المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ لِيَنْظُرَ فِي الْحِسَابِ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٢

[النووي]

الفصل: فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ لِيَنْظُرَ فِي الْحِسَابِ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ

فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ لِيَنْظُرَ فِي الْحِسَابِ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى آخَرِ الْمَجْلِسِ إِنْ شَاءَ. وَلَوْ عَلَّلَ الْمُدَّعِي امْتِنَاعَهُ بِعُذْرٍ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ مُدَّةٍ لِيَحْلِفَ، مُكِّنَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرِ الْقَاضِي نُكُولَ خَصْمِهِ، أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَا لَوْ أَثْبَتَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ نُكُولَ خَصْمِهِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَكَذَا لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ وَكِيلِ الْمُدَّعِي، ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكَّلُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ دَعْوَى، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا لِيَحْلِفَ مَعَهُ، فَلَمْ يَحْلِفْ، فَهُوَ كَمَا لَوِ ارْتَدَّتِ الْيَمِينُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحْلِفْ، فَإِنْ عَلَّلَ امْتِنَاعَهُ بِعُذْرٍ، عَادَ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّهُ عَلَى خِيَرَتِهِ أَبَدًا، أَمْ لَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَإِنْ لَمْ يُعَلِّلْ بِشَيْءٍ، أَوْ صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالَيُّ وَالْبَغَوِيُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنَ الْحَلِفِ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إِلَيْهِ، وَاسْتَمَرَّ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَوِ امْتَنَعَ مِنَ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِهِ، وَاسْتُحْلِفَ الْخَصْمُ، انْقَلَبَتِ الْيَمِينُ مِنْ جَانِبِهِ إِلَى جَانِبِ صَاحِبِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ وَيَحْلِفَ إِلَّا إِذَا اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَأَقَامَ الشَّاهِدَ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَنْفَعُهُ إِلَّا بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ.

‌فَصْلٌ

مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَا يُقْضَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ هُوَ الْأَصْلُ الْمُقَرَّرُ فِي الْمَذْهَبِ، لَكِنْ قَدْ يَتَعَذَّرُ رَدُّ الْيَمِينِ، وَحِينَئِذٍ مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ بِالْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، وَبَيَانُهُ بِصُوَرٍ، إِحْدَاهَا طُولِبَ صَاحِبُ الْمَالِ بِالزَّكَاةِ، فَقَالَ: بَادَلْتُ بِالنِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، أَوْ دَفَعْتُ الزَّكَاةَ إِلَى سَاعٍ آخَرَ، أَوْ غَلِطَ الْخَارِصُ فِي الْخَرْصِ، أَوْ أَصَابَ الثَّمَرَ جَائِحَةٌ، وَاتَّهَمَهُ السَّاعِي، فَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ إِيجَابًا أَوِ اسْتِحْبَابًا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُطَالَبْ

ص: 47

بِشَيْءٍ إِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْإِيجَابِ، فَإِنِ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ، وَقُلْنَا بِامْتِنَاعِ النَّقْلِ، رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَيَتَعَذَّرُ الرَّدُّ عَلَى السَّاعِي وَالسُّلْطَانِ، وَفِيمَا يَفْعَلُ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ إِذَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، وَالثَّانِي: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، أَوْ يَحْلِفُ فَيُتْرَكُ، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى صُورَةِ الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ: أَدَّيْتُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، أَوْ إِلَى سَاعٍ آخَرَ، أُخِذْتَ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: مَا تَمَّ حَوْلِي أَوِ الَّذِي فِي يَدِي لِفُلَانٍ الْمَكَاتَبِ، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ. وَالرَّابِعُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ - يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وَكَيْفَ سَبِيلُهُ؟ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: هُوَ حُكْمٌ بِالنُّكُولِ، وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَسَبَبُهُ الضَّرُورَةُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ حُكْمًا بِالنُّكُولِ، لَكِنْ مُقْتَضَى مِلْكِ النِّصَابِ وَمُقْتَضَى الْحَوْلِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ دَافِعٌ، أَخَذْنَا الزَّكَاةَ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا مَاتَ ذِمِّيٌّ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، فَهَلْ عَلَيْهِ قِسْطُ مَا مَضَى، أَمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ سَبَقَا، فَلَوْ غَابَ ذِمِّيٌّ، ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ، فَلَيْسَ عَلَيَّ جِزْيَةٌ، أَوْ لَيْسَ تَمَامُهَا، وَقَالَ عَامِلُ الْجِزْيَةِ: بَلْ أَسْلَمْتُ بَعْدَهَا، فَعَلَيْكَ تَمَامُ الْجِزْيَةِ، حَلَفَ الَّذِي أَسْلَمَ اسْتِحْبَابًا فِي وَجْهٍ، وَإِيجَابًا فِي وَجْهٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِيجَابِ فَنَكَلَ، فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ، أَمْ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ، أَمْ يُحْبَسُ لِيُقِرَّ، فَيُؤْخَذَ مِنْهُ، أَوْ يَحْلِفُ فَيُتْرَكُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَقَيَّدَ ابْنُ الْقَاصِّ بِمَا إِذَا غَابَ، ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا، وَصَادَفْنَاهُ مُسْلِمًا بَعْدَ السَّنَةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَكَتَمَ إِسْلَامَهُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكْتُمْهُ.

ص: 48

الثَّالِثَةُ: وَلَدُ الْمُرْتَزِقَةِ إِذَا ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ، وَطَلَبَ إِثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُصَدِّقُهُ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَكَيْفَ نُحَلِّفُهُ وَهُوَ صَبِيٌّ؟ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَجَبَ تَصْدِيقُهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يَحْلِفُ عِنْدَ التُّهْمَةِ، فَإِنْ نَكَلَ، لَمْ يَثْبُتِ اسْمُهُ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ بُلُوغُهُ، وَيَقْرُبَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنَ الْمُرَاهِقِينَ إِذَا ادَّعَى الِاحْتِلَامَ، وَطَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتِلَةِ، أُعْطِيَ إِنْ حَلَفَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُعْطَى، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ إِعْطَاءٌ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ احْتِلَامَهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْهُ، فَصُدِّقَ فِيهِ، كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ شُهُودَ الْوَقْعَةِ تَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَهُمُ السَّهْمَ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يُعْطَى، قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَهُوَ قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا لَمْ يُعْطَ؛ لِأَنَّ حُجَّتَهُ فِي الْإِعْطَاءِ الْيَمِينُ وَلَمْ تُوجَدْ.

الرَّابِعَةُ: مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَادَّعَى الْقَاضِي، أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَجَدَهُ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ، فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ، أَمْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ، أَوْ يَحْلِفَ، أَمْ يُتْرَكُ لَكِنْ يَأْثَمُ إِنْ كَانَ مُعَانِدًا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَيَجْرِي فِيمَا لَوِ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ مَيِّتٍ عَلَى وَارِثِهِ أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ، وَنَكَلَ. وَلَوِ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ، فَفِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْجُهٌ، أَحَدُهُمَا: تُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْحَقِّ لِغَيْرِ الْحَالِفِ بِعِيدٌ. وَالثَّالِثُ: إِنِ ادَّعَى ثُبُوتَهُ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ رُدَّتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَأُجْرِيَ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا هَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَفِيمَا لَوِ ادُّعِيَ عَلَى الْوَلِيِّ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ

ص: 49

الصَّبِيِّ هَلْ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ إِذَا أَنْكَرَ. وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فِي ذَلِكَ كَالْوَلِيِّ، وَيَجْرِي فِي قَيِّمِ الْمَسْجِدِ وَالْوَقْفِ إِذَا ادَّعَى لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِلْوَقْفِ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَكَلَ. وَتَحْلِيفُ الْوَلِيِّ وَالصَّبِيِّ سَبَقَ لَهُمَا ذِكْرٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّدَاقِ، ثُمَّ مَيْلُ الْأَكْثَرِينَ إِلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ مِنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا بَأْسَ بِوَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَقَدْ رَجَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ، وَبِهِ أَجَابَ السَّرَخْسِيُّ فِي «الْأَمَالِي» ، فَإِنْ مَنَعْنَا رَدَّ الْيَمِينِ إِلَى الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ، انْتَظَرْنَا بُلُوغَ الصَّبِيِّ، وَإِفَاقَةَ الْمَجْنُونِ، وَكَتَبَ الْقَاضِي الْمَحْضَرَ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَصِيرُ الْيَمِينُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْبُلُوغِ، وَالْإِفَاقَةِ، وَيَعُودُ فِي قَيِّمِ الْمَسْجِدِ وَالْوَقْفِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّهُ يُقْضَى بِالنُّكُولِ، أَمْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَنْ لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ، بَلْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا فِيمَا قَبْلَهَا مِنَ الصُّوَرِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ أَصْلٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلَمْ يَظْهَرْ دَافِعٌ. وَلَوِ ادَّعَى قَيِّمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، حَلَفَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ هَذَا الْمَالِ، وَلَكِنْ لَا يَقُولُ إِلَيَّ، وَقَيِّمُهُ يَقُولُ فِي الدَّعْوَى: يَلْزَمُكَ تَسْلِيمُهُ إِلَيَّ.

الْخَامِسَةُ: لِلْقَاذِفِ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَقْذُوفَ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ نَكَلَ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْقَاذِفِ، فَإِنْ حَلَفَ انْدَفَعَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِنُكُولِهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَا يُرَدُّ الْيَمِينُ، حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ.

الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْبَيِّنَةِ

أَمَّا صِفَةُ الشُّهُودِ، فَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي الشَّهَادَاتِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ حُكْمِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَتَعَارُضُهُمَا قَدْ يَقَعُ فِي الْأَمْلَاكِ، وَقَدْ يَقَعُ فِي غَيْرِهَا، كَالْعُقُودِ، وَالْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَيَشْتَمِلُ الْبَابُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ:

ص: 50

الْأَوَّلُ فِي الْأَمْلَاكِ، فَإِذَا تَعَارَضَتَا فِيهِ، فَإِمَّا أَنْ يَفْقِدَ أَسْبَابَ الرُّجْحَانِ، وَإِمَّا لَا، الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يَفْقِدَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَإِمَّا فِي أَيْدِيهِمَا، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَا إِذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الرُّجْحَانِ.

الْحَالَةُ الْأُولَى: إِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا إِنِ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَنَّهُ لَوِ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ، قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، تَعَارَضَتَا، وَفِيهِمَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: يَسْقُطَانِ، فَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ فَيُصَارُ إِلَى التَّحْلِيفِ، وَالثَّانِي: يُسْتَعْمَلَانِ، فَيَنْتَزِعُ الْعَيْنَ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ.

ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: تُقَسَّمُ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ بَيْنَهُمَا، وَالثَّانِي: تُوقَفُ إِلَى تَبَيُّنِ الْأَمْرِ أَوْ يَصْطَلِحَا، وَالثَّالِثُ: يُقْرَعُ، فَيَأْخُذُهَا مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، وَهَلْ يَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى يَمِينٍ؟ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا لَا، وَالْقُرْعَةُ مُرَجِّحَةٌ لِبَيِّنَتِهِ، وَالثَّانِي نَعَمْ، وَالْقُرْعَةُ تَجْعَلُ أَحَدَهُمَا أَحَقَّ بِالْيَمِينِ، فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ أَنَّ شُهُودَهُ شَهِدُوا بِالْحَقِّ، ثُمَّ يُقْضَى لَهُ، ثُمَّ قِيلَ الْقَوْلَانِ فِي الْأَصْلِ فِيمَا إِذَا لَمْ تَتَكَاذَبِ الْبَيِّنَتَانِ صَرِيحًا، فَإِنْ تَكَاذَبَتَا سَقَطَتَا قَطْعًا، وَالْأَشْهَرُ طَرْدُهُمَا فِي الْحَالَيْنِ، وَصَرِيحُ التَّكَاذُبِ أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ بِتَأْوِيلٍ، بِأَنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِقَتْلِهِ فِي وَقْتٍ، وَالْأُخْرَى بِجِنَايَةٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِتَأْوِيلٍ، فَلَيْسَ تَكَاذُبًا بِأَنْ شَهِدَتْ هَذِهِ أَنَّهُ مِلْكُ زَيْدٍ، وَهَذِهِ أَنَّهُ مِلْكُ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلِمَتْ سَبَبًا، كَشِرَاءٍ وَوَصِيَّةٍ، وَاسْتَصْحَبَ حُكْمُهُ، أَوْ شَهِدَتْ هَذِهِ بِأَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ، وَهَذِهِ أَنَّهُ

ص: 51

أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِيصَاءَ مَرَّتَيْنِ، وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ، فَإِنْ أَمْكَنَ قُسِّمَ قَطْعًا، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَقْطَتَا قَطْعًا وَإِلَّا اسْتُعْمِلَتَا قَطْعًا، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ. وَقِيلَ: يَبْقَى قَوْلُ التَّوْقِيفِ، وَقِيلَ: لَا تَجْتَمِعُ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ بَلْ مَوْضِعُ الْقِسْمَةِ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ، وَالْقُرْعَةُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ، وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ، فَلَوْ تَنَازَعَا فِي زَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ، أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، وَتَعَارَضَتَا، فَقَوْلُ السُّقُوطِ بِحَالِهِ، وَلَا مَجَالَ لِلْقِسْمَةِ، وَلَا لِلْقُرْعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَجِيءُ الْوَقْفُ عَلَى الصَّحِيحِ لَوْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَمَا أَقَامَا الْبَيِّنَتَيْنِ، إِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، قَبْلَ إِقْرَارِهِ، وَحُكِمَ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ الْمُقِرُّ لَهُ كَصَاحِبِ يَدٍ، فَتُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ قَبْلَ تَمَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ قَطْعًا، وَصَارَ الْمُقِرُّ لَهُ صَاحِبَ يَدٍ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِمَا وَادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ، فَطَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا - وَبِهِ قَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ - يَجِيءُ الْقَوْلَانِ فِي السُّقُوطِ وَالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ أَسْقَطْنَا بَقِيَ الْمَالُ فِي أَيْدِيهِمَا كَمَا كَانَ، وَإِنِ اسْتَعْمَلْنَا فَعَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجِيءُ الْوَقْفُ، وَفِي الْقُرْعَةِ وَجْهَانِ، وَالثَّانِي - وَبِهِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ - يُجْعَلُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ تَرَجَّحَتْ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَالْحَاصِلُ لِلْفَتْوَى مِنَ الطَّرِيقَيْنِ بَقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِهِمَا كَمَا كَانَ، وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ لَهُ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، حَكَمَ الْقَاضِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ الْمَالُ فِي يَدِهِمَا أَيْضًا، كَمَا كَانَ، لَكِنْ لَا لِجِهَةِ السُّقُوطِ، وَلَا بِالتَّرْجِيحِ بِالْيَدِ، ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ:

ص: 52

مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا، وَتَعَرَّضَ شُهُودُهُ لِلْكُلِّ، لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ يَدٍ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَقُلْنَا: بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ لَا تُسْمَعُ ابْتِدَاءً كَمَا سَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُنَا غَيْرُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْبَيِّنَةِ لِلنِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، ثُمَّ إِذَا أَقَامَ الثَّانِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكُلِّ سُمِعَتْ، وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَيَحْتَاجُ الْأَوَّلُ إِلَى إِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَقَالَ فِي «الْوَسِيطِ» : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي الْإِعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ دُونَ الْآخَرِ، قُضِيَ لَهُ بِالْكُلِّ، سَوَاءٌ شَهِدَ شُهُودُهُ بِالْكُلِّ، أَمْ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مُدَّعٍ فِي نِصْفٍ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي نِصْفٍ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ، لِإِثْبَاتِ مَا فِي يَدِهِ، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَمِنْهُ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِمَا كَمَا كَانَ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، قَضَى لِلْحَالِفِ بِالْكُلِّ، ثُمَّ إِنْ حَلَفَ الَّذِي بَدَأَ الْقَاضِي بِتَحْلِيفِهِ، وَنَكَلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ، حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ. وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ، وَرَغِبَ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ، فَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ يَمِينُ النَّفْيِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ، وَيَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ، فَهَلْ يَكْفِيهِ الْآنَ يَمِينٌ وَاحِدٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ لِلنَّفْيِ، وَأُخْرَى لِلْإِثْبَاتِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، فَيَحْلِفُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُ، وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِيهِ، أَوْ يَقُولُ: لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِي.

ص: 53

فَرْعٌ

ادَّعَى نِصْفَ دَارٍ، وَادَّعَى آخَرُ كُلَّهَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، وَالدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، تَعَارَضَتَا فِي النِّصْفِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، سَقَطَتَا فِي النِّصْفِ الَّذِي فِيهِ التَّعَارُضُ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ، فَفِيهِ طَرِيقَانِ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: فِيهِ قَوْلَا تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ بَعَّضْنَاهَا سُلِّمَ ذَلِكَ النِّصْفُ لِمُدَّعِي الْكُلِّ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ أَيْضًا، وَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَالثَّانِي - وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ -: يُسَلَّمُ إِلَيْهِ النِّصْفُ قَطْعًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، سُلِّمَ النِّصْفُ لِمُدَّعِي الْكُلِّ، وَيُقَسَّمُ النِّصْفُ الْآخَرُ إِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ أَوْ بِالْوَقْفِ، أُقْرِعَ فِي النِّصْفِ أَوْ وُقِفَ، وَلَوْ تَدَاعَيَا كَذَلِكَ، وَالدَّارُ فِي يَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي النِّصْفِ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَقَامَ مُدَّعِي الْكُلِّ بَيِّنَةً، قُضِيَ لَهُ الْكُلُّ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِمَا يَدَّعِيهِ، بَقِيَتِ الدَّارُ فِي يَدِهِمَا كَمَا كَانَتْ. وَلَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ، وَالْآخَرُ الثُّلُثَ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَعَلَى قَوْلِ السُّقُوطِ تَسْقُطَانِ فِي الثُّلُثِ. وَهَلْ تَبْطُلُ بَيِّنَةُ الْكُلِّ فِي الثُّلُثَيْنِ؟ فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ، وَعَلَى الِاسْتِعْمَالِ تَجْرِي الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِمَا يَدَّعِي، فَلِمُدَّعِي الثُّلُثِ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِمُدَّعِي الْكُلِّ.

دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى زَيْدٌ نِصْفَهَا، فَصَدَّقَهُ، وَعَمْرٌو نِصْفَهَا، فَكَذَّبَهُ صَاحِبُ الْيَدِ وَزَيْدٌ مَعًا، وَلَمْ يَدَّعِهِ أَحَدٌ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، فَالنِّصْفُ

ص: 54

الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُكَذِّبُ هَلْ يُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْ يُوقَفُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ، أَمْ يَنْتَزِعُهُ وَيُحْفَظُ إِلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، حَكَاهَا الْفُورَانِيُّ.

قُلْتُ: أَقْوَاهَا الثَّالِثُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا وَآخَرُ ثُلُثَيْهَا، وَآخَرُ نِصْفَهَا، وَرَابِعٌ ثُلُثَهَا، وَهِيَ فِي يَدِ خَامِسٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَلَا تَعَارُضَ فِي الثُّلُثِ الَّذِي يَخْتَصُّ مُدَّعِي الْكُلِّ بِدَعْوَاهُ، وَفِي الْبَاقِي يَقَعُ التَّعَارُضُ، فَالسُّدُسُ الزَّائِدُ عَلَى النِّصْفِ يَتَعَارَضُ فِيهِ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْكُلِّ، وَمُدَّعِي الثُّلْثَيْنِ، وَفِي السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ يَتَعَارَضُ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ مُدَّعِي النِّصْفِ. وَفِي الثُّلُثِ الْبَاقِي تَتَعَارَضُ بَيِّنَاتُ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، سَقَطَتِ الْبَيِّنَاتُ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَأَمَّا الثُّلُثُ، فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ فِي تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسَلَّمُ لِمُدَّعِي الْكُلِّ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ قَسَمْنَا، فَالسُّدُسُ الزَّائِدُ عَلَى النِّصْفِ بَيْنَ مُدَّعِي الْكُلِّ، وَمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، وَالسُّدُسُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ لَهُمَا وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ أَثْلَاثًا، وَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِلْأَرْبَعَةِ أَرْبَاعًا، فَيُجْعَلُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا لِحَاجَتِنَا إِلَى عَدَدٍ يَنْقَسِمُ سُدُسُهُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى ثَلَاثَةٍ، فَيُضْرَبُ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ، فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ ثُلُثُهَا وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ، وَنِصْفُ السُّدْسِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ هُوَ ثَلَاثَةٌ، وَثُلُثُ السُّدُسِ الزَّائِدِ وَهُوَ اثْنَانِ، وَرُبُعُ الثُّلُثِ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، فَالْجُمْلَةُ عِشْرُونَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ الدَّارِ، وَلِمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ مِنَ السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ، وَسَهْمَانِ مِنَ السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ، وَسَهْمَانِ مِنَ السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الثُّلُثِ الْبَاقِي، فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ هِيَ تُسْعَا الدَّارِ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ سَهْمَانِ مِنَ السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الثُّلُثِ الْبَاقِي، وَلِمُدَّعِي الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ

ص: 55

مِنَ الثُّلُثِ الْبَاقِي، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ، أَقْرَعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مَرَّةً فِي السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ بَيْنَ مُدَّعِي الْكُلِّ، وَمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ، وَأُخْرَى فِي السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ مُدَّعِي الْكُلِّ، وَمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ، وَأُجْرِيَ فِي السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مُدَّعِي النِّصْفِ، وَأُجْرِيَ فِي الثُّلُثِ بَيْنِ الْأَرْبَعَةِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ تَوَقَّفْنَا، وَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، جُعِلَتْ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ تُرَجِّحُ فِي الرُّبُعِ الَّذِي فِي يَدِهِ الْيَدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الرُّبُعِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَإِذَا حَلَفُوا كَانَتْ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا أَيْضًا.

فَرْعٌ

دَارٌ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ، ادَّعَى أَحَدُهُمْ نِصْفَهَا، وَآخَرُ ثُلُثَهَا، وَثَالِثٌ سُدُسَهَا، وَلَا بَيِّنَةَ، جُعِلَتْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مُدَّعِيَ السُّدُسِ لَا يَدَّعِي غَيْرَهُ، فَكَيْفَ يُعْطَى الثُّلُثَ، فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ صُورَةَ النَّصِّ فِيمَا إِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ فِي جَمِيعِهَا إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يَقُولُ: النِّصْفُ مِلْكِي، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، وَهُوَ فِي يَدِي عَارِيَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ، وَالْآخَرَانِ يَقُولَانِ نَحْوَ ذَلِكَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْيَدِ فِي الثُّلُثِ، وَتَبْقَى الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ كَمَا كَانَتْ، ثُمَّ جَعَلَ نِصْفَ الثُّلُثِ الَّذِي فِي يَدِ مُدَّعِي السُّدُسِ لِذَلِكَ الْغَائِبِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ، فَأَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ لِي مِنْهَا كَذَا، فَلَا يُعْطَى لِمُدَّعِي السُّدُسِ إِلَّا السُّدُسُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ نِزَاعٌ، وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةً عَلَى مَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ، حُكِمَ لِمُدَّعِي الثُّلُثِ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ بَيِّنَةً وَيَدًا، وَلِمُدَّعِي السُّدُسِ بِالسُّدُسِ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَفِيمَا يُحْكَمُ بِهِ لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الثُّلُثِ يَدًا وَبَيِّنَةً، وَفِي السُّدُسِ الْبَاقِي بَيِّنَةً،

ص: 56

وَالْآخَرَانِ لَا يَدَّعِيَانِهِ، وَالثَّانِي بِالثُّلُثِ وَنِصْفِ السُّدُسِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ كَجٍّ وَالْقَفَّالُ، ثُمَّ مُدَّعِي الثُّلُثِ، وَمُدَّعِي السُّدِسِ لَا يَحْتَاجَانِ إِلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَكِنْ مُدَّعِي النِّصْفِ يَحْتَاجُ إِلَى إِقَامَتِهَا لِلسُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، وَيُتَصَوَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مِنْ جِهَتِهِمْ فِيمَا إِذَا أَقَامَ مُدَّعِي النِّصْفِ، ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرَانِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفْرَضَ مِنْ مُدَّعِي السُّدُسِ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ السُّدُسَ لِلْغَائِبِ مَعَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ السُّدُسَ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ لِلْغَائِبِ يَجُوزُ لَهُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لِلْغَائِبِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ.

فَرْعٌ

دَارٌ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ ادَّعَى أَحَدُهُمْ كُلَّهَا، وَآخَرُ نِصْفَهَا، وَالثَّالِثُ ثُلُثَهَا، وَأَقَامَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَوَّلَيْنِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ دُونَ الثَّالِثِ، فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالْيَدِ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ كَذَلِكَ، ثُمَّ لِمُدَّعِي الْكُلِّ أَيْضًا نِصْفُ مَا فِي يَدِ الثَّالِثِ بِبَيِّنَتِهِ السَّلِيمَةِ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ تَتَعَارَضُ بَيِّنَتُهُ وَبَيِّنَةُ مُدَّعِي النِّصْفِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّالِثِ فِي هَذَا السُّدُسِ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيمَا سِوَى هَذَا السُّدُسِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ فِي تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، لَمْ يَجِبِ الْإِقْرَاعُ وَالتَّوَقُّفُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَسْمِ، قُسِّمَ بَيْنَهُمَا هَذَا السُّدُسُ بِالسَّوِيَّةِ، فَيَصِيرُ لِمُدَّعِي الْكُلِّ النِّصْفُ وَنِصْفُ سُدُسٍ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ الْبَاقِي هَكَذَا أَوْرَدَ الْمَسْأَلَةَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَتَعَارَضَ الْبَيِّنَتَانِ، وَهُنَاكَ مَا يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا، فَيُعْمَلُ بِالرَّاجِحَةِ، وَلِلرُّجْحَانِ أَسْبَابٌ: أَحَدُهَا أَنْ تَخْتَصَّ إِحْدَاهُمَا

ص: 57

بِزِيَادَةِ قُوَّةٍ، وَفِيهِ صُوَرٌ إِحْدَاهَا: لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ، وَالْآخَرُ شَاهِدًا، وَحَلَفَ مَعَهُ، فَقَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَتَعَادَلَانِ، وَأَظْهَرُهُمَا: يُرَجَّحُ الشَّاهِدَانِ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَتِهِ بِالْكَذِبِ فِي يَمِينِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَ صَاحِبِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يَدٌ، فَهَلْ يُرَجَّحُ صَاحِبُ الْيَدِ، أَمْ صَاحِبُ الشَّاهِدَيْنِ، أَمْ يَتَعَادَلَانِ؟ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا الْأَوَّلُ، وَحَكَى الْبَغَوِيُّ الْأَوَّلَيْنِ قَوْلَيْنِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ زَادَ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ زَادَ وَرَعُهُمْ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ، وَقِيلَ قَوْلَانِ، وَفِي الرِّوَايَةِ يَثْبُتُ التَّرْجِيحُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: هِيَ كَالشَّهَادَةِ، وَالْمَذْهَبُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ لِلشَّهَادَةِ نِصَابًا فَيُتَّبَعُ وَلَا ضَبْطَ لِلرِّوَايَةِ، فَيُعْمَلُ بِأَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ.

الثَّالِثَةُ: أَقَامَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَالْآخَرُ رَجُلَيْنِ، فَلَا يُرَجَّحُ الرَّجُلَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ، السَّبَبُ الثَّانِي: الْيَدُ، فَإِذَا ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، رَجَحَتْ بَيِّنَةُ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِمَا؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ لِأَنَّهُمَا رُبَّمَا اعْتَمَدَا ظَاهِرَ الْيَدِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا، كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، فَإِنَّهَا تُسْمَعُ مُطْلَقَةً مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُمُ اعْتَمَدُوا يَدًا سَابِقَةً، وَلَا فَرْقَ فِي تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ سَبَبَ الْمِلْكِ أَوْ يُطْلِقَا، وَلَا بَيْنَ إِسْنَادِ الْبَيِّنَتَيْنِ،

ص: 58

وَإِطْلَاقِهِمَا إِذَا سَمِعْنَا بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ مُطْلَقَةً. وَلَوْ تَعَرَّضْنَا لِلسَّبَبِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَّفِقَ السَّبَبَانِ أَوْ يَخْتَلِفَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يُسْنَدَ الْمِلْكُ إِلَى شَخْصٍ، بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ زَيْدٍ، أَوْ يُسْنَدَ إِلَى شَخْصَيْنِ وَفِيمَا إِذَا أُسْنِدَ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِثَالِثٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِي الِانْتِقَالَ مِنْهُ.

فَرْعٌ

مَتَّى تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، لَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يُقِيمَهَا قَبْلَ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إِنَّمَا تُقَامُ عَلَى خَصْمٍ، وَقِيلَ: تُسْمَعُ لِغَرَضِ التَّسْجِيلِ. الثَّانِي: يُقِيمُهَا بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ لِدَفْعِ الْيَمِينِ كَالْمُودِعِ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، وَإِنْ كَفَتْهُ الْيَمِينُ. الثَّالِثُ: يُقِيمُهَا بَعْدَ أَنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ، لَكِنْ قَبْلَ أَنْ يَعْدِلَهَا، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا بَعْدُ، وَأَصَحُّهُمَا تُسْمَعُ، وَيُحْكَمُ بِهَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ مُعَرَّضَةٌ لِلزَّوَالِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْكِيدِهَا. الرَّابِعُ: يُقِيمُهَا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَتَعْدِيلِهَا، فَقَدْ أَقَامَهَا فِي أَوَانِ إِقَامَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى قَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي، وَسَلَّمَ الْمَالَ إِلَيْهِ، نُظِرَ إِنْ لَمْ يُسْنَدِ الْمِلْكَ إِلَى مَا قَبْلَ إِزَالَةِ الْيَدِ، فَهُوَ الْآنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ، وَإِنْ أَسْنَدَهُ، وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ الشُّهُودِ وَنَحْوِهَا، فَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَهَلْ تُقَدَّمُ بِالْيَدِ الْمُزَالَةِ بِالْقَضَاءِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا أُزِيلَتْ، لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَقَدْ ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ، فَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحُكْمِ لِلْمُدَّعِي، وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، وَقُدِّمَتْ عَلَى الصَّحِيحِ لِبَقَاءِ الْيَدِ حِسًّا.

ص: 59

فَرْعٌ

هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ الدَّاخِلُ مَعَ بَيِّنَتِهِ، لِيُقْضَى لَهُ؟ وَجْهَانِ، أَوْ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، كَمَا لَا يَحْلِفُ الْخَارِجُ مَعَ بَيِّنَتِهِ، وَبَنَوُا الْخِلَافَ عَلَى خِلَافٍ فِي أَنَّ الْقَضَاءَ لِلدَّاخِلِ بِالْيَدِ، أَمْ بِالْبَيِّنَةِ الْمُرَجَّحَةِ بِالْيَدِ، إِنْ قُلْنَا بِالْيَدِ، حَلَفَ، وَإِلَّا فَلَا.

فَرْعٌ

إِذَا أَطْلَقَ الْخَارِجُ دَعْوَى الْمِلْكِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً، وَقَالَ الدَّاخِلُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ، وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، فَالدَّاخِلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَهُوَ الِانْتِقَالُ، وَلِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُقَدَّمٌ، فَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي، وَقَالَ الدَّاخِلُ: مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَبِيكَ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، وَلَوِ انْعَكَسَتِ الصُّورَةُ، فَقَالَ الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي، اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً، وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَالْخَارِجُ أَوْلَى لِزِيَادَةِ عِلْمِ بَيِّنَتِهِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ، وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، وَخُفِيَ التَّارِيخُ، فَالدَّاخِلُ أَوْلَى، ثُمَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهِيَ أَنْ يُطْلِقَ الْخَارِجُ، وَيَقُولُ الدَّاخِلُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ، لَا تُزَالُ يَدُ الدَّاخِلِ قَبْلَ إِقَامَتِهِ الْبَيِّنَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: تُزَالُ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْمُدَّعِي؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ، ثُمَّ يُثْبِتُ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الشِّرَاءِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إِذَا كَانَتْ حَاضِرَةً، فَالتَّأْخِيرُ إِلَى إِقَامَتِهَا سَهْلٌ، فَلَا مَعْنَى لِلِانْتِزَاعِ وَالرَّدِّ، فَلَوْ زَعَمَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ غَائِبَةٌ لَمْ يَتَوَقَّفْ، بَلْ يُؤْمَرُ فِي الْحَالِ بِالتَّسْلِيمِ، ثُمَّ إِنْ أَثْبَتَ مَا يَدَّعِيهِ اسْتَرَدَّ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى دَيْنًا، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَبْرَأَنِي، وَأَرَادَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، لَا يُكَلَّفُ تَوْفِيَةَ الدَّيْنِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يُكَلَّفُ، ثُمَّ إِنْ أَثْبَتَ مَا يَقُولُ اسْتَرَدَّ.

ص: 60