الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّابِعَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، فَلَوْ كَاتَبَهُ، فَأَدَّى الْمَالَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا يَتَزَوَّجَ، وَلَا يُزَوِّجَ عَبْدَهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُؤَنِ، وَلَا يَتَزَوَّجَ الْمُكَاتَبَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُهَا.
وَلَهُ شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّسَرِّي خَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ فِي الطَّلْقِ، وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَبْعُدُ إِجْرَاءُ الْوَجْهَيْنِ فِي وَطْءِ مَنْ يُؤْمَنُ حَبَلُهَا كَمَا فِي الْمَرْهُونَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا غَيْرُ مَرَضِيٍّ.
الثَّامِنَةُ: إِذَا لَزِمَ الْمُكَاتَبَ كَفَّارَةُ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ، أَوْ وَطْءٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ يَمِينٍ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ بِتَمَامٍ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِجِهَةِ الْكِتَابَةِ.
فَرْعٌ
جَمِيعُ مَا مَنَعْنَاهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ أَذِنَ فَسَنَذْكُرُهُ عَقِيبَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ
وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَمَامٍ.
فَصْلٌ
تَبَرُّعَاتُ الْمُكَاتَبِ وَتَصَرُّفَاتُهُ الْمُحَظَّرَةُ كَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَقَارِبِ، وَالْإِقْرَاضِ وَالْقِرَاضِ وَالْبَيْعِ بِمُحَابَاةٍ وَبِنَسِيئَةٍ، وَتَعْجِيلِ
الْمُؤَجَّلِ وَنَحْوِهَا، إِنْ جَرَتْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَمَنْقُولُ الْمُزَنِيِّ وَالْمَنْصُوصُ فِي «الْأُمِّ» صِحَّتُهَا.
وَنَقَلَ الرَّبِيعُ قَوْلًا آخَرَ بِالْمَنْعِ. وَنَصَّ أَنَّ اخْتِلَاعَ الْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ لَا يَجُوزُ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الصِّحَّةُ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ مَا سِوَى الْخُلْعِ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ هُوَ. وَعَنِ ابْنِ سَلَمَةَ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ أَيْضًا. وَلَوْ وُهِبَ لِلسَّيِّدِ أَوْ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَقَبِلَ لَهُ السَّيِّدُ، أَوْ أَقْرَضَهُ، أَوْ بَاعَهُ نَسِيئَةً أَوْ بِمُحَابَاةٍ أَوْ عَجَّلَ لَهُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا غَيْرَ النُّجُومِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا وَهَبَ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ قَطْعًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ، فَيَجْعَلَ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، فَجَوَازُ الْهِبَةِ أَوْلَى.
وَلَوْ وَهَبَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَرَجَعَ عَنِ الْإِذْنِ قَبْلَ إِقْبَاضِ الْمَوْهُوبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِقْبَاضُهُ. وَلَوِ اشْتَرَى قَرِيبَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَفِي صِحَّتِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ يُكَاتِبْ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: الْقَطْعُ [بِالصِّحَةِ] ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَفِيدُ مِنْ أَكْسَابِهِ، وَفِيهِ صِلَةُ الرَّحِمِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ عَنْ سَيِّدِهِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، فَهُوَ كَتَبَرُّعِهِ بِالْإِذْنِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِتَضَمُّنِهِ الْوَلَاءَ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ أَهْلًا لِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ كَالْقِنِّ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَلِمَنْ يَكُونُ وَلَاءُ الْعَتِيقِ؟ قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ، وَوَقْفُ الْوَلَاءِ بِعِيدٌ، وَأَظْهَرُهُمَا: يُوقَفُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَالسَّيِّدُ لَمْ يُعْتِقْ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَانَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا كَانَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ عَجَّزَهُ وَرَقَّ، فَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّهُ يَبْقَى التَّوَقُّفُ؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى عِتْقُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.
وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ بِلَا تَوَقُّفٍ؛ لِانْقِطَاعِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ جَعَلْنَا الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ، فَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَفِي انْجِرَارِ الْوَلَاءِ إِلَيْهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيِّ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَكَأَنَّ
السَّيِّدَ أَعْتَقَهُ.
وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ، فَمَاتَ الْعَتِيقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَوْدِهِ إِلَى الرِّقِّ، فَهَلْ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ أَيْضًا، أَمْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ، أَمْ لِبَيْتِ الْمَالِ؟ أَقْوَالٌ.
أَظْهَرُهَا: الْأَوَّلُ. وَلَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَهُوَ كَتَنْجِيزِ الْعِتْقِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ، فَيَعُودُ الطَّرِيقَانِ فِي صِحَّةِ الْكِتَابَةِ وَالْقَوْلَانِ فِي الْوَلَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى الصِّحَّةِ إِذَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ. وَإِنْ عَتَقَ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي، فَوَلَاءُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ.
وَفِي نِكَاحِ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: قَوْلَانِ، كَتَبَرُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ.
وَالثَّانِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ نِكَاحُ الْقِنِّ بِالْإِذْنِ، فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلتَّحْصِينِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا.
وَتَزْوِيجُ الْمُكَاتَبَةِ بِإِذْنِهَا صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا لِضَعْفِ مِلْكِ السَّيِّدِ وَنَقْصِهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ إِذْنُهَا.
وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ فِي التَّسَرِّي بِجَارِيَةٍ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ أَوْ بِالْكُسْوَةِ، فَقَوْلَانِ وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
فَرْعٌ
اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَقَبِلَ صَحَّ، وَمَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ. فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ، صَارَ الْقَرِيبُ لِلسَّيِّدِ، وَعُتِقَ عَلَيْهِ وَلَوِ اشْتَرَى بَعْضَهُ، أَوِ اتَّهَبَهُ، أَوْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ بِهِ، صَحَّ أَيْضًا. وَإِذَا رَقَّ، عَتَقَ ذَلِكَ الشِّقْصُ عَلَى السَّيِّدِ.
وَهَلْ يَسْرِي إِلَى الْبَاقِي؟ إِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا، يَنْظُرُ إِنْ عَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ لَمْ يَسْرِ كَمَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ قَرِيبِهِ، وَإِنْ عَجَّزَهُ السَّيِّدُ، فَوَجْهَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ، وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ قَهْرًا. وَلَوِ اتَّهَبَ
الْعَبْدُ الْقِنَّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ بُنِيَ عَلَى أَنَّ اتِّهَابَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، هَلْ يَنْفُذُ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ.
إِنْ قُلْنَا: لَا، فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ خِيفَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْحَالِ، فَإِنِ اتَّهَبَ زَمَنًا وَالسَّيِّدُ مُوسِرٌ، لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ [لِأَنَّ فِيهِ] إِضْرَارًا بِالسَّيِّدِ.
وَإِنْ لَمْ تَجِبِ النَّفَقَةُ فِي الْحَالِ؛ لِكَوْنِ الْقَرِيبِ كَسُوبًا، أَوِ السَّيِّدِ فَقِيرًا صَحَّ الْقَبُولُ، وَعُتِقَ الْمَوْهُوبُ عَلَى السَّيِّدِ.
وَلَوِ اتَّهَبَ بَعْضَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى السَّيِّدِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَصَحَّحْنَا اتِّهَابَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لُزُومُ النَّفَقَةِ صَحَّ الْقَبُولُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَا يَسْرِي؛ لِحُصُولِ الْمِلْكِ قَهْرًا.
وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَا إِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ أَبَاهُ بِأَلْفٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ فَفِي قَوْلٍ: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَعَتَقَ، وَبَطَلَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ.
وَفِي الثَّانِي: يَصِحُّ، وَلَا يُعْتَقُ وَيُبَاعُ فِي دُيُونِهِمْ. وَفِي «الْوَسِيطِ» وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيُعْتَقُ وَيَسْرِي، وَيُجْعَلُ اخْتِيَارُ الْعَبْدِ كَاخْتِيَارِهِ كَمَا جُعِلَ قَبُولُهُ كَقَبُولِهِ.
وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْوَجْهَ فِي «النِّهَايَةِ» وَإِذَا صَحَّحْنَا اتِّهَابَ الْقِنِّ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ دَخَلَ الْمَوْهُوبُ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ، قَهْرًا كَمَا لَوِ احْتَطَبَ. وَهَلْ لِلسَّيِّدِ رَدُّهُ بَعْدَ قَبُولِ السَّيِّدِ؟ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الرَّشِيدِ قَهْرًا بِعِيدٌ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، كَالْمِلْكِ بِالِاحْتِطَابِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَنْقَطِعُ مِلْكُهُ مِنْ وَقْتِ الرَّدِّ، أَمْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ؟ وَجْهَانِ وَفَائِدَتُهُمَا، لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَبْدًا، وَوَقَعَ هِلَالُ شَوَّالٍ بَيْنَ قَبُولِ الْعَبْدِ وَرَدِّ السَّيِّدِ فِي الْفِطْرَةِ.
فَرْعٌ
وَهَبَ الْمُكَاتَبُ بَعْضَ ابْنِهِ فَقَبِلَهُ، وَصَحَّحْنَا قَبُولَهُ فَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشِّقْصُ. وَهَلْ يُقَوَّمُ الْبَاقِي عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَمَنَعَهُ الْقَفَّالُ.
فَرْعٌ
اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَ سَيِّدِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ بِأَبِي السَّيِّدِ صَحَّ، وَمَلَكَ الْأَبَ، فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ صَارَ الْأَبُ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، فَإِنْ نَقَصَ الْعَيْنُ عُشْرَ قِيمَةِ الْأَبِ، رَجَعَ بِعُشْرِ الِابْنِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ، وَيُعْتَقُ ذَلِكَ الْعُشْرُ، وَلَا يُقَوَّمُ الْبَاقِي عَلَى السَّيِّدِ إِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَكَذَا إِنْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ
ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَطْءُ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَلَوْ وَطِئَ، فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مَهْرٌ لَكَانَ لَهُ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا، فَالْوَلَدُ نَسِيبٌ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ وَهُوَ مُكَاتَبٌ بَعْدُ، فَهُوَ مِلْكُهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ، لَكِنْ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ، وَلَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِضَعْفِ مِلْكِهِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى عِتْقِ الْمُكَاتَبِ إِنْ عَتَقَ
عَتَقَ، وَإِلَّا رَقَّ وَصَارَ لِلسَّيِّدِ، وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً [لَهُ] فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا عُلِّقَتْ بِمَمْلُوكٍ، فَأَشْبَهَتِ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ، وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ بِالِاسْتِيلَادِ فِي الْمِلْكِ، بَلْ لِمَصِيرِهِ مِلْكًا لِأَبِيهِ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ، فَإِنْ عَتَقَ فَفِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ قَوْلَانِ.
فَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ اسْتَقَرَّ الِاسْتِيلَادُ، وَإِنْ عَجَزَ رَقَّتْ مَعَ الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَلَكَهَا، لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ؛ لِأَنَّ بِالْعَجْزِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عُلِّقَتْ بِرَقِيقٍ، وَأَنْ لَا اسْتِيلَادَ.
وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَثْبُتُ فَإِنْ عَجَزَ، ثُمَّ عَتَقَ وَمَلَكَهَا، لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ، فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: قَوْلَانِ، كَمَا لَوِ اسْتَوْلَدَ مَرْهُونَتَهُ، وَبِيعَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُلُوقَ هُنَا بِمَمْلُوكِ هَذَا كُلِّهِ إِذَا وَلَدَتْ وَهُوَ بَعْدُ مُكَاتَبٌ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَإِنْ كَانَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ وَقَعَ فِي الرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ [مِنْ] يَوْمِئِذٍ، فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً.
وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّ هَذَا إِذَا وَطِئَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ حِينِ الْوَطْءِ لِظُهُورِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْوَلَدِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا بِالْوَلَاءِ عَلَى أَبِيهِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي الرِّقِّ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ.
فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، فَالِاسْتِيلَادُ عَلَى الْخِلَافِ.
وَالثَّانِي: يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ وَطِئَ بَعْدَ [الْحُرِّيَّةِ] أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِرَاشًا قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ وَالْفِرَاشُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَهَا، وَإِمْكَانُ الْعُلُوقِ بَعْدَهَا قَائِمٌ، فَيُكْتَفَى بِهِ.
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ: فَإِذَا كَاتَبَ أَمَةً لَهَا وَلَدٌ، فَالْوَلَدُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، فَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَسَدَتْ، فَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَ الْوَلَدُ أَيْضًا بِمُوجِبِ التَّعْلِيقِ.
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا مَالٌ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَهَا، فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَتَيَقَّنَا الْحَمْلَ بِانْفِصَالِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ لَا يُعْرَفُ، فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا.
فَإِنْ قُلْنَا: يُعْرَفُ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمَا، فَإِذَا عَتَقَتْ عَتَقَ.
وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ كِتَابَةٌ، وَإِنْ حَدَثَ الْوَلَدُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ السَّيِّدِ، فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِزِنًا أَوْ نِكَاحٍ، فَهَلْ ثَبَتَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَأَحَبُّهُمَا إِلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : تَثْبُتُ، فَيُعْتَقُ بِعِتْقِ الْأُمِّ بِالْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ أَوِ الْإِعْتَاقِ.
وَقَطَعَ أَبُو إِسْحَاقَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: إِذَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ الْآخَرُ سَاقِطًا، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ مِنَ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْتِزَامٌ.
وَلَوْ عَجَزَتِ الْمُكَاتَبَةُ، أَوْ مَاتَتْ، بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ، وَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ بِلَا خِلَافٍ.
وَلَوْ فَسَخَتِ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ عَتَقَتْ لَمْ يُعْتَقِ الْوَلَدُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا لِجِهَةِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُثْبِتُ الْوَلَدُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ قِنٌّ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَالْوَطْءُ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ أَمَةً وَلَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ الْأُمِّ.
وَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ، فَحَقُّ الْمِلْكِ فِيهِ لِمَنْ [هُوَ] فِيهِ قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ كَمَا أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ لَهُ، وَكَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ لَمَا عَتَقَ بِعِتْقِهَا. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ صُوَرٌ.
مِنْهَا: إِذَا قُتِلَ الْوَلَدُ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: الْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ وَعَلَى الثَّانِي: لِلْمُكَاتَبِ. وَقِيلَ: لِلسَّيِّدِ أَيْضًا.
وَمِنْهَا: كَسْبُ الْوَلَدِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ، وَمَهْرُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ إِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي، فَهِيَ لِلْأُمِّ يَسْتَعِينُ بِهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَيُصْرَفُ مَا يَحْصُلُ إِلَيْهَا يَوْمًا يَوْمًا بِلَا تَوَقُّفٍ.
وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: يُصْرَفُ إِلَى السَّيِّدِ بِلَا تَوَقُّفٍ، كَمَا تُصْرَفُ إِلَيْهِ الْقِيمَةُ.
وَالصَّحِيحُ: التَّوَقُّفُ، فَإِنْ عَتَقَتْ وَعَتَقَ الْوَلَدُ فَهِيَ لَهُ، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ. فَلَوْ أَرَقَّتْ نَفْسَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ النُّجُومِ، فَقَالَ الْوَلَدُ: أَنَا أُؤَدِّي نُجُومَهَا مِنْ كَسْبِي لِتَعْتِقَ فَأَعْتَقَ، قَالَ الْإِمَامُ: لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْعِتْقِ.
وَإِنْ عَجَزَتْ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ كَسْبِ وَلَدِهَا الْمَوْقُوفِ، وَتَسْتَعِينَ [بِهِ] فِي أَدَاءِ النُّجُومِ، فَهَلْ تُجَابُ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: الْمَنْعُ، إِذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي كَسْبِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ، صُرِفَ الْمَوْقُوفُ إِلَى السَّيِّدِ.
وَمِنْهَا: نَفَقَةُ الْوَلَدِ وَهِيَ عَلَى السَّيِّدِ. إِنْ قُلْنَا: يُصْرَفُ الْكَسْبُ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ. وَإِنْ قُلْنَا: يُوقَفُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَيُعَالِجُ جُرْحَهُ، وَيَكْفِي مُؤْنَاتِهِ فَمَا فَضَلَ فَهُوَ الَّذِي يُوقَفُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَوْ لَمْ يَفِ بِالنَّفَقَةِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ.
وَقِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ النَّفَقَةَ بِلَا كَسْبٍ إِجْحَافٌ بِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْكَسْبُ لِلْأُمِّ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ، وَإِنَّ الْكَسْبَ يُصْرَفُ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ، أَوْ قُلْنَا: يُوقَفُ وَمَنَعْنَاهَا مِنْ أَخْذِهِ لِأَدَاءِ النُّجُومِ، نَفَذَ إِعْتَاقُهُ، وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهَا الِاسْتِعَانَةَ بِالْمَوْقُوفِ، لَمْ يَنْفُذْ
إِعْتَاقُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ حَقُّهَا مِنْ كَسْبِهِ وَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهَا، لَمْ يَنْفُذْ إِعْتَاقُهُ.
فَرْعٌ
لَوْ رَقَّ الْوَلَدُ بِرِقِّ الْأُمِّ فَكَسْبُهُ لِلسَّيِّدِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلسَّيِّدِ، أَمْ لِلْأُمِّ.
فَرْعٌ
وَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ جَارِيَتِهِ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُكَاتَبِ قَطْعًا فَيُصْرَفُ كَسْبُهُ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْفُذُ إِعْتَاقُ السَّيِّدِ فِيهِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ، وَهِيَ مِلْكُهُ.
وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًى فَهُمْ عَبِيدُهُ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ، فَكَذَا هَذَا الْوَلَدُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ، بَلْ يُتَكَاتَبُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، فَيُعْتَقُ بِعِتْقِهِ، وَيُرَقُّ بِرِقِّهِ.
وَإِذَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ، وَتَبِعَهُ هَذَا الْوَلَدُ وَلَهُ كَسْبٌ، فَكَسْبُهُ لِلْمُكَاتَبِ، لَا لِلْوَلَدِ. وَلَوْ جَنَى هَذَا الْوَلَدُ، وَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ، فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ، فَلَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ كُلَّهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْشِ، ثُمَّ يَصْرِفَ قَدْرَ الْأَرْشِ إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ الْبَاقِي، ثُمَّ غَلَّطَ الْإِمَامُ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْدِي وَلَدَهُ لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمُكَاتَبِ، وَالْفِدَاءُ كَالشِّرَاءِ وَلَيْسَ لَهُ صَرْفُ الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلَى غَرَضِ وَلَدِهِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ [تَبَرُّعٌ]، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنْ بَاعَ لَا يَبِيعُ إِلَّا قَدْرَ الْأَرْشِ كَمَا لَا يُبَاعُ مِنَ الْمَرْهُونِ إِذَا جَنَى إِلَّا قَدْرُ الْأَرْشِ. وَإِذَا
فَدَاهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، بَلْ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَنْفُذُ إِذَا اشْتَرَاهُ.
وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ عَبْدِهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ مَنْ جَارِيَتِهِ.
فَرْعٌ
اِخْتَلَفَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ فِي وَلَدِهَا، وَقَالَ: وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، فَهُوَ رَقِيقٌ، وَقَالَتْ: بَعْدَهَا، وَقَدْ يُكَاتَبُ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ كَانَ بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِهَا. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ أَقَامَ السَّيِّدُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ قُبِلْنَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ ضِمْنًا.
وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَقْتِ الْكِتَابَةِ، فَصُدِّقَ فِيهِ كَأَصْلِهَا.
فَرْعٌ
زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ [ثُمَّ كَاتَبَهُ] ثُمَّ بَاعَهَا لَهُ. وَوَلَدَتْ، فَقَالَ السَّيِّدُ: وَلَدَتْ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، فَهُوَ قِنٌّ لِي. وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَقَدْ تَكَاتَبَ، صُدِّقَ [الْمُكَاتَبُ] بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ هُنَا يَدَّعِي مِلْكَ الْوَلَدِ كَمَا سَبَقَ أَنَّ وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ، وَيَدَهُ مُقَرَّةٌ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْمُكَاتَبَةُ هُنَاكَ لَا تَدَّعِي الْمِلْكَ، بَلْ تَدَّعِي ثُبُوتَ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهِ.
فَرْعٌ
حَكَى الصَّيْدَلَانِيُّ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ: لَوْ أَتَتِ الْمُكَاتَبَةُ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَبْلَ الْكِتَابَةِ، وَالْآخَرُ: بَعْدَهَا، فَهُمَا لِلسَّيِّدِ؛