المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قَالَ: وَضَعْتُ عَنْهُ النُّجُومَ، أَوْ أَعْتَقْتُهُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٢

[النووي]

الفصل: قَالَ: وَضَعْتُ عَنْهُ النُّجُومَ، أَوْ أَعْتَقْتُهُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ،

قَالَ: وَضَعْتُ عَنْهُ النُّجُومَ، أَوْ أَعْتَقْتُهُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْعَجْزَ، عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَرَقَّ ثُلُثَاهُ، وَإِنِ اخْتَارَ بَقَاءَ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ مِثْلَ الْقِيمَةِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ، وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِي الثُّلُثَيْنِ.

وَالثَّانِي: لَا يَعْتِقُ ثُلُثُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهُ، إِمَّا بِأَدَاءِ نُجُومِ الثُّلُثَيْنِ، وَإِمَّا بِالْعَجْزِ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ النُّجُومِ وَالْقِيمَةِ تَفَاوُتٌ، اعْتُبِرَ خُرُوجُ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا مِنَ الثُّلُثِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا جَمِيعَ هَذَا وَوُجُوهَهُ وَطُرُقَ حِسَابِهِ فِي الْوَصَايَا. وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ مُكَاتَبِهِ، أَوْ إِبْرَائِهِ، أَوْ وَضْعِ النُّجُومِ عَنْهُ، نُظِرَ، أَيَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، أَمْ لَا؟ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ أَوْ أَبْرَأَهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِنْشَاءِ عِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ.

وَلَوْ كَاتَبَ فِي صِحَّتِهِ، وَقَبَضَ النُّجُومَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، أَوْ قَبَضَهَا وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، صَحَّ الْقَبْضُ، وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِمُحَابَاةٍ فِي الصِّحَّةِ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ فِي الْمَرَضِ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ أَنَّهُ قَبَضَ النُّجُومَ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ، قُبِلَ إِقْرَارُهُ، وَكَانَ الِاعْتِبَارُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَقْدِرُ عَلَى إِنْشَائِهِ، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِغَيْرِ الْوَارِثِ يَسْتَوِي فِيهِ الصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ.

‌فَصْلٌ

لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ إِسْلَامُ السَّيِّدِ، بَلْ تَصِحُّ كِتَابَةُ الْكَافِرِ كَإِعْتَاقِهِ. وَفِي كِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ مَنْصُوصَةٍ وَمُخَرَّجَةٍ، أَظْهَرُهَا: الْبُطْلَانُ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ. وَالثَّالِثُ: مَوْقُوفٌ عَلَى إِسْلَامِهِ. وَالرَّابِعُ: يَصِحُّ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ. وَالْخَامِسُ: يَصِحُّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ عَلَيْهِ حَجْرًا، إِمَّا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ، وَإِمَّا

ص: 220

بِحَجْرِ الْقَاضِي، فَإِذَا صَحَّحْنَاهَا، وَلَمْ نَحْجُرْ عَلَيْهِ، وَقُلْنَا: لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ، فَدَفَعَ الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ إِلَيْهِ، عَتَقَ، وَكَانَ لَهُ الْوَلَاءُ، وَيَمْلِكُ النُّجُومَ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْمِ. إِنْ أَبْطَلْنَاهَا، لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ، وَيَعْتِقْ. وَإِنْ قُلْنَا: مَوْقُوفٌ، فَالْأَدَاءُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ بُطْلَانُهَا، وَكَانَ الْعَبْدُ قِنًّا، وَإِنْ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ، أَوْ بِحَجْرِ الْقَاضِي، فَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا إِذَا لَمْ يَكُنْ حَجْرٌ، وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، أَوْ تَوَقَّفْنَا، لَمْ يَجُزْ دَفْعُ النُّجُومِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ، بَلْ يَجِبُ دَفْعُهُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْمُرْتَدِّ، لَمْ يَعْتِقْ، وَيَسْتَرِدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ تَلِفَتْ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِرْدَادُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَفِي بِالنُّجُومِ، وَدَفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلَهُ تَعْجِيزُهُ.

ثُمَّ إِنْ مَاتَ السَّيِّدُ عَلَى الرِّدَّةِ بَعْدَ مَا عَجَّزَهُ، فَهُوَ رَقِيقٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ، فَهَلْ يَكْفِي التَّعْجِيزُ؟ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : نَعَمْ ; لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ كَانَ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا أَسْلَمَ، صَارَ الْحَقُّ لَهُ، فَيُعْتَمَدُ بِقَبْضِهِ، فَعَلَى هَذَا يَعْتِقُ إِنْ كَانَ دَفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ النُّجُومِ. وَقِيلَ: لَا يَعْتِقُ، وَلَا يَنْقَلِبُ الْقَبْضُ الْمَمْنُوعُ مِنْهُ صَحِيحًا، لَكِنْ يَبْقَى مُكَاتَبًا، فَيَسْتَأْنِفُ الْأَدَاءَ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ الرِّدَّةِ، وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ كَاتَبَ مُسْلِمٌ عَبْدَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلِ الْكِتَابَةُ، كَمَا لَا يَبْطُلُ بَيْعُهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ النُّجُومِ إِلَيْهِ إِنْ قُلْنَا: زَالَ مِلْكُهُ، وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

فَرْعٌ

يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ الْمُرْتَدَّ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَإِعْتَاقُهُ،

ص: 221

ثُمَّ إِنْ أَدَّى النُّجُومَ فِي رِدَّتِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ، أَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَائِهَا غَيْرُهُ، عَتَقَ، ثُمَّ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا، وَعَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، بَقِيَ مُكَاتَبًا، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ، قُتِلَ، وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ. وَإِنِ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ، لَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ، فَإِنْ هَلَكَ عَلَى الرِّدَّةِ، كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، وَارْتَفَعَتِ الْكِتَابَةُ. قَالَ فِي «الْأُمِّ» : وَلَا أُجِيزُ كِتَابَةَ السَّيِّدِ الْمُرْتَدِّ، وَالْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ، إِلَّا عَلَى مَا أُجِيزُ عَلَيْهِ كِتَابَةَ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ الْكَافِرَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ يُتْرَكَانِ عَلَى مَا يَسْتَحِلَّانِ، مَا لَمْ يَتَحَاكَمَا إِلَيْنَا. قَالَ: وَلَوْ لَحِقَ السَّيِّدُ بَعْدَ رِدَّتِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَوَقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ، تَتَأَدَّى كِتَابَةُ مُكَاتَبِهِ، فَإِنْ عَجَزَ رَدَّهُ إِلَى الرِّقِّ فَإِنْ عَجَّزَهُ ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ، فَالتَّعْجِيزُ مَاضٍ، وَيَكُونُ رَقِيقًا لَهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ، فَفِي الِاعْتِدَادِ بِمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ مَا سَبَقَ.

فَرْعٌ

تَصِحُّ كِتَابَةُ الذِّمِّيِّ كِتَابِيًّا كَانَ أَوْ مَجُوسِيًّا، وَكِتَابَةُ الْمُسْتَأْمَنِ، هَذَا إِذَا كَاتَبُوا عَلَى شَرَائِطِ شَرْعِنَا، فَإِنْ كَاتَبَ ذِمِّيٌّ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِوَضِ الْمُسَمَّى، فَالْعِتْقُ حَاصِلٌ، وَلَا رُجُوعَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ، حَكَمْنَا بِفَسَادِهَا وَإِبْطَالِهَا، فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَحْصُلِ الْعِتْقُ ; لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَالْإِبْطَالِ. وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ تَرَافَعَا، حَصَلَ الْعِتْقُ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ لِلْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. وَلَوْ كَانَ الْمُسَمَّى، لَهُ قِيمَةٌ - رَجَعَ، وَإِنْ قَبَضَ بَعْضَ الْمُسَمَّى فِي الشِّرْكِ، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا، حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ، فَلَوِ

ص: 222

اتَّفَقَ قَبْضُ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ إِبْطَالِهَا، حَصَلَ الْعِتْقُ، وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ، وَلَا يُوَزَّعُ عَلَى الْمَقْبُوضِ وَالْبَاقِي ; لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِالنَّجْمِ الْأَخِيرِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الْإِسْلَامِ. وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لِذِمِّيٍّ، أَوِ اشْتَرَى مُسْلِمًا، وَصَحَّحْنَا شِرَاءَهُ، وَأَمْرَنَا بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ، فَكَاتَبَهُ، صَحَّتِ الْكِتَابَةُ عَلَى الْأَظْهَرِ ; لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْعَبْدِ، فَإِنْ عَجَزَ، أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَدَّى النُّجُومَ قَبْلَ الْإِزَالَةِ، عَتَقَ بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ. وَلَوْ كَاتَبَ ذِمِّيٌّ عَبْدَهُ، فَأَسْلَمَ الْمُكَاتَبُ، لَمْ تَرْتَفِعِ الْكِتَابَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِقُوَّةِ الدَّوَامِ.

فَرْعٌ

تَصِحُّ كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ، فَإِنْ قَهَرَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، ارْتَفَعَتْ، وَصَارَ قِنًّا. وَلَوْ قَهَرَ سَيِّدَهُ، صَارَ حُرًّا، وَعَادَ السَّيِّدُ عَبْدًا لَهُ ; لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ قَهْرٍ، وَكَذَا لَوْ قَهَرَ حُرٌّ حُرًّا هُنَاكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ، ثُمَّ قَهَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، لَا يَمْلِكُهُ ; لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حَقٍّ وَإِنْصَافٍ.

وَلَوْ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ إِلَيْنَا مُسْلِمًا هَارِبًا مِنْ سَيِّدِهِ، ارْتَفَعَتِ الْكِتَابَةُ، وَصَارَ حُرًّا ; لِأَنَّهُ قَهَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَإِنْ خَرَجَ غَيْرَ مُسْلِمٍ، نُظِرَ، إِنْ خَرَجَ بِإِذْنِهِ وَأَمَانِنَا، لِتِجَارَةٍ، وَغَيْرِهَا، اسْتَمَرَّتِ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ خَرَجَ هَارِبًا، بَطَلَتْ، وَصَارَ حُرًّا. ثُمَّ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ عِنْدَنَا إِلَّا بِالْجِزْيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ

ص: 223

لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ، أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَإِنْ جَاءَنَا السَّيِّدُ مُسْلِمًا، لَمْ يُتَعَرَّضْ لِمُكَاتَبِهِ هُنَاكَ، وَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ مَعَ الْمُكَاتَبِ، وَلَمْ يَقْهَرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَأَرَادَ الْعَوْدَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَكَاتَبَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَا، وَأَرَادَ الْعَوْدَ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ الْمُكَاتَبُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ قَهْرًا، كَمَا لَا يُسَافِرُ الْمُسْلِمُ بِمُكَاتَبِهِ، بَلْ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ النُّجُومَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، طُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، ثُمَّ إِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ طُولِبَ بِالْجِزْيَةِ أَوْ رُدَّ إِلَى الْمَأْمَنِ، وَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ، عَادَ قِنًّا لِلسَّيِّدِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَيَبْقَى الْأَمَانُ فِيهِ، وَإِنِ انْتَقَضَ فِي نَفْسِ سَيِّدِهِ بِعَوْدِهِ ; لِأَنَّ الْمَالَ يَنْفَرِدُ بِالْأَمَانِ. وَلِهَذَا لَوْ بَعَثَ الْحَرْبِيُّ مَالَهُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ، ثَبَتَ الْأَمَانُ لِلْمَالِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي السَّيِّدِ، فِيمَنْ رَجَعَ وَخَلَّفَ عِنْدَنَا مَالًا. وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ بَعْدَ الْعَوْدِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَفِي مَالِ الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَبْقَى الْأَمَانُ فِيهِ، فَيُرْسَلُ إِلَى وَرَثَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ، وَمَنْ وَرِثَ مَالًا، وَرِثَهُ بِحُقُوقِهِ، كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ الْأَمَانُ فِيهِ، وَيَكُونُ قِنًّا ; لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ لَا أَمَانَ لَهُ.

وَإِنْ سُبِيَ السَّيِّدُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، نُظِرَ، إِنْ مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فُدِيَ، أَخَذَ النُّجُومَ، وَهُمَا بِمَا جَرَى فِي أَمَانٍ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ رَجَعَ انْتَقَضَ الْأَمَانُ فِيهِ. وَفِي الْمَالِ إِنْ تَرَكَهُ عِنْدَنَا مَا سَبَقَ، وَإِنِ اسْتَرَقَّ، زَالَ مِلْكُهُ. وَفِي مَالِ الْكِتَابَةِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلَانِ، كَالْمَوْتِ.

وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ يَنْتَظِرُ عِتْقَهُ وَمَصِيرَهُ مَالِكًا، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. وَأَمَّا وَلَاءُ هَذَا الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ اسْتِرْقَاقِ السَّيِّدِ، فَطَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَلَاءَ كَالْمَالِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ فَيْئًا، فَالْوَلَاءُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَإِنْ تَوَقَّفْنَا، فَكَذَلِكَ نَتَوَقَّفُ فِي الْوَلَاءِ. وَالثَّانِي

ص: 224

وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ وَلَاؤُهُ ; لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ، وَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ. وَإِنِ اسْتَرَقَّ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ جَعَلْنَا مَا فِي ذِمَّتِهِ فَيْئًا، فَادُّعِيَ عِتْقٌ بِدَفْعِهِ إِلَى الْمُكَاتَبِ، فَفِي الْوَلَاءِ وَجْهَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: مَوْقُوفٌ، فَإِنْ عَتَقَ السَّيِّدُ، دَفَعَ الْمُكَاتَبُ الْمَالَ إِلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا، وَصَارَ الْمَالُ فَيْئًا، فَفِي الْوَلَاءِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ: انْصِبُوا مَنْ يَقْبِضُ الْمَالَ لِأُعْتَقَ، أُجِيبَ إِلَيْهِ، وَإِذَا عَتَقَ، فَلْيَكُنْ فِي الْخِلَافِ. وَقِيلَ: يُبْنَى عَلَى أَنَّ مُكَاتِبَ الْمُكَاتَبِ إِذَا عَتَقَ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ كِتَابَتِهِ، يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ، أَوْ يُوقَفُ عَلَى عِتْقِ الْمُكَاتَبِ. وَفِيهِ قَوْلَانِ. إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَالْوَلَاءُ هُنَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، فَيُوقَفُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُوقَفُ الْمَالُ وَالْوَلَاءُ، فَإِنْ عَتَقَ، فَهُمَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا، فَالْمَالُ فَيْءٌ، وَيَسْقُطُ الْوَلَاءُ.

فَرْعٌ

كَاتَبَ مُسْلِمٌ عَبْدًا كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوِ الْحَرْبِ، صَحَّ، فَإِنْ عَتَقَ، لَمْ يُمَكَّنْ مِنَ الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا إِلَّا بِجِزْيَةٍ، فَإِنْ كَاتَبَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَأُسِرَ، لَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ ; لِأَنَّهُ فِي أَمَانِ سَيِّدِهِ. وَلَوِ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى مُكَاتَبٍ مُسْلِمٍ، لَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ، وَكَذَا لَمْ يَبْطُلِ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ، فَإِذَا اسْتَنْقَذَ الْمُسْلِمُونَ مُكَاتَبَهُ، فَهَلْ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مُدَّةُ الْأَسْرِ مِنْ أَجْلِ مَالِ الْكِتَابَةِ؟ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: كَمَا لَوْ حَبَسَهُ السَّيِّدُ، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالِاحْتِسَابِ، لِعَدَمِ تَقْصِيرِ السَّيِّدِ. وَهَلْ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ بِالتَّعْجِيزِ وَهُوَ الْأَسْرُ؟ إِنْ قُلْنَا: يُحْسَبُ، فَلَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ هَلْ يُفْسَخُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ

ص: 225

حَضَرَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إِلَى الْقَاضِي لِيَبْحَثَ هَلْ لَهُ مَالٌ؟ وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ. فَإِذَا فُسِخَتْ، وَخَلُصَ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَكْفِي بِالْكِتَابَةِ، بَطَلَ الْفَسْخُ، وَأَدَّى الْمَالَ وَعَتَقَ.

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الْمُكَاتَبُ، وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا، فَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ مَجْنُونٍ، وَلَا صَبِيٍّ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَلَا مُكْرَهٍ. وَلَوْ كَاتَبَ الْبَالِغُ لِنَفْسِهِ وَلِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، لَمْ يَصِحَّ لَهُمْ. وَفِي صِحَّتِهَا لِنَفْسِهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ أَوِ الْمَجْنُونَ وَقَالَ فِي كِتَابَتِهِ: إِذَا أَدَّيْتَ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَوُجِدَتِ الصِّفَةُ، عَتَقَ، هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ. ثُمَّ قِيلَ: يَعْتِقُ بِحُكْمِ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهِ إِلَّا بِعِوَضٍ. فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى السَّيِّدِ بِمَا دَفَعَ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ لِمَا جَرَى - حُكْمُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ فِي التَّرَاجُعِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ عَبْدٍ مَرْهُونٍ ; لِأَنَّهُ مُرْصَدٌ لِلْبَيْعِ، وَلَا مُسْتَأْجَرٌ ; لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْمَنْفَعَةَ، وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُسْتَوْلَدَةِ.

وَفِي الْمُسْتَوْلَدَةِ وَجْهٌ. وَلَوْ قَبِلَ الْكِتَابَةَ مِنَ السَّيِّدِ أَجْنَبِيٌّ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَنِ الْعَبْدِ كَذَا فِي نَجْمَيْنِ، فَإِذَا أَدَّاهَا، عَتَقَ الْعَبْدُ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَخُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالثَّانِي: لَا، لِمُخَالَفَةِ مَوْضُوعِ الْبَابِ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، فَهَلْ تَجُوزُ حَالَّةً؟ وَجْهَانِ. وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهَا، فَأَدَّى - عَتَقَ الْعَبْدُ بِالصِّفَةِ، وَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَى السَّيِّدِ بِمَا أَدَّى، وَالسَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ.

ص: 226