المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَحَكَى صَاحِبُ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٢

[النووي]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَحَكَى صَاحِبُ

‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَوْلًا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَكَاتِبُوهُمْ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ، كَمَا لَا يَجِبُ التَّدْبِيرُ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ، فَتُسْتَحَبُّ الْإِجَابَةُ إِذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ وَكَانَ أَمِينًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، فَإِنْ فُقِدَ الشَّرْطَانِ، لَمْ يُسْتَحَبَّ، وَلَكِنْ لَا يُكْرَهُ ; لِأَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إِلَى الْعِتْقِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يُكْرَهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ فُقِدَتِ الْأَمَانَةُ، وَقَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ، لَمْ يُسْتَحَبَّ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ دُونَ الِاسْتِحْبَابِ مَعَ الشَّرْطَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا بِلَا كَسْبٍ، لَمْ يُسْتَحَبَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ طَلَبَ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ، فَامْتَنَعَ الْعَبْدُ، لَمْ يُجْبِرْهُ. وَفِي الْكِتَابَةِ بَابَانِ:

الْأَوَّلُ: فِي أَرْكَانِ الْكِتَابَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:

الْأَوَّلُ: الصِّيغَةُ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا تُؤَدِّيهِ إِلَيَّ فِي نَجْمَيْنِ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا أَدَّيْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ قَبِلْتُ. وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْأَدَاءِ، لَكِنْ نَوَاهُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا، صَحَّتِ الْكِتَابَةُ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْلِيقِ، وَلَا نَوَاهُ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْعِتْقُ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ مِنَ التَّدْبِيرِ قَوْلًا أَنَّ لَفْظَ الْكِتَابَةِ صَرِيحٌ مُغَنٍّ عَنِ التَّصْرِيحِ بِالتَّعَلُّقِ وَنِيَّتِهِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي التَّدْبِيرِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَقِيهًا، صَحَّتْ كِتَابَتُهُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعْلِيقِ أَوْ نِيَّتِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ أَنَّ التَّدْبِيرَ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ،

ص: 209

وَالْكِتَابَةُ لَا يَعْرِفُهَا الْعَوَامُّ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ قَرِيبَ الْإِسْلَامِ، أَوْ جَاهِلًا بِالْأَحْكَامِ لَا يَعْرِفُ التَّدْبِيرَ، لَمْ يَنْعَقِدْ تَدْبِيرُهُ بِمُجَرَّدِ لَفْظَةِ التَّدْبِيرِ، حَتَّى تَنْضَمَّ إِلَيْهِ نِيَّةٌ أَوْ زِيَادَةُ لَفْظٍ. وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ إِنْ ذَكَرَ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الْكِتَابَةُ عَنِ الْمُخَارَجَةِ، كَفَى، كَقَوْلِهِ: تُعَامِلُنِي أَوْ أَضْمَنُ لَكَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، أَوْ يَسْتَحِقُّ مِنِّي الْإِيتَاءَ، أَوْ مِنَ النَّاسِ سَهْمَ الرِّقَابِ، فَيَكْفِي عَنْ تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْأَدَاءِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ: كَاتَبْتُكَ، وَحْدَهُ، كَمَا إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا.

فَرْعٌ

قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ، فَقَبِلَ، عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَثَبَتَ الْأَلْفُ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ، فَقَبِلَتْ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفًا، أَوْ أَدَّيْتَ لِي أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. فَلَوْ أَعْطَاهُ مَنْ مَالِ غَيْرِهِ، هَلْ يَعْتِقُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا. وَالثَّانِي: نَعَمْ، فَعَلَى هَذَا هَلْ سَبِيلُهُ سَبِيلُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ، أَمْ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ؟ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ، رَدَّ السَّيِّدُ مَا أَخَذَ، وَرَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ، وَتَبِعَهُ كَسْبُهُ وَأَوْلَادُهُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ.

وَإِنْ قُلْنَا: تَعْلِيقٌ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، وَلَا يَتْبَعُهُ الْكَسْبُ وَالْوَلَدُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ مَغْصُوبًا، وَقُلْنَا: تُطَلَّقُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلِالْتِزَامِ وَقْتَ الْمُخَاطَبَةِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ.

ص: 210

فَرْعٌ

قَالَ لِعَبْدِهِ: بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِكَذَا، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ، أَوْ قَالَ الْعَبْدُ: بِعْنِي نَفْسِي بِكَذَا، فَقَالَ: بِعْتُكَ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ، وَعَتَقَ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ. وَذَكَرَ الرَّبِيعُ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. فَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ أَثْبَتَهُ قَوْلًا ضَعِيفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ وَقَالَ: هُوَ تَخْرِيجٌ لَهُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلسَّيِّدِ الْوَلَاءُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ. وَلَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ، فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ، عَتَقَ بِالْإِقْرَارِ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِهَذِهِ الْعَيْنِ، أَوْ بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَهُ لَهُ، وَأَثْبَتْنَا الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ، عَتَقَ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُكَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَعْتِقْ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِخَمْرٍ. وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ، أَوْ مَلَّكْتُكَ، فَقَبِلَ، عَتَقَ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ، فَقَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ، عَتَقَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى عِوَضٍ، وَبَيْعَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ، يُشَارِكَانِ الْكِتَابَةَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَضَمَّنُ إِعْتَاقًا بَعِوَضٍ، وَيُفَارِقَانِهَا فِي الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ، وَهُمَا عَقْدَانِ مُسْتَقِلَّانِ.

الرُّكْنُ الثَّانِي: الْعِوَضُ، وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا، إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ فِي الْحَالِ فَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ شَخْصٍ بَاقِيهِ حُرٌّ، وَكَاتَبَهُ فِي مِلْكِهِ بِدَيْنٍ حَالٍّ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ، فَلَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِمُعْسِرٍ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ

ص: 211

مَظِنَّةُ الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا آخَرَ. فَلَوْ زَادَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ، فَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ. وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَ إِلَى مُكَاتَبِهِ عَقِبَ الْكِتَابَةِ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ.

الثَّانِي: أَنْ يُنَجِّمَ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا. وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي كِتَابَةِ الرَّقِيقِ مِنْهُ التَّنْجِيمُ؟ وَجْهَانِ كَالتَّأْجِيلِ، وَهَلْ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ إِلَى نَجْمَيْنِ قَصِيرَيْنِ، أَوْ إِلَى طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ، بِشَرْطِ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ فِي الْقَصِيرِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إِلَى مُعْسِرٍ فِي مَالٍ كَثِيرٍ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ النَّادِرَ كَالْمَعْجُوزِ عَنْهُ، كَمَا فِي السَّلَمِ، وَيَجُوزُ جَعْلُ الْعِوَضِ مَنْفَعَةً، كَبِنَاءِ دَارٍ، وَخِيَاطَةٍ، وَخِدْمَةِ شَهْرٍ، كَمَا يَجُوزُ جَعْلُ الْمَنْفَعَةِ ثَمَنًا وَأُجْرَةً وَمَهْرًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِخِدْمَةِ شَهْرٍ، أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ سَنَةٍ، وَيُقَدِّرُ كُلَّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ نَجْمًا، أَوْ كُلَّ شَهْرٍ ; لِأَنَّ الْجَمِيعَ نَجْمٌ وَاحِدٌ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالِ. فَلَوْ شَرَطَ صَرِيحًا كَوْنَ خِدْمَةِ شَهْرٍ نَجْمًا، وَخِدْمَةُ الشَّهْرِ بَعْدَهُ نَجْمًا آخَرَ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّهْرِ الثَّانِي مُتَعَيِّنَةٌ، وَالْمَنَافِعُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ تَأْخِيرِهَا. وَلَوِ انْقَطَعَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ عَنْ آخِرِ الْأُولَى كَخِدْمَةِ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ.

ثُمَّ يُشْتَرَطُ أَنْ تَتَّصِلَ الْخِدْمَةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا، كَمَا

ص: 212

أَنَّ عَيْنَ الْمَبِيعِ لَا يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ وَتَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ. فَلَوْ كَاتَبَهُ فِي رَمَضَانَ عَلَى خِدْمَةِ شَوَّالٍ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دِينَارٍ يُؤَدِّيهِ فِي آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ، وَعَلَى خِدْمَةِ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ، لَمْ يَصِحَّ.

وَأَمَّا الْمَنَافِعُ الْمُلْتَزَمَةُ فِي الذِّمَّةِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، وَبِنَاءِ جِدَارٍ مَوْصُوفٍ، وَدَارٍ مَوْصُوفَةٍ، فَيَجُوزُ فِيهَا التَّأْجِيلُ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى بِنَاءِ دَارَيْنِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا، صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ مِنَ الْآنِ، وَعَلَى دِينَارٍ بَعْدَ انْقِضَائِهِ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، جَازَ. وَلَوْ قَالَ: وَعَلَى دِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: الْجَوَازُ، قَالُوا: وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِ الْمَنْفَعَةِ حَالَّةً لِأَنَّ التَّأْجِيلَ يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْخِدْمَةِ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى دِينَارَيْنِ، أَحَدُهُمَا حَالٌّ، وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ أَطْلَقُوا اشْتِرَاطَهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تُقَدَّرُ عَلَى الشُّرُوعِ فِيهَا فِي الْحَالِ. وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، كَقَوْلِهِ: وَدِينَارٍ بَعْدَ الْعَقْدِ بِيَوْمٍ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَلَوْ قَالَ: عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَعَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَدِينَارٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ. وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْعَمَلِ فِي الْخِدْمَةِ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يَكْفِي إِطْلَاقُ الْخِدْمَةِ، لَكِنْ لَوْ قَالَ: عَلَى مَنْفَعَةِ شَهْرٍ، لَمْ يَصِحَّ، لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ. وَإِذَا كَاتَبَ عَلَى خِدْمَةٍ وَدِينَارٍ، فَمَرِضَ فِي الشَّهْرِ، وَفَاتَتِ الْخِدْمَةُ، انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ فِي قَدْرِ الْخِدْمَةِ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَقِيلَ: تَبْطُلُ فِيهِ قَطْعًا ; لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي بَعْضِ الْعَبْدِ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ، فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَفِي الْبَاقِي طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَالثَّانِي: قَوْلَانِ.

ص: 213

فَرْعٌ

إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي، أَوْ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي أَبَدًا، فَقَبِلَ الْعَبْدُ، عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي شَهْرًا مِنَ الْآنِ، فَقَبِلَ، عَتَقَ، وَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِمَرَضٍ وَغَيْرِهِ، فَفِيمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِهِ مِنْ أُجْرَةٍ مِثْلِ الْخِدْمَةِ، أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ قَوْلَانِ، كَالصَّدَاقِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ إِذَا تَلِفَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي أَبَدًا، لَمْ يَعْتِقْ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي شَهْرًا، فَقَبِلَ وَخَدَمَهُ شَهْرًا، عَتَقَ، وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَهُوَ عَلَى السَّيِّدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْخِدْمَةِ ; لِأَنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ خَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، لَمْ يَعْتِقْ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: بَيَانُ قَدْرِ الْعِوَضِ وَالْأَجَلِ، فَيُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْعِوَضِ وَصِفَتِهِ، وَأَقْدَارُ الْآجَالِ، وَمَا يُؤَدَّى عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ نَجْمٍ. فَإِنْ كَاتَبَ عَلَى نَقْدٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ إِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ مُنْفَرِدٌ أَوْ غَالِبٌ، وَإِلَّا، فَيُشْتَرَطُ التَّبْيِينُ. وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى عَرَضٍ، وَصَفَهُ بِالصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْمُسَلَّمِ، وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَنِصْفَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَنِصْفَهُ الْآخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ سَنَتَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ النِّصْفَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، تَعَيَّنَ النِّصْفُ الثَّانِي لِلثَّانِيَةِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْأَجَلِ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْآجَالِ، وَلَا الْأَقْدَارِ الْمُؤَدَّاةِ فِي آخِرِ الْآجَالِ.

وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ خَمْسٍ، وَالْبَاقِي عِنْدَ تَمَامِ الْعَشْرِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عِنْدَ تَمَامِ

ص: 214

كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةً، جَازَ. وَلَوْ قَالَ: تُؤَدِّي بَعْضَهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ نِصْفِ الْمُدَّةِ، وَالْبَاقِي عِنْدَ تَمَامِهَا، لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ قَالَ: تُؤَدِّيهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَيُوَزَّعُ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ السِّنِينَ. وَلَوْ قَالَ: فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَفِي سَنَةٍ كَذَا، فَهَلْ هُوَ مَجْهُولٌ، أَمْ يُحْمَلُ عَلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ؟ وَجْهَانِ، كَنَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: فِي يَوْمِ كَذَا.

وَلَوْ قَالَ: فِي وَسَطِ السَّنَةِ، فَهَلْ هُوَ مَجْهُولٌ، أَمْ يُحْمَلُ عَلَى نِصْفِهَا ; لِأَنَّهُ الْوَسَطُ الْحَقِيقِيُّ؟ وَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ: تُؤَدِّيهَا إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ كِتَابَةٌ إِلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى مِائَةٍ تُؤَدِّيهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، قَسَّطَ كُلَّ شَهْرٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، جَوَّزَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَمَنَعَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ حِصَّةُ كُلِّ شَهْرٍ. وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ، وَدِينَارَيْنِ إِلَى شَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَدَّى الْأَوَّلَ، عَتَقَ، وَيُؤَدِّي الدِّينَارَيْنِ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَفِي صِحَّةِ الْكِتَابَةِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إِذَا جَمَعَتِ الصَّفْقَةُ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.

فَرْعٌ

هَلْ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ تَسْلِيمِ النُّجُومِ؟ ذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي السَّلَمِ، وَذَكَرَ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَوْ عُيِّنَ مَوْضِعٌ، فَخَرِبَ، هَلْ يُسَلَّمُ فِيهِ، أَمْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إِلَيْهِ.

فَرْعٌ

لَوْ كَاتَبَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، فَسَدَتِ الْكِتَابَةُ، فَإِنْ أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ فِي أَنْ يُعْطِيَهُ لِسَيِّدِهِ فَأَعْطَاهُ، عَتَقَ، وَإِنْ أَعْطَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ، لَمْ يَعْتِقْ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ: إِنْ أَدَّيْتَ إِلَيَّ هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ إِذَا أَدَّاهُ، عَتَقَ،

ص: 215

وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ، وَهَذِهِ كِتَابَةٌ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، فَإِذَا وُجِدَ إِذْنُ الْمَالِكِ، وُجِدَ مَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ، لَكِنْ يَجِبُ الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْقِيمَةِ لِفَسَادِ الْكِتَابَةِ.

فَرْعٌ

إِذَا شَرَطَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ، فَسَدَتِ الْكِتَابَةُ. وَلَوْ كَاتَبَهُ وَبَاعَهُ شَيْئًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ، كَقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةٍ إِلَى شَهْرَيْنِ، تُؤَدِّي نِصْفَهَا فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ، فَإِذَا أَدَّيْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَقَالَ: قَبِلْتُ الْكِتَابَةَ وَالْبَيْعَ، أَوِ الْبَيْعَ وَالْكِتَابَةَ، أَوْ قَبِلْتُهُمَا، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ، فَفِي قَوْلٍ: يَصِحَّانِ، وَفِي قَوْلٍ: يَبْطُلَانِ.

وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ: يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَيَصِحُّ بِجَمِيعِ الْعِوَضِ فِي قَوْلٍ، وَبِالْقِسْطِ عَلَى الْأَظْهَرِ، فَيُوَزَّعُ مَا سَمَّاهُ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَقِيمَةِ الثَّوْبِ، فَمَا خَصَّ الْعَبْدَ، لَزِمَهُ فِي النَّجْمَيْنِ، فَإِذَا أَدَّاهُ، عَتَقَ. وَإِنْ قُلْنَا: فَاسِدَةٌ، لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْمَالِ لِيُحَقِّقَ الصِّفَةَ ثُمَّ يَتَرَاجَعَانِ. قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَرَّجَ قَوْلٌ: أَنَّهُ إِذَا أَدَّى مَا يَخُصُّ قِيمَتَهُ، عَتَقَ ثُمَّ يَتَرَاجَعَانِ.

فَرْعٌ

كَاتَبَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ صَفْقَةً، فَقَالَ: كَاتَبْتُكُمْ عَلَى أَلْفٍ إِلَى وَقْتَيْ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَدَّيْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ، فَالنَّصُّ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ. وَلَوْ

ص: 216

اشْتَرَى رَجُلٌ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ، كُلُّ عَبْدٍ لِرَجُلٍ مِنْ مُلَّاكِهِمْ صَفْقَةً، فَالنَّصُّ بُطْلَانُ الْبَيْعِ. وَلَوْ نَكَحَ نِسْوَةً، أَوْ خَالَعَهُنَّ عَلَى عِوَضٍ وَاحِدٍ، فَفِي صِحَّةِ الْمُسَمَّى قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الطُّرُقِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ، فَإِنْ أَفْسَدْنَا هَذِهِ الْكِتَابَةَ، فَأَدَّوُا الْمَالَ، عَتَقُوا بِالتَّعْلِيقِ، وَإِنْ أَدَّ بَعْضُهُمْ حِصَّتَهُ، فَهَلْ يَعْتِقُ؟ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ.

أَصَحُّهُمَا: لَا، لِعَدَمِ كَمَالِ الصِّفَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتُمُ الدَّارَ، فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ، فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ، لَا يَعْتِقُ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلِهَذَا يَتَرَاجَعَانِ. وَمُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ أَنْ يَعْتِقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ، ثُمَّ مَنْ عَتَقَ رَجَعَ عَلَى السَّيِّدِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ ; لِأَنَّ سُلْطَةَ السَّيِّدِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْعِتْقِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ صَحَّحْنَا الْكِتَابَةَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمْ. ثُمَّ الْمَذْهَبُ تَوْزِيعُهُ عَلَى قِيمَتِهِمْ لَا عَلَى عَدَدِهِمْ، ثُمَّ كُلُّ عَبْدٍ يُؤَدِّي حِصَّتَهُ مِنَ النَّجْمَيْنِ، فَإِذَا أَدَّاهَا، عَتَقَ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى أَدَاءِ غَيْرِهِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ، أَوْ عَجَزَ، فَهُوَ رَقِيقٌ، وَيَعْتِقُ غَيْرُهُ بِالْأَدَاءِ، وَلَا يُقَالُ: عُلِّقَ بِأَدَائِهِمْ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ، وَلِهَذَا إِذَا أَبْرَأَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ، عَتَقَ، وَإِذَا مَاتَ، لَمْ تَبْطُلِ الْكِتَابَةُ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقَاتِ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: السَّيِّدُ، وَشَرْطُهُ: كَوْنُهُ مُخْتَارًا، مُكَلَّفًا، أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، فَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَلَا إِعْتَاقُهُمَا عَلَى مَالٍ، وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ. وَلَا كِتَابَةُ وَلِيِّهِمَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا إِعْتَاقُهُ عَبْدَهُمَا

ص: 217

بِمَالٍ. فَلَوْ أَدَّى الْعَبْدُ إِلَى الْوَلِيِّ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، لَمْ يَعْتِقْ لِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ، وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَيْهِ، لَا فِي الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ. وَحَكَى الْفُورَانِيُّ خِلَافًا فِيمَا لَوْ سَلَّمَ الْمَالَ إِلَيْهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ ثُمَّ ارْتَفَعَ حَجْرُهُ، أَنَّهُ هَلْ يَعْتِقُ بِالتَّسْلِيمِ السَّابِقِ؟ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.

فَرْعٌ

الْمَرِيضُ إِذَا كَاتَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، اعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، ثُمَّ إِنْ كَانَ يَمْلِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ، صَحَّتِ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ، وَأَدَّى فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَ كَاتَبَهُ عَلَى مِثْلَيْ قِيمَتِهِ، عَتَقَ كُلُّهُ ; لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ كَاتَبَهُ عَلَى مِثْلِ قِيمَتِهِ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ. وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مِثْلِ قِيمَتِهِ، وَأَدَّى نِصْفَ النُّجُومِ، صَحَّتِ الْكِتَابَةُ فِي نِصْفِهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ، وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَثُلُثُهُ مُكَاتَبٌ، فَإِذَا أَدَّى حِصَّتَهُ مِنَ النُّجُومِ، عَتَقَ. وَهَلْ يُزَادُ فِي الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا أَدَّى، وَهُوَ سُدُسُ الْعَبْدِ؟ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: لَا ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بَطَلَتْ فِي الثُّلُثَيْنِ، فَلَا تَعُودُ، وَالثَّانِي: نَعَمْ، كَمَا لَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ دَفِينٌ، أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فِي الْحَيَاةِ، فَيُعْقَلُ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ يُزَادُ فِي الْكِتَابَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: يُزَادُ، وَكَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ حِصَّةُ السُّدُسِ مِنَ النُّجُومِ فِي الْحَالِ، أَمْ يُضْرَبُ لَهُ مِثْلُ الْمُدَّةِ الَّتِي

ص: 218

ضَرَبَهَا الْمَيِّتُ أَوَّلًا؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا إِذَا حَبَسَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ مُدَّةً، فَإِذَا زِيدَتِ الْكِتَابَةُ بِقَدْرِ السُّدُسِ، فَأَدَّى نُجُومَهُ، يَزْدَادُ نِصْفُ السُّدُسِ، وَهَكَذَا يُزَادُ نِصْفُ مَا يُؤَدِّي مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَا لَا يَقْبَلُ التَّنْصِيفَ.

وَإِنْ قُلْنَا لَا يُزَادُ فِي الْكِتَابَةِ، فَالْبَاقِي قِنٌّ، وَلَا يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْ مُشْتَرَكٍ، فَإِنَّ ذَاكَ ابْتِدَاءَ كِتَابَةٍ، وَهُنَا وَرَدَتِ الْكِتَابَةُ عَلَى الْجَمِيعِ، ثُمَّ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إِلَى إِبْطَالِ الْبَعْضِ. وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ بَعْضِهِمْ تَخْرِيجَ صِحَّةِ الْكِتَابَةِ فِي الثُّلُثِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُشْتَرَكِ.

أَمَّا إِذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْكِتَابَةَ فِي جَمِيعِهِ، فَيَصِحُّ فِي جَمِيعِهِ، فَإِذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ، فَوَلَاءُ الْجَمِيعِ لِلْمُوَرَّثِ إِنْ قُلْنَا: إِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ، وَإِنْ قُلْنَا: ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، فَوَلَاءُ الثُّلُثِ لِلْمُوَرَّثِ وَالثُّلُثَيْنِ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. وَإِنْ أَجَازُوا بَعْضَ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ، صَحَّتْ فِيمَا أَجَازُوا، وَحُكْمُ الْبَاقِي مَا سَبَقَ. وَإِنْ قُلْنَا: عَطِيَّةٌ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَبْعِيضِ الْكِتَابَةِ. وَلَوْ كَانَ عَبْدَانِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا، وَكَاتَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَحَدَهُمَا، وَبِالْآخَرِ نَسِيئَةً، نُظِرَ، إِنْ حَصَّلَ الثَّمَنَ وَالنُّجُومَ فِي حَيَاتِهِ، فَالْكِتَابَةُ وَالْبَيْعُ صَحِيحَانِ وَإِنْ لَمْ يُحَصِّلْ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ، وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، صَحَّتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِ هَذَا، وَالْبَيْعُ فِي ثُلُثِ ذَاكَ، فَإِذَا حَصَلَتْ نُجُومُ الثُّلُثِ، وَثَمَنُ الثُّلُثِ، فَهَلْ يُزَادُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، يَقَعُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَصُحِّحَتِ الْكِتَابَةُ فِي نِصْفِ سُدُسٍ، وَكَذَا الْبَيْعُ، وَإِنْ حَصَلَتْ نُجُومُ الثُّلُثِ وَثَمَنُ الثُّلُثِ مَعًا، صُحِّحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي السُّدُسِ.

وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ عَنِ النُّجُومِ فِي الْمَرَضِ، أَوْ

ص: 219