقْنَاهُمْ، أَعْتَقْنَاهُمْ بِالْقُرْعَةِ، مِثْلَ أَنْ أَعْتَقْنَا وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ مَالٌ يَخْرُجُ بِهِ آخَرُ، يُقْرَعُ بَيْنَ اللَّذَيْنِ أَرْقَقْنَاهُمَا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَ. وَلَوْ أَعْتَقْنَا بَعْضَ الْعَبِيدِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ظَاهِرٌ، ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ، فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ. وَاسْتَبْعَدَ الشَّيْخُ بِنَاءَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَقَالَ هُنَاكَ الْوَارِثُ يُنْشِئُ إِعْتَاقًا مِنْ عِنْدِهِ، وَلَا يُمْضِي مَا فَعَلَ الْمَيِّتُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِجَازَةَ الْوَارِثِ لِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ تَنْفِيذٌ أَمِ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنَ الْوَارِثِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ، فَلَهُ تَنْفِيذُ إِعْتَاقِهِ بِقَضَاءِ

ص: 151

الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ، ثُمَّ يَبْتَدِئَ إِعْتَاقًا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي ظَهَرَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ، فَهَلْ يُبْطِلُ الْقُرْعَةَ مَنْ أَصْلِهَا؟ وَجْهَانِ، وَيُقَالُ: قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا لَوِ اقْتَسَمَ شَرِيكَانِ، ثُمَّ ظَهَرَ ثَالِثٌ، فَعَلَى هَذَا يُقْرَعُ الْآنَ لِلدَّيْنِ وَالتَّرِكَةِ وَلَا يُبَالَى بِوُقُوعِ سَهْمِ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ وَقَعَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ أَوَّلًا.

وَأَظْهَرُهُمَا: لَا، وَلَكِنْ إِنْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، نَفَذَ الْعِتْقُ، وَإِلَّا فَيُرَدُّ الْعِتْقُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ نِصْفَ التَّرِكَةِ، رَدَدْنَاهُ فِي نِصْفِ مَنْ أَعْتَقْنَا، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَهَا، رَدَدْنَا ثُلُثَهُمْ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَبِيدُ سِتَّةً، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَأَعْتَقْنَا اثْنَيْنِ بِالْقُرْعَةِ، فَظَهَرَ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ اثْنَيْنِ بِعْنَا مِنَ الْأَرْبَعَةِ اثْنَيْنِ لِلدَّيْنِ كَيْفَ اتَّفَقَ، وَيُقْرَعُ بَيْنَ الْمُعْتَقَيْنِ الْقُرْعَةَ أَوَّلًا بِسَهْمِ رِقٍّ، وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الرِّقِّ، رَقَّ ثُلُثَاهُ، وَعَتَقَ ثُلُثُهُ مَعَ الْآخَرِ. وَإِنْ ظَهَرَ الدَّيْنُ بِقَدْرِ قِيمَةِ ثَلَاثَةٍ، أُقْرِعَ بَيْنَ اللَّذَيْنِ كَانَ خَرَجَ لَهُمَا الْحُرِّيَّةُ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ الْحُرِّيَّةُ عَتَقَ، وَرَقَّ الْآخَرُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَحَدُكُمْ حُرٌّ، أَوِ اثْنَانِ حُرَّانِ، أَوْ أَعْتَقْتُ أَحَدَكُمْ، فَلَهُ حَالَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْوِيَ مُعَيَّنًا فَيُؤْمَرُ بِبَيَانِهِ، وَيُحْبَسُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ هَذَا، عَتَقَ، وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّكَ أَرَدْتَنِي، وَيُحَلِّفَهُ، وَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ، حَلَفَ هُوَ وَعَتَقَ. وَلَوْ عَيَّنَ وَاحِدًا، وَقَالَ: أَرَدْتُ هَذَا، بَلْ هَذَا، أُعْتِقَا جَمِيعًا، مُؤَاخَذَةً لَهُ. وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيَانًا، بَلْ يَبْقَى الْأَمْرُ بِالْبَيَانِ. فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ الْمَقْتُولَ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ. وَلَوْ جَرَى ذَلِكَ فِي إِمَاءٍ، أَوْ أَمَتَيْنِ، ثُمَّ وَطِئَ وَاحِدَةً، لَمْ يَكُنِ الْوَطْءُ بَيَانًا، بَلْ لَوْ بَيَّنَ الْعِتْقَ فِيهَا، تَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ لِجَهْلِهَا بِأَنَّهَا مُعْتَقَةٌ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، قَامَ وَارِثُهُ

ص: 152

مَقَامَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ، وَرُبَّمَا عَلِمَهُ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، فَإِنْ أَقَمْنَاهُ، فَبَيَّنَ أَحَدُهُمْ، عَتَقَ، وَلِغَيْرِهِ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، أَوْ قَالَ الْوَارِثُ: لَا أَعْلَمُ، فَالصَّحِيحُ أَوِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ.

وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ: لَا يُقْرَعُ، بَلْ يُوقَفُ. وَلَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ: نَسِيتُ مَنْ أَعْتَقْتُهُ، أُمِرَ بِالتَّذَكُّرِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: يُحْبَسُ عَلَيْهِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ، فَفِي بَيَانِ الْوَارِثِ وَالْقُرْعَةِ الْخِلَافُ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ سَمَّى وَاحِدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ قَالَ نَسِيتُهُ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَنْوِيَ مُعَيَّنًا، فَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ، وَيُوقَفُ عَنْهُمْ، إِلَى أَنْ يُعَيِّنَ، وَيَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا عَيَّنَ أَحَدَهُمْ، عَتَقَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُنَازِعَ فِيهِ إِنْ وَافَقَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا. وَإِذَا قَالَ: نَوَيْتُ هَذَا، عَتَقَ الْأَوَّلُ، وَلَغَا قَوْلَهُ لِلثَّانِي ; لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: نَوَيْتُ هَذَا، بَلْ هَذَا ; لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ. ثُمَّ الْعِتْقُ فِي الْمُبْهَمِ هَلْ يَحْصُلُ عِنْدَ التَّعْيِينِ، أَمْ يُتَبَيَّنُ حُصُولُهُ مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ الْمُبْهَمِ؟ وَجْهَانِ سَبَقَ نَظِيرُهُمَا فِي الطَّلَاقِ، وَخَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَعَيَّنَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ إِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ الْعِتْقُ عِنْدَ التَّعْيِينِ، فَلَا ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُ الْعِتْقَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِبْهَامُ بَيْنَ عَبْدَيْنِ، فَإِذَا بَطَلَ التَّعْيِينِ فِي الْمَيِّتِ، تَعَيَّنَ الثَّانِي لِلْعِتْقِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى لَفْظٍ.

وَإِنْ قُلْنَا الْإِبْهَامُ، صَحَّ تَعْيِينُهُ. وَلَوْ جَرَى ذَلِكَ فِي أَمَتَيْنِ أَوْ إِمَاءٍ، فَهَلْ يَكُونُ الْوَطْءُ تَعْيِينًا لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ؟ وَجْهَانِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَكَوْنُهُ تَعْيِينًا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَإِذَا لَمْ نَجْعَلْهُ تَعْيِينًا، فَعَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ، فَلَا حَدَّ. وَبَنَى الْبَغَوِيُّ حُكْمَ الْمَهْرِ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ عِنْدَ التَّعْيِينِ، أَمْ بِاللَّفْظِ الْمُبْهَمِ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، لَمْ يَجِبْ، وَإِلَّا وَجَبَ. وَالْوَطْءُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسَةُ بِشَهْوَةٍ مُرَتَّبٌ عَلَى الْوَطْءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا، فَهَذَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.

وَالِاسْتِخْدَامُ مُرَتَّبٌ عَلَى

ص: 153

اللَّمْسِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْيِينٍ، قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا يُوجِبُ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، هَلْ يَكُونُ فَسْخًا أَوْ إِجَازَةً؟ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ كَالِاسْتِخْدَامِ. وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُمْ، أَوْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ أَوْ أَجَّرَهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْوَطْءِ، وَالْإِعْتَاقُ لَيْسَ بِتَعْيِينٍ. ثُمَّ إِنْ عَيَّنَ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ، قُبِلَ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي غَيْرِهِ، عَتَقَا. وَقَتْلُ السَّيِّدِ أَحَدَهُمْ لَيْسَ تَعْيِينًا، ثُمَّ إِنْ عَيَّنَ فِي غَيْرِ الْمَقْتُولِ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمَقْتُولِ، لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، لِلشُّبْهَةِ. وَأَمَّا الْمَالُ، فَإِنْ قُلْنَا: الْعِتْقُ يَحْصُلُ عِنْدَ التَّعْيِينِ، لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ قُلْنَا: عِنْدَ الْإِبْهَامِ، لَزِمَهُ الدِّيَةُ لِوَرَثَتِهِ.

وَإِنْ قَتَلَ أَجْنَبِيٌّ أَحَدَهُمْ، فَلَا قِصَاصَ إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا، ثُمَّ إِنْ عَيَّنَ فِي غَيْرِ الْمَقْتُولِ، لَزِمَهُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ عَيَّنَ فِيهِ وَقُلْنَا: الْعِتْقُ يَحْصُلُ عِنْدَ التَّعْيِينِ، فَكَذَلِكَ، كَمَا لَوْ نَذَرَ إِعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَقُتِلَ. وَإِنْ قُلْنَا: عِنْدَ الْإِبْهَامِ، لَزِمَهُ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ، فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ التَّعْيِينُ؟ قَوْلَانِ، وَيُقَالُ: وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا، لَمْ يَعْتِقِ الْحَيُّ ; لِأَنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ رَأَيْتُهُ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، فَرَأَى أَحَدَهُمْ مَيِّتًا، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ، فَإِذَا رَأَى بَعْدَهُ حَيًّا لَا يَعْتِقُ، وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذَا، وَخَالَفَ الْأَوَّلَ.

قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ حَامِلًا حَالَ التَّعْلِيقِ، صَحَّ قَطْعًا، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ حَائِلًا فِي الْأَظْهَرِ وَالْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِمَا سَتَحْمِلُ وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ قَبْلَ الْمِلْكِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ ابْنِي، وَمِثْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَعَتَقَ إِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ بَالِغًا وَصَدَّقَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ،

ص: 154

عَتَقَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ النِّسَبُ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ ابْنَهُ، بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ عَلَى حَدٍّ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ ابْنَهُ، لَغَا قَوْلُهُ، وَلَمْ يَعْتِقْ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَالًا. هَذَا فِي مَجْهُولِ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النِّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَلْحَقْهُ، لَكِنْ يَعْتِقُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِتَضَمُّنِهِ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّتِهِ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ بِنْتِي، قَالَ الْإِمَامُ: الْحُكْمُ فِي حُصُولِ الْفِرَاقِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا فِي الْعِتْقِ.

الْخَامِسَةُ: قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَعْتَقْتُ أَحَدَكُمَا عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ، لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَقْبَلَا، فَإِنْ قَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ الْأَلْفَ، عَتَقَ أَحَدُهُمَا، وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْبَيَانُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَقُمِ الْوَارِثُ مَقَامَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، أُقْرِعَ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، عَتَقَ بِعِوَضٍ. وَفِي ذَلِكَ الْعِوَضِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: قِيمَتُهُ.

وَالثَّانِي: الْمُسَمَّى، قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْعِتْقُ، لَا الْمُعَاوَضَةُ، فَيُحْتَمَلُ إِبْهَامُ الْعِوَضِ تَبَعًا لِلْعِتْقِ. وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا حُرَّةٌ عَلَى أَلْفٍ، فَقَبِلَتَا، ثُمَّ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا، فَهَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ لِمِلْكِ الْمَوْطُوءَةِ وَيَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ، وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ.

السَّادِسَةُ: جَارِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، زَوَّجَهَا الشَّرِيكَانِ بِابْنِ أَحَدِهِمَا فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ، يَعْتِقُ نِصْفُهُ عَلَى الْجَدِّ، وَلَا يَسْرِي إِلَى النِّصْفِ الْآخَرِ إِذَا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ.

السَّابِعَةُ: سَبَقَ فِي النِّكَاحِ أَنَّ مَنْ نَكَحَ أَمَةً غُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا، فَأَوْلَدَهَا، انْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَيَلْزَمُ الْمَغْرُورَ قِيمَتُهُ لِمَالِكِ الْأَمَةِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ رَقِيقًا، ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَى الْمَغْرُورِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ. وَأَنَّا إِذَا قُلْنَا: يَنْعَقِدُ حُرًّا فَلَا قِيمَةَ عَلَى الْمَغْرُورِ، وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ. قَالَ الشَّيْخُ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَغْرُورِ

ص: 155

شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا عَلَى مَالِكٍ، وَإِنَّمَا مَنَعَ دُخُولَ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ. وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَلَوْ نَكَحَ جَارِيَةَ ابْنِهِ مَغْرُورًا بِحُرِّيَّتِهَا، فَأَوْلَدَهَا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا ; لِأَنَّهُ إِنِ انْعَقَدَ حُرًّا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، وَإِنِ انْعَقَدَ رَقِيقًا، عَتَقَ عَلَى الْجَدِّ بِالْقَرَابَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ بِظَنِّ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْأَبِ رِقًّا يَنْتَفِعُ بِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ. وَإِنْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَالِ، مَلَكَهُ الْجَدُّ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: يَنْعَقِدُ حُرًّا.

فُرُوعٌ

فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ:

شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ: أَحَدُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ حُرٌّ، أَوْ أَنَّهُ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَنَّهُ قَالَ: إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ طَالِقٌ، يُقْبَلُ، وَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ وَلَدَتِ الْمَزْنِيُّ بِهَا وَلَدًا، وَمَلَكَهُ الزَّانِي لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَعْتِقُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَعْتِقُ فِي الْحَالِ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَشَاءَ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ.

وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، لَزِمَ الْوَارِثَ إِعْتَاقُهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ، أَعْتَقَهُ السُّلْطَانُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُقَيَّدٌ، فَحَلَفَ بِعِتْقِهِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ، وَحَلَفَ بِعِتْقِهِ لَا يُحِلُّهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي شَاهِدَانِ أَنَّ قَيْدَهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِعِتْقِهِ، ثُمَّ حَلَّ الْقَيْدَ فَوَجَدَ فِيهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَا شَيْءَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ

ص: 156

بِحَلِّ الْقَيْدِ دُونَ الشَّهَادَةِ، لِتَحَقُّقِ كَذِبِهِمَا. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ مَالِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَوَّلَانِ، لَمْ يُرَدَّ الْقَضَاءُ بَعْدَ نُفُوذِهِ، بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلْأَوَّلِ، عَتَقَ، وَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْغُرْمُ لِلرُّجُوعِ، وَيَرِقُّ الثَّانِي، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ التَّرِكَةُ كُلُّهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّانِي، عَتَقَ، وَرَقَّ الْأَوَّلُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعَيْنِ ; لِأَنَّ مَنْ شَهِدَا بِهِ لَمْ يَعْتِقْ، وَاعْتَرَضَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ، وَيُقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِمَعْرِفَةِ حَالِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهُ، أَعْتَقَ أَيْضًا، وَغَرِمَ الرَّاجِعَانِ.

فَرْعٌ

قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَقَبَضَ مَهْرَهَا، وَأَتْلَفَهُ، وَمَاتَ وَلَا مَالَ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَدْخُلِ الزَّوْجُ بِهَا، فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ، نَفَذَ إِعْتَاقُهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: تَقَدَّمَ عَلَى هَذَا فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: إِذَا أَعْتَقَ الْوَارِثُ عَبْدَ التَّرِكَةِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الْوَارِثُ مُعْسِرًا، لَمْ يَنْفُذِ الْعِتْقُ، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي إِعْتَاقِ الرَّاهِنِ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: يَنْفُذُ، وَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إِلَى مَالِ الْوَارِثِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْجَانِيَ، هَذَا لَفْظُ الشَّيْخِ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْهُ أَنَّا إِذَا أَنْفَذْنَا الْعِتْقَ، نَقَلْنَا الدَّيْنَ إِلَى ذِمَّةِ الْوَارِثِ إِذَا

ص: 157

لَمْ يُخْلِفْ سِوَى الْعَبْدِ، قَالَ: وَكُنْتُ أَرَى الْأَمْرَ كَذَلِكَ، فَالدَّيْنُ لَا يَتَحَوَّلُ إِلَى ذِمَّةِ الْوَارِثِ قَطُّ، لَكِنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ مُتْلِفٌ لِلْعَبْدِ، فَعَلَيْهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الدَّيْنِ، وَقِيمَةِ الْعَبْدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا أَدَّى الْوَارِثُ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ، تَبَيَّنَ نُفُوذُ الْعِتْقِ، وَإِلَّا بِيعَ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ، وَبَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَنْفُذْ. وَلَوْ بَاعَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَفِيهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: لَا يَنْفُذُ كَالْمَرْهُونِ، وَالثَّانِي: يَنْفُذُ، وَالثَّالِثُ: مَوْقُوفٌ، كَالْعِتْقِ.

قَالَ الْإِمَامُ وَيَجِيءُ مِمَّا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلٌ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَالْجَانِي. قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنَّ الثَّمَنَ يُصْرَفُ إِلَى الْغُرَمَاءِ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ إِلَى الْوَارِثِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ، كَانَ لِلْغُرَمَاءِ تَغْرِيمُ الْمُشْتَرِي. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُمْ لَا يُطَالِبُونَ الْمُشْتَرِيَ. وَأَنَّا إِذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ، كَانَ كَالْإِعْتَاقِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلُزُومُ الْبَيْعِ بَعِيدٌ، فَإِنَّ بَيْعَ الْجَانِي وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، لَا يَلْزَمُ، مَعَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِهِ أَضْعَفُ، فَبَيْعُ الْوَارِثِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَلْزَمَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْنَعُهُ، فَالتَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ لِلْوَارِثِ بِحَالٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ نُفُوذُ الْعِتْقِ مِنَ الْوَارِثِ الْمُوسِرِ، وَمَنْعُ الْبَيْعِ.

الْفَصْلُ الثَّانِي: ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، فَلَهَا الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، سَقَطَ كُلُّ الْمَهْرِ، وَعَلَى السَّيِّدِ رَدُّهُ إِنْ كَانَ قَبَضَهُ.

إِذَا تَقَرَّرَ الْفَصْلَانِ، فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي الْحَالِ فِي فَرْعِ ابْنِ الْحَدَّادِ.

ص: 158

ثُمَّ إِنْ كَانَ الْوَارِثُ مُعْسِرًا، فَلَا خِيَارَ لَهَا ; لِأَنَّهَا لَوْ فَسَخَتْ، لَوَجَبَ رَدُّ مَهْرِهَا، وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ نُفُوذَ الْعِتْقِ مِنَ الْوَارِثِ الْمُعْسِرِ، وَإِذَا لَمْ يَعْتِقْ، فَلَا خِيَارَ، فَفِي إِثْبَاتِ الْخِيَارِ بَقِيَّةٌ وَالْمَسْأَلَةُ دَوْرِيَّةٌ، وَقَدْ سَبَقَ طَرَفٌ مِنْهَا فِي النِّكَاحِ. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ قُلْنَا: يَنْفُذُ عِتْقُهُ، فَلَهَا الْفَسْخُ، وَإِذَا فَسَخَتْ صَارَ مَهْرُهَا دَيْنًا، فَيُطَالِبُهُ بِهِ الْمُعْتِقُ إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا الْمَهْرَ لِتَفْوِيتِهِ التَّرِكَةَ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُهَا أَكْثَرَ، لَمْ يُطَالَبْ إِلَّا بِقِيمَتِهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ إِلَّا ذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: يَتَوَقَّفُ نُفُوذُ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا عِتْقَ وَلَا خِيَارَ، حَتَّى يُرَدَّ الصَّدَاقُ إِلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ دَيْنٌ مَا لَمْ يَفْسَخْ، فَكَيْفَ يَقْضِي الدَّيْنَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ.

فَرْعٌ

مَاتَ عَنِ ابْنٍ حَائِزٍ لِلتَّرِكَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَقَالَ الِابْنُ: أَعْتَقَ أَبِي فِي مَرَضِهِ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى أَحَدِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ هَذَا وَهَذَا، يَعْنِي الْأَوَّلَ وَآخَرَ مَعًا، ثُمَّ قَالَ: بَلْ أَعْتَقَ الثَّلَاثَةَ مَعًا، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: الْأَوَّلُ حُرٌّ بِكُلِّ حَالٍ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي، لِإِقْرَارِهِ الثَّانِيَ، وَيُقْرَعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَإِذَا أَقْرَعْنَا فِي الْمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ فِيهِمَا لَمْ يَعْتِقْ غَيْرُهُ، وَإِنْ خَرَجَ لِلثَّانِي فِيهِمَا، وَلِلْأَوَّلِ فِي الْأُولَى، وَلِلثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، عَتَقَا، دُونَ الثَّالِثِ،

ص: 159

وَإِنْ خَرَجَ لِلْأَوَّلِ فِي الْأُولَى، وَلِلثَّالِثِ فِي الثَّانِيَةِ عَتَقَا دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ خَرَجَ لِلثَّانِي فِي الْأُولَى، وَلِلثَّالِثِ فِي الثَّانِيَةِ، عَتَقُوا كُلُّهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُمْ مُخْتَلِفَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَوَّلِ مِائَةً، وَالثَّانِي الْمَضْمُومِ إِلَيْهِ مِائَتَيْنِ، وَالثَّالِثِ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَالْأَوَّلُ حُرٌّ بِكُلِّ حَالٍ، لِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلَ، وَهُوَ دُونَ الثَّلَاثَةِ، فَإِذَا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي، وَخَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ، عَتَقَ مِنَ الثَّانِي أَيْضًا نِصْفُهُ، وَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ لِلثَّانِي، عَتَقَ كُلُّهُ. وَإِذَا أَقْرَعْنَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِإِقْرَارِهِ الثَّالِثَ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلثَّالِثِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ، وَذَلِكَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِلثَّانِي، لَمْ يَعْتِقِ الثَّالِثُ، سَوَاءٌ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِي، أَوْ لَمْ تَخْرُجْ ; لِأَنَّهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْأَوَّلِ، فَهُوَ نِصْفُ الثُّلُثِ، فَتُعَادُ الْقُرْعَةُ لِإِكْمَالِ الثُّلُثِ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الثَّانِي، رَقَّ الثَّالِثُ، وَلَا يَعْتِقُ مِنَ الثَّانِي إِلَّا مَا عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ الْأُولَى، وَهُوَ كُلُّهُ أَوْ نِصْفُهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الثَّالِثِ، عَتَقَ ثُلُثُهُ.

وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَوَّلِ ثَلَاثَمِائَةٍ، وَالثَّانِي مِائَتَيْنِ، وَالثَّالِثُ مِائَةً، عَتَقَ مِنَ الْأَوَّلِ ثُلُثَاهُ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ، لَمْ يُرَدَّ شَيْءٌ، وَإِنْ خَرَجَ لِلثَّانِي، عَتَقَ كُلُّهُ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ خَرَجَ لِلْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي، لَمْ يُرَدَّ شَيْءٌ عَلَى مَا عَتَقَ، وَإِنْ خَرَجَ لِلثَّالِثِ، عَتَقَ كُلُّهُ.

فَرْعٌ

مَاتَ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَأَقَرَّ أَحَدُ الْبَنِينَ أَنَّ أَبَاهُ أَعَتَقَ فِي مَرَضِهِ هَذَا الْعَبْدَ، وَأَقَرَّ آخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ مَعَ هَذَا الْآخَرِ، وَأَقَرَّ الثَّالِثُ أَنَّهُ أَعَتَقَ الثَّلَاثَةَ مَعًا، عَتَقَ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ أَحَدَ الْبَنِينَ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ، فَنَفَذَ فِي حِصَّتِهِ وَهِيَ ثُلُثُهُ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَضْمُومِ إِلَيْهِ، لِإِقْرَارِ الثَّانِي، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلْأَوَّلِ، عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثٌ آخَرُ، وَهُوَ حِصَّةُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ خَرَجَ لِلثَّانِي، عَتَقَ ثُلُثُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ، عَتَقَ كُلُّهُ. وَإِذَا حَكَمْنَا بِعِتْقِ بَعْضِ

ص: 160

عَبْدٍ، فَلَا سِرَايَةَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَاشِرُوا الْإِعْتَاقَ، وَلَا أَقَرُّوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَمَنْ أَعْتَقْنَا بَعْضَهُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْبَنِينَ إِذَا وَقَعَ الْقِسْمَةُ فِي نَصِيبِ ذَلِكَ الْمُقِرِّ، أَوْ صَارَ لَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، حُكِمَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ، لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ.

فَرْعٌ

شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَقَالَ الْوَارِثُ: أَوْصَى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ، فَإِنْ لَمْ يُكَذِّبِ الْوَارِثُ الشَّاهِدَيْنِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ هَذَا، عَتَقَ الْأَوَّلُ بِمُوجَبِ الْبَيِّنَةِ، وَأُقْرِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي، لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلْأَوَّلِ، لَمْ يَعْتِقِ الثَّانِي، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّانِي، عَتَقَ، وَلَمْ يَرِقَّ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْعِتْقَ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَارِثُ مِنْ إِبْطَالِهِ بِالْإِقْرَارِ، وَقَدْ تُعْمَلُ الْقُرْعَةُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كَمَا سَبَقَ. وَإِنْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ أَعْتَقَ الثَّانِيَ، وَكَذَّبَ الشُّهُودَ فِي الْأَوَّلِ، عَتَقَا جَمِيعًا، الْأَوَّلُ بِالشَّهَادَةِ، وَالثَّانِي بِالْإِقْرَارِ.

وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ بِأَنَّهُ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ هُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَشَهِدَ وَارِثَانِ بِأَنَّهُ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ آخَرَ، فَإِنْ كَذَّبَ الْوَارِثَانِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، عَتَقَا عِتْقًا، وَإِلَّا أُقْرِعَ كَمَا سَبَقَ.

ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ فِي أَيْدِيهِمْ أَمَةٌ وَوَلَدُهَا، وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ، قَالَ أَحَدُهُمْ: هِيَ أُمُّ وَلَدِي، وَهُوَ وَلَدِي مِنْهَا، وَقَالَ الثَّانِي: هِيَ أُمُّ وَلَدِ أَبِينَا، وَالْوَلَدُ أَخُونَا، وَقَالَ الثَّالِثُ: هِيَ أَمَتِي، وَوَلَدُهَا عَبْدِي، فَالْكَلَامُ فِي أَحْكَامِ الْأَوَّلِ نَسَبُ الْوَلَدِ، فَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَبِيهِمْ. وَأَمَّا ثُبُوتُهُ

ص: 161

مِنَ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ مَنِ اسْتَلْحَقَ عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ، لَحِقَهُ، ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا، عَلَى الْأَصَحِّ. الثَّانِي: الْقَائِلُ هِيَ أُمُّ وَلَدِ أَبِينَا، لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى الْآخَرَيْنِ، فَلَا يُحَلِّفُهُمَا، لَكِنْ إِنِ ادَّعَتِ الْأَمَةُ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا عَتَقَتْ لِمَوْتِ الْأَبِ، حَلَّفَهُمَا أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ الْأَبَ أَوْلَدَهَا، وَأَمَّا الْآخَرَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، هَذَا يَقُولُ: هِيَ مُسْتَوْلَدَتِي، وَذَلِكَ يَقُولُ: مِلْكِي، فَيُحَلِّفُ كُلُّ وَاحِدٍ الْآخَرَ عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ فِي الثُّلُثِ الَّذِي فِي يَدِهِ.

الثَّالِثُ: الْقَائِلُ: هِيَ أُمُّ وَلَدِ أَبِينَا، لَا غُرْمَ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَلَا عَلَيْهِ، وَالَّذِي يَدَّعِي الِاسْتِيلَادَ يَلْزَمُهُ الْغُرْمُ لِلَّذِي يَدَّعِي الْمِلْكَ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مِنَ الْأَمَةِ وَالْوَلَدِ، هَكَذَا عَلَّلُوهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الصُّورَةُ فِيمَا إِذَا سَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ لِمُدَّعِي الرِّقِّ مِنْهَا نَصِيبٌ بِالْإِرْثِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ: مُسْتَوْلَدَتِي كَوْنُهَا مُشْتَرَكَةً مِنْ قَبْلُ. وَكَمْ يَغْرَمُ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي يَدِ مَنْ هِيَ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَدَ عَلَيْهَا لِلْقَائِلِ: مُسْتَوْلَدَةُ أَبِينَا ; لِأَنَّهَا حُرَّةٌ بِزَعْمِهِ، فَتَكُونُ فِي يَدِ الْآخَرَيْنِ. وَأَصَحُّهُمَا فِي يَدِ الثَّلَاثَةِ حُكْمًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ لِمُدَّعِي الرِّقِّ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَقِيمَةُ الْوَلَدِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ ثُلُثُ قِيمَتِهِمَا، وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ الْحَدَّادِ.

الرَّابِعُ: الْوَلَدُ حُرٌّ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: مُسْتَوْلَدَةُ الْأَبِ، وَمَنْ يَقُولُ: مُسْتَوْلَدَتِي، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُ مُدَّعِي الرِّقِّ وَنَصِيبُهُ مِنَ الْجَارِيَةِ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ.

ص: 162

فَرْعٌ

قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يَغِبْ وَعَبْدٍ ثَالِثٍ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلَّذِي غَابَ، عَتَقَ، وَتُعَادُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ، عَتَقَ أَيْضًا. وَإِنْ خَرَجَتْ أَوَّلًا لِلَّذِي لَمْ يَغِبْ، عَتَقَ، وَلَا تُعَادُ ; لِأَنَّ تَعْيِينَ الْقُرْعَةِ كَتَعْيِينِ الْمَالِكِ، وَلَوْ عَيَّنَ الَّذِي لَمْ يَغِبْ لِلْعِتْقِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ وَلِلْآخَرِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، كَانَ صَادِقًا، وَلَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ عِتْقَ الْآخَرِ. وَقَالَ الْمَاسَرْجِسِيُّ: إِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلَّذِي لَمْ يَغِبْ، تُعَادُ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: الثَّانِي الَّذِي حَضَرَ آخِرًا، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ الثَّانِيَةُ لِلَّذِي لَمْ يَغِبْ أَيْضًا، لَمْ يَعْتِقْ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْآخَرِ، عَتَقَ أَيْضًا، وَمَالَ الْإِمَامُ إِلَى هَذَا، وَرَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْأَوَّلَ.

فَرْعٌ

لَهُ أَرْبَعُ إِمَاءٍ، فَقَالَ: كُلَّمَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ، فَوَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ حُرَّةٌ، ثُمَّ وَطِئَ إِحْدَاهُنَّ، عَتَقَتْ إِحْدَاهُنَّ. وَهَلْ تَدْخُلُ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ؟ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي أَنَّ الْوَطْءَ هَلْ يَكُونُ تَعْيِينًا لِلْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ وَالْعِتْقِ فِي غَيْرِهَا؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ ابْنُ الْحَدَّادِ، فَأَوَّلُ الْوَطْءِ لَا يَتَضَمَّنُ التَّعْيِينَ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِهِ، وَمَا لَمْ

ص: 163

يُوجَدْ، لَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ. فَلَوْ نَزَعَ بِمُجَرَّدِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ، دَخَلَتِ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ، وَإِنِ اسْتَدَامَ، فَهَلْ تَتَضَمَّنُ الِاسْتِدَامَةُ التَّعْيِينَ وَإِخْرَاجَ الْمَوْطُوءَةِ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ: نَعَمْ، فَيُقْرَعُ بَيْنَ الثَّلَاثِ الْبَوَاقِي، وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لَا ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ وَاحِدٌ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِالِاسْتِدَامَةِ عِتْقٌ آخَرُ فَيُقْرَعُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا كَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَوَطِئَ وَنَزَعَ فِي الْحَالِ، لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ، وَإِنِ اسْتَدَامَ، فَوَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ.

وَإِنْ وَطِئَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ، وَاسْتَدَامَ، عَتَقَ بِكُلِّ وَطْءٍ أَمَةً، فَإِنْ جَعْلَنَا الْوَطْءَ تَعْيِينًا، وَالِاسْتِدَامَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّعْيِينِ، عَتَقَتِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ بِلَا قُرْعَةٍ، وَرَقَّتِ الثَّالِثَةُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ الْأُولَى فَبِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ ثَبَتَ عِتْقُ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا اسْتَدَامَ، خَرَجَتْ هِيَ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ، لِتَعَيُّنِهَا لِلْمِلْكِ، وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ تَعَيَّنَتَا لِلْمِلْكِ بِوَطْئِهِمَا فَتَعَيَّنَتِ الرَّابِعَةُ لِلْعِتْقِ، وَبِوَطْءِ الثَّانِيَةِ ثَبَتَ حَقُّ الْعِتْقِ لَهَا ; لِأَنَّ الرَّابِعَةَ عُلِّقَتْ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا اسْتَدَامَ خَرَجَتْ هِيَ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ وَخَرَجَتِ الثَّالِثَةُ أَيْضًا بِوَطْئِهَا، فَتَعَيَّنَتِ الْأُولَى لِلْعِتْقِ فَإِذَا وَطِئَ الثَّالِثَةَ، لَمْ تَبْقَ إِلَّا هِيَ وَالثَّانِيَةُ، وَاسْتِدَامَةُ الْوَطْءِ فِيهَا إِمْسَاكٌ، فَيُعَيَّنُ الْعِتْقُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ جَعْلَنَا الْوَطْءَ تَعْيِينًا، وَلَمْ نَجْعَلِ الِاسْتِدَامَةَ تَعْيِينًا، أُقْرِعَ بَيْنَ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ ; لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بِوَطْئِهِمَا لِلْمِلْكِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلرَّابِعَةِ، عَتَقَتْ، بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ يَسْتَحِقُّ عِتْقٌ آخَرُ، لَكِنْ لَا حَظَّ فِيهِ لِلرَّابِعَةِ ; لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَلَا لِلثَّالِثَةِ ; لِأَنَّهُ أَمْسَكَهَا بِالْوَطْءِ، فَهُوَ إِذًا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ

ص: 164

الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، عَتَقَتْ، وَبِوَطْءِ الثَّالِثَةِ يَسْتَحِقُّ عِتْقٌ آخَرُ، وَلَا حَظَّ فِيهِ لِلرَّابِعَةِ، وَلَا لِمَنْ عَتَقَ مِنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَإِنْ عَتَقَتِ الْأُولَى، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَإِنْ عَتَقَتِ الثَّانِيَةُ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، وَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ الْأُولَى لِلْأُولَى دُونَ الرَّابِعَةِ، عَتَقَتْ، وَبِوَطْءِ الثَّانِيَةِ يَتَرَدَّدُ الْعِتْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ ; لِأَنَّ الْأَوْلَى عَتَقَتْ، وَالثَّالِثَةَ تَعَيَّنَتْ بِالْوَطْءِ لِلْإِمْسَاكِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، عَتَقَتْ، وَبِوَطْءِ الثَّالِثَةِ يَسْتَحِقُّ عِتْقٌ آخَرُ لَا حَظَّ فِيهِ لِلْأُولَى، وَلَا لِمَنْ عَتَقَتْ وَالثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ، فَإِنْ عَتَقَتِ الثَّانِيَةُ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَإِنْ عَتَقَتِ الرَّابِعَةُ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَإِذَا قُلْنَا: الْوَطْءُ لَيْسَ بِتَعْيِينٍ، أَقْرَعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لِاسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ لِثَلَاثٍ مِنْهُنَّ، يُقْرَعُ بِوَطْءِ الْأُولَى بَيْنَ الْأَرْبَعِ بِسَهْمِ عِتْقٍ وَثَلَاثَةِ أَسْهُمِ رِقٍّ، فَإِنْ خَرَجَتِ الرَّابِعَةُ، عَتَقَتْ، وَلَا مَهْرَ لَهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ خَرَجَتِ الْأُولَى، عَتَقَتْ، وَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ؟ يُبْنَى عَلَى أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوَطْءِ هَلْ يُوجِبُ مَهْرًا؟ وَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، عَتَقَتْ، وَلَهَا الْمَهْرُ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ حُصُولِ عِتْقِهَا، ثُمَّ يُقْرَعُ لِوَطْءِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الثَّلَاثِ الْبَوَاقِي بِسَهْمِ عِتْقٍ، وَسَهْمَيْ رِقٍّ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِلرَّابِعَةِ، فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّانِيَةِ، فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا الْمَهْرَ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ خَرَجَتِ الثَّالِثَةُ، اسْتَحَقَّتْ، وَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ الْحُرِّيَّةُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ، أَقْرَعْنَا لِوَطْءِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلْأُولَى، فَلَا مَهْرَ لَهَا بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّ عِتْقَهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ وَطْئِهَا، وَإِنْ خَرَجَ لِلرَّابِعَةِ، فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا.

ص: 165

وَإِنْ خَرَجَ لِلثَّالِثَةِ، فَلَهَا الْمَهْرُ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ وَطْئِهَا، ثُمَّ يُقْرَعُ لِوَطْءِ الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْبَاقِيَيْنِ بِسَهْمِ عِتْقٍ، وَسَهْمِ رِقٍّ، فَإِنْ بَقِيَتِ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ، فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلثَّالِثَةِ، فَهَلْ لَهَا الْمَهْرُ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ بَقِيَتِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، فَلَا مَهْرَ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ مِنْهُمَا، لِتَقَدُّمِ وَطْئِهَا عَلَى عِتْقِهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً بِثَلَاثَةِ أَسْهُمِ عِتْقٍ، وَسَهْمِ رِقٍّ، فَتُعْتَقُ ثَلَاثٌ، وَتَرِقُّ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَعْرِفَةِ الرِّقِّ وَالْعِتْقِ، وَلَكِنْ لَا يُصْرَفُ بِهِ الْمَهْرُ - وَمَوْضِعِ الْخِلَافِ فِيهِ وَالْوِفَاقِ.

وَلَوْ وَطِئَ الْأَرْبَعَ، عَتَقْنَ كُلُّهُنَّ، وَنَحْتَاجُ لِلْمَهْرِ إِلَى الْإِقْرَاعِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَيْنَ الْأَرْبَعِ مَرَّةً بِسَهْمِ عِتْقٍ، وَثَلَاثَةِ أَسْهُمِ رِقٍّ، ثُمَّ مَرَّةً بَيْنَ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ بِسَهْمِ عِتْقٍ، وَسَهْمَيْ رِقٍّ، ثُمَّ مَرَّةً بَيْنَ الْبَاقِيَتَيْنِ بِسَهْمِ عِتْقٍ، وَسَهْمِ رِقٍّ، وَاسْتِيعَابُ الِاحْتِمَالَاتِ يَطُولُ. وَضَابِطُهُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُلِّ قُرْعَةٍ، فَمَنْ بَانَ أَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ وَطْئِهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ، وَفِيمَنْ عَتَقَتْ بِوَطْئِهَا الْوَجْهَانِ.

أَمَّا إِذَا قَالَ: كُلَّمَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ، فَوَاحِدَةٌ مِنْ صَوَاحِبِهَا حُرَّةٌ وَوَطِئَهُنَّ، فَإِنْ قُلْنَا: الْوَطْءُ يُعَيِّنُ الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ، عَتَقَتِ الرَّابِعَةُ بِوَطْءِ الْأُولَى، وَالْأُولَى بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ بِوَطْءِ الثَّالِثَةِ، وَرَقَّتِ الثَّالِثَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعَيِّنُ، عَتَقَ ثَلَاثٌ، وَرَقَّتْ وَاحِدَةٌ، فَيُقْرَعُ لَوَطْءِ الْأُولَى بَيْنَ الثَّلَاثِ الْبَوَاقِي، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِلثَّانِيَةِ، عَتَقَتْ، ثُمَّ يُقْرَعُ لِوَطْءِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْأُولَى أَوْ لِلرَّابِعَةِ، عَتَقَتْ. وَإِذَا وَطِئَ الثَّالِثَةَ، عَتَقَتِ الْبَاقِيَةُ مِنَ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْأُولَى أَوِ الرَّابِعَةُ، وَإِنْ خَرَجَتِ الثَّانِيَةُ لِلثَّالِثَةِ، عَتَقَتْ. فَإِذَا وَطِئَ الثَّالِثَةَ، عَتَقَتِ الْبَاقِيَةُ مِنْهُنَّ

ص: 166

وَهِيَ الْأُولَى أَوِ الرَّابِعَةُ، وَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ الثَّانِيَةُ لِلثَّالِثَةِ، عَتَقَتْ، فَإِذَا وَطِئَ الثَّالِثَةَ، أُقْرِعَ بَيْنَ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ، فَلَا يَجِبُ لِمَنْ عَتَقَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَيَجِبُ لِمَنْ بَانَ عِتْقُهَا قَبْلَهُ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَعْتِقُ الْمَوْطُوءَةُ بِوَطْئِهَا بِحَالٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَاعَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّورَةِ فِيمَا إِذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَأَمَّا فِي حَيَاتِهِ، فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ.

فَرْعٌ

لَهُ أَرْبَعُ إِمَاءٍ وَعَبِيدٌ، فَقَالَ: كُلَّمَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ، فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَكُلَّمَا وَطِئْتُ اثْنَتَيْنِ، فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وَكُلَّمَا وَطِئْتُ ثَلَاثًا، فَثَلَاثَةٌ، وَكُلَّمَا وَطِئْتُ أَرْبَعًا، فَأَرْبَعَةٌ، فَوَطِئَ الْأَرْبَعَةَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ امْرَأَةً فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، إِلَى آخِرِ التَّصْوِيرِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعْتِقُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا.

فَرْعٌ

اشْتَرَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ قَدْرَ الثُّلُثِ، بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَتَيْنِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَإِنْ لَمْ يُوَفِّرِ الثَّمَنَ نَفَذَ الْعِتْقُ، وَبَطَلَتِ الْمُحَابَاةُ ; لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ كَالْهِبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا الْقَبْضُ حَتَّى جَاءَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، وَهُوَ الْعِتْقُ، بَطَلَتْ، وَيُمْضَى الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَقْنَعَ بِهِ. وَإِنْ وَفَّرَ الثَّمَنَ، نَفَذَتِ الْمُحَابَاةُ، وَبَطَلَ الْعِتْقُ ; لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ، اسْتَغْرَقَتِ الثُّلُثَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا غَلَطٌ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمُحَابَاةِ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَ أَوْ لَا يَقْبِضَ ; لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْمُعَارَضَةِ، وَالْمُعَارَضَةُ

ص: 167

تَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَلَهَا لَوْ حَابَى الْمَرِيضَ وَلَمْ يَقْبِضْ، ثُمَّ أَرَادَ إِبْطَالَهَا، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَالْجَوَابُ نُفُوذُ الْمُحَابَاةِ، وَبُطْلَانُ الْعِتْقِ، لِتَقَدُّمِهَا، قَالُوا: وَقَوْلُهُ: يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يَقْنَعَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، غَلَطٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ إِلَّا بِالزِّيَادَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُنَفِّذَ الْبَيْعَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَيُنَفِّذَ الْعِتْقَ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَهُ وَيَبْطُلَ الْعِتْقُ.

فَرْعٌ

جَارِيَةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ حَامِلٌ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، عَتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنَ الْحَمْلِ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ وَضَعَتْهُ لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، وَهُوَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ حُرٌّ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالسِّرَايَةِ، وَعَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي غِرَّةٌ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ ; لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، وَعَلَى الْمُعْتِقِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلشَّرِيكِ. هَكَذَا أَطْلَقَ ابْنُ الْحَدَّادِ، فَقَالَ الْقَفَّالُ: إِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُعْتِقَ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى قِيمَةِ الْغِرَّةِ، فَإِنْ زَادَ، لَمْ يَلْزَمْ إِلَّا نِصْفُ قِيمَةِ الْغِرَّةِ، وَرَأَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْأَخْذَ بِالْإِطْلَاقِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ بَالِغًا مَا بَلَغَ ; لِأَنَّ انْفِصَالَهُ مَضْمُونًا كَانْفِصَالِهِ حَيًّا ; لِأَنَّ الْغِرَّةَ تُصْرَفُ إِلَى الْوَارِثِ وَقَدْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُعْتِقُ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ رِعَايَةُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْغُرْمَيْنِ، أَنْ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ لِلْمُعْتِقِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابٌ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ

ص: 168

قُلْنَا: يَحْصُلُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَمْلَ، وَقُوِّمَ وَوَصَلَ نِصْفُ الْقِيمَةِ إِلَى الشَّرِيكِ، فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ الْبَاقِي.

وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ، فَنِصْفُهُ حُرٌّ، وَهَلْ يُقَوَّمُ الْبَاقِي عَلَى الْمُعْتِقِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ وُصُولِ الْقِيمَةِ إِلَى الشَّرِيكِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ التَّقْوِيمُ، فَنِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي نِصْفُ غِرَّةٍ. وَإِلَى مَنْ تُصْرَفُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، هَلْ يُوَرَّثُ، وَيَجِبُ لِلنِّصْفِ الْمَمْلُوكِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ، وَهَلْ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ بَدَلَ الرَّقِيقِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.

فَرْعٌ

خَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ عَتَقَ فِي مَرَضِهِ هَذَيْنِ، فَأَشَارَ الْوَارِثُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَأَعْتَقَهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ، فَلَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إِبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ مِنَ الْعِتْقِ، لَكِنْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِمَنْ عَيَّنَهُ الْوَارِثُ، عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ، وَإِنْ خَرَجَ لِلْآخَرِ، عَتَقَ بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا الشَّهَادَةُ، وَيَعْتِقُ الْآخَرُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ. وَإِنْ قَالَ الْوَارِثُ: أَعْتَقَ مُوَرِّثِي هَذَا، وَلَا أَعْلَمُ حَالَ الْآخَرِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، عَتَقَ، دُونَ الْآخَرِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ الثَّلَاثَةَ دُفْعَةً وَقَالَ الْوَارِثُ: أَعْتَقَ هَذَيْنِ دُونَ ذَاكَ، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: يُقْرَعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ لِلَّذِي أَنْكَرَهُ الْوَارِثُ، عَتَقَ، وَتُعَادُ الْقُرْعَةُ لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ وَإِنْ خَرَجَتْ

ص: 169

أَوَّلًا لِأَحَدِ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَقَرَّ بِإِعْتَاقِهِمَا، عَتَقَ، وَرَقَّ الْآخَرَانِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْخَصِيصَةُ الْخَامِسَةُ: الْوَلَاءُ، وَفِيهِ طَرَفَانِ.

الْأَوَّلُ: فِي سَبَبِهِ، وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ رَقِيقٍ بِالْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا تَنْجِيزًا، أَوْ بِصِفَةٍ، أَوْ دَبَّرَهُ، أَوِ اسْتَوْلَدَهَا، فَعَتَقَا بِمَوْتِهِ، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، أَوِ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا، أَوِ الْتَمَسَ مِنْ مَالِكِ عَبْدٍ عِتْقَهُ عَلَى مَالٍ، فَأَجَابَهُ، أَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مُشْتَرَكٍ، وَسَرَى، أَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ.

وَلَوْ بَاعَ عَبْدَ نَفْسِهِ، فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ دَيْنُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ. فَلَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا أَوْ عَكْسُهُ، ثَبَتَ الْوَلَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا، كَمَا تَثْبُتُ عَلَقَةُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ الْوَلَاءُ مُخْتَصٌّ بِالْإِعْتَاقِ، فَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ إِنْسَانٌ فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَقَعَ الْعِتْقُ عَنِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَلَهُ الْوَلَاءُ دُونَ الْمُعْتِقِ. وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا يُوَرَّثُ، لَكِنْ يُوَرَّثُ بِهِ.

وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ سَائِبَةً، لَغَا الشَّرْطُ، وَثَبَتَ الْوَلَاءُ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنَّ وَلَاءَهُ لِفُلَانٍ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ، لَغَا، وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنْهُ، كَمَا لَا يَنْتَقِلُ النَّسَبُ، وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْمُوَالَاةِ وَالْحِلْفِ، كَمَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِذَلِكَ، وَكَمَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُعْتَقِ، يَثْبُتُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَحْفَادِهِ، وَعَلَى عَتِيقِهِ وَعَتِيقِ عَتِيقِهِ، وَكَمَا يَثْبُتُ لِلْمُعْتِقِ يَثْبُتُ لِمُعْتِقِ الْأَبِ وَسَائِرِ الْأُصُولِ، وَلِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَكَمَا يَثْبُتُ عَلَى وَلَدِهِ الْعَتِيقِ، يَثْبُتُ عَلَى وَلَدِ الْعَتِيقَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنِ اسْتِرْسَالِ الْوَلَاءِ عَلَى أَوْلَادِ

ص: 170

الْعَتِيقِ وَأَحْفَادِهِ مَوْضِعَانِ: أَحَدُهُمَا: إِذَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ مَسَّهُ رِقٌّ وَأُعْتِقَ، فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَلِعَصَبَاتِ مُعْتِقِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا، فَالْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِ الْأُصُولِ بِحَالٍ، فَإِنَّهُ أُعْتِقَ مُبَاشَرَةً، وَوَلَاءُ الْمُبَاشَرَةِ أَقْوَى. وَصُورَتُهُمْ أَنْ تَلِدَ رَقِيقَةٌ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقٍ أَوْ حُرٍّ، وَأُعْتِقَ الْوَلَدُ وَأَبَوَاهُ أَوْ أُمُّهُ.

الثَّانِي: مَنْ أَبُوهُ حُرٌّ أَصْلِيٌّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَأُمُّهُ مُعْتَقَةٌ، هَلْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. الصَّحِيحُ: لَا، وَالثَّانِي: نَعَمْ، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْأَبِ مُتَيَقَّنَةً، بِأَنْ كَانَ عَرَبِيًّا مَعْلُومَ النَّسَبِ، فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى ظَاهِرِ الدَّارِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ، فَنَعَمْ، لِضَعْفِ حُرِّيَّةِ الْأَبِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا، وَالْأُمُّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً، فَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لِمَوَالِي الْأَبِ ; لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ كَعَكْسِهِ. وَمَنْ لَهُ أُمُّهُ حُرَّةٌ أُصْلِيَّةٌ وَأَبُوهُ رَقِيقٌ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ، فَهَلْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ لِمَوَالِي الْأَبِ؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: فِيهِ جَوَابَانِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ شَيْخِي فِي وَقْتَيْنِ، وَهُمَا مُحْتَمَلَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِثُبُوتِهِ عَلَى الْأَبِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ أَوَّلًا لِرِقِّهِ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ ابْتِدَاءً، فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ.

فَرْعٌ

مَنْ مَسَّهُ رِقٌّ وَعِتْقٌ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَسَائِرِ أُصُولِهِ كَمَا سَبَقَ، سَوَاءٌ وُجِدُوا فِي الْحَالِ أَمْ لَا، فَالْمُبَاشِرُ إِعْتَاقُهُ وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَأَبَوَاهُ عَتِيقَيْنِ، أَوْ أَبُوهُ عَتِيقٌ، فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا، وَالْأُمُّ مُعْتَقَةً، فَالْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهَا، فَإِنْ مَاتَ وَالْأَبُ رَقِيقٌ بَعْدُ، وَرِثَهُ مُعْتِقُ الْأُمِّ، وَإِنْ أُعَتِقَ الْأَبُ فِي حَيَاةِ

ص: 171

الْوَلَدِ؛ انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوْلَى الْأُمِّ إِلَى مَوْلَى الْأَبِ. وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا، وَعَتَقَ الْجَدُّ، انْجَرَّ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إِلَى مَوَالِي الْجَدِّ وَلَوْ عَتَقَ الْجَدُّ، وَالْأَبُ رَقِيقٌ، فَفِي انْجِرَارِهِ إِلَى مَوْلَى الْجَدِّ - وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَنْجَرُّ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، انْجَرَّ مِنْ مَوْلَى الْجَدِّ إِلَى مَوْلَى الْأَبِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْجَرُّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْأَبُ بَعْدَ عِتْقِ الْجَدِّ، فَفِي انْجِرَارِهِ إِلَى مَوَالِي الْجَدِّ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ: لَا يَنْجَرُّ، وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ بِالِانْجِرَارِ.

قُلْتُ: الِانْجِرَارُ أَقْوَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِرِقِّ الْأَبِ، فَاشْتَرَى الْوَلَدُ أَبَاهُ، ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ، وَعَلَى إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَادُ الْأَبِ، وَهَلْ يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَى الْأُمِّ؟ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: لَا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَاءٌ، وَلِهَذَا لَوِ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ، عَتَقَ وَكَانَ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِبَائِعِهِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إِذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَرُّ، بَقِيَ الْوَلَاءُ مَوْضِعَهُ. وَالثَّانِي: يَنْجَرُّ، وَيَسْقُطُ، وَيَصِيرُ كَحُرٍّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ خُلِقَ إِنْسَانٌ حُرٌّ مِنْ حُرَّيْنِ، وَكَانَ فِي أَحَدِ أَجْدَادِهِ رَقِيقٌ. وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْغُرُورِ، وَفِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ إِذَا أُعْتِقَتْ أُمُّ أُمِّهِ، ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِ أُمِّ الْأُمِّ، فَإِذَا أُعْتِقَ أَبُو أُمِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ، انْجَرَّ الْوَلَاءُ إِلَى مَوْلَاهُ، فَإِذَا أُعْتِقَتْ أُمُّ الْأَبِ بَعْدَ ذَلِكَ، انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوْلَى أَبِي الْأُمِّ إِلَى مَوْلَى أُمِّ الْأَبِ، فَإِذَا أُعْتِقَ أَبُو أَبِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، انْجَرَّ إِلَى مَوْلَاهُ. وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَكِنْ أَبَوْهُ رَقِيقٌ،

ص: 172

فَأُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَ عِتْقِ هَؤُلَاءِ، انْجَرَّ إِلَى مَوْلَاهُ، وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَدَلِيلُهُ أَنَّ جِهَةَ الْأُبُوَّةِ أَقْوَى، وَحَيْثُ أَثْبَتْنَا الْوَلَاءَ لِمَوْلَى الْأُمِّ، فَمَاتَ الْوَلَدُ، أَخَذَ مِيرَاثَهُ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مَوْلَاهُ، بَلِ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ مَعْنَى الِانْجِرَارِ أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لَمْ يَزَلْ فِي جَانِبِ الْأَبِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ مِنْ وَقْتِ عِتْقِ الْأَبِ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ، وَإِذَا انْجَرَّ إِلَى مَوَالِي الْأَبِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، لَمْ يَعُدْ إِلَى مَوَالِي الْأُمِّ، بَلْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا إِذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأَبِ فَهَلَكُوا، لَمْ يَصِرْ لِمَوَالِي الْجَدِّ، حَتَّى لَوْ مَاتَ مَنِ انْتَقَلَ وَلَاؤُهُ مِنْ مَوَالِي أَبِيهِ إِلَى مَوَالِي جَدِّهِ حِينَئِذٍ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ.

فَرْعٌ

أَعْتَقَ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ بِعَتِيقٍ، فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ، لَا لِمُعْتِقِ الْأَبِ، لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وَجُودَهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، فَمُعْتِقُهُ بَاشَرَ إِعْتَاقَهُ بِإِعْتَاقِهَا، وَوَلَاءُ الْمُبَاشَرَةِ مُقَدَّمٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَفْتَرِشُهَا، فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأَبِ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ وُجُودَهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالِافْتِرَاشُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِلْحُدُوثِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَفْتَرِشُهَا، وَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ مِنَ الْإِعْتَاقِ، فَذَلِكَ. وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لِمُعْتِقِ الْأُمِّ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُزَوَّجَةَ بِرَقِيقٍ، فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْإِعْتَاقِ، فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ الْأَبَ، لَمْ يَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إِلَى مُعْتِقِ الْأَبِ مِنْ مُعْتِقِ الْأُمِّ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مُبَاشَرَةً. وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ لَمْ يُفَارِقْهَا الزَّوْجُ،

ص: 173

فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ، فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ، انْجَرَّ إِلَى مَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ فَارَقَهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْفِرَاقِ، فَالْوَلَدُ مَنْفِيٌّ عَنِ الزَّوْجِ، وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ أَبَدًا، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، لَحِقَ الزَّوْجَ، وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ، فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ، فَفِي الِانْجِرَارِ إِلَى مَوْلَاهُ قَوْلَانِ.

وَلَوْ نَفَى الزَّوْجُ الْمُعْتَقُ وَلَدَ زَوْجَتِهِ الْمُعْتَقَةِ بِلِعَانٍ، فَالْوَلَاءُ فِي الظَّاهِرِ لِمَوْلَى الْأُمِّ، فَإِنْ كَذَّبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ، لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَوْلَاهُ. فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ مَاتَ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَدَفَعْنَا الْمِيرَاثَ إِلَى مَوْلَى الْأُمِّ، اسْتَرْدَدْنَاهُ مِنْهُ بَعْدَ الِاسْتِلْحَاقِ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَاءٌ. وَلَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ فَنَكَحَهَا وَأَوْلَدَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا حُرَّةٌ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةٌ، فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا آخَرَ، فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ حُرٌّ، وَالثَّانِي رَقِيقٌ. فَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ، وَالْوَلَدَ الثَّانِيَ، ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ، انْجَرَّ وَلَاءُ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ إِلَى مُعْتِقِ الْأَبِ، وَلَمْ يَنْجَرَّ إِلَيْهِ وَلَاءُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ عَتَقَ بِالْمُبَاشَرَةِ. وَلَوْ نَكَحَهَا عَالِمًا بِأَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَوْلَدَهَا، ثُمَّ عَتَقَتْ، وَأَوْلَدَهَا وَلَدًا آخَرَ، فَالثَّانِي حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِ الْأَبِ، وَالْأَوَّلُ مَمْلُوكٌ، وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ.

الطَّرَفُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ وَهُوَ إِحْدَى جِهَاتِ الْعُصُوبَةِ، وَمَنْ يَرِثُ بِهِ، لَا يَرِثُ إِلَّا بِالْعُصُوبَةِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: الْإِرْثُ، وَوِلَايَةُ التَّزْوِيجِ، وَتَحَمُّلُ الدِّيَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا.

قُلْتُ: وَرَابِعٌ، وَهُوَ التَّقَدُّمُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَإِذَا مَاتَ الْعَتِيقُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَا نِكَاحٍ، وَرِثَ مُعْتِقُهُ جَمِيعَ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَخَذَهُ الْمُعْتِقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُعْتِقُ

ص: 174

حَيًّا، وَرِثَ بِوِلَايَةِ أَقْرَبِ عَصَبَاتِهِ، وَلَا يَرِثُ أَصْحَابَ فُرُوضِهِ، وَلَا مَنْ يَتَعَصَّبُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ لِلْمُعْتِقِ عَصَبَةً بِالنَّسَبِ، فَالْمِيرَاثُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْهُ، فَلِعَصَبَاتِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْهُمْ، فَلِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِمُعْتِقِ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ إِلَّا لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ. وَلِلْأَصْحَابِ عِبَارَةٌ ضَابِطَةٌ لِمَنْ يَرِثُ بِوَلَاءِ الْمُعْتِقِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُعْتِقُ حَيًّا، قَالُوا: هُوَ ذَكَرٌ يَكُونُ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ بِصِفَةِ الْعَتِيقِ. وَخَرَّجُوا عَلَيْهَا مَسَائِلَ:

مِنْهَا: إِذَا مَاتَ الْعَتِيقُ، وَلِلْمُعْتِقِ ابْنٌ وَبِنْتٌ، أَوْ أَبٌ وَأُمٌّ، أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ، فَالْمِيرَاثُ لِلذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى، وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ بِوَلَاءِ الْغَيْرِ أَصْلًا، لَكِنْ إِنْ بَاشَرَتِ الْمَرْأَةُ إِعْتَاقًا، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهَا مَمْلُوكٌ، فَلَهَا عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، كَمَا لِلرَّجُلِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» كَمَا يَثْبُتُ لَهَا الْوَلَاءُ عَلَى عَتِيقِهَا يَثْبُتُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَحْفَادِهِ وَعَتِيقِهِ كَالرَّجُلِ.

وَمِنْهَا: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا، وَمَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ، فَوَلَاءُ الْعَتِيقِ لَهُمَا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا، فَوَلَاءُ الْعَتِيقِ لِابْنِ الْمُعْتِقِ، دُونَ ابْنِ ابْنِهِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَنَحْوُهَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما: أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكُبَرِ، بِضَمِّ الْكَافِ، أَيِ الْكَبِيرِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ، دُونَ السِّنِّ. وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنِ ابْنٍ، وَآخَرُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْآخَرُ عَنْ خَمْسَةٍ، فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْعَشَرَةِ بِالسَّوِيَّةِ، فَإِذَا مَاتَ الْعَتِيقُ، وَرِثُوهُ أَعْشَارًا ; لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ يَوْمَئِذٍ وَرِثُوهُ كَذَلِكَ. وَلَوْ

ص: 175

أَعْتَقَ عَبْدًا، وَمَاتَ عَنْ أَخٍ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأَخٍ مِنْ أَبٍ، فَوَلَاءُ عَتِيقِهِ لِلْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا سَبَقَ. فَلَوْ مَاتَ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَخَلَّفَ ابْنًا، وَالْأَخَ الْآخَرَ، فَوَلَاءُ الْعَتِيقِ لِلْأَخِ ; لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لَوْ مَاتَ الْآنَ كَانَ عَصَبَةُ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ، دُونَ ابْنِ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ.

وَمِنْهَا: أَعْتَقَ مُسْلِمٌ عَبْدًا كَافِرًا، وَمَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ: مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ، فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ الْكَافِرِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يَرِثُ الْمُعْتِقَ بِصِفَةِ الْكُفْرِ. وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَتِيقُ، ثُمَّ مَاتَ، فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ الْمُسْلِمِ. وَلَوْ أَسْلَمَ الِابْنُ الْكَافِرُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ مُسْلِمًا، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا.

فَرْعٌ

الَّذِينَ يَرِثُونَ بِوَلَاءِ الْمُعْتَقِ مِنْ عَصَبَاتِهِ، يَتَرَتَّبُونَ تَرَتُّبَ عَصَبَاتِ النَّسَبِ، إِلَّا فِي مَسَائِلَ سَبَقَتْ فِي الْفَرَائِضِ. مِنْهَا: أَخُ الْمُعْتِقِ وَجَدُّهُ، إِذَا اجْتَمَعَا هَلْ يَتَسَاوَيَانِ كَالْإِرْثِ، أَمْ يُقَدَّمُ الْأَخُ؟ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ أَيْضًا، وَيُقَدَّمُ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ مِنَ الْأَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبْنَاءُ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، قُدِّمَ عَلَى الْمَذْهَبِ.

فَرْعٌ

الِانْتِسَابُ فِي الْوَلَاءِ، قَدْ يَكُونُ بِمَحْضِ الْإِعْتَاقِ، كَمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَقَدْ يَتَرَكَّبُ مِنَ الْإِعْتَاقِ وَالنَّسَبِ، كَمُعْتِقِ الْأَبِ وَأَبِي الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقِ أَبِي الْمُعْتِقِ، فَإِنْ تَرَكَّبَ الِانْتِسَابُ، فَقَدْ يَشْتَبِهُ حُكْمُ الْوَلَاءِ وَيُغَالَطُ بِهِ، بِأَنْ قَالَ: اجْتَمَعَ أَبُو الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقُ الْأَبِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى؟ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ أَبُو الْمُعْتِقِ، كَانَ لَهُ مُعْتِقٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَلَاءَ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَصْلًا كَمَا سَبَقَ، فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَطَلَبِ

ص: 176

الْأَوْلَوِيَّةِ. وَلَوِ اجْتَمَعَ مُعْتِقُ أَبِي الْمُعْتِقِ، وَمُعْتِقُ الْمُعْتِقِ، فَالْوَلَاءُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّ وَلَاءَهُ بِجِهَةِ الْمُبَاشَرَةِ.

فَرْعٌ

اشْتَرَتِ امْرَأَةٌ أَبَاهَا، فَعَتَقَ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبُ عَبْدًا، وَمَاتَ عَتِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ بِالنَّسَبِ، فَمِيرَاثُ الْعَتِيقِ لِلْبِنْتِ، لَا لِكَوْنِهَا بِنْتَ الْمُعْتِقِ، بَلْ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ، كَأَخٍ وَابْنِ عَمٍّ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، فَمِيرَاثُ الْعَتِيقِ لَهُ ; لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالنَّسَبِ، وَلَا شَيْءَ لِلْبِنْتِ ; لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ، فَتَتَأَخَّرُ عَنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: سَمِعْتُ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهَا أَقْرَبَ. وَلَوِ اشْتَرَى أَخٌ وَأُخْتٌ أَبَاهُمَا، فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا، وَمَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَخَلَّفَ الْأَخَ وَالْأُخْتَ، فَمِيرَاثُهُ لِلْأَخِ، دُونَ الْأُخْتِ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالنَّسَبِ، بَلْ لَوْ كَانَ الْأَخُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ، وَخَلَّفَ ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ أَوْ كَانَ لِلْأَبِ ابْنُ عَمٍّ بَعِيدٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْبِنْتِ.

وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْأَخُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَلَمْ يَخْلُفْهُ إِلَّا أُخْتُهُ، فَلَهَا نِصْفُ الْإِرْثِ بِالْأُخُوَّةِ، وَنِصْفُ الْبَاقِي ; لِأَنَّ لَهَا نِصْفَ وَلَاءِ الْأَخِ، لِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ أَبِيهِ، فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ.

وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ الِابْنُ، ثُمَّ الْعَتِيقُ، وَلَمْ يُخَلِّفْ إِلَّا الْبِنْتَ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ أَيْضًا: النِّصْفُ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ نِصْفِ الْمُعْتَقِ، وَنِصْفُ الْبَاقِي لِوَلَاءِ السِّرَايَةِ، عَلَى نِصْفِ الْأَخِ بِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ

ص: 177

أَبِيهِ، فَهِيَ مُعْتِقَةُ نِصْفِ أَبِي مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ. وَالرُّبُعُ الْبَاقِي فِي الصُّورَتَيْنِ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ، وَلَمْ يُخَلِّفْ إِلَّا الْبِنْتَ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْوَجِيزِ» : لَهَا النِّصْفُ بِالْبُنُوَّةِ، وَنِصْفُ الْبَاقِي لِوَلَائِهَا عَلَى نِصْفِ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرِ الصُّورَةَ فِي «الْوَسِيطِ» وَلَا فِي «النِّهَايَةِ» وَمَفْهُومُهُ انْحِصَارُ حَقِّهَا فِي النِّصْفِ وَالرُّبُعِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو خَلَفٍ السَّلْمِيُّ، فِي صُورَةٍ أُخْرَى - يُنَازِعُ فِي هَذَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوِ اشْتَرَتْ أُخْتَانِ أَبَاهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ.

وَلَوْ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، فَلِلْأُخْرَى النِّصْفُ بِالْأُخُوَّةِ، وَنِصْفُ الْبَاقِي بِوَلَائِهِمَا عَلَى نِصْفِ الْأُخْتِ، بِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ أَبِيهَا. وَأَمَّا الرُّبُعُ، فَأَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةً أَصْلِيَّةً، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً، فَلِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَاءُ الْأُخْتَيْنِ، فَإِذَا أَعْتَقْنَا الْأَبَ، جَرَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ وَلَاءِ أُخْتِهَا إِلَى نَفْسِهَا، وَهَلْ تَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهَا وَتَسْقُطُ، أَمْ يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ، فَإِنْ قُلْنَا: تَبْقَى هِيَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَالرُّبُعُ الْبَاقِي لِمَوَالِي الْأُمِّ، وَإِنْ قُلْنَا: يَجُرُّ وَيَسْقُطُ، فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَلَوْ مَاتَتْ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَخَلَّفَتِ الْأُخْرَى، فَلَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِ مَالِهِ، وَالنِّصْفُ بِالْبُنُوَّةِ، وَالرُّبُعُ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ نِصْفِهِ، وَنِصْفُ الرُّبُعِ الْبَاقِي ; لِأَنَّ لَهَا نِصْفَ وَلَاءِ الْأُخْتِ بِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ أَبِيهَا، وَالثُّمُنُ الْبَاقِي لِمَوَالِي الْأُمِّ إِنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ نِصْفَ وَلَاءِ الْمَيِّتَةِ يَبْقَى لَهَا.

وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَبْقَى، فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَالصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ. وَلَوِ اشْتَرَتَا الْأَبَ، وَعَتَقَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا وَمَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَخَلَّفَ الْبِنْتَيْنِ، فَجَمِيعُ الْمَالِ لَهُمَا، لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَتَا مُعْتِقِهِ.

ص: 178

فَرْعٌ

أُخْتَانِ أَوْ أَخَوَانِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا وَلَاءٌ مُبَاشِرٌ، اشْتَرَتْ إِحْدَاهُمَا أَبَاهُمَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا، وَالْأُخْرَى أُمَّهُمَا، فَعَتَقَتْ عَلَيْهَا، وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا لَوْ غُرَّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ فَنَكَحَهَا وَأَوْلَدَهَا وَلَدَيْنِ، وَفِيمَا لَوْ كَانُوا كُفَّارًا، فَأَسْلَمَ الْوَلَدَانِ، وَاسْتَرْقَقَتَا الْأَبَوَيْنِ، فَوَلَاءُ الْأَبِ لِلَّتِي اشْتَرَتْهُ، فَأَمَّا إِذَا مَاتَ عَنْهُمَا، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْبُنُوَّةِ، وَالْبَاقِي لَهَا بِالْوَلَاءِ، وَوَلَاءُ الْأُمِّ لِلَّتِي اشْتَرَتْهَا، فَإِذَا مَاتَتْ عَنْهُمَا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لَهَا بِالْوَلَاءِ، وَلِمُشْتَرِيَةِ الْأَبِ الْوَلَاءُ عَلَى مُشْتَرِيَةِ الْأُمِّ، فَإِذَا مَاتَتْ مُشْتَرِيَةُ الْأُمِّ، وَخَلَّفَتْ مُشْتَرِيَةَ الْأَبِ، فَلَهَا النِّصْفُ بِالْأُخُوَّةِ، وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ، وَهَلْ لِمُشْتَرِيَةِ الْأُمِّ الْوَلَاءُ عَلَى مُشْتَرِيَةِ الْأَبِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمَوْلَى أُمِّهِ إِذَا اشْتَرَى أَبَاهُ، هَلْ يَبْقَى الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أُمِّهِ، أَمْ يَسْقُطُ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إِنَّهُ يَبْقَى، فَلِمُشْتَرِيَةِ الْأُمِّ الْوَلَاءُ عَلَى مُشْتَرِيَةِ الْأَبِ، فَإِذَا مَاتَتْ، فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ، فَلَا وَلَاءَ لَهَا عَلَى مُشْتَرِيَةِ الْأَبِ، وَإِذَا مَاتَتْ، فَلَهَا النِّصْفُ بِالْبُنُوَّةِ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَلَوِ اشْتَرَتَا أَبَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَتْ إِحْدَاهُمَا وَالْأَبُ أَبَا الْأَبِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لِأَبِيهِ، فَإِنْ مَاتَ الْجَدُّ بَعْدَهُ، فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِالْبُنُوَّةِ وَالْبَاقِي نِصْفُهُ لِلَّتِي اشْتَرَتْهُ مَعَ الْأَبِ، وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا، لِإِعْتَاقِهِمَا مُعْتِقَ نِصْفِهِ. وَلَوْ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَخَلَّفَتِ الْأُخْرَى، فَعَلَى مَا سَبَقَ.

وَلَوِ اشْتَرَتَا أُمَّهُمَا، ثُمَّ الْأُمُّ أَبَاهُمَا وَأَعْتَقَتْهُ، فَلَهُمَا عَلَيْهَا الْوَلَاءُ، وَلَهَا عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ أَبِيهِمَا،

ص: 179

فَإِنْ مَاتَتْ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْبُنُوَّةِ، وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْبُنُوَّةِ، وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ، لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَتَا مُعْتِقَهُ، فَإِنْ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلِلْأُخْرَى النِّصْفُ بِالْأُخُوَّةِ، وَنِصْفُ الْبَاقِي لِإِعْتَاقِهَا نِصْفَ مُعْتِقِ أَبِيهَا، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَلَوِ اشْتَرَتَا أَبَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَتْ إِحْدَاهُمَا وَالْأَبُ أَخَاهُمَا لِلْأَبِ، فَعَتَقَ نِصْفُهُ عَلَى الْأَبِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَأَعْتَقَتِ الْمُشْتَرِيَةُ بَاقِيَهُ، فَمَاتَ الْأَبُ، وَرِثَهُ أَوْلَادُهُ الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ مَاتَ الْأَخُ بَعْدَهُ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْأُخُوَّةِ، وَالْبَاقِي نِصْفُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَبَاقِيهِ بَيْنَ الْبِنْتَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَتَا الْأَبِ الَّذِي هُوَ مُعْتِقُ نِصْفِ الْأَخِ، فَالْقِسْمَةُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، لِمُشْتَرِيَةِ الْأَخِ سَبْعَةٌ، وَالْأُخْرَى خَمْسَةٌ. وَلَوْ مَاتَتِ الَّتِي لَمْ تَشْتَرِ الْأَخَ أَوَّلًا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ الْأَخُ، فَمَالُ الْمَيِّتَةِ أَوَّلًا لِأَبِيهَا، وَمَالُ الْأَبِ لِابْنِهِ وَبِنْتِهِ أَثْلَاثًا، وَمَالُ الْأَخِ نِصْفُهُ لِلْأُخْتِ الْبَاقِيَةِ بِالنَّسَبِ، وَنَصِفُ بَاقِيهِ لَهَا بِإِعْتَاقِهَا نِصْفَهُ، وَالْبَاقِي وَهُوَ الرُّبُعُ لِمُعْتِقَتَيِ الْأَبِ، فَلِهَذِهِ نِصْفُهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَيِّتَةِ، فَيَكُونُ لِمَوَالِيهَا، وَهُمْ هَذِهِ الْأُخْتُ، وَمَوَالِي الْأُمِّ إِنْ كَانَتِ الْأُمُّ مُعْتَقَةً، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأُمِّ مَوْلًى، فَلِبَيْتِ الْمَالِ.

فَرْعٌ

أُخْتَانِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِمَا، اشْتَرَتَا أُمَّهُمَا، فَعَتَقَتْ، ثُمَّ اشْتَرَتِ الْأُمُّ وَأَجْنَبِيٌّ أَبَاهُمَا وَأَعْتَقَاهُ، فَلِلْأُخْتَيْنِ الْوَلَاءُ عَلَى أُمِّهِمَا، وَلَهَا وَلِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْأَبِ وَعَلَيْهِمَا، فَإِنْ مَاتَتِ الْأُمُّ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ إِحْدَاهُمَا، فَأَمَّا الْأُمُّ، فَمَالُهَا لَهُمَا ثُلُثُهُ بِالْبُنُوَّةِ، وَبَاقِيهِ بِالْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْأَبُ، فَلَهُمَا

ص: 180

ثُلُثَا مَالِهِ بِالْبُنُوَّةِ، وَبَاقِيهِ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُهُ، وَلَهُمَا نِصْفُهُ، لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَتَا مُعْتِقَةِ نِصْفِهِ، وَأَمَّا الْأُخْتُ، فَالنِّصْفُ مِنْ مَالِهَا لِلْأُخْرَى بِالْأُخُوَّةِ، وَنِصْفُ الْبَاقِي لِلْأَجْنَبِيِّ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَ أَبِيهَا، وَالرُّبُعُ الْبَاقِي كَانَ لِلْأُمِّ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، فَيَكُونُ لِلْأُخْتَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَتَاهَا، فَلِلْأُخْتِ الْبَاقِيَةِ نِصْفُهُ، وَهُوَ الثُّمُنُ، وَيَرْجِعُ الثُّمُنُ الَّذِي هُوَ حِصَّةُ الْمَيِّتَةِ إِلَى مَنْ لَهُ وَلَاؤُهَا وَهُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَالْأُمُّ، وَنَصِيبُ الْأُمِّ يَرْجِعُ إِلَى الْحَيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ، وَحِصَّةُ الْمَيِّتَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالْأُمِّ، هَكَذَا يَدُورُ فَلَا يَنْقَطِعُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ: سَهْمَ الدَّوْرِ.

وَفِيمَا يُفْعَلُ بِهِ - وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ بِنَسَبٍ وَلَا وَلَاءٍ. وَالثَّانِي: يُقْطَعُ السَّهْمُ الدَّائِرُ وَهُوَ الثُّمُنُ، وَيُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى بَاقِي السِّهَامِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ، خَمْسَةٌ لِلْأُخْتِ الْبَاقِيَةِ، وَسَهْمَانِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَزَيَّفَ الْإِمَامُ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ: الْوَجْهُ أَنْ يُفْرَدَ النِّصْفُ، وَلَا يُدْخِلَهُ فِي حِسَابِ الْوَلَاءِ، وَيَنْظُرَ فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْوَلَاءِ، فَيُحَدُّ نِصْفُهُ لِلْأُمِ، وَنِصْفُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَمَالُ الْأُمِّ يَصِيرُ لِلْأُخْتَيْنِ ثُمَّ نَصِيبُ إِحْدَاهُمَا نِصْفُهُ لِلَأُمِّ، وَنِصْفُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَنَصِيبُ الْأُمِّ لِلْأُخْتَيْنِ، فَحَصَلَ أَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ ضِعْفَ مَا لِلْأُخْتِ، فَيُجْعَلُ الْمَالُ سِتَّةً، لِلْأُخْتِ نِصْفُهَا بِالنَّسَبِ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ، لِلْأَجْنَبِيِّ سَهْمَانِ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمٌ، فَجُعِلَ لَهُ الثُّلُثُ، وَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنَ الْجُمْلَةِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ. وَنَقَلَ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّ سَهْمَ الدَّوْرِ لِبَيْتِ الْمَالِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ ابْنِ اللَّبَّانِ.

أَمَّا إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى

ص: 181