الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا لَوْ أَتَتْ بِأَحَدِهِمَا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ مِلْكِهَا، وَبِالْآخَرِ لِأَكْثَرَ، فَهُمَا لِلسَّيِّدِ.
وَإِنَّ أَبَا زَيْدٍ أَفْتَى بِذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ مُؤَوَّلٌ، وَأَنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْبَيْعِ كَيْفَ كَانَ، حَتَّى لَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ فَبَاعَهَا فَالْوَلَدُ الثَّانِي مَبِيعٌ مَعَهَا، وَالْأَوَّلُ لِلْبَائِعِ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ.
فَصْلٌ
السَّيِّدُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ لِاخْتِلَالِ مِلْكِهِ، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَطَأَهَا فَسَدَ الْعَقْدُ، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِلشُّبْهَةِ، وَفِي قَوْلٍ: يُحَدُّ الْعَالِمُ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ وَهِيَ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ.
وَقِيلَ: إِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا مَهْرَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْأُمِّ» ، وَإِذَا وَجَبَ الْمَهْرُ، فَلَهَا أَخْذُهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ حَلَّ عَلَيْهَا نَجْمٌ، وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ، فَعَلَى أَقْوَالٍ التَّقَاصُّ.
وَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ أَخْذِهِ سَقَطَ. وَإِنْ عَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ. وَلَوْ أَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ، وَتَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؟ إِنْ قُلْنَا: وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ قِنٌّ لِلسَّيِّدِ، أَوْ قُلْنَا: يَتَكَاتَبُ وَحَقُّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قُتِلَ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ.
وَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ لَهَا لَزِمَهُ لَهَا الْقِيمَةُ، فَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ الْأَخْذِ سَقَطَتْ، وَإِنْ عَتَقَتْ، أَخَذَتْهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَا عَجَزَتْ، وَرَقَّتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَا عَتَقَتْ، فَإِنْ عَجَزَتْ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ، وَالْأَوْلَادُ الْحَادِثُونَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًى، يَتْبَعُونَهَا، وَالْحَاصِلُونَ قَبْلَهَا أَرِقَّاءُ لِلسَّيِّدِ. وَإِنْ مَاتَ
السَّيِّدُ قَبْلَ عَجْزِهَا عَتَقَتْ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيَتْبَعُهَا كَسْبُهَا. وَهَلْ يُعْتِقُ عَنِ الْكِتَابَةِ أَمْ عَنِ الِاسْتِيلَادِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ، أَو أَبْرَأَهُ عَنِ النُّجُومِ، فَعَلَى هَذَا الْأَوْلَادُ الْحَادِثُونَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِيلَادِ، هَلْ يَتْبَعُونَهَا؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَأُجْرِيَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ عُلِّقَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةٍ، فَوُجِدَتْ قَبْلَ أَدَاءِ النُّجُومِ، وَفِيمَا إِذَا تَقَدَّمَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى الْكِتَابَةِ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَإِذَا اسْتَوْلَدَ ثُمَّ كَاتَبَ وَأَدَّتِ النُّجُومَ، فَالْكَسْبُ الْحَاصِلُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا، وَالْحَاصِلُ قَبْلَهَا لِلسَّيِّدِ، وَالْأَوْلَادُ الْحَاصِلُونَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ يَتْبَعُونَهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ كِتَابَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِيهِ خِلَافٌ.
فَرْعٌ
لَيْسَ لِلسَّيِّدِ وَطْءُ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ سَيِّدَهَا، وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِلْمُكَاتَبِ.
وَإِنْ أَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ. قَالَ فِي «الشَّامِلِ» : يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِهِ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.
وَلِلسَّيِّدِ وَطْءُ بِنْتِ الْمُكَاتَبَةِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْمُكَاتَبَةِ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ فَلَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الْكَسْبِ. إِنْ قُلْنَا: يُصْرَفُ إِلَى السَّيِّدِ فِي الْحَالِ، فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلْأُمِّ، فَكَذَا الْمَهْرُ.
وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ أَنْفَقَ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَوَقَفَ الْبَاقِي، فَإِنْ عَتَقَتْ بِعِتْقِ الْأُمِّ فَهُوَ لَهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ، فَهُوَ لِلسَّيِّدِ.
وَإِنْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْعِتْقِ بِعِتْقِهَا.
وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالِاسْتِيلَادِ هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي قَتْلِهَا قَوْلَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ لِلْأُمِّ؟ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيَبْقَى حَقُّ الْكِتَابَةِ فِيهَا، فَتُعْتَقُ بِعِتْقِ الْأُمِّ، وَيَكُونُ الْكَسْبُ لَهَا إِذَا جَعَلْنَا الْحَقَّ فِيهَا لِلْأُمِّ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَتِ الْبِنْتُ بِمَوْتِهِ، وَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِلْأُمِّ إِذَا جَعَلْنَا الْحَقَّ لَهَا كَمَا فِي الْقَتْلِ. وَأَمَّا قِيمَةُ الْوَلَدِ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ.
فَرْعٌ
الْأَمَةُ الْمُشْتَرَكَةُ إِذَا كَاتَبَهَا مَالِكَاهَا مَعًا، ثُمَّ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا، فَحُكْمُ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ وَلُزُومِ الْمَهْرِ عَلَى الْوَاطِئِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَالِكِ الْوَاحِدِ.
ثُمَّ إِنْ لَمْ يَحِلَّ النَّجْمُ، فَلَهَا الْمَهْرُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ حَلَّ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مِثْلُ الْمَهْرِ دَفَعَتْهُ إِلَى الَّذِي لَمْ يَطَأْ.
وَفِي الْمَهْرِ وَنَصِيبِ الْوَاطِئِ مِنَ النَّجْمِ الَّذِي حَلَّ الْخِلَافُ فِي التَّقَاصِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا شَيْءٌ آخَرُ، فَنِصْفُ النَّجْمِ الَّذِي لِلْوَاطِئِ مَعَ الْمَهْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّقَاصِّ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُدْفَعُ إِلَى الَّذِي لَمْ يَطَأْ.
وَإِنْ عَتَقَتْ قَبْلَ أَخْذِ الْمَهْرِ وَمَصِيرِهِ قِصَاصًا، أَخَذَتْ وَإِنْ عَجَزَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ، فَإِنْ بَقِيَ فَهُوَ لِلسَّيِّدَيْنِ، وَإِنْ تَلِفَ تَلِفَ مِنْ مِلْكِهِمَا، وَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ أَخْذِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا بِقَدْرِ الْمَهْرِ مَالٌ أَخَذَهُ الَّذِي لَمْ يَطَأْ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْوَاطِئِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا شَيْءٌ فَلِلَّذِي لَمْ يَطَأْ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَهْرِ مِنَ الْوَاطِئِ. وَإِنْ أَجَّلَهَا نُظِرَ إِنِ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ وَحَلَفَ عَلَيْهِ، فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ يَلْحَقْهُ، وَهُوَ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًى، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ وَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ مِنَ الْأَمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فِيهِ.
ثُمَّ هُوَ مُعْسِرٌ أَوْ مُوسِرٌ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ الِاسْتِيلَادُ إِلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ،
فَإِنْ أَدَّتِ النُّجُومَ إِلَيْهِمَا عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ الِاسْتِيلَادُ. وَإِنْ عَجَزَتْ وَفَسَخَا الْكِتَابَةَ فَنِصْفُهَا قِنٌّ، وَنِصْفُهَا مُسْتَوْلَدٌ. وَإِنْ مَاتَ الْوَاطِئُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالْفَسْخِ عَتَقَ نِصْفُهَا، وَبَقِيَتِ الْكِتَابَةُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ.
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْفَسْخِ عَتَقَ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي قِنٌّ. وَفِي الْوَلَدِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: نِصْفُهُ حُرٌّ، وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ.
وَالثَّانِي: يَنْعَقِدُ كُلُّهُ حُرًّا؛ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، وَقُلْنَا: وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ قِنٌّ لِلسَّيِّدِ لَزِمَ الْوَاطِئَ نِصْفُ قِيمَتِهِ لِلشَّرِيكِ.
وَإِنْ قُلْنَا: ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْكِتَابَةِ، وَقُلْنَا: الْحَقُّ فِيهِ لِلسَّيِّدِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ. وَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ لِلْمُكَاتَبَةِ لَزِمَهُ جَمِيعُ قِيمَتِهِ لَهَا، فَإِنْ عَتَقَتْ قَبْلَ أَخْذِهَا أَخَذَتْهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَخَذَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ نَصْفَهَا، وَسَقَطَ النِّصْفُ.
وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَقِدُ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا، فَإِنْ قُلْنَا: وَلَدُ الْمُكَاتَبِ قِنٌّ لِلسَّيِّدِ، فَالنِّصْفُ الرَّقِيقُ لِلشَّرِيكِ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْوَاطِئِ.
وَإِنْ قُلْنَا: تَثْبُتُ الْكِتَابَةُ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، فَالنِّصْفُ الرَّقِيقُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهَا إِنْ عَتَقَتْ عَتَقَ، وَإِلَّا رَقَّ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ.
وَهَلْ تَجِبُ قِيمَةُ النِّصْفِ الْحُرِّ عَلَى الْوَاطِئِ؟ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ لِلسَّيِّدِ أَمْ لَهَا؟ إِنْ قُلْنَا: لَهُ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ.
ثُمَّ إِنْ عَتَقَتْ عَتَقَ، وَسَلَّمَ لَهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ، فَيَأْخُذُهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَخَذَتْهُ، وَإِنْ عَجَزَتْ سَقَطَ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ اسْتَرَدَّهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، أَمَّا إِذَا كَانَ مُوسِرًا، فَيَسْرِي الِاسْتِيلَادُ إِلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَكَانَ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا، وَمَتَّى يَسْرِي؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، قَالَ الْجُمْهُورُ: قَوْلَانِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ
نَصِيبَهُ مِنَ الْمُكَاتَبِ، فَفِي قَوْلٍ فِي الْحَالِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْعَجْزِ.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَسْرِي عِنْدَ الْعَجْزِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فِي الْحَالِ، انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَتَبْقَى فِي نَصِيبِ الْوَاطِئِ، وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي جَمِيعِ الْجَارِيَةِ، وَعَلَى الْوَاطِئِ لِلشَّرِيكِ نِصْفُ مَهْرِهَا، وَنِصْفُ قِيمَتِهَا.
وَأَمَّا نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ مِنْهُ، فَفِي وُجُوبِهَا قَوْلَانِ كَمَا لَوِ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأَمَةَ الْقِنَّةَ، وَانْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَعَلَيْهِ أَيْضًا نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمُكَاتَبَةِ لِبَقَاءِ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِهِ، وَهَلْ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ؟ .
يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ لِمَنْ هُوَ؟ وَلَوْ أَدَّتْ نَصِيبَ الْوَاطِئِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَسَرَى إِلَى الْبَاقِي وَإِنْ عَجَزَتْ، وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ بَقِيَتْ مُسْتَوْلَدَةً مَحْضَةً.
وَإِنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ عَنِ الْعَجْزِ، فَأَدَّتِ النُّجُومَ، عَتَقَتْ عَنِ الْكِتَابَةِ، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا، وَيَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ، وَلَهُ الْمَهْرُ عَلَى الْوَاطِئِ، فَتَأْخُذُهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَخَذَتْهُ، وَتَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِلشَّرِيكِ إِنْ قُلْنَا: وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ قِنٌّ لِلسَّيِّدِ، أَوْ قُلْنَا: ثَبَتَتْ فِيهِ صِفَةُ الْكِتَابَةِ، وَحَقُّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ.
وَإِنْ قُلْنَا: حَقُّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُكَاتَبَةِ وَجَبَ جَمِيعُ الْقِيمَةِ لَهَا. وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ النُّجُومَ، وَعَجَزَتْ، لَزِمَ الْوَاطِئَ لِلشَّرِيكِ نِصْفُ مَهْرِهَا، وَنِصْفُ قِيمَتِهَا، وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ.
هَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي وَطْءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ. فَأَمَّا إِذَا وَطِئَاهَا جَمِيعًا، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ عُلُوقٌ، فَحُكْمُ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ مَا سَبَقَ.
وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَهْرٌ كَامِلٌ، فَإِنْ عَجَزَتْ، وَرَقَّتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرَيْنَ لَمْ يُطَالِبْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِشَيْءٍ. وَيَقْتَسِمَانِ الْمَهْرَيْنَ [إِنْ] كَانَا بَاقِيَيْنِ.
وَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ أَخْذِهِ سَقَطَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ مَا لَزِمَهُ، وَيَجِيءُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ التَّقَاصُّ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْمَهْرَيْنَ أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ، إِمَّا لِكَوْنِهَا بِكْرًا عِنْدَ وَطْءِ أَحَدِهِمَا، ثَيِّبًا عِنْدَ الْآخَرِ، وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ حَالِهَا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِمَا، فَيَأْخُذُ مُسْتَحِقُّ الْفَضْلِ الْفَضْلَ.
وَإِنْ أَفَضَاهَا أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلشَّرِيكِ. فَإِنِ افْتَضَّهَا لَزِمَهُ نِصْفُ أَرْشِ الِافْتِضَاضِ مَعَ الْمَهْرِ.
وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ الَّذِي أَفْضَى أَوِ افْتَضَّ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، فَإِنْ حَلَفَا فَذَاكَ.
وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قُضِيَ لِلْحَالِفِ، وَإِنْ حَصَلَ عُلُوقٌ نُظِرَ هَلْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، أَمْ بِوَلَدَيْنِ، مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَدٌ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: إِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَيُنْظَرُ إِنِ ادَّعَيَا الِاسْتِبْرَاءَ، وَحَلَفَا عَلَيْهِ لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًى، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا الِاسْتِبْرَاءَ، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُمْكِنَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ وَلِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي، أَوْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ أَحَدِهِمَا، فَهُوَ كَمَا لَوِ ادَّعَيَا الِاسْتِبْرَاءَ. وَحُكْمُ الْمَهْرَيْنَ فِي الْحَالَيْنِ، كَمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُلُوقٌ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنَ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَيُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ، وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا سِرَايَةَ، وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِي جَمِيعِهَا، فَإِنْ أَدَّتِ النُّجُومَ وَعَتَقَتْ فَلَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ الْمَهْرُ.
وَإِنْ رَقَّتْ فَنِصْفُهَا قِنٌّ لِلثَّانِي، وَنَصِيبُ الْأَوَّلِ يَبْقَى مُسْتَوْلَدًا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَهُوَ مِنْ صُوَرِ التَّقَاصِّ.
وَهَلْ كُلُّ الْوَلَدِ حُرٌّ أَمْ تَتَبَعَّضُ حُرِّيَّتُهُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.
وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْوَلَدُ كُلُّهُ حُرٌّ، وَيَسْرِي الِاسْتِيلَادُ مِنْ نَصِيبِهِ إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَسْرِي فِي الْحَالِ، أَمْ عِنْدَ الْعَجْزِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: فِي الْحَالِ انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي، وَبَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ قُلْنَا: عِنْدَ الْعَجْزِ فَإِذَا عَجَزَتْ وَرَقَّتِ ارْتَفَعَتِ الْكِتَابَةُ
وَهِيَ مُسْتَوْلَدَةٌ لَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَالْحُكْمُ فِيمَا إِذَا أَدَّتِ النُّجُومَ وَعَتَقَتْ عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا إِذَا وَطِئَ أَحَدُهُمَا وَأَوْلَدَهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ.
وَمَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ يَجِبُ لِلشَّرِيكِ عَلَى الَّذِي أَوْلَدَهَا مِنَ الْمَهْرِ وَقِيمَةِ الْجَارِيَةِ. وَقِيمَةُ الْوَلَدِ تَجِبُ هُنَا لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا وَطْءُ الثَّانِي فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا حَكَمْنَا بِمَصِيرِ جَمِيعِهَا أُمَّ وَلَدِ الْأَوَّلِ وَجَبَ جَمِيعُ الْمَهْرِ، فَإِنْ بَقِيَتِ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ بَيْنُهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبَةِ.
وَإِنِ ارْتَفَعَتْ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا فَجَمِيعُهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ يَصِيرُ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إِذَا حَصَلَتْ أَخِيرًا انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ، وَعَادَ نِصْفُهُ رَقِيقًا، فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ لَهُ، وَالْمَهْرُ مِنَ الْأَكْسَابِ.
ثُمَّ ذَلِكَ النِّصْفُ لِلْمُكَاتَبَةِ، إِنْ بَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ. هَكَذَا ضَبَطَ الْقَوْلَ فِيمَا يَلْزَمُ الثَّانِيَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ ابْنُ الصَّبَّاغِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ وَطْءَ الثَّانِي إِذَا وَقَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَصِيرِ جَمِيعِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ فَقَدْ وَقَعَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ زِنًى، وَإِطْلَاقُ وُجُوبِ جَمِيعِ الْمَهْرِ مُصَوَّرٌ فِيمَا إِذَا فُرِضَتْ شُبْهَةٌ أُخْرَى.
وَأَطْلَقَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» قَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الثَّانِيَ جَمِيعُ الْمَهْرِ أَمْ نِصْفُهُ؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الْأَظْهَرُ: وُجُوبُ جَمِيعِ الْمَهْرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ رضي الله عنهما.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، فَيَلْحَقُ الثَّانِيَ وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا سِرَايَةَ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا.
وَفِي تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْوَلَدِ الْخِلَافُ. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى الِاسْتِيلَادُ إِمَّا فِي الْحَالِ، وَإِمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا سَبَقَ.
وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي هُنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَقَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ كَانَ الثَّانِي مُعْسِرًا لَزِمَ الْأَوَّلَ كَمَالُ الْمَهْرِ لِلْمُكَاتَبَةِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مُوسِرًا
وَقُلْنَا: السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بَعْدَ الْعَجْزِ. وَإِنْ قُلْنَا: تَحْصُلُ فِي الْحَالِ انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ لَهَا.
وَأَطْلَقَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَوَّلَ عِنْدَ يَسَارِ الثَّانِي إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ.
الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَادَّعَيَاهُ، أَوِ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ تَعَيَّنَ الْإِمْكَانُ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ بِالْقَائِفِ، اعْتُمِدَ انْتِسَابُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ الْقِنَّةِ، وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَهُ، وَثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا سِرَايَةَ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَكِنْ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ أَيْضًا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهَا مُسْتَوْلَدَةٌ.
وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى وَلَا يَلْزَمُهُ لِلشَّرِيكِ قِيمَةُ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ الْجَارِيَةَ مُسْتَوْلَدَتُهُ، فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ.
وَإِذَا لَمْ نَجِدِ الْقَائِفَ وَالْمُتَدَاعِيَانِ مُوسِرَانِ حُكِمَ بِأَنَّهَا مُسْتَوْلَدَتُهُمَا نِصْفُهَا لِهَذَا، وَنِصْفُهَا لِذَاكَ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالسِّرَايَةِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَسَكَتَا عَنْ دَعْوَى الْوَلَدِ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ، وَيَسْرِي، وَعَلَيْهِ الْغُرْمُ لِلشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا إِقْرَارٌ يُنَافِي الْغُرْمَ.
وَلَوْ لَمْ نَجِدْ قَائِفًا وَاعْتَمَدْنَا انْتِسَابَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَفِي ثُبُوتِ الْغُرْمِ وَجْهَانِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا أَتَتْ بِوَلَدَيْنِ وَعَرَفَا حَالَهُمَا، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ هَذَا، وَذَاكَ مِنْ ذَاكَ، وَلَهُ صُورَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: اتَّفَقَا عَلَى
السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَيُنْظَرُ إِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، أَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي نِصْفُ مَهْرِهَا، وَنِصْفُ قِيمَتِهَا، وَأَمَّا قِيمَةُ الْوَلَدِ، فَقَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ قُلْنَا: تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ لَمْ يَجِبْ.
وَإِنْ قُلْنَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَجْزِ وَقُلْنَا: لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ وَجَبَتْ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا صَارَ جَمِيعُهَا مُسْتَوْلَدًا لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ، لَزِمَ الْحَدُّ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِلْأَوَّلِ.
وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْمَهْرِ، وَتَمَامُ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوَضْعِ، وَيَكُونُ جَمِيعُهُمَا لِلْأَوَّلِ إِنِ ارْتَفَعَتِ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا.
وَإِنْ بَقِيَتْ، فَنِصْفُ الْمَهْرِ لَهُ، وَنِصْفُهُ لِلْمُكَاتَبَةِ، وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْخِلَافِ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ.
وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ جَمِيعُهَا مُسْتَوْلَدًا لِلْأَوَّلِ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا يَعْدِلُهُ، وَفِي تَبْعِيضِ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ مَا سَبَقَ، فَإِنْ لَمْ تَتَبَعَّضْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي لَهُ، وَإِنْ بَقِيَ نَصِيبُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ السِّرَايَةَ، وَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ حَقِّهِ.
وَعَنِ الْقَفَّالِ فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الثَّانِي فِي نَصِيبِهِ وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ شَرِيكٌ نَصِيبِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ، وَقُلْنَا: السِّرَايَةُ تَقِفُ عَلَى الْقِيمَةِ، فَأَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبِهِ قَبْلَ أَدَائِهَا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، أَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مُعْسِرًا، فَثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَسْرِ، فَإِذَا أَحْبَلَهَا الثَّانِي ثَبَتَ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا. وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ تَمَامُ الْمَهْرِ لِلْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ الْأَجَلِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْمَهْرِ لِشَرِيكِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ.
وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ أَنَّ فِي تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِي وَلَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِلَافَ، وَأَنَّا إِذَا لَمْ نَحْكُمْ بِالْحُرِّيَّةِ فِي نِصْفِهِ فَهَلْ هُوَ قِنٌّ لِلْآخَرِ، أَمْ يَتَكَاتَبُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ.
وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ
مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ. وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ: أَنَّا إِذَا قُلْنَا بِالتَّبْعِيضِ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِحُرِّيَّةِ الْجَمِيعِ، لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ نِصْفُ قِيمَةِ وَلَدِهِ، وَلَمْ يُجِزِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمُ الْخِلَافَ فِي تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِي وَلَدِ كُلِّ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ مُعْسِرًا وَالثَّانِي مُوسِرًا، وَحَكَمُوا بِأَنَّ وَلَدَ الْمُوسِرِ حُرٌّ كُلُّهُ، وَالْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِالْمُعْسِرِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: أَنَا أَوْلَدْتُهَا أَوَّلًا وَلَدِي هَذَا، وَاحْتَمَلَ، صِدْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُمَا مُوسِرَانِ أَوْ مُعْسِرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرٌ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ حَالَةَ الْإِحْبَالِ.
الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مُوسِرَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَجَمِيعَ قِيمَةِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: وَطِئْتُهَا وَهِيَ مُسْتَوْلَدَتِي، أَوْ يَدَّعِي نِصْفَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُقِرُّ لِلْآخَرِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، وَنِصْفِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَدْتُهَا وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ فَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لِي، وَيُقِرُّ أَيْضًا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ، وَمَا يُقِرُّ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ يُكَذِّبُهُ فِيهِ الْآخَرُ، فَيَسْقُطُ إِقْرَارُهُ بِهِ، وَتَبْقَى دَعْوَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي الْمَهْرِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ، فَإِنِ اقْتَضَى الْحَالُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَعْظُمْ أَثَرُ الِاخْتِلَافِ، وَجَاءَ الْكَلَامُ فِي التَّقَاصِّ، وَإِنْ تَفَاوَتَا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ.
وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِذَا حَلَفَ فَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهِيَ مُسْتَوْلَدَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ، وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِمَا، فَإِذَا مَاتَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مُسْتَوْلَدَةُ الْآخَرِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: يَعْتِقُ نِصْفُهَا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ، وَالرُّويَانِيُّ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ نَصِّهِ فِي «الْأُمِّ» لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا وَقَدْ أَوْلَدَهَا وَشَكَكْنَا هَلْ سَرَى إِحْبَالُ شَرِيكِهِ إِلَى نَصِيبِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ، فَلَا ثَمَرَةَ لِلِاخْتِلَافِ، وَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ عَرَفَ السَّابِقُ وَهُمَا مُعْسِرَانِ.
وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهِ. وَإِنْ مَاتَا فَالْوَلَاءُ لِعَصَبَتِهِمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي «الْأُمِّ» أَنَّ الْوَلَاءَ مَوْقُوفٌ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ.
وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنَ الرَّبِيعِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ حَالَةَ الْمَوْتِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِحَالَةِ الْإِحْبَالِ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِي عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ لِلْمُوسِرِ فِي نَصِيبِهِ، فَلَا مُنَازَعَةَ، وَهُمَا مُتَنَازِعَانِ فِي نَصِيبِ الْمُعْسِرِ، فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُوسِرِ، وَنِصْفُهَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إِنْ مَاتَ الْمُوسِرُ أَوَّلًا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَوَلَاؤُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْمُعْسِرُ بَعْدَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ مَاتَ الْمُعْسِرُ أَوَّلًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوسِرُ بَعْدَهُ، عَتَقَتْ كُلُّهَا وَوَلَاءُ نِصْفِهَا لِوَرَثَتِهِ وَوَلَاءُ النِّصْفِ الْآخَرِ مَوْقُوفٌ، قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: هَذَا إِذَا قُلْنَا لَا تَتَوَقَّفُ سِرَايَةُ الِاسْتِيلَادِ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَتَوَقَّفُ هُنَا الْأَدَاءُ، فَتَكُونُ الْجَارِيَةُ هُنَا مُسْتَوْلَدَتَهُمَا، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا بِلَا وَقْفٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ عَكْسَهُ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ: أَنْتَ وَطِئْتَ أَوَّلًا، فَسَرَى إِلَى نَصِيبِي وَهُمَا مُوسِرَانِ، فَقَالَ الْبَغَوِيُّ: يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِمَا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا لِمَنْ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْآخَرَ سَبَقَهُ بِالِاسْتِيلَادِ، وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَدَ أَوَّلًا، ثُمَّ سَرَى إِلَى نَصِيبِهِ، وَعَتَقَ بِمَوْتِهِ، وَوَلَاءُ ذَلِكَ النِّصْفِ
مَوْقُوفٌ، فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ عَتَقَتْ كُلُّهَا وَوَلَاءُ الْكُلِّ مَوْقُوفٌ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، فَقَالَ الْمُعْسِرُ: سَرَى إِيلَادُكَ إِلَى نَصِيبِي، وَقَالَ الْمُوسِرُ: أَنْتَ أَوْلَدْتَ أَوَّلًا، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى نَصِيبِي تَحَالَفَا، ثُمَّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ مَاتَ الْمُوسِرُ أَوَّلًا عَتَقَتْ كُلُّهَا.
أَمَّا نَصِيبُ الْمُوسِرِ فَبِمَوْتِهِ، وَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهِ، وَأَمَّا نَصِيبُ الْمُعْسِرِ فَبِإِقْرَارِهِ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ. وَإِنْ مَاتَ الْمُعْسِرُ أَوَّلًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهَا شَيْءٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُوسِرَ سَبَقَهُ بِالْإِحْبَالِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُعْسِرُ بَعْدَهُ، عَتَقَتْ كُلُّهَا.
وَوَلَاءُ نَصِيبِ الْمُوسِرِ لِعَصَبَتِهِ، وَنَصِيبُ الْمُوسِرِ مَوْقُوفٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْحُكْمُ الْخَامِسُ: فِي جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
إِحْدَاهَا: إِذَا جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِمَا يُوجِبُهُ قِصَاصُ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ، فَلِمُسْتَحِقِّهِ الْقِصَاصُ. فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ نُظِرَ إِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ، وَكَانَ الْوَاجِبُ مِثْلَ قِيمَتِهِ، أَوْ أَقَلَّ طُولِبَ بِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ، فَهَلْ يُطَالَبُ بِالْأَرْشِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَمْ لَا يُطَالَبُ إِلَّا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَفْدِيَ بِالْأَقَلِّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ السَّيِّدُ، وَإِنْ فَدَى بِالْأَرْشِ، وَزَادَ عَلَى الْقِيمَةِ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِهِ.
فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ، فَقَوْلَانِ كَتَبَرُّعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ وَطَلَبَ مُسْتَحِقُّ الْأَرْشِ تَعْجِيزَهُ، عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ يُبَاعُ كُلُّهُ فِي الْجِنَايَةِ إِنِ اسْتَغْرَقَ الْأَرْشُ قِيمَتَهُ، وَإِلَّا فَيُبَاعُ قَدْرُ الْأَرْشِ، وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِي الْبَاقِي، فَإِذَا أَدَّى حِصَّتَهُ مِنَ النُّجُومِ، عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ.
وَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ مَالِهِ وَيَسْتَدِيمَ الْكِتَابَةَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَرْشِ قَبُولُهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِيهِ شَيْءٌ سَبَقَ.
وَفِيمَا يَفْدِيهِ [بِهِ] قَوْلَانِ، الْجَدِيدُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ، وَالْقَدِيمُ بِالْأَرْشِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ وَيُسَلِّمَهُ لِلْبَيْعِ إِلَّا إِذَا
مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، أَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الْفِدَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ.
وَلَوْ أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنَ النُّجُومِ، أَوْ أَعْتَقَهُ لَزِمَهُ الْفِدَاءُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مُتَعَلَّقَ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، هَذَا إِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَنْفُذُ إِعْتَاقُهُ، وَأَشَارَ ابْنُ كَجٍّ إِلَى خِلَافٍ فِيهِ، كَإِعْتَاقِ الْقِنِّ الْجَانِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ مُسْتَحِقَّ الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ.
فَإِذَا أَعْتَقَهُ وَقَعَ الْعِتْقُ عَنِ الْجِهَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ بِخِلَافِ الْقِنِّ، وَفِيمَا يَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِهِ طَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ.
وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْأَقَلِّ بِخِلَافِ حَالِ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ هُنَاكَ وَكَمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بِإِعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ فِدَاؤُهُ، يَلْزَمُهُ بِإِعْتَاقِهِ فِدَاءُ ابْنِ الْمُكَاتَبِ وَأَبِيهِ إِذَا تَكَاتَبَا عَلَيْهِ وَجَنَيَا؛ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِإِعْتَاقِهِ.
وَلَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِأَدَاءِ النُّجُومِ، لَزِمَهُ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فَدَاؤُهُ، وَفِيمَا يَلْزَمُهُ الطَّرِيقَانِ. وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَاتٍ، وَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنِ النُّجُومِ لَزِمَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ، فَإِنْ أَدَّى النُّجُومَ وَعَتَقَ، فَضَمَانُ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا الَّذِي يَلْزَمُهُمَا فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَاتُ مَعًا بِأَنْ قَتَلَ جَمَاعَةً بِضَرْبَةٍ، أَوْ هَدَمَ عَلَيْهِمْ جِدَارًا، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، كَالْجِنَايَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَالْجَدِيدُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا وَقِيمَتُهُ وَالْقَدِيمُ وُجُوبُ الْأُرُوشِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَاتُ مُتَفَرِّقَةً فَالْقَدِيمُ بِحَالِهِ، وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ أَيْضًا بِحَالِهِ، فَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنَ الْأُرُوشِ كُلِّهَا وَقِيمَتُهُ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ لِكُلِّ جِنَايَةٍ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِهَا وَالْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ عَقِبَ كُلِّ جِنَايَةٍ، وَبِالْإِعْتَاقِ فَوْتُ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ أَحْدَثَ لِكُلِّ جِنَايَةٍ مَنْعًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ مِمَّا فِي يَدِهِ عَنِ الْجِنَايَاتِ، فَطَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ عَنِ الْجَدِيدِ، وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ [كُلِّ] جِنَايَةٍ وَالْقِيمَةِ.
وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا فِي يَدِهِ الْأَقَلُّ
مِنْ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا وَمِنْ قِيمَتِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ، وَسَأَلَ الْمُسْتَحِقُّونَ تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ وَيُبَاعُ، وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى أَقْدَارِ الْأُرُوشِ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَعْضُهُمْ قُسِّمَ عَلَى الْبَاقِينَ، وَإِنِ اخْتَارَ السَّيِّدُ فِدَاءَهُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ لَمْ يُبَعْ وَفِيمَا يَفْدِيهِ [بِهِ] الْقَوْلَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى عَبْدِ سَيِّدِهِ أَوْ عَلَى طَرَفِ سَيِّدِهِ، فَلَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَتَلَ السَّيِّدَ فَلِلْوَارِثِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ تَعَلَّقَ الْوَاجِبُ بِمَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَأَجْنَبِيٍّ، وَهَلِ الْوَاجِبُ الْأَرْشُ أَمْ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ.
فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْأَرْشُ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْقِيمَةِ، فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَهُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: فِيهِ الْخِلَافُ فِي هِبَتِهِ لِسَيِّدِهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ: لِلسَّيِّدِ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْقَبُولِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ إِذَا أَمْكَنَ أَدَاؤُهُ وَأَدَاءُ مَالِ الْكِتَابَةِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ لَا يَفِي بِالْأَرْشِ هَلْ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ بِسَبَبِ الْأَرْشِ؟ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَجَّزَهُ سَقَطَ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا عَجَّزَهُ أَجْنَبِيٌّ، فَإِنَّ الْأَرْشَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، وَيَسْتَفِيدُ رَدَّهُ إِلَى الرِّقِّ الْمَحْضِ وَإِذَا عَجَزَ بِسَبَبِ الْأَرْشِ أَوِ النُّجُومِ وَرَقَّ، فَهَلْ يَسْقُطُ الْأَرْشُ أَمْ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَعْتِقَ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ، وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ دَيْنٌ، فَمَلَكَهُ هَلْ يَسْقُطُ. وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى طَرَفِ ابْنِ سَيِّدِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ تُثْبِتُ الْقِصَاصَ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ عَفَا أَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ عَنِ النُّجُومِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ سَقَطَ الْأَرْشُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ تَعَلَّقَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَوْ أَدَّى النُّجُومَ فَعَتَقَ لَمْ يَسْقُطِ الْوَاجِبُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يَسْقُطُ إِذَا جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَأَدَّى النُّجُومَ وَعَتَقَ، ثُمَّ الْوَاجِبُ الْأَرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، هَذَا هُوَ الْمُذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا جَنَى عَبْدُ الْمُكَاتَبِ فَجِنَايَتُهُ إِمَّا عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَإِمَّا عَلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ، وَإِمَّا سَيِّدِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَلَهُ الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمُكَاتَبُ، وَهَلْ يَفْدِيهِ بِالْأَرْشِ أَمْ بِالْأَقَلِّ؟ قَوْلَانِ، وَقِيلَ بِالْأَقَلِّ قَطْعًا.
فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَرْشِ، وَكَانَ قَدْرَ قِيَمْتِهِ أَوْ أَقَلَّ فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِلُّ وَفِي جَوَازِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ قَوْلَانِ، كَتَبَرُّعِهِ.
وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِيهِ أَوْجُهٌ، الْأَصَحُّ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : يَوْمُ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَعَلُّقِ الْأَرْشِ، وَالثَّانِي: يَوْمُ الِانْدِمَالِ، وَالثَّالِثُ: يَوْمُ الْفِدَاءِ، وَالرَّابِعُ: أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيِ الْجِنَايَةِ وَالْفِدَاءِ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْأُمِّ» قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ بِنَفْسِهِ إِذَا اعْتَبَرْنَا قِيمَتَهُ كَذَلِكَ، هَذَا كُلُّهُ فِي عَبْدِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يَتَكَاتَبْ عَلَيْهِ، أَمَّا مَنْ يُكَاتِبُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ وَوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ إِذَا وُهِبَا لَهُ حَيْثُ يَجُوزُ الْقَبُولُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِإِذْنِهِ قَوْلَانِ كَتَبَرُّعِهِ؛ لِأَنَّ فِدَاءَهُ كَشِرَائِهِ.
وَلَوْ جَنَى بَعْضُ عَبِيدِ الْمُكَاتَبِ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ جَنَى عَبْدُ غَيْرِهِ عَلَى عَبْدِهِ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْمِلْكِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِذْنِ السَّيِّدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ وَالِدَ الْمَقْتُولِ، أَوْ كَانَ فِي عَبِيدِ الْمُكَاتَبِ أَبُوهُ، فَقَتَلَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَقْتَصَّ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمُ ابْنُهُ، فَقَتَلَ
عَبْدًا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ابْنَهُ وَأَبَاهُ إِذَا كَانَا فِي مِلْكِهِ وَجَنَيَا عَلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ جِنَايَةٌ تُوجِبُ الْمَالَ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْأُمِّ» أَمَّا إِذَا جَنَى عَبْدُ الْمُكَاتَبِ [عَلَى الْمُكَاتَبِ] فَلَهُ الِاقْتِصَاصُ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ، لَمْ يَجِبْ إِذْ لَا يَثْبُتُ لِسَيِّدِهِ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِ سَيِّدِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَيُبَاعُ فِي الْأَرْشِ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمُكَاتَبُ.
الرَّابِعَةُ: الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ إِنْ كَانَتْ عَلَى طَرَفِهِ، فَلَهُ الِاقْتِصَاصُ، وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ السَّيِّدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، ثُمَّ إِنِ اقْتَصَّ فَذَاكَ وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ ثَبَتَ الْمَالُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ دُونَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَمِيعِ إِذَا عَفَا مَجَّانًا، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، فَإِنْ قُلْنَا: مُوجِبُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، أَوْ قُلْنَا: يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَلَكِنَّ مُطْلَقَ الْعَفْوِ يُوجِبُ الْمَالَ ثَبَتَ الْأَرْشُ.
وَإِنْ قُلْنَا: يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَمُطْلَقُ الْعَفْوِ لَا يُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَإِنْ عَفَا مَجَّانًا سَقَطَ الْقِصَاصُ، ثُمَّ إِنْ قُلْنَا: مُوجِبُ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَإِنْ قُلْنَا: مُطْلَقُ الْعَفْوِ لَا يُوجِبُ الْمَالَ، وَإِنْ قُلْنَا: يُوجِبُهُ، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْمَالُ إِنْ عَفَا بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، وَبِإِذْنِهِ قَوْلَانِ، كَتَبَرُّعِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَإِنْ عَفَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا تُوجِبُ الْمَالَ، وَإِنَّمَا تُثْبِتُهُ إِذَا اخْتَارَهُ أَوْ عَفَا مُطْلَقًا عَلَى قَوْلٍ، فَإِذَا عَفَا مَجَّانًا، فَقَدْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ بِالْعَفْوِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَسْبِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِإِذْنِهِ قَوْلَانِ.
وَحَيْثُ ثَبَتَ الْمَالُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِهِ فَهُوَ لِلْمُكَاتَبِ يَسْتَعِينُ بِهِ
عَلَى أَدَاءِ النُّجُومِ. وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ فِي الْحَالِ أَمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِانْدِمَالِ؟ قَوْلَانِ، كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّهُ فِي الْحَالِ قَطْعًا مُبَادَرَةً إِلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَتَوَقَّفُ عَلَى الِانْدِمَالِ وَقَدْ قُطِعَتْ يَدُهُ، نُظِرَ إِنْ سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى النَّفْسِ، انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ، وَعَلَى الْجَانِي الْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، وَإِنِ انْدَمَلَتْ، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا أَخَذَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ النُّجُومَ، فَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ وَاتَّحَدَ الْحَقَّانِ جِنْسًا وَصِفَةً، فَفِيهِ أَقْوَالُ التَّقَاصِّ، فَيَأْخُذُ مَنْ لَهُ الْفَضْلُ الْفَضْلَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ دِيَةِ حُرٍّ أَوْ أَقَلَّ، فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَسْرِي إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَيَعُودُ الْوَاجِبُ إِلَى دِيَةٍ.
وَإِذَا أَخَذَ مَالَهُ أَخَذَهُ ثُمَّ انْدَمَلَتِ الْجِرَاحَةُ، فَقَدِ اسْتَقَرَّ الْأَرْشُ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ، نُظِرَ إِنْ سَرَتْ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا، فَلِلسَّيِّدِ مُطَالَبَتُهُ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ السَّيِّدَ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَأَخَذَ أَكْسَابَهُ، وَإِنْ كَانَتِ السِّرَايَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ النُّجُومِ، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا فَعَلَيْهِ تَمَامُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الضَّمَانِ بِحَالِ الِاسْتِقْرَارِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِلسَّيِّدِ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي السَّيِّدَ، فَعَلَيْهِ تَمَامُ الدِّيَةِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَحَ عَبْدَهُ الْقِنَّ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْجِنَايَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ هُنَاكَ وَهُنَا مَضْمُونٌ.
وَلَوْ حَصَلَ الْعِتْقُ بِالتَّقَاصِّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ حَصَلَ بِالْأَدَاءِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ التَّقَاصِّ كَوْنُ الدِّيَةِ إِبِلًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الِابْتِدَاءِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَالتَّقَاصُّ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ، ثُمَّ إِنْ سَرَتِ الْجِنَايَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَجَبَ الْفَاضِلُ مِنَ الْإِبِلِ.
وَلَوْ عَفَا الْمُكَاتَبُ عَنِ الْمَالِ، وَلَمْ نُصَحِّحْ عَفْوَهُ، ثُمَّ