المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشواهد.. والرواية بالمعنى - الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات

[طارق بن عوض الله]

فهرس الكتاب

- ‌ لم يكونوا يتعجلون الحكم على الحديث

- ‌ ما كانوا يسارعون إلى رد نقد النقاد

- ‌الأساس الأول:أن ثمة فرقاً بين: "الخطأ المحتمل"، و "الخطأ الراجح

- ‌لا تنقع باليسير…ولا تغتر بالكثير

- ‌المنكر.. أبداً منكر

- ‌ثبت العرش.. ثم انقش

- ‌التنقية.. قبل التقوية

- ‌المتابعة.. وظن الرجل رجلين

- ‌المتابعة.. والرواية بالمعنى

- ‌الشواهد.. والرواية بالمعنى

- ‌المتابعة.. وتصحيف الأسماء

- ‌الشواهد.. وتصحيف الأسماء

- ‌الشواهد.. وتصحيف المتن

- ‌المتابعة…والقلب

- ‌الشواهد…والقلب

- ‌المتابعة…والإقران

- ‌الإقران.. والمخالفة

- ‌المتابعة.. وما لا يجيء

- ‌المتابعة.. والمخالفة

- ‌الشواهد.. والاضطراب

- ‌المتابعة.. والجادة

- ‌المتابعة.. والإبهام

- ‌الشك.. والجزم

- ‌الشواهد.. وإسناد في إسناد

- ‌الشواهد.. وحديث في حديث

- ‌شاهد اللفظ.. وشاهد المعنى

- ‌الشواهد.. المُعَلَّة

- ‌الشواهد.. القاصرة

- ‌التدليس.. والسماع

- ‌التدليس.. والمتابعة

- ‌المتابعة.. والسرقة

- ‌المتابعة.. والتلقين

- ‌المتابعة.. والتقليد

الفصل: ‌الشواهد.. والرواية بالمعنى

‌الشواهد.. والرواية بالمعنى

وتقع أيضاً الرواية بالمعنى في المتون، فقد يُحدِّث الراوي بالمتن لا بلفظه الذي تحمَّله به، بل بالمعنى الذي فهمه منه، وقد يختصره أيضاً، فيرويه بلفظ مختصر، يرى هو أنه يؤدي نفس المعنى الذي يؤديه لفظ الحديث المطوَّل، وليس كذلك، فقد يكون لفظه أعم أو أخص من لفظ الرواية.

فالذي لا يفطن لهذه العلة، ربما استدل بروايته على معنى، لا تساعده ولا تدل عليه الرواية الأصلية.

مثال ذلك:

حديث: عبيد الله بن القبطية، عن جابر بن سمرة، قال: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله ـ وأشار بيده إلى الجانبين ـ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علامَ تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؛ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله".

أخرجه: مسلم (2/29-30) والبخاري في "جزء رفع اليدين"(38) والحميدي (896) وأحمد (5/86-88-102-107) وأبو داود (998)(999) والنسائي (3/4-61) وابن خزيمة (733) وابن حبان (1880)(1881) .

فهذا الحديث؛ واضح مبين مفسر، في أن الصحابة كانوا يرفعون

ص: 169

أيديهم حالة السلام من الصلاة، ويشيرون بها إلى الجانبين، يريدون بذلك السلام على من عن الجانبين، فأنكر ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهاهم عنه.

لكن؛ جاءت رواية مختصرة لهذا الحديث، أُطلق فيها النهي عن رفع اليدين، ولم يقيَد فيها بحالة السلام، فاحتج بها بعض الكوفيين لمذهبهم في المنع من رفع اليدين عند الركوع والرفع منه.

وهذه الرواية؛ هي رواية الأعمش، عن المسيَّب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة".

أخرجه: مسلم (2/29) وأحمد (5/93-101-107) وأبو داود (912)(1000) والنسائي (3/4) وابن حبان (1878)(1879) .

فهذه؛ رواية مختصرة، فينبغي حملها على الرواية الأولى المفصلة، والمبينة أن هذا الرفع كان في التشهد والتسليم، وليس في الركوع أو الرفع منه.

ولهذا؛ قال ابن حبان في "الصحيح"(1)، بعد أن خرج هذه الرواية المختصرة:

"ذِكْر الخبر المقتضي للفظة المختصرة، التي تقدم ذكرنا لها، بأن القوم إنما أُمروا بالسكون في الصلاة عند الإشارة بالتسليم، دون رفع اليدين عند الركوع".

(1)"الإحسان"(5/199) .

ص: 170

ثم روى الرواية المبينة، رواية ابن القبطية، عن جابر بن سمرة.

وقال البخاري في "جزئه"(1) :

"إنما كان هذا في التشهد، لا في القيام، كان يسلم بعضهم على بعض، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الأيدي في التشهد، ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم، هذا معروف مشهور، لا اختلاف فيه، ولو كان كما ذهب إليه، لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة، وأيضاً تكبيرات العيد؛ منهياً عنها؛ لأنه لم يستثن رفعاً دون رفع".

مثال آخر:

حديث: يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن حارث بن جَزْء، قال: أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة"، وأنا أول من حدَّث الناس بذلك.

رواه عن يزيد: الليث بن سعد، وعبد الحميد بن جعفر، وعمرو ابن الحارث.

أخرجه: ابن ماجه (317) وأحمد (4/190) والطحاوي في "شرح المعاني"(4/232) .

ورواه: عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جبلة بن نافع (2) ، عن عبد الله بن الحارث بن جزء، به.

(1)"جزء رفع اليدين"(ص124-125) .

(2)

كذا؛ جاء اسم أبيه في "شرح العلل" لابن رجب (1/424) و"الثقات"(4/109)، وجاء عند الطحاوي:"رافع". والله أعلم.

ص: 171

فزاد في إسناده رجلاً.

أخرجه: الطحاوي (4/233) .

وانفرد بن لهيعة بروايته، عن عبيد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن حارث بن جزء، قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة؛ وأنا أول من حدَّث الناس بذلك (1) .

فقلب متن الحديث ولفظه؛ وإنما لفظه المعروف هو ما رواه الجماعة، في النهي عن ذلك.

فقد يغتر البعض فيجعل الحديث، بهذا اللفظ المقلوب، شاهداً لأحاديث الرخصة في استقبال القبلة حال البول؛ بينما لفظ الحديث المعروف ينص على خلاف ذلك.

وقد أغرب جداً الهيثمي، حيث استدل بهذا اللفظ المقلوب على نسخ النهي عن استقبال القبلة حال البول، فقال في "مجمع الزوائد"، بعد أن ساقه بهذا اللفظ المقلوب:

"روى له ـ أي: لعبد الله بن حارث بن جزء ـ ابن ماجه، أنه أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك؛ وهذا يدل على النسخ"!!

وقد روى ابن لهيعة أيضاً، هذا المتن المقلوب بإسناد آخر، عن

(1) ذكره ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي"(1/424) ، وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/205-206) لأحمد في "المسند"، ولو أجده فيه، ولا ذكره ابن حجر في "أطرافه" وإنما الذي في "المسند"(4/191) بهذا الإسناد باللفظ المعروف. والله أعلم.

ص: 172

صحابي آخر، وتفرد به أيضاً، وقد خطَّأه العلماء في ذلك.

رواه مرة، عن أبي الزبير، عن أبي قتادة الأنصاري، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة.

أخرجه: الترمذي (10) ، وضعَّفه؛ وكذلك ضعَّفه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/312) .

وهذا؛ يدل على اضطراب ابن لهيعة، وعدم ضبطه لإسناد الحديث ومتنه.

مثال آخر:

حديث: علي بن عياش، عن شعيب ابن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار.

أخرجه: أبو داود (192) والنسائي (108) .

فهذا الحديث؛ استُدل به على نسخ الوضوء مما مست النار، وجعله بعض من كتب في "الناسخ والمنسوخ" مثالاً على ما يعرف فيه النسخ بتنصيص الصحابي على كونه متأخراً.

وليس كذلك؛ فإن هذا الحديث مختصر من قصة طويلة، لا تدل على معنى النسخ.

قال الإمام أبو داود بعقبه:

"هذا اختصار من الحديث الأول".

يعني: الحديث الذي رواه قبله (191) من طريق الحجاج، عن ابن

ص: 173

جريج، عن ابن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قرَّبت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً، فأكل، ثم دعا بوضوء، فتوضأ به، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ.

وبهذا أيضاً؛ أعله الإمام أبو حاتم الرازي؛ قال (1) :

"هذا حديث مضطرب المتن؛ إنما هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ولم يتوضأ؛ كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر، عن جابر؛ ويحتمل أن يكون شعيب حدَّث به من حفظه، فوهم فيه"(2) .

قلت: ووجه الاختصار:

أن قول شعيب في روايته: "آخر الأمرين"، ليس على معنى التراخي، فيكون الفعل المتأخر ناسخاً للمتقدم؛ وإنما معناه: آخر الفعلين في هذه الواقعة المعيَّنة: كان عمله الأول فيها أنه توضأ بعد أكله مما مست النار، وعمله الثاني أنه

صلى بعد أكله دون أن يتوضأ، وقد يكون إنما توضأ في الأولى للحدث لا للأكل، وعليه؛ فلا دلالة في الحديث على النسخ.

وقد قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(3)، شارحاً لإعلال أبي داود وغيره لهذا الحديث بالاختصار؛ قال:

"قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا: الشأن والقصة، لا

(1)"علل الحديث" لابنه (168) .

(2)

وكذلك؛ ذهب ابن حبان في "الصحيح"(3/417) إلى كونه مختصر.

(3)

"فتح الباري"(1/311) .

ص: 174

المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة، فأكل منها، ثم توضأ وصلى الظهر؛ ثم أكل منها، وصلى العصر ولم يتوضأ؛ فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن

الوضوء لصلاة الظهر كان عن حدث، لا بسبب الأكل من الشاة".

قلت: وقد جاءت رواية لهذا الحديث، تنص على أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الظهر كان بسبب الحدث، إلا أن في إسنادها نظراً.

فقد رواه: أحمد في "المسند"(3/374-375) من طريق محمد بن إسحاق، عن ابن عقيل، عن جابر، فذكره مطولاً، وفيه:

"فأُتي بغداء من خبز ولحم، قد صُنع له، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل القوم معه. قال: ثم بال، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للظهر، وتوضأ القوم معه. قال: ثم صلى بهم الظهر

" ـ وذكر الحديث.

وبالله التوفيق.

مثال آخر:

قال البخاري (1) :

"طلحة بن يحيى؛ منكر الحديث؛ يروي عن عروة، عن عائشة ـ مرفوعاً ـ: "الغسل يوم الجمعة واجب"؛ والمعروف عن عروة وعمرة، عن عائشة: كان الناس عمال أنفسهم، فقيل لهم: "لو اغتسلتم".

فلعل طلحة بن يحيى هذا، فهم من قوله:"لو اغتسلتم" الوجوب، فرواه بلفظ:"واجب"، بحسب فهمه؛ وإلا فاللفظ الصحيح لا

(1)"الكامل"(4/1431) .

ص: 175

يدل على الوجوب (1) .

وروايتا عروة وعمرة؛ في "الصحيحين": البخاري (2/8)(3/74) ومسلم (3/3) ، وغيرهما (2)

(1) راجع: "فتح الباري" لابن رجب (5/413) .

(2)

وانظر: مثالاً آخر في "الكفاية" للخطيب (ص260) ، وآخر في "جامع الترمذي"(1532) و " الإرواء "(2570) .

ص: 176