الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتابعة.. وتصحيف الأسماء
أشد ما يكون التصحيف في الأعلام: أسماء، وكنى، وأنساباً، وألقاباً؛ وأثره كبير وخطير، حيث يؤدي في بعض الأحيان إلى الخلط بين الثقات والضعفاء، وأحياناً أخرى إلى إيهام تعدد رواة الحديث، بينما هو من رواية واحد فقط.
انظر ـ مثلاً:
"عبد الله بن عمر العمري"، و "عبيد الله بن عمر العمري"؛ هما أخوان ويشتركان في بعض الشيوخ والرواة، فإذا تصحف أحدهما على الآخر اشتد على الباحث، وصعب عليه إدراك الصواب إلا بعد البحث والتفتيش، وربما انطلى ذلك عليه، وظن أن الحديث محفوظ عنهما جميعاً، فإذا عرفت أن
الأول ضعيف والآخر ثقة، أدركت خطر هذا التصحيف.
وانظر ـ أيضاً:
"شعبة" و "سعيد"؛ فإنهما كثيراً ما يتصحف أحدهما بالآخر، وإذا رويا عن قتادة، فلأمر يزداد صعوبة، لأن قتادة يروي عنه "سعيد بن أبي عروبة" ـ وهو ثقة من كبار أصحاب قتادة ـ، ويروي عنه أيضاً " سعيد بن بشير" ـ وهو ضعيف، صاحب مناكير ـ، فإذا كان راوي الحديث عن قتادة هو "سعيد بن بشير"، ولم يُنسب، ثم تصحف إلى "شعبة" كان الخطر عظيماً، وإذا كان راويه عن قتادة هو "سعيد بن أبي عروبة"، فإن ابن أبي
عروبة قد اختلط في آخر حياته، فإذا تصحف
إلى "شعبة" لم يقِلَّ خطره عن خطر الأول.
وقد يغتر البعض بذلك، ويظن أن الحديث يرويه شعبة وسعيد كلاهما عن قتادة، وليس الأمر كذلك.
وإلى هذا المعنى أشار ابن حبان في مقدمة كتاب "المجروحين" له، فقال (1) :
"حتى إذا قال عبد الرزاق: "حدثنا عبيد الله عن نافع"، و "عبد الله عن نافع"؛ ميَّزوا حديث هذا من حديث ذاك؛ لأن أحدهما ثقة والآخر ضعيف.
فإن أُسقط من اسم "عبيد الله": "ياء"، علموا أنه ليس من حديث "عبد الله بن عمر"؛ وإذا زيد في اسم "عبد الله":"ياء"، قالوا: ليس هذا من حديث "عبيد الله بن عمر"، حتى خلصوا الصحيح من السقيم.
وإذا قال ابن أبي عدي: "حدثنا شعبة عن قتادة"، و "حدثنا سعيد عن قتادة"؛ فإذا التزق حرف الدال في بعض الكتب، حتى يصير "سعيد""شعبة"، خلصوه، وقالوا: ليس هذا من حديث شعبة، إنما هو لسعيد.
وإن انفتح من "الهاء" فرجة، حتى صار "شعبة""سعيداً" ميزوه، وقالوا: ليس هذا من حديث سعيد، هذا من حديث شعبة.
وإذا كان الحديث عند ابن أبي عدي ويزيد ابن زريع وغندر، عن سعيد وشعبة جميعاً، عن قتادة، ميزوه، حتى خلصوا ما عند يزيد بن
(1)"المجروحين"(1/58-60) .
ووقع في المطبوع بعض السقط، استدركته من أصل مخطوط عندي.
زريع، عن سعيد، عن قتادة، مما عند غندر من شعبة، عن قتادة؛ وفصلوا بين ما عند غندر، عن سعيد، عن قتادة، وبين ما عند يزيد بن زريع، عن شعبة، عن قتادة.
لأن سعيد اختلط في آخر عمره، فليس حديث المتأخرين عنه بمستقيم، وشعبة إمام متقن، ما اختلط ولا تغير.
وإذا قال عبيد الله بن موسى: " حدثنا سفيان، عن منصور "(1) ، و " حدثنا شيبان، عن منصور "، ميزوا بين ما انفرد الثوري عن منصور، وبين ما انفرد شيبان عن منصور.
حتى إذا صَغُرَت " الفاء " من " سفيان " في الكتابة، واشتبهت بـ " شيبان " ميزوا، وقالوا: هذا من حديث سفيان، لا شيبان.
وإذا عَظُمَت " الياء من " شيبان "، حتى صار شبيهاً بـ " سفيان " قالوا: هذا من حديث شيبان، لا سفيان.
وميزوا بين ما روى عبيد الله بن موسى، " عن شيبان "، عن جابر (2) ،
وبين ما روى عن " سفيان " عن جابر؛ في أشباه هذا؛ يكثُر ذكره " اهـ.
هذا؛ وقد يُصحف الراوي الاسم، ثم بعد أن يصحفه ينسبه اجتهادا
(1) في المخطوط: " فراس " مكان " منصور " في المواضع كلها؛ وكلاهما يصلح في التمثيل، فكلاهما يروي عنهما سفيان وشيبان.
(2)
" جابر "، هو الجعفي، وهو يروي عنه شيبان وسفيان جميعاً، وفي المطبوع مكانه:" معمر "، ومعمر هو ابن راشد وهو لا يروي عن شيبان، بل سفيان فقط.
أما قول المعلق على " المجروحين ": " إن صح ـ يعني: جابراً ـ، فهو أبو الشعثاء جابر بن زيد "، فليس بشيء؛ لأن أبا الشعثاء ليس من شيوخ سفيان ولا شيبان.
ً منه، فيقع في خطأين: التصحيف، والرواية بالمعنى.
وهاك بعض أمثلة التصحيف.
مثال ذلك:
قالت أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد "(1) :
" سمعت أبا القاسم ابن ثابت الحافظ يقول: أملى علينا أبو الحسين ابن حرارة الحافظة بأرْدَبِيل حديثاً، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الواحد بن شريك البزار، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن سعيد بن يحيى، عن يحيى بن سعيد، عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".
وقال: " هذا حديث غريب من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن علقمة ".
قال: " فلما خرجت إلى الدِّيْنور، وعرضته على عمر بن سهل، فقال: ويحك! غلط شيخك ـ مع حفظه ـ، وشيخ شيخك، وإنما " يحيى ابن شعيب أبو اليسع "، وصحف من قال " يحيى بن سعيد ".
قال " فكتب ذلك إلى ابن حرارة، فقال " جزاك الله يا أبا جعفر عنا خيراً، ورجع إلى قوله " اهـ.
مثال آخر:
حديث لعاصم الأحول، رواه بعضهم فقال:" عن واصل الأحدب "، فذكر الدارقطني، أنه من تصحيف السمع.
(1)" الإرشاد "(2/629) .
ذكر ابن الصلاح (1)، ثم قال:
" ذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر، كأنه ذهب ـ والله أعلم ـ إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة، وإنما أخطأ فيه سَمْع من رواه ".
مثال آخر:
الحديث: الذي رواه الحاكم في " المعرفة "(ص 150 - 151)، قال: حدثني عمرو بن جعفر البصري، قال: حدثنا عبدان، قال: حدثنا معمر بن سهل، قال: ثنا عامر بن مدرك، عن الحسن بن صالح، عن أُكيل، عن ابن أبي نُعْم، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين.
قال الحاكم:
" صحف الأهوازيون في " أكيل "، وإنما يرويه الحسن بن صالح عن " بكير " بن عامر البجلي، عن ابن أبي نُعْم، فكأن الراوي أخذه إملاءً؛ سمع بكيراً، فتوهمه أكيلاً ".
مثال آخر:
روى: سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي نعامة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن، ولا أبو بكر، ولا عمر يجهرون بـ " بسم الله الرحمن الرحيم ".
كذا؛ رواه غير واحد عن سفيان، وكذا هو في كتاب
(1) في " علوم الحديث "(ص 284) .
الأشجعي عن سفيان.
وخالفهم يحيى بن آدم، فرواه عن سفيان، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس.
ووهم فيه؛ إنما هو: " أبو نَعامة ".
قاله ـ: الإمام أحمد، وابن المديني، والدارقطني (1) .
وأبو نعامة، اسمه: قيس بن عباية، وأبو قلابة، اسمه: لاحق بن حميد.
مثال آخر:
قال ابن عدي في " الكامل "(4/1420) في ترجمة ضرار بن عمر الملطي:
حدثنا القاسم بن الليث بن مسرور: حدثنا عبد الله بن معاوية: حدثنا عبد العزيز بن مسلم ـ هو: القَسْمَليُ ـ، عن ضرار بن عمرو، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أهل الجنة عشرون ومائة صف، هذه الأمة منها ثمانون ".
قلت: وضرار بن عمر هذا؛ ضعيف، وابن عدي إنما ساق هذا الحديث في ترجمته مُنْكِرَاً عليه.
لكن؛ رواه أحمد في " المسند "(5/347 - 355) من طريق عفان بن
(1) انطر: " أطراف الغرائب " لابن طاهر (1358) و " شرح البخاري " لابن رجب (4/373) و " النكت على ابن الصلاح " لابن حجر (2/751 - 752) .
مسلم وعبد الصمد، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن أبي سنان، عن محارب، به.
وأبو سنان؛ هو ضرار بن مرة، وصرح به في الموضع الثاني.
وضرار بن مرة، غير ضرار بن عمرو، والأول ثقة، بينما الثاني ضعيف، كما سبق.
فقد يقال: لعل أحدهما تابع الآخر.
وهذا يقتضي رد إنكار ابن عدي للحديث على ابن عمرو الملطي.
وقد يُقال: لعل ابن عمرو إنما سرق الحديث من ابن مرة.
وعليه؛ يكون معنى إنكار ابن عدي، هو اتهام بان عمرو بسرقته، وليس إنكاراً لأصل الحديث.
وكل ذلك محتمل.
لكن؛ الظاهر: أن هذا خطأٌ من القسملي أو ممن هو دونه، فإن القسملي يروي عنهما جميعاً، فقد يكون أحد ممن دون القسملي صحف اسمه، فقال:" ابن عمرو " بدل " ابن مرة " ثم نسبه اجتهاداً،
فقال: " الملطي ".
والله أعلم.
ويؤكد أن الحديث حديث ابن مرة، وليس ابن عمرو: أن محمد بن فضيل رواه أيضاً عن ابن مرة، به.
أخرجه: الترمذي (2546)
، وقال " حديث حسن ".
مثال آخر:
حديث: يعلى بن عبيد، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" البيعان بالخيار ".
قال أبو يعلى الخليلي (1) :
" هذا خطأ، وقع على يعلى بن عبيد، وهو ثقة متفق عليه، والصواب فيه: عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان، عنه، عن عبد الله بن دينار ".
مثال آخر:
حديث: يرويه أبو الأشعث ـ وهو: أحمد بن المقدام العجلي ـ، عن عبيد بن القاسم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولاء لُحمة كلحمة النسب، لا يُباع ولا يُوهب ".
أخرجه: ابن عدي في ترجمة عبيد بن القاسم هذا من " الكامل "(5/1988)، ثم قال:
" لا يرويه عن ابن أبي خالد غير عبيد ".
قلت: وعبيد بن القاسم؛ متروك الحديث.
لكن؛ ذكر ابن التركماني له متابعاً ثقة، فقال (2) : " وقد رُوي الحديث من وجه آخر، بسند رجاله ثقات؛ قال ابن جرير
(1) في " الإرشاد "(1/341) .
(2)
في " الجوهر النقي "(10/294) .
الطبري في " تهذيب الآثار ": حدثني موسى بن سهل الرملي: ثنا محمد ابن عيسى ـ يعني: الطباع ـ: ثنا عبثر بن القاسم، عن إسماعيل بن أبي خالد " ـ به.
و" عبثر بن القاسم " ثقة، لكنه مصحف، والصواب " عبيد بن القاسم "؛ كما عند ابن عدي، وقد صرح ابن عدي بأنه لم يروه غيره.
وقد بين ذلك الشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى ـ، فقال (1) :
" وقد تحرف اسم " عبيد " على البعض إلى " عبثر "، وعبثر هذا ثقة، وكذلك وثق رجاله ابن التركماني ـ كما رأيت ـ، وتبعه السيوطي في " الجامع الكبير " (1/ 383 / 1) ، والظن أنه هو الذي تصحف عليه ذلك التصحيف؛ فإن عبثر هذا، وإن كان من طبقة عبيد بن القاسم، ومشاركاً له في الرواية عن إسماعيل
بن أبي خالد، فإن الراوي عنه عند ابن جرير " محمد بن عيسى الطباع " ـ كما رأيت ـ، ولم يُذكر في جملة الرواة عن عبثر، وإنما عن عبيد، فتعين أنه هو ".
قلت ومما يؤكد هذا: أن الطبراني خرج الحديث في " الكبير "، وعنده:" عبيد بن القاسم ".
فقد ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد "(4/231)، وقال:
" رواه الطبراني، وفيه: عبيد بن القاسم، وهو كذاب ".
وكذلك؛ خرجه أبو نعيم في " معرفة الصحابة ".
وبهذا؛ تدرك خطأ الحافظ في " التلخيص "(2) ؛ حيث اغتر
(1) في " الإرواء "(6/113) .
(2)
" التلخيص "(4/235)
بهذا التصحيف، فقال:
" ظاهر إسناده الصحة ".
فإنه ظن أن الحديث عند هؤلاء " عن عبثر "، كما وقع في " تهذيب الآثار " للطبري.
وبالله التوفيق.
مثال آخر:
حديث: معاوية بن صالح، عن أبي حلبس يزيد بن ميسرة، أنه سمع أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ـ لم أسمعه يكنيه قبلها ولا بعدها ـ يقول: " إن الله عز وجل قال: يا عيسى بن مريم! إني باعث بعدك أمة، إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم.
قال: يا رب! كيف يكون هذا لهم، ولا حلم ولا علم؟! قال أُعطيهم من حلمي وعلمي".
أخرجه: أحمد (6/450) والبخاري في " التاريخ الكبير "(4 / 4 /355 - 356) والدولابي في " الكنى"(1 /156) والطبراني في " الأوسط "(3252)" والشاميين "(2050) والحاكم (1/348) وأبو نعيم في " الحلية "(1/227)(5/243) .
وأدخله البخاري في ترجمة " أبي حلبس يزيد بن ميسرة ".
وقال الطبراني: " لم يروه عن أم الدرداء إلا يزيد ميسرة، تفرد به معاوية بن صالح ".
فالحديث؛ حديث يزيد بن ميسرة؛ وهو مجهول.
لكن؛ تصحف على البزار، فرواه من نفس الوجه في " مسنده "(2845- كشف) ، فتصحف فيه " يزيد" إلى " يونس "، فجاء:" يونس بن ميسرة ".
ويونس بن ميسرة، ثقة.
وهو أخو يزيد، ويشتركان في الرواية عن أم الدرداء، ويروي عنهما معاوية بن صالح، وكلاهما يكنى بـ " أبي حلبس "، إلا أن يونس أشهر من أخيه يزيد، وهذا الحديث حديث يزيد، لا يونس.
وقد اغتر بذلك البزار، فقال:
" لا نعلم رواه من الصحابة إلا أبو الدرداء، ومعاوية ويونس شاميان ثقتان، وإسناده حسن ".
وقد وقع في نفس التصحيف محقق كتاب " الأربعين الصغرى " للبيهقي (47) ـ طبعة دار الكتاب
العربي ـ وصحح الحديث اغتراراً بذلك، مع أنه خرج الحديث من عدة مصادر، وهو فيها كلها عن " يزيد " وليس عن " يونس ".
وهو في طبعة دار الكتب العلمية " للأربعين "(62) على الصواب: " يزيد ".
وكذلك؛ أخرجه البيهقي في " الشعب "(4482) ، بنفس الإسناد، فجاء فيه على الصواب.
هذا؛ وحكم عليه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع "(4056) بأنه
حديث موضوع.
مثال آخر
روى: ابن أبي ذئب، عن عجلان بن المشمعل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تساب وأنت صائم، وإن سابك إنسان فقل: إني صائم، وإن كنت قائماً فاجلس".
أخرجه: أحمد (2/428) والنسائي في "الكبرى"(1) وابن خزيمة (1994) وابن حبان (3483) .
يرويه عن ابن أبي ذئب: يحيى بن سعيد، وابن المبارك، وعثمان بن عمر.
وليس في رواية يحيى بن سعيد "وإن كنت قائماً فاجلس"، ولا أدري أهي في رواية ابن المبارك أم لا؛ فإن روايته في "سنن النسائي الكبرى"، ولا تطولها يدي الآن.
لكن؛ وقع في موضع آخر من "المسند" ما يوهم عدم تفرد عجلان بهذه الزيادة.
ففي "المسند" المطبوع (2/505) :
"ثنا يزيد: أنا ابن أبي ذئب، عن المقبري ـ وأبو عاصم: مولى حكيم، وقال أحمد الزبيري: مولى
حسام ـ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تساب وأنت صائم، فإن شتمك أحد فقل: إني صائم، وإن كنت قائماً فاقعد، والذي نفس محمد بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند
(1) كما في "تحفة الأشراف"(10/253) .
الله من ريح المسك".
وهذا الذي في "المسند" المطبوع؛ قد وقع فيه خلل في عدة مواضع:
فأولاً: قوله: "أبو عاصم"، صوابه:"أبو عامر"، وهو العقدي شيخ أحمد.
كما هو في "أطراف المسند" لابن حجر (7/407) ، وفي إحدى نسخ "المسند"، كما ذكر صاحب "المسند الجامع"(17/138) .
وعليه؛ يكون قد سقط لفظه "قال"، ويكون الصواب:"وقال أبو عامر: مولى حكيم"؛ فتكون جملة "مولى حكيم" من مقول قول أبي عامر العقدي.
ثانياً: قوله: "مولى حسام"؛ صوابه: "مولى حماس".
وهو أيضاً كذلك في بعض نسخ "المسند".
ثالثاً: وهو اللغز الذي احترت في الجواب عليه:
وهو: قوله: "عن المقبري".
وذكر المقبري هاهنا مشكل.
ذلك؛ لأمرين:
الأول: أن الحافظ بن حجر ذكر هذا الحديث في "أطراف المسند"(7/407) برواية هؤلاء الثلاثة: يزيد، وأبي عامر، وأبي أحمد الزبيري؛ عن ابن أبي ذئب، في ترجمة "عجلان مولى المشمعل، عن أبي هريرة"، ولم يذكره من رواية واحد منهم في ترجمة "سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة".
الثاني: أن هذه الأقوال: "مولى حكيم" و "مولى حماس"، إنما قيلت في اسم "عجلان" هذا، ولا ذكر لها في ترجمة المقبري، فكيف يستقيم ذكرها في هذا الحديث، وهو من رواية المقبري، وليس من رواية عجلان؟!
فالذي يترجح عندي ـ والله أعلم ـ: أن ذكر "المقبري" في هذا الحديث خطأ، والصواب ذكر "عجلان مولى المشمعل" مكانه.
ولعل ذلك وقع خطأ من الكاتب، كأن يكون حرَّف "عجلان"، فقال:"المقبري" ـ وهو ما أستبعده
هنا ـ، أو يكون وقع سقط في نسخة "المسند"،، نشأ عن انتقال نظر الكاتب؛ فإن الحديث الذي قبل هذا الحديث في "المسند" من رواية "يزيد، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة"؛ فلعل الكاتب انتقل نظره،نن وهذا أقرب والله أعلم.
ثم وقفت على الخبر اليقين، بفضل من الله تعالى، وكرم منه ونعمة.
فقد رأيت الحافظ المزي ذكر هذا الحديث من هذا الموضع من "المسند"، وجاء به على الصواب، مصلحاً ما أفسده النساخ، مما أحدثوه في الحديث من تحريف وإقحام وحذف.
فقد رواه في ترجمة "عجلان" في "تهذيب الكمال"(19/518) ،من طريق "المسند"، فوقع عنده هكذا:
"
…
حدثنا يزيد وأبو عامر، قالا: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن عجلان مولى المشمعل ـ قال: وقال أبو عامر: مولى حكيم، وقال: أبو
أحمد الزبيري: مولى حماس ـ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تساب وأنت صائم.." ـ الحديث.
فقطعت جهيزة قول كل خطيب.
وقد انطلى هذا الخطأ الواقع في "المسند" على كل من الشيخ الألباني في "الإرواء"(4/35) ، وكذا المعلق على "صحيح ابن حبان"، فأثبتا متابعة المقبري لعجلان بمقتضى هذه الرواية.
وكذا؛ انطلى على صانعي: "المسند الجامع" حيث جعلوه فيه (17/137-138) من رواية المقبري عن أبي هريرة، وأفردوه عن رواية عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة.
لكن؛ الشيخ الألباني: ـ حفظه الله تعالى ـ وقع في خطأ آخر مبني على الخطأ الأول، وذلك؛ أنه اعتبر "أبو عاصم" الذي وقع في "المسند" كنية "عجلان مولى المشمعل".
وهذا لا يؤيده أصلاً السياق الذي في "المسند" ـ على ما فيه من خطأ ـ؛ لأن "أبو عاصم" جاءت مرفوعة، فهي معطوفة على ما جاء مرفوعاً قبلها، أي: ابن أبي ذئب، أو يزيد.
ولكي تكون كنية عجلان، فلا بد وأن تجيء مجرورة، عطفاً على المقبري.
وثمة خطأ آخر:
وهو أنه نقل عن ابن حبان، أنه قال في "الثقات" (5/278) في ترجمة "عجلان مولى المشمعل":
" كنيته أبو محمد، وليس هو والد محمد ".
يعني: أنه ليس هو " عجلان مولى فاطمة " والد محمد بن عجلان، وإن كان يكنى بـ " أبي محمد ".
فقال الشيخ: " فلعل له كنيتان (1) كما هو الشأن في بعض الرواة ".
قلت: هو لا يكنى أصلاً، لا بـ " أبي عاصم "، ولا بـ " أبي محمد "، وإنما الذي يكنيه بـ " أبي محمد " آدم بن أبي إياس، في روايته عن ابن أبي ذئب، وآدم كناه بذلك ظناً منه أنه والد محمد بن عجلان، فغلطه العلماء في ذلك (2) .
مثال آخر:
قال الطبراني في " المعجم الكبير "(11 / 134) :
" حدثنا محمد بن جابان الجنديسابوري: ثنا محمود بن غيلان: ثنا مؤمل بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة: ثنا الطويل، عن طلق بن حبيب، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من أُعطيهن أُعطي خير الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه خوناً في نفسها ولا ماله ".
فهذا الحديث؛ هكذا يرويه الطبراني في " الكبير " بهذا الإسناد، من حديث مؤمل بن إسماعيل، وهو ضعيف سيئ الحفظ.
(1) كذا، والصواب:" كنيتين ".
(2)
راجع " التاريخ الكبير " للبخاري (4 / 1 /61) ، و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (3 / 2 / 18) و " تهذيب التهذيب " لابن حجر (7 / 162) .
وقد رواه أيضاً في " الأوسط "(7212) بنفس السند؛ لكن وقع فيه: " موسى " بدل " مؤمل "؛ وكذا وقع في " مجمع البحرين "(2249) .
وما وقع في " الأوسط " تصحيف، والصواب " مؤمل " كما في الكبير وقد رُوي من غير هذا الوجه عن " المؤمل ".
وقد بين ذلك تفصيلاً الشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى ـ في " الضعيفة "(1) ،
بما لا يحتاج إلى مزيد، فجزاه الله خيراً، ونفع به وبعلمه.
ومما يقوي هذا: أن محمود بن غيلان؛ لم يذكروا رواية له عن موسى بن إسماعيل ـ وهو التبوذكي ـ؛ بينما ذكروا أنه يروي عن مؤمل ابن إسماعيل فقط.
وقد تورط في هذا جماعة من أهل العلم؛ منهم: المنذري، والهيثمي، والسيوطي، والمناوي، وقلدهم في ذلك الغماري؛ فحكموا على إسناد " الأوسط " بغير ما حكموا به على إسناد " الكبير " مع أنه هو هو من شيخ الطبراني فصاعداً !
وانظر: أقوالهم في " الضعيفة ".
مثال آخر:
حديث: محمد بن أبان البلخي، قال: نبأنا عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن محرر بن أبي هريرة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" ما أهل مُهِل قط إلا آبت الشمس بذنوبه ".
(1)" الضعيفة "(1066) .
وعليه يصحح ما في نسختنا من " الأوسط ".
أخرجه الخطيب في " تاريخ "(2/79)، وقال:
" تفرد بروايته محمد بن أبان، عن عبد الرزاق، عن الثوري، وخالفه الحسن بن أبي الربيع الجرجاني؛ فرواه عن عبد الرزاق، عن ياسين الزيات، عن ابن المنكدر ".
ثم أسند رواية الجرجاني.
قلت: ويشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون محمد بن أبان البلخي كان في كتابه: " عن ياسين "، فصحف، فقال " عن سفيان "، ثم نسبه اجتهاداً منه.
لاسيما؛ وأن " سفيان " تكتب في الكتب القديمة بغير الألف، هكذا:" سفين "، فيه ـ حينئذٍ ـ يسهل أن تشتبه بـ " ياسين " إذا ما كتبت هي الأخرى بغير الألف.
وفي ترجمة محمد بن أبان هذا من " تاريخ بغداد " حديث آخر، أخطأ فيه، وذهب الإمام أحمد إلى أنه وقع له فيه تصحيف.
مثال آخر:
حديث: محمد بن منصور الجواز، عن أبن عيينة، عن بيان بن بشر، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحوتكية، عن أبي ذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:" عليك بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة ".
أخرجه: النسائي (4/223) .
وفي هذا الحديث خطأ وتصحيف؛ فإن ابن عيينة إنما يروي هذا الحديث، فيقول:" حدثنا اثنان "، وتارة يقول:" حدثنا اثنان وثلاثة " وتارة " رجلان " وتارة يسميهما، فيقول " رجلان: محمد وحكيم ".
ومحمد، هو: ابن عبد الرحمن مولى آل طلحة، وحكيم هو: ابن جبير.
أخرجه: الحميدي (136) وأحمد (5 / 150) والنسائي (4 / 223)(7 / 196 - 197) وابن خزيمة (2127) .
فصحف محمد بن منصور في الحديث، فقال " بيان "، والصواب " اثنان "، ثم نسبه اجتهاداً منه، لا رواية، فقال:" ابن بشر ".
قال الإمام النسائي:
" هذا خطأ، ليس من حديث " بيان "؛ ولعل سفيان قال " حدثنا اثنان " فسقط الألف، فصار: بيان ".
وقال الدارقطني (1) :
" وصحف الجواز في قوله " بيان "، وإنما كان ابن عيينة يقول: " حدثني اثنان، عن موسى بن طلحة "
ـ يعني: محمد بن عبد الرحمن مولى آله طلحة، وحكيم بن جبير ـ، فجعله الجواز: عن بيان " (2) .
(1)" العلل "(2 / 228 - 229) .
(2)
وانظر: مثالاً آخر في " الكامل "(5 /1876 - 1877) .