المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المتابعة.. والجادة   قد يتتابع بعض الرواة على رواية حديث إسناداً ومتناً، - الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات

[طارق بن عوض الله]

فهرس الكتاب

- ‌ لم يكونوا يتعجلون الحكم على الحديث

- ‌ ما كانوا يسارعون إلى رد نقد النقاد

- ‌الأساس الأول:أن ثمة فرقاً بين: "الخطأ المحتمل"، و "الخطأ الراجح

- ‌لا تنقع باليسير…ولا تغتر بالكثير

- ‌المنكر.. أبداً منكر

- ‌ثبت العرش.. ثم انقش

- ‌التنقية.. قبل التقوية

- ‌المتابعة.. وظن الرجل رجلين

- ‌المتابعة.. والرواية بالمعنى

- ‌الشواهد.. والرواية بالمعنى

- ‌المتابعة.. وتصحيف الأسماء

- ‌الشواهد.. وتصحيف الأسماء

- ‌الشواهد.. وتصحيف المتن

- ‌المتابعة…والقلب

- ‌الشواهد…والقلب

- ‌المتابعة…والإقران

- ‌الإقران.. والمخالفة

- ‌المتابعة.. وما لا يجيء

- ‌المتابعة.. والمخالفة

- ‌الشواهد.. والاضطراب

- ‌المتابعة.. والجادة

- ‌المتابعة.. والإبهام

- ‌الشك.. والجزم

- ‌الشواهد.. وإسناد في إسناد

- ‌الشواهد.. وحديث في حديث

- ‌شاهد اللفظ.. وشاهد المعنى

- ‌الشواهد.. المُعَلَّة

- ‌الشواهد.. القاصرة

- ‌التدليس.. والسماع

- ‌التدليس.. والمتابعة

- ‌المتابعة.. والسرقة

- ‌المتابعة.. والتلقين

- ‌المتابعة.. والتقليد

الفصل: ‌ ‌المتابعة.. والجادة   قد يتتابع بعض الرواة على رواية حديث إسناداً ومتناً،

‌المتابعة.. والجادة

قد يتتابع بعض الرواة على رواية حديث إسناداً ومتناً، ويخالفهم من هم أولى بالحفظ منهم، فيرجح الأئمة رواية الحفاظ، وإن كان الأولون جماعة يبعد على مثلهم الخطأ عادة.

إلا أن الأئمة يرون أن هؤلاء الجماعة وإن اتفقوا، إلا أن ما اتفقوا عليه مما يسهل أن تتوارد عليه الأذهان، وأن يتفق على الخطأ فيه الجماعة، كأن تكون روايتهم جارية على الجادة المعهودة، ورواية الحفاظ على خلاف الجادة.

فحماد بن سلمة ـ مثلاً ـ؛ إذا روى عن ثابت البناني، غالباً ما يكون الحديث:"عن ثابت، عن أنس"، فإذا روى حافظ أو أكثر عن حماد بن سلمة حديثاً عن ثابت مرسلاً، ووجدنا عدداً من الضعفاء، أو ممن ليسوا مبرزين في الحفظ؛ رووا الحديث، فقالوا:"عن حماد، عن ثابت، عن أنس"، عرفنا أن من وصل الحديث بذكر أنس إنما سلك الجادة، فأخطأ، وأن من لم يسلكها إنما حفظ الحديث على وجهه.

ويقع ذلك أيضاً بكثرة في مثل: "محمد بن المنكدر، عن جابر"، و "الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة"، و "مالك، عن نافع، عن ابن عمر"، و "الزهري، عن سالم، عن ابن عمر"، وأمثلة هذا كثيرة، يعرفها من له اعتناء بهذا الباب.

ص: 296

وقد قال الإمام أحمد (1) :

" وأهل المدينة، إذا كان حديث غلط، يقولون: "ابن المنكدر عن جابر"، وأهل البصرة يقولون: " ثابت عن أنس "؛ يحيلون عليهما ".

فإذا توارد عدد من الرواة، لاسيما إذا كانوا ضعفاء، أو ليسوا من المبرزين في الحفظ، وكان ما تواردوا عليه مما يجري على الجادة الغالبة، وخالفهم حافظ أو أكثر، كان الغالب أن الصواب مع من عُرِفَ بالحفظ والإتقان، وأن ما تتابع عليه هؤلاء خطأ.

مثال ذلك:

سأل ابن أبي حاتم (2) أباه وأبا زرعة:

عن حديث؛ رواه عبد الله بن رجاء وسهل بن حماد العنقزي أبو عتاب، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ـ موقوف ـ، قال لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً.

ورويا: عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ بنحوه.

فقالا:

أكثر أصحاب شعبة الحفاظ منهم يرفعون حديث عدي بن ثابت، ولا يقولون في حديث سماك:" ابن عباس "، إنما يقولون " سماك، عن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا صحيح.

(1)"الكامل"(4/1616) .

(2)

في " العلل "(2192) ، وانظر " شرح البخاري لابن رجب (3/265) .

ص: 297

قلت إنما اتفقوا؟!

فقالا: شيخين صالحين، أوقفا ما رفعه الحفاظ، ووصلا ما يرسله الحفاظ اهـ.

مثال آخر:

وقال ابن أبي حاتم أيضاً (1) :

سألت أبي (2) عن حديث رواه معتمر بن سليمان، عن حميد الطويل، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرخص في الحجامة والمباشرة للصائم.

فقالا: هذا خطأ؛ إنما هو: عن أبي سعيد ـ قوله؛ رواه قتادة وجماعة من الحفاظ، عن حميد، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد ـ قوله.

قلت: إن إسحاق الأزرق رواه عن الثوري، عن حميد، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قالا: وَهِمَ إسحاق في الحديث.

قلت: قد تابعه معتمر؟

قالا: وَهِمَ فيه أيضاً معتمر اهـ.

مثال آخر:

وقال ابن أبي حاتم (3) :

حدثنا أبو زرعة، قال: سمعت نوح بن حبيب يقول: حضرنا

(1)" العلل "(676) .

(2)

لعله سقط من هاهنا: " وأبو زرعة " بدلالة ما سيأتي ما بعده.

(3)

في " تقدمة الجرح والتعديل "(ص 255) .

ص: 298

عبد الرحمن بن مهدي، فحدثنا عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى ـ في قوله عز وجل:{إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} .

فقال له رجل حضر معنا: يا أبا سعيد! حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى.

قال: فسكت عبد الرحمن.

وقال له آخر: يا أبا سعيد! حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى.

قال: فسكت؛ وقال حافظان! ثم قال: دعوه!

قال نوح: ثم أتوا يحيى بن سعيد، فأخبروه أن عبد الرحمن بن مهدي حدث بهذا الحديث، عن الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى، فأُخبر أنك تخالفه ويخالفه وكيع، فأمسك عنه، وقال: حافظان.

قال: فدخل يحيى بن سعيد، ففتش كتبه، فخرج وقال: هو كما قال عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور.

قال نوح: فأُخبر وكيع بقصة عبد الرحمن، والحديث، وقوله: حافظان.

فقال وكيع: عافى الله أبا سعيد، لا ينبغي أن يقبل الكذب علينا.

قال: ثم نظر وكيع، فقال: هو كما قال عبد الرحمن، اجعلوه عن منصور اهـ.

مثال آخر:

ساق ابن عبد البر (1) حديث مالك، عن جعفر بن محمد، عن

(1) في " التمهيد "(2/134-135) .

ص: 299

أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ـ يعنى مرسلاً.

ثم قال: " هذا الحديث في " الموطأ " عن مالك مرسل، عند جماعة رواته، وقد رُوي عنه مسنداً ".

ثم ذكر ممن أسنده عنه أربعة أنفس: عثمان بن خالد المدني العثماني، وإسماعيل بن موسى الكوفي، ومحمد بن عبد الرحمن رداد، ومسكين بن بكير.

الأولان؛ وصلاه بذكر " جابر بن عبد الله "، والآخران؛ وصلاه بذكر " علي بن أبي طالب ".

ثم قال ابن عبد البر:

" والصحيح فيه عن مالك، أنه مرسل في روايته ".

مثال آخر:

وقال أبو يعلى الخليلي (1) :

" وإذا أُسند لك الحديث عن الزهري، أو غيره من الأئمة، فلا تحكم بصحته بمجرد الإسناد، فقد يُخطئ الثقة، ومثاله: حديث مالك، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع "، وهذا صحيح متفق عليه من حديث الزهري (2) ، وقد صح أيضاً عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر ـ قوله؛ رواه عنه الشافعي وغيره من الأئمة ".

(1) في " الإرشاد "(1/202-204) .

(2)

يعني: من طريق مالك.

ص: 300

قال: " وقد أخطأ فيه رزق الله بن موسى ـ وهو صالح ـ، من حديث يحيى بن سعيد القطان، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم به مجوَّداً (1) ، وتابعه على خطئه داود بن عبد الله ـ هو أبو الكرم الجعفري، عن مالك ـ مثله " اهـ.

ثم ذكر أن سهل بن فرخان الأصبهاني الزاهد، رواه أيضاً مرفوعاً، من حديثه عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي، عن مالك، ونقل عن الحاكم أنه خَطَّأ فيه سهلاً هذا، ثم قال:

" فهذا مما أخطأ فيه هؤلاء، ولم يتعمدوا الكذب ".

مثال آخر:

حديث: " النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة ".

فهذا الحديث؛ يرويه الثوري، واختلف عليه:

فرواه: كبار أصحابه، عنه، عن محمد بن المنكدر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ مرسلاً.

منهم: عبد الله بن المبارك، ووكيع، وقطبة بن العلاء، وعبيد الله ابن موسى، والأشجعي، ومخلد بن يزيد، وغيرهم.

أخرجه: ابن المبارك في " الزهد "(279) وأحمد أيضاً في " الزهد "(ص 9) والعقيلي في

" الضعفاء "(2/301) .

ورواه: الفريابي، وجماعة آخرون ـ بعضهم ضعفاء، وبعضهم يرويه

(1) أي: مرفوعاً.

ص: 301

عنهم ضعفاء ـ؛ رووه، عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) .

فهؤلاء الذين وصلوه بذكر " جابر " في الإسناد، وإن كانوا جماعة، إلا أنهم ـ كما سبق ـ يدورون بين ضعيف، وبين من راويه عنه ضعيف، وأفضل من رواه عن الثوري موصولاً هو الفريابي، وهو معروف بأخطائه في حديث الثوري، وهذا منها، فكيف إذا انضاف إلى ذلك مخالفة كبار أصحاب الثوري لهم حيث لم يوصلوا الحديث،

خصوصاً وأن وصل مثل هذا مما يجري على الجادة، كما سبق.

ولهذا؛ رجح العقيلي الإرسال، وقال في الموصول:

" لا أصل له ".

وكذلك؛ رجح الإرسال أبو حاتم الرازي، فقال (2) :

" الصحيح: ابن المنكدر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليس فيه: جابر ".

وبالله التوفيق.

مثال آخر:

سُئل الدارقطني (3) :

عن حديث أبي إدريس الخولاني، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" قال الله: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتزاورين فيَّ " ـ الحديث.

(1) راجع " السلسلة الصحيحة "(1087) .

(2)

" العلل " لابنه (2147) .

(3)

في " العلل "(6/69-71) .

ص: 302

فقال الدارقطني:

" يرويه: جماعة من أهل الحجاز والشام، عن أبي إدريس، منهم: أبو حازم سلمة بن دينار، والوليد بن عبد الرحمن ابن الزجاج، ومحمد ابن قيس القاص، وشهر بن حوشب.....، وعطاء الخراساني، ويزيد ابن أبي مريم، ويونس بن ميسرة بن حلبس؛ كلهم عن أبي إدريس، عن معاذ بن جبل، وكلهم ذكروا أن أبا إدريس سمعه من معاذ ".

قال: " وخالفهم: محمد بن مسلم الزهري ـ وهو أحفظ من جميعهم ـ؛ فرواه عن أبي إدريس الخولاني، قال: أدركت عبادة بن الصامت ووعيت عنه، وأدركت شداد بن أوس ووعيت عنه ـ وعد نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ، قال: وفاتني معاذ بن جبل وأُخبرت عنه ".

قال: " والقول قول الزهري؛ لأنه أحفظ الجماعة " اهـ.

مثال آخر:

حديث: الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالدلجة؛ فإن الأرض تطوى ليلاً ".

فهذا الحديث؛ يُروى عن الليث من وجهين:

الأول: يرويه: رويم بن يزيد، عنه.

أخرجه: أبو يعلى (6/301) وابن خزيمة (2555) والبزار (1196- كشف) والحاكم (1/445) والخطيب (8/429) والطحاوي في " مشكل الآثار "(113) والبيهقي (5/256) .

الثاني: يرويه: محمد بن أسلم الطوسي، عن قبيصة بن عقبة، عنه.

ص: 303

أخرجه أيضاً: ابن خزيمة والحاكم، وكذا أبو نعيم في " الحلية "(9/250) .

وهذا مما تتابع ثقتان على الخطأ فيه.

سُئل الدراقطني عن هذا الحديث، فذكر رواية رويم هذه، ومتابعة محمد بن أسلم عن قبيصة له،

ثم قال (1) :

" والمحفوظ: عن ليث، عن عقيل، عن الزهري ـ مرسل ".

وقال أبو حاتم (2) :

" سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول: ذاكرت أبا زرعة بحديث رواه قبيصة بن عقبة، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس ـ (فذكره) .

فقال: أعرفه من حديث رويم بن يزيد، عن الليث هكذا، فَمَنْ رواه عن قبيصة؟

فقلت: حدثني محمد بن أسلم، عن قبيصة هكذا.

فقال: محمد بن أسلم ثقة.

فذاكرت به مسلم بن الحجاج، فقال: أخرج إلى عبد الملك بن شعيب بن الليث كتاب جده، فرأيت في كتاب الليث على ما رواه قتيبة (3) .

(1)" تاريخ بغداد "(8/429) .

وكذا ذكر روايتهما في " الأفراد "(86أـ أطرافه)

(2)

في " العلل "(2256) .

(3)

يعني: مرسلاً؛ كما سيأتي عقبه.

ص: 304

قال أبو الفضل ـ هو: أحمد بن سلمة النيسابوري ـ: حدثنا قتيبة عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالدلجة " ـ الحديث " اهـ.

قلت: وإنما رجح الأئمة الإرسال؛ لأنه هو الذي ثبت في كتاب الليث بن سعد، ومعلوم أن الحفظ يخون بخلاف الكتاب؛ فإنه أثبت، لاسيما وأن قتيبة بن سعيد ـ وهو من المتثبتين في الليث ـ رواه مرسلاً، كما في كتاب الليث.

وقد تابعه أيضاً على إرساله: عبد الله بن صالح كاتب الليث.

أخرج حديث: الطحاوي في " المشكل "(114)(1) .

مثال آخر:

حديث: عمر بن الخطاب ـ موقوفاً عليه ـ: " من وهب هبة، فهو أحق بها، ما لم يُثَبْ منها ".

فهذا الحديث؛ يُروى موقوفاً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عدة أوجه؛ بنحوه.

رواه: مالك في " الموطأ "(ص 470) ، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طريف المري، عن عمر ـ قوله.

ومن طريق مالك؛ رواه: البيهقي في " السنن الكبرى "(6/182) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار "(4/81) .

(1) وراجع: " الصحيحة "(681) .

ص: 305

ورواه: عمرو بن دينار، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر ـ قوله.

أخرجه: البيهقي والطحاوي.

وكذلك؛ رواه: حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر ـ قوله.

رواه عن حنظلة: مكي بن إبراهيم، وعبد الله بن وهب.

أخرجه: البيهقي والطحاوي.

لكن؛ اختُلت فيه على حنظلة.

فرواه: الحاكم في: " المستدرك "(2/52) : حدثنا أبو أحمد إسحاق ابن محمد بن خالد الهاشمي

ـ بالكوفة ـ: ثنا أحمد بن حازم بن أبي عزرة: ثنا عبيد الله بن موسى: ثنا حنظلة بن أبي سفيان، قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم " ـ فذكره مرفوعاً من مسند ابن عمر.

ومن طريق الحاكم؛ أخرجه البيهقي.

وقال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه؛ إلا أن نَكِلَ الحمل فيه على شيخنا ".

ووافقه الذهبي، بل ذكر شيخه هذا في " الميزان "(1) ، ولم يزد في

(1)" الميزان "(1/199) .

ص: 306

ترجمته على قوله: " روى عنه الحاكم، واتهمه ".

يعني: في هذا الحديث، ومعلوم أن تخطئة الحاكم له لا تفيد التهمة الاصطلاحية، وإن كان هو يوهمه في رفع الحديث.

ولذا؛ قال الحافظ بن حجر في " اللسان "(1) :

" الحمل فيه عليه بلا ريب، وهذا الكلام معروف من قول ابن عمر، غير مرفوع ".

على أن شيخ الحاكم لم يتفرد برفع هذا:

فقد رفعه أيضاً: على بن سهل بن المغيرة، عن عبيد الله بن موسى، به.

أخرجه: الدارقطني (3/43) والبيهقي.

وقال الدارقطني: " لا يثبت هذا مرفوعاً، والصواب: عن ابن عمر، عن عمر ـ موقوفاً ".

وقال في العلل: (2)" حدث به علي بن سهل بن المغيرة ـ وكان ثقة ـ عن عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم فيه؛ وإنما هو: عن ابن عمر، عن عمر " ـ يعني موقوفاً.

(1)" اللسان "(1/375) .

(2)

" العلل "(2/58) .

ص: 307

وقال البيهقي: " وهو وهم؛ وإنما المحفوظ: عن حنظلة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من وهب هبة

" ـ فذكره موقوفاً.

وقال في " المعرفة "(1) :

" وغلط فيه عبيد الله بن موسى؛ فرواه عن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.. والصحيح: رواية عبد الله بن وهب، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه، عن عمر ".

فحمل البيهقي الخطأ في الحديث على عبيد الله بن موسى، والأشبه حمله على من دونه، وهو علي بن سهل بن المغيرة، ولا تنفعه متابعة ابن أبي عزرة عليه ـ كما في رواية الحاكم ـ بعد أن تبين أن روايها عنه ـ وهو شيخ الحاكم ـ قد أخطأ في هذا الحديث أيضاً.

ومهما يكن من أمر؛ فرفع الحديث خطأ، بصرف النظر عن المخطئ فيه.

لكن؛ تعقب ابن التركماني البيهقي في ترجيح الوقف، وعدم الاعتداد بالرواية المرفوعة، مع كونها جاءت من طريقين عن عبيد الله بن موسى، فقال:

" المرفوع؛ رواته ثقات، كذا قال عبد الحق في " الأحكام " وصححه ابن حزم.. وقد تُوبع راويه عليه كما ذكر البيهقي

، فلا

(1)" معرفة السنن والآثار "(5/18-19) .

ص: 308

حمل إذاً على شيخ الحاكم، ولا نسلم للبيهقي أنه وهم؛ بل يُحمل على

أن لعبيد الله (1) فيه إسنادين ".

وفي هذا التعقيب بُعْدٌ عن التحقيق، ومجافاة لأصول الحديث، وهجران للموروث عن أهل النقد في علم الحديث، الذين هم أهل الاختصاص، وإليهم يكون المرجع والمهرب عند الاختلاف.

ولقد أشبع الشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى ـ في الرد على ابن التركماني، وبيان بطلان تعقبه، وبُعْده عن الأصول العلمية، فقال (2) :

" يحتمل أن يكون الوهم عندي من علي بن سهل؛ فإنه دون عبيد الله في الحفظ والضبط، وإن كان ثقة.

ولا يفيده متابعة أحمد بن حازم بن أبي عزرة له؛ لأن الراوي عنه ـ شيخ الحاكم ـ لم يثبت عدالته ـ كما عرفتَ من ترجمته.

فلا تغتر إذاً بمحاولة ابن التركماني في رده على البيهقي لتقوية الحديث؛ فإنها محاولة فاشلة، لا تستند على سند من القواعد العلمية الحديثية.

فإن رواية عبيد الله بن موسى المرفوعة، لا يشك باحث في شذوذها؛ لمخالفتها لرواية الثقتين: مكي بن إبراهيم، وعبد الله بن وهب، اللذين رويا الحديث عن حنظلة به موقوفاً، وشد من عضد وقفه، وأيد شذوذ تلك [الطريق] الطريق الأخرى الموقوفة عند مالك ".

(1) لعله يقصد: " لسالم " أو " لعبد الله " يعني: ابن عمر. والله أعلم.

(2)

في " إرواء الغليل "(6/57-58) .

ص: 309

قال الشيخ:

" وأما قول ابن التركماني: " المرفوع رواته ثقات، كذا قال عبد الحق في " الأحكام "،

وصححه ابن حزم "؛ فالجواب من وجهين:

الأول: أن ابن حزم نظر إلى ظاهر السند فصححه، وذلك مما يتناسب مع ظاهريته، أما أهل العلم

والنقد، فلا يكتفون بذلك، بل يتتبعون الطرق، ويدرسون أحوال الرواة، وبذلك يتمكنون من معرفة ما إذا كان في الحديث علة أو لا، ولذلك كان معرفة علل الحديث من أدق علوم الحديث، إن يكن أدقها إطلاقاً؛ لذلك رأينا أهل العلم والنقد منهم قد حكموا على الحديث بأنه وهم، وأن الصواب فيه الوقف، منهم: الدارقطني والبيهقي والعسقلاني، وغيرهم ممن نقل كلامهم وأقرهم عليه كالزيلعي؛ فأين

يقع تصحيح ابن حزم من تضعيف هؤلاء؟ !

والوجه الآخر: أن عبد الحق لم يقتصر على القول الذي نقله عنه ابن التركماني فقط! بل أتبع ذلك بقوله ـ بعد أن كان عزاه للدارقطني ـ: " لكنه جعله وهماً قال: والصواب، عن ابن عمر، عن عمر ـ قوله ".هكذا هو في كتاب " الأحكام "(ق 165/1) .

فلا أدري؛ كيف استجاز ابن التركماني أن يذكر منه بعضه دون البعض الآخر المتمم له، والذي بدونه يفهم الواقف عليه أن عبد الحق يذهب إلى تصحيح الحديث، بينما هو مع الدارقطني، الذي ضعفه

وصحح وقفه!!! ".

انتهى كلام الشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى.

ص: 310

هذا؛ ومما يؤكد خطأ هذين في رفع الحديث، وإن كانا قد اتفقا في ذلك: ما ذكره الإمام العلائي في حديث آخر، وقع فيه مثل هذا الخطأ، في حديث عن ابن عمر، عن عمر موقوفاً أيضاً، قال (1) :

" ومما يقوي القول بالتعليل فيه بالوقف: ما إذا كان قد زِيدَ في الإسناد عوضاً عن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صحابي آخر.. ووجهه: غلبة الظن بغلط من رفعه، حيث اشتبه عليه قول ابن عمر: " عن عمر " ـ رضي الله

عنهما ـ، بأنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "؛ فلما جاءه بعد الصحابي صحابي آخر، والحديث هو قوله، اشتبه ذلك على الراوي "

(1)" النكت على ابن الصلاح "(2/780-781) .

ص: 311