الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو علي بن حفص فقط، وأن ما وقع في " مقدمة مسلم " إنما هو خطأ من أحد رواة " الصحيح "، لا ذنب لمسلم فيه، بدليل أن غيره من رواة " الصحيح " رووه مرسلاً على الصواب، كما ذكر أهل العلم.
ويؤكده: اتفاق الأئمة على أن علي بن حفص هو المتفرد بوصل هذا الحديث عن شعبة، لم يتابعه أحد على وصله، وأن سائر أصحاب شعبة ـ بما فيهم معاذ العنبري وابن مهدي ـ إنما رووه عنه مرسلاً، بدون ذكر " أبي هريرة "(1) .
***
المتابعة.. وما لا يجيء
قد تجيء متابعة من راو لآخر عن شيخ من الشيوخ، فيرى أهل العلم أن هذه المتابعة خطأ، والصواب أن الحديث حديث الرجل الأول؛ وهذا تقدم التنبيه عليه.
لكن؛ أحياناً يستدل أئمة الحديث على عدم صحة هذه المتابعة بغرابة الإسناد، من حيث أن رواية هذا المتابع عن هذا الشيخ لا تعرف، ولا تجيء في الأحاديث، فيقولون في إعلال مثل ذلك:" فلان عن فلان لا يجيء "، أو " فلان لا يُعرف بالأخذ عن فلان " ونحو هذا.
ويقوي الإعلال بذلك؛ حيث يكون هذا الراوي المتابع مشهوراً، معروفاً بكثرة الحديث والأصحاب، ثم لا يجيء روايته عن هذا الشيخ إلا من طريق غريبة، يتفرد بها من ليس معروفاً بالحفظ، أو ليس من أصحابه الملازمين له، والعارفين بحديثه.
فالذي لا يفطن لذلك، يظن أن الحديث ثابت عن الرجلين، فيثبت بمقتضى ذلك المتابعة، ويدفع التفرد؛ وليس كذلك.
وبطبيعة الحال؛ فإن الأئمة لا يقصدون في هذه المواضع إعلال الحديث بالانقطاع بين هذا الراوي المتابِع وبين شيخه، وإنما العلة عندهم ممن دون هذا الراوي، فهو لم يثبت عنه حتى يُعل بعدم سماعه من شيخه.
(1) انظر: مثالاً آخر في " الكامل "(5/1745) .
فالذي يتعقب الأئمة في هذه المواطن، بأن المعاصرة متحققة بين الراوي والشيخ، وشرط مسلم الاكتفاء بإمكانية السماع وإن لم يصرح به الراوي في حديث من حديث، إنما يتعقب الأئمة فيما لم يقصدوه من
كلامهم، فكلامهم في واد، وكلامه في واد آخر.
مثال ذلك:
حديث: ابن أبي ذئب، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" ما اصطدتموه وهو حي فكلوه، وما وجدتموه ميتاً طافياً فلا تأكلوه ".
فهذا الحديث؛ يرويه الحسين بن يزيد الطحان، عن حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب، به.
أخرجه: الترمذي في " العلل الكبير "(ص 242) والطبراني في " الأوسط "(5656) والخطيب
في " التاريخ "(10/148) .
وقال الطبراني:
" لم يرو هذا الحديث عن ابن أبي ذئب إلا حفص، تفرد به الحسين ابن يزيد ".
وقال الترمذي:
" سألت محمد ـ يعني: البخاري ـ عن هذا الحديث؟ فقال: ليس هذا بمحفوظ، ويُروى عن جابر خلاف هذا، ولا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئاً ".
قلت: يشير الإمام البخاري بقوله: " ولا أعرف لابن أبي ذئب عن
أبي الزبير شيئاً " إلى أن الخطأ في هذا الحديث ممن هو دون ابن أبي ذئب؛ وذلك لغرابة هذا الإسناد، حيث إن رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير غير معروفة إلا في هذا الإسناد، فالظاهر أن الراوي الذي أخطأ دخل عليه إسناد في إسناد، أو قلب راوياً براوٍ.
ولعل الخطأ من الحسين بن يزيد هذا؛ فقد قال فيه أبو حاتم الرازي: " لين الحديث ".
ثم إن رواية حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب لم يذكروها أيضاً؛ فإن صح أنه لا يروي عنه كان ذلك أقوى في الدلالة على أن الخطأ من الحسين. والله أعلم.
هذا هو المعنى الذي أنكره البخاري ـ عليه رحمة الله تعالى ـ في هذا الإسناد، وهو أنه إسناد مركب من رواة لا يُعرف رواية بعضهم عن بعض، فلو كانت رواية بعضهم عن بعض ثابتة، فما بالها لا تجيء إلا في هذه الرواية الغريبة.
لكن؛ رأيت التركماني والزيلعي لم يفهما كلام البخاري على وجهه، فتعقباه بما لا يغني، ولا يدفع إعلاله.
قال التركماني في " الجوهر النقي "(9/256) والزيلعي في " نصب الراية "(4/203) :
" قول البخاري: " لا أعرف لابن أبي ذئب عن الزبير شيئاً "؛ هو على مذهبه في أنه يشترط لاتصال الإسناد المعنعن ثبوت السماع، وقد أنكر مسلم ذلك إنكاراً شديداً، وزعم أنه قول مخترع، وأن المتفق عليه أنه
يكفي للاتصال إمكان اللقاء والسماع؛ وابن أبي ذئب أدرك زمان أبي الزبير بلا خلاف، وسماعه منه ممكن ".
قلت: بصرف النظر عن الراجح في مسألة عنعنة المعاصر؛ فإن تعقب البخاري بقول مسلم فيها دليل على عدم فهم وجه إعلال الإمام البخاري لهذا الحديث.
فإن البخاري ـ عليه رحمة الله ـ لا يقصد إعلال الحديث بالانقطاع بين ابن أبي ذئب وأبي الزبير، حتى لا يصح أن يرد عليه بأن إمكانية سماعه منه كافية للحكم بالاتصال.
بل لو ذكر الراوي لفظ السماع بينهما، فقال ـ مثلاً ـ:" عن ابن أبي ذئب: حدثنا أبو الزبير "، لما صحح البخاري الحديث أيضاً؛ ولما كان مجيء لفظ السماع دافعاً للعلة التي أعل البخاري الحديث بها.
ذلك؛ لأن البخاري يُخَطِّئ في هذا الحديث واحداً ممن دون ابن أبي ذئب في الإسناد، فمهما ذكر ذلك المخطئ في روايته تصريح ابن أبي ذئب بالسماع من أبي الزبير، فإن ذلك لا يدفع عنه الخطأ عند الإمام البخاري.
بل لو ذكر لفظ السماع بينهما، لكان ذلك أدل عند البخاري على خطئه في روايته تلك، لتأكيده موجب الإنكار عند البخاري.
فموجب الإنكار في هذه الرواية عند البخاري ـ عليه رحمة الله ـ يتلخص في أمرين:
الأول: تفرد الحسين بن يزيد به.
وقد تقدم عن أبي حاتم الرازي، أنه لين الحديث، ولم يوثقه مُعتبر
، لاسيما؛ وأنه تفرد به عن حفص، عن ابن أبي ذئب؛ وذلك مما يُستغرب.
ذلك؛ لأن ابن أبي ذئب من الحفاظ المكثرين حديثاً وتلامذة، وحفص ليس من المعروفين بملازمته والأخذ عنه، بل لم يذكروه في الرواة عنه أصلاً ـ كما سبق ـ فكيف يتفرد مثل هذا عن ابن أبي ذئب بحديث ولا يعرفه أصحابه العارفون بحديثه، أمثال: ابن المبارك، وأبي نعيم، وابن أبي فديك، ووكيع، والقطان، مع كثرة ملازمتهم له، واختصاصهم به؟!
وحفص بن غياث؛ يشترك أيضاً مع ابن أبي ذئب في هذا الأمر؛ فإنه أيضاً من المكثرين أصحاباً وحديثاً، ولم يُعرف هذا الحديث عند أصحابه، مثل: ابن راهويه، وأبي خيثمة، وأبي بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وأمثالهم.
الثاني: غرابة الإسناد.
ومراد البخاري: أن رواية ابن أبي ذئب، عن أبي الزبير ـ سواء بالعنعنة أو بالتصريح ـ غير معروفة في غير هذا الحديث، فهذه التركيبة الإسنادية مما تُستغرب.
وقد كان طلبة الحديث على وجه العموم يعجبهم سماع الأحاديث العالية والغرائب، وكانوا يسمونها بـ " الفوائد "، ويحرصون على كتابتها، ويتهافتون على سماعها، فلو حدث ابن أبي ذئب بهذا الحديث عن أبي الزبير، لسمعه منه أمم؛ لعلوه ولغرابة إسناده.
فالظاهر من صنيع البخاري؛ أنه يرى أن هذا الحديث لم يحدث به ـ عن أبي الزبير ـ ابن أبي ذئب أصلاً، وأنه لا معنى لذكر:" ابن أبي ذئب " في الإسناد، وقد يكون الحديث من حديث غير ابن أبي ذئب عن أبي الزبير، فأخطأ الراوي حيث جعله من حديثه عنه.
وقد رواه البيهقي (9/255) من أوجه أخرى عن أبي الزبير، عن جابر، وإن كانت كلها معلولة بالوقف.
ومثل ذلك:
وقع لراوٍ آخر، في حديث آخر؛ فأعله إمام آخر بمثل إعلال الإمام البخاري لهذا الحديث:
روى: أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد "(2/495) :
عن موسى بن الحسن الثقفي: حدثنا حفص بن عمر الحوضي: حدثنا شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء ـ الحديث.
ثم قال أبو يعلى:
" شعبة لا يروي عن أبي الزبير شيئاً؛ وهذا خطأ من موسى بن الحسن هذا؛ سألت عنه عبد الله بن محمد القاضي، فقال: حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، قال: حدثنا به موسى كذا، ثم رجع إلينا في المجلس الثاني معه كتابه، فقال: أخطأت؛ إنما حدثنا حفص بن عمر، هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر ".
فواضح جداً من كلام الخليلي، أنه لا يقصد من قوله: " شعبة لا
يروي عن أبي الزبير شيئاً " إعلال الحديث بالانقطاع؛ وإلا فما معنى قوله " هذا خطأ من موسى بن الحسن "، لاسيما؛ وأن شعبة لا يحدث إلا بما كان مسموعاً له.
وإنما مراده: أن موسى بن الحسن أخطأ حيث جعل الحديث من حديث شعبة عن أبي الزبير، وأن الصواب أن الحديث من حديث غيره ـ وهو: الدستوائي ـ عن أبي الزبير.
واستدل على وقوع هذا الخطأ بأن " شعبة لا يروي عن أبي الزبير شيئاً "، فغرابة الإسناد دليله على خطأ الراوي الذي جاء به، فلا شأن للانقطاع هاهنا (1) .
مثال آخر:
قال الخليلي أيضاً (2/802-803) .
أخبرني أبو بكر بن عبدان الحافظ ـ فيما كتب إلى ـ: حدثنا عبد الله بن شاهين: حدثنا محمد بن يزيد السلمي: حدثنا الحسين بن الوليد: حدثنا أبو حنيفة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة،
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان مصلياً بعد الجمعة، فليصل بعدها أربعاً ".
قال الخليلي:
" هذا خطأ؛ أخطأ فيه من روى عن الحسين، ولا يعرف لأبي حنيفة عن سهيل ".
فظاهر جداً من كلامه؛ أنه لا يعل الحديث بالانقطاع بين أبي حنيفة
(1) وأما رواية شعبة عنه، فانظر:" الكامل "(6/2137) و " تغليق التعليق "(2/467-477) .
وسهيل، وإن كان استغرب روايته عنه؛ وذلك لقوله:" أخطأ فيه من روى عن الحسين "، فقوله هذا يدل على أن الخطأ عنه ممن دون موضع الانقطاع.
ثم قال الخليلي:
" سمعت أبا علي عبد الرحمن بن محمد النيسابوري يقول: لما سمعت من ابن عبدان " حديث أبي حنيفة عن سهيل "، رجعت إلى البصرة، فقال لي علي بن محمد بن موسى ـ غلام عبيد ـ بالبصرة: يا أبا علي: سمعتَ من ابن عبدان " حديث أبي حنيفة عن سهيل "؟ فقلت: نعم. فتبسم، وقال: قال لي أبو العباس ابن عقدة: إنما وقع هذا الغلط على من روى عن الحسين بن الوليد؛ فلم يلق الحسين أبا حنيفة؛ فهذا لا يُفرح به ".
وهذا في غاية الوضوح.
هذا؛ وقول ابن عقدة: " لم يلق الحسين أبا حنيفة "، مع أن الحسين صرح بالسماع من أبي حنيفة في الحديث، يدل على أنه لم يقصد إعلال الحديث بالانقطاع، بل هو يوهِّم من روى الحديث عن الحسين، ويراه أخطأ في موضعين:
الأول: في روايته الحديث عن أبي حنيفة عن سهيل.
الثاني: في روايته له عن الحسين بن الوليد عن أبي حنيفة.
وقد استدل على وقوع الخطأ في الموضعين، بعدم معرفة الراوي
بالأخذ عن فوقه في الإسناد.
وهذا؛ كمثل صنيع البخاري في المثال الأول، وقد رأيتَ كيف أن ابن عقدة لم يعتد بلفظ السماع المذكور في الإسناد بين الحسين وأبي حنيفة، وأصر على أنه لم يلقه، وهذا ذهاب منه إلى توهيم من ذكر لفظ السماع بينهما، وهو من أدل دليل على أنه لم يقصد إعلال الحديث بالانقطاع، بل بغرابة الإسناد.
مثال آخر:
سأل ابن أبي حاتم أباه (1) :
عن حديث: رواه أبو سعيد الأشج، عن الحسين بن عيسى الحنفي، عن معمر، عن الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة؛ إذ قال: " الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله، وجاء الفتح، وجاء أهل اليمن، قوم قلوبهم لينة، طاعتهم الإيمان، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية "؟
فقال أبو حاتم:
" هذا حديث باطل، ليس له أصل؛ الزهري عن أبي حازم لا يجيء " اهـ.
وهذا الحديث؛ قد أنكره غير أبي حاتم على الحسين هذا، وهو ضعيف، روى أحاديث قليلة، وهي منكرة.
(1)" علل الحديث "(1968) .
وقد أخرجه: البزار في " مسنده "(2837-كشف)، وقال:
" لا نعلم أسند الزهري عن أبي حازم غير هذا ".
وهذا يؤكد قول أبي حاتم.
وأخرجه أيضاً: ابن عدي في ترجمة الحسين هذا من " الكامل "(2/766)، وقال:
" وهذا الحديث قد رُوي عن الحسين أيضاً، عن معمر، عن الزهري، عن عكرمة، عن ابن عباس، وكلا الروايتين عن معمر عن الزهري ـ فسواء: عن عكرمة، أو عن أبي حازم، عن ابن عباس ـ؛ منكر جداً ".
وهذا؛ يؤكد أن الخطأ في الحديث ممن دون الزهري، وهو من الحسين هذا على وجه التحديد، فليس مراد أبي حاتم من قوله إعلال الحديث بالانقطاع.
مثال آخر:
سأل ابن أبي حاتم أباه (1) :
عن حديث: هارون بن إسحاق الهمداني، عن عبد الله بن نمير، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن نافع، عن ابن عمر، أن المهاجرين لما أقبلوا من مكة إلى المدينة نزلوا بقباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة، لأنه كان أكثرهم قرآناً، وفيهم عمر ابن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد.
(1)" علل الحديث "(253) .
فقال أبو حاتم:
" هذا خطأ؛ ليس هذا عبد الملك بن أبي سليمان؛ ولا أعلم روى عبد الملك بن أبي سليمان عن نافع شيئاً؛ إنما هو: عبد الملك بن جريج ".
فأبو حاتم ـ رحمه الله تعالى ـ لا يريد بقوله: " لا أعلم روى عبد الملك بن أبي سليمان عن نافع شيئاً "، أن يعل الحديث بالانقطاع؛ وإلا فلماذا قال:" إنما هو عبد الملك بن جريج "؟!
بل الظاهر؛ أنه إنما يعل الحديث بالقلب، وأن بعض الرواة ممن دون " عبد الملك " أخطأ، فقال " عن عبد الملك بن أبي سليمان "، والصواب:" عبد الملك بن جريج "؛ فأبدل راوياً بنظيره في الإسناد.
واستدل أبو حاتم على وقوع هذا الخطأ؛ بأن هذا الراوي المذكور في الإسناد ـ وهو: عبد الملك بن أبي سليمان ـ لا يعرف بالرواية عن شيخه المذكور في الإسناد ـ وهو: نافع.
فأبو حاتم؛ يستدل على وقوع الخطأ ـ وهو: القلب ـ بعدم العلم بالأخذ، لا أنه يرى الرواية محفوظة عن ابن أبي سليمان، غير أنه يعلها بالانقطاع.
مثال آخر:
سأل ابن أبي حاتم أباه (1) :
عن حديث، رواه أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن
(1)" علل الحديث "(805) .
عبد الكريم بن مالك، عن عكرمة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لرجل يسوق بدنة:" اركبها ".
فقال أبو حاتم:
" عكرمة عن أنس؛ ليس له نظام، وهذا حديث لا أدري ما هو؟! "
وهذا واضح.
وقد بين ابن عدي علته، فقال (1) :
" هذا الحديث في الأصل: عن عكرمة: مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم ـ مرسلاً ".
فَذِكرُ " أنس " في الإسناد خطأ، والصواب أن مرسل.
والخطأ من أبي خالد الأحمر، كما يُفهم من صنيع ابن عدي، حيث إنه ذكر هذا في ترجمته في " الكامل ".
مثال آخر:
روى: محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن دينار، قال: سمعت (2) أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يُكَذََّب فيه الصادق، ويُصدق فيها الكذاب " ـ الحديث، وفيه: ذكر الرويبضة: الفاسق يتكلم في أمر العامة.
أخرجه: أحمد (3/220) والبزار (4/132) .
(1)" الكامل "(3/1131) . وراجع: " أطراف الغرائب "(965) .
(2)
تأمل؛ قوله " سمعت " هنا.
قال يحيى بن معين (1) :
" لم نسمع عن عبد الله بن دينار عن أنس؛ إلا الحديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق " ـ يعني: حديث الرويبضة.
فابن معين ـ عليه رحمة الله ـ لا يريد من قوله هذا إعلال الحديث بالانقطاع بين عبد الله بن دينار وأنس؛ وإنما مراده الاستدلال بغرابة هذا الإسناد على خطأ ابن إسحاق المتفرد به.
ذلك؛ لأن عبد الله بن دينار ثقة حافظ، من المكثرين أصحاباً وحديثاً، فلو كان هذا الحديث من حديثه فعلاً لحدث به أصحابه المختصون به، والملازمون له، ولما تفرد به ابن إسحاق من دونهم، لاسيما والإسناد غريب، وهذا مما تجتمع الهمم على سماعه وروايته، كما سبق.
ولذا؛ لما سأل ابن أبي حاتم (2) أباه عن هذا الحديث؛ أجابه قائلاً:
" لا أعلم أحداً روى عن عبد الله بن دينار هذا الحديث غير محمد بن إسحاق..... ولو كان صحيحاً لكان قد رواه الثقات عنه "(3) .
(1)" تاريخ الدوري "(565) و " الكامل "(6/2118) .
(2)
" علل الحديث "(2792) .
(3)
انظر: مثالاً آخر في " الكامل "(6/2298) .