المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْحَلِفُ حَتَّى لَوْ هَرَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٢

[النووي]

الفصل: الْحَلِفُ حَتَّى لَوْ هَرَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي

الْحَلِفُ حَتَّى لَوْ هَرَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَكَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إِذَا عَادَ، هَكَذَا أَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمُقْتَضَاهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ التَّصْرِيحِ بِالنُّكُولِ، وَبَيْنَ السُّكُوتِ حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْيَمِينِ فِي الْحَالَيْنِ إِلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ، أَوْ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَفِي التَّصْرِيحِ احْتِمَالٌ، وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ الْعَوْدَ إِلَى الْحَلِفِ، فَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُدَّعِي، فَإِنْ رَضِيَ، فَلَهُ الْعَوْدُ إِلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعَدُوهُمَا، فَلَوْ رَضِيَ بِأَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَلَمْ يَحْلِفْ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَعُودَ إِلَى يَمِينِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِرِضَاهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

فَرْعٌ

نَقَلَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: أَتَحْلِفُ أَنْتَ؟ كَقَوْلِهِ: احْلِفْ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْحَلِفِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ.

‌فَصْلٌ

الْمُدَّعِي إِذَا رُدِّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ قَدْ يَحْلِفُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ، فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى، وَهَلْ يَمِينُهُ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ، أَمْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ مَا حَلَفَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ قُلْنَا: يَمِينُهُ كَالْبَيِّنَةِ، سُمِعَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: كَالْإِقْرَارِ، فَلَا، لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ،

ص: 45

وَهَلْ يَجِبُ الْحَقُّ بِفَرَاغِ الْمُدَّعِي مِنَ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْحَقِّ؟ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْهَرَوِيُّ، الْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ، أَمَّا إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعِي مِنَ الْحَلِفِ، فَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنِ امْتِنَاعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ أَوْ قَالَ: لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ، فَهَذَا نُكُولٌ يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنَ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ وَمُلَازَمَتُهُ، وَهَلْ يَتَمَكَّنُ مِنِ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى، وَتَحْلِيفِهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي، أَمْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَنْفَعُهُ بَعْدَهُ إِلَّا الْبَيِّنَةُ؟ وَجْهَانِ، الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالْهَرَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ الْأَوَّلُ، وَبِالثَّانِي قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَصَحُّ، لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ دَعْوَاهُ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي لِامْتِنَاعِهِ سَبَبًا، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ آتِيَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ أَسْأَلَ الْفُقَهَاءَ، أَوْ أَنْظُرَ فِي الْحِسَابِ، تُرِكَ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنَ الْيَمِينِ وَهَلْ تُقَدَّرُ مُدَّةُ الْإِمْهَالِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِئَلَّا تَطُولَ مُدَافَعَتُهُ، وَالثَّانِي: لَا تَقْدِيرَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، فَلَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَى أَنْ يَشَاءَ كَالْبَيِّنَةِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِيمَا إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْيَمِينِ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي امْتِنَاعِ الْمُدَّعِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ أَيْضًا، وَامْتَنَعَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ مِنْ هَذَا الْإِلْحَاقِ فَارِقِينَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ لِلْمُدَّعِي حَقَّ الْحَلِفِ، وَالْحُكْمَ بِيَمِينِهِ، فَلَا يُؤَخِّرُ حَقَّهُ بِالسُّؤَالِ، وَامْتِنَاعُ الْمُدَّعِي لَا يُثْبِتُ حَقًّا لِغَيْرِهِ، فَلَا يَضُرُّ السُّؤَالُ. وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اسْتُحْلِفَ: أَمْهِلُونِي لِأَنْظُرَ فِي الْحِسَابِ، أَوْ أَسْأَلَ الْفُقَهَاءَ، فَهَلْ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَمْ لَا يُمْهَلُ شَيْئًا إِلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، أَوِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي طَلَبِ حَقِّهِ وَتَأْخِيرِهِ، وَلَوِ اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

ص: 46