الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثبت العرش.. ثم انقش
يكثر في هذا الباب من قِبَل بعض الباحثين التساهل في النظر في أحوال رواة المتابعات والشواهد، خصوصاً إذا كانوا متأخرين في الطبقة، فيثبتون المتابعة التي تفردت بها بعض المصادر المتأخرة، من غير نظر في رجال الإسناد إلى المتابعة، وكثيراً ما يكون راوي هذه المتابعة مطعونا عليه.
كمثيل المتابعات التي يتفرد بها الحاكم في " المستدرك "، والبيهقي في " سننه " وغيرها، وابن عساكر، والطحاوي كذلك، والخطيب أيضاً، وأمثال هؤلاء العلماء المتأخرين.
فقد يُسنِد بعضهم رواية ويتفرد بها، والآفة فيها من شيخه أو شيخ شيخه، فيغفل البعض عن النظر في حال هؤلاء الشيوخ، ويكتفي بالنظر في رجال الطبقات العليا من الإسناد.
وبطبيعة الحال؛ فإن هذا الصنيع سائغ لو أن هذه الرواية بعينها له أصل عند أهل الطبقات العليا، أما إذا كانت الرواية مما تفرد بها بعض المتأخرين وجب النظر في أحوال رواتها كلهم، وبلا استثناء.
فمثلاً؛ لو أن حديثاً رواه أبو داود في " السنن " عن شيخ معين، بإسناد معين، ثم وجدنا البيهقي رواه أيضاً من طريق أبي داود؛ فإنه ـ والحالة هذه ـ لا يعنينا حال من بين البيهقي وأبي داود؛ لأن أصل الحديث ثابت عند أبي داود، فالنظر ـ حينئذ ـ إنما يكون فيمن فوق أبي داود من الإسناد.
أما ما يتفرد به البيهقي ـ مثلاً ـ، ولا يوجد له أصل عند من تقدمه، فلابد ـ حينئذ ـ من التحقق من شرط الصحة في إسناد البيهقي كله.
وقد سبقني إلى التنبيه على هذا الأمر الشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى ـ، فقال في معرض حديثه عن معنى قول الحاكم " صحيح على شرط الشيخين "، قال (1) :
" ولعلك تنبهت مما سبق؛ أنه لابد لطالب هذا العلم من ملاحظة كون السند من الحاكم إلى شيخ الشيخين في نفسه صحيحاً أيضاً، فقد لاحظنا في كثير من الأحيان تخلف هذا الشرط، والطالب المبتدئ في هذا العلم لا يخطر في باله في مثل هذه الحالة الكشف عن ترجمة شيخ الحاكم مثلاً، أو الذي فوقه، ولو فعل
لوجد أنه ممن لا يحتج به، وحينئذ فلا فائدة في قول الحاكم في إسناد الحديث:" إنه صحيح على شرط الشيخين "، وهو كذلك إذا وقفنا بنظرنا عن شيخ صاحبي " الصحيحين " فصاعداً، ولم نتعد به إلى من دونهم من شيخ الحاكم فمن فوقه".
قلت: وهذا أمر بدهي، لا ينبغي أن نقف عند طويلاً؛ لأن الراوي إذا لم يكن صح عنه أنه روى الرواية أصلاً، فكيف يصح أن يقال: إنه تابع وتوبع؛ فإن المتابعة فرع من الرواية، فإذا لم تكن الرواية ثابتة، فكيف تثبت المتابعة؟! .
وهذا؛ كمثل ما ذكره أهل العلم ـ عليهم رحمة الله تعالى ـ في مبحث " المرسل "، ومن اشترط صحة الإسناد إلى كل من الراويين
(1)" الصحيحة "(3/66) .
وانظر أيضاً " الضعيفة "(4/341) .
المرسِلَيْن حتى يصح اعتضاد كل من مرسليهما بالآخر، بالشرائط الأخرى
المعتبرة (1) .
لأنه إذا لم تكن الرواية قد صحت إلى كل من المرسِلين، فلم يصح أنهما ـ أو من لم تصح روايته عنه ـ قد أرسلا هذا الحديث أصلاً، والاعتبار إنما هو بما صح أنه مرسل، وليس بما زعم زاعم خطأً أنه مرسل.
بل ينبغي أيضاً؛ أن يُعرف حال صاحب الكتاب، وهل هو ممن يحتج به أم لا؛ فإن هناك من المصنفين من ضعفهم العلماء، كالواقدي صاحب " المغازي " وغيره.
وكذلك؛ رواة الكتب، فقد يكون الكتاب معروفاً مشهوراً عن مؤلفه، إلا أن بعض رواة الكتاب عنه ربما يخطئ في بعض أحاديث الكتاب، فيزيد فيه أو ينقص، أو يصحف فيه أو يحرف، بما لا يكون معروفاً عن صاحب الكتاب من رواية غير هذا الراوي عنه (2) .
هذا؛ وقد وقع الإخلال في التحقق من ذلك من قِبَلِ بعض الباحثين في بعض الأحاديث.
مثال ذلك:
حديث: عبد الرزاق، عم معمر، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد
(1) راجع: " النكت على كتاب ابن الصلاح "(2/569) ، و " الموقظة "(ص 39) ، و " حجاب المرأة المسلمة " للشيخ الألباني (ص 19 - 20) ،
و" جلبابها " له أيضاً (ص 44) .
(2)
راجع: حديث " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع "، في " فصل: الإقران.. والمخالفة ".
ابن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أدري تُبَّعاً ألعينا كان أم لا؟ وما أدري ذا القرنين أنبياً كان أم لا؟ وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؟ ".
أجرجه: أبو داود (4674) ، والحاكم (1/36) ، والبيهقي (8/329) ، والبزار (1543) ، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله "(ص 351) وابن عساكر (11/4)(17/377) ، وأبو القاسم الحنَّائي في " الفوائد "(16/ أ) والدارقطني في " الأفراد " (294 / ب ـ
أطرافه) .
منهم من يتمه، ومنهم من يختصره.
وقال الحاكم:
" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة، ولم يخرجاه ".
كذا قال! وهو معلول؛ كما سيأتي، إن شاء الله تعالى، بل أعله أحد الشيخين، وهو الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى.
وقال البزار:
" لا نعلم راوه عن ابن أبي ذئب إلا معمراً ".
" وقال الدارقطني:
" تفرد به معمر بن راشد، عن ابن أبي ذئب، عنه ".
وقال ابن عساكر:
" تفرد به عبد الرزاق ".
وقال ابن كثير (1) :
" هذا غريب من هذا الوجه ".
وقال الحنائي:
" غريب؛ رواه هشام بن يوسف الصنعاني، عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً؛ وهو الأصح ".
وكذلك؛ حكى البيهقي مثل ذلك عن البخاري، وهو في " التاريخ الكبير "(1/1/153)، ولفظه:
" والأول ـ يعني المرسل ـ أصح؛ ولا يثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحدود كفارة "(2) .
يشير إلى ما أخرجه في " صحيحه "(12/84) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال:" بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا " وقرأ الآية كلها (3) ـ، " فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستر الله عليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه ".
وكذلك؛ فعل ابن عبد البر، عارض الحديث بحديث عبادة بن الصامت، وأعله به.
(1) في " البداية والنهاية "(2/103) .
(2)
وانظر " فتح الباري " لابن رجب (1/73) .
(3)
يعني: آية بيعة النساء [الممتحنة: 12] .
قال في " الجامع ":
" حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيه: أن الحدود كفارة، وهو أثبت وأصح إسناداً من حديث أبي هريرة هذا ".
فهكذا؛ تتابع الأئمة على إنكار هذا الحديث، والحكم بأنه مما تفرد به معمر بن راشد، عن ابن أبي ذئب.
لكن؛ جاءت متابعة لمعمر:
قال الحاكم في " المستدرك "(2/455) :
" حدثنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي بهمذان: ثنا إبراهيم بن الحسين ـ هو: ابن ديزيل ـ: ثنا آدم بن أبي إياس: ثنا ابن أبي ذئبٍ
…
"، به.
ومن طريق الحاكم: أخرجه: البيهقي (8/329) .
وقال الحاكم:
" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "!
كذا قال! وهذا غريب جداً؛ فإن شيخ الحاكم هذا، وهو عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني، قد كذبوه، واتهموه بادعاء السماع من ابن ديزيل ـ شيخه في الإسناد ـ، مع أنه لم يلقه، ولم يسمع منه، بل لم يدركه أصلاً.
وترجمته: في " تاريخ بغداد "(10/292-293) و " الإرشاد " للخليلي (2/659 - 660) و " السير"(16/15) و " الميزان "(2/556 - 557) و " اللسان "(3/411 - 412) .
فهذه المتابعة في غاية السقوط؛ فكيف وقد صرح العلماء بأن الحديث مما تفرد به معمر عن ابن أبي ذئب، فهذا مما يزيد من وهن هذه المتابعة، ويؤكد أنها مما لا أصل له.
وبهذا؛ تعلم خطأ كل من قوى رواية معمر الموصلة بهذا المتابعة، من غير تأمل في إسنادها، ولا نظر في أحوال رواتها؛ كالحافظ ابن حجر في " الفتح "(1/66)(1) ، وابن التركماني في " الجوهر النقي "(8/329) ، والشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة "(2217) .
مثال آخر:
حديث: يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم اغرورقت عيناه، وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكره! فقال: " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قِبَل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يُعطونه، فيقاتلون فيُنصرون، فيُعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى
يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً، كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم، ولو حبواً على الثلج ".
أجرجه: ابن ماجه (4082) والبزار (1556) وابن عدي في " الكامل "(7/275 - 276) في ترجمة يزيد.
(1) وانظر أيضاً: (8/571) و " التلخيص الحبير "(3/287) .
وهذا الحديث مما تفرد به يزيد هذا، وأنكره عليه جماعة من أهل العلم.
قال ابن عدي:
" لا أعلم يرويه بهذا الإسناد، عن إبراهيم، غير يزيد بن أبي زياد ".
وقال عبد الله بن أحمد في " العلل "(5985)، عن أبيه:
" حديث إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، ليس بشيء ـ يعني: حديث يزيد بن أبي زياد ".
وروى هذا: العقيلي في " الضعفاء "(4/381) عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل، ثم قال:
" قلت لعبد الله: " الرايات السود "؟ قال: نعم ".
ثم روى بإسناده عن أسامة، أنه قال:
" لو حلف ـ يعني: يزيد ـ عندي خمسين يميناً قسامة، ما صدقته! أهذا مذهب إبراهيم؟! أهذا مذهب علقمة؟! أهذا مذهب عبد الله؟! ".
لكن؛ قال البوصيري في " زوائد ابن ماجه ":
" لم ينفرد به يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم؛ فقد رواه الحاكم في " المستدرك " من طريق عمرو بن قيس، عن الحكم، عن إبراهيم، به "
قلت: هذه المتابعة مما لا يلتفت إليها، ولا يعول عليها؛ فإنها في " المستدرك "(4/464) من طريق
حنان (1) بن سدير، عن عمرو بن قيس،
(1) في الأصل " حبان "، وانظر:" اللسان "(2/166/739) .
عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة وعبيدة السلماني، عن ابن مسعود (1) .
وحنان هذا؛ قال فيه الدارقطني: " من شيوخ الشيعة "(2) .
وذكره الذهبي في " الميزان "(3) ، وسماه "حبان بن يزيد "، وذكر عن الأزدي، أنه قال:" ليس بالقوي عندهم "، ثم ساق له هذا الحديث، لكنه عنده:" عن عمرو بن قيس، عن الحسن (4) ، عن عبيدة، عن ابن مسعود "
وقال الذهبي في " تلخيص المستدرك ".
" هذا موضوع ".
قلت: فلعله سرقه من يزيد.
والله أعلم.
مثال آخر:
حديث: إسماعيل بن عُلية، عن زياد بن مِخراق، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله؛ إني لأذبح الشاة، وأنا أرحمها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" والشاة؛ إن رحمتها، رحمك الله ".
أخرجه: أحمد (3/34) والبخاري في " الأدب "(373)
(1) وكذلك؛ أخرجه الدارقطني في " المؤتلف "(1/430) ، وليس عنده ذكر " علقمة ".
(2)
كما في " المؤتلف " و " اللسان "(2/367 - 368) .
(3)
" الميزان "(1/449) .
(4)
فلعل " الحكم " تصحف إلى " الحسن "، والله أعلم.
والطبراني (19/23) والبزار (1221- كشف) .
وفي " تهذيب الكمال "(1) :
" قال أبو بكر الأثرم: سألت أحمد بن حنبل، عن زياد بن مخراق؟
فقال: ما أدري.
قلت له: يروي أحد حديث معاوية بن قرة عن أبيه ـ يعني: هذا الحديث ـ يُسند غير إسماعيل؟
قال: ما أري؛ ما سمعته من غيره.
قلت له: حماد بن سلمة يرويه عن زياد، عن معاوية بن قرة ـ مرسل ".
وقد توبع إسماعيل من قِبل مالك، إلا أنها متابعة لا يُعتدُ بها؛ لكونها غير محفوظة عن مالك.
فقد رواه: بشر بن علي بن بشر العمي الأنطاكي، عن عبد الله بن نصر، عن إسحاق بن عيسى بن الطباع، عن مالك، عن زياد، به.
أخرجه: الطبراني في " الكبير "(19/23) و " الأوسط "(3070) و " الصغير "(1/109) وأبو نعيم في " الحلية "(2/302)(6/343) .
وقال الطبراني:
" لم يره عن مالك، إلا إسحاق الطباع، تفرد به: عبد الله بن نصر ".
(1) 9/509 - 510) .
وقال أبو نعيم:
" غريب من حديث مالك، تفرد به: عبد الله بن نصر ".
وقال في الموضع الآخر:
" مشهور ثابت من حديث زياد، غريب من حديث مالك، لم نكتبه إلا من حديث بشر الأنطاكي ".
قلت: وعبد الله بن نصر هذا، متروك الحديث؛ فلم يثبت ذلك عن مالك.
والله أعلم.
وتوبع أيضاً زياد بمتابعات غير محفوظة:
فقد رواه: عدي بن الفضل، عن يونس بن عبيد، عن معاوية ابن قرة، به.
أخرجه: الحاكم (3/586 - 587) والبزار (1222 - كشف) والطبراني في " الأوسط "(2736) وأبو نعيم (2/302) وابن عدي (5/376) .
وقال الطبراني:
" لم يروه عن يونس إلا عدي ".
وقال الذهبي في " تلخيص المستدرك ".
" عدي هالك ".
وقال ابن عدي:
" وهذا الحديث لا يرويه عن يونس بن عبيد غير عدي بن الفضل، وهذا الحديث يُعرف بزياد بن مخراق، عن معاوية بن قرة؛ ورواه عن زياد ابن مخراق: إسماعيل بن عُلية ".
ورواه أيضاً: على بن حميد الواسطي، عن أسلم بن سهل الواسطي، عن أحمد بن محمد بن أبي حنيفة، عن أبيه، عن حماد بن سلمة، عن حجاج الأسود وعبد الله بن المختار، عن معاوية، به.
أخرجه: أبو نعيم (2/302) .
وقال أبو نعيم:
" عبد الله بن المختار بصري، عزيز الحديث.، ولم نكتبه إلا من حديث حماد بن سلمة، عنه "(1) .
قلت: والمحفوظ عن حماد بن سلمة: عن زياد بن مخراق، عن معاوية ـ مرسلاً ـ؛ كما سبق في قول أبي بكر الأثرم.
والله أعلم.
والخلاصة: أن هذا الحديث لم يروه ـ موصولاً ـ عن معاوية بن قرة إلا زياد بن مخراق، ولم يروه عنه إلا إسماعيل بن عُلية، ولا يصح ـ موصولاً ـ عن غير زياد، ولا عن غير إسماعيل.
فمن يظن ـ بما تُوهمه هذه الطرق ـ أن الحديث مشهور عن معاوية ابن قرة، فهو مخطئ، بل الحديث غريب عنه، لأن الطرق الأخرى غير
(1) كذا السياق، والأشبه:" ولم نكتبه من حديث حماد بن سلمة إلا عنه "؛ وإلا فقد كتبه من غير حديث حماد، كما تقدم
محفوظة، والمحفوظ طريق واحد، هو وحده إسناد هذا الحديث.
مثال آخر:
حديث: الوليد بن محمد الموقري، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما مثل المريض إذا برأ وصح كالبردة تقع من السماء في صفائها ولونها ".
أخرجه: الترمذي (2086) والعقيلي (4/318) وابن حبان في " المجروحين "(3/77) وابن عدي (7/72) والطبراني في " الأوسط "(5166) والبزار (762 - كشف) والدارقطني في " الأفراد "(1217 - أطرافه) وابن الجوزي في " الموضوعات "(3/200 - 201) والبيهقي في " الشعب "(9841) .
فهذا الحديث؛ مما تفرد الوقري به عن الزهري.
والموقري هذا؛ ضعيف جداً، وقد أنكره عليه أهل العلم، وأدخلوه في ترجمته من كتب الضعفاء ضمن مناكيره.
وقال الطبراني:
" تفرد به الموقري عنه ".
وقال العقيلي:
" وللموقري عن الزهري مناكير، لا يُتابع عليها، ولا تُعرف إلا به ".
وقال البزار: " والموقري لين الحديث؛ حدث عن الزهري بأحاديث لم يتابع عليها ".
وقال البيهقي:
" هذا يُعرف بالموقري، وهو ضعيف ".
وقال ابن عدي:
" وهذا لا يرويه عن الزهري غير الموقري ".
وقد جاءت متابعات عدة للموقري على هذا الحديث، فلم يعتد بها أهل العلم، وصرحوا بإعلالها، وبأن الحديث حديث الموقري، لا يصح عن أحد غيره عن الزهري.
فقد رواه: عبد الوهاب بن الضحاك، عن بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك، به.
أخرجه: البيهقي في " الشعب "(9842) ، عقب قوله المذكور من أن هذا الحديث يُعرف بالموقري؛ وفي هذا إشارة منه إلى أنه لا يعرف من حديث الزبيدي.
وقد صرح ابن عدي بذلك؛ فإنه أشار إلى هذا الطريق بعدما قال ذكرناه عنه من أنه لا يرويه عن الزهري إلا الموقري، ثم قال:
" وأبطل عبد الوهاب فيه؛ لأن الزبيدي لا يُحتمل، والموقري يُحتمل ".
وعبد الوهاب هذا، متروك الحديث.
ورواه أيضاً: سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي، عن ابن أخي
الزهري وعبد الله بن عامر، عن الزهري، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه: ابن عدي (3/407) في ترجمة سعيد هذا.
وقال " وهذا الحديث؛ قدا رواه عن الزهري الموقري ـ أيضاً ـ، وهو معروف به ".
قلت: وسعيد بن هاشم، ضعيف.
ورواه أيضاً: سفيان بن محمد الفزاري، عن ابن وهب، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري، عن أنس ـ أيضاً.
وسفيان الفزاري هذا؛ اتَّهمه ابن عدي بسرقة الأحاديث، وتسوية الأسانيد؛ وهذا عين ما فعله في هذا الحديث.
وأخرجه: ابن حبان في " المجروحين "(1/354) في ترجمة هذا الفزاري.
وقال: " وهذا خبر باطل؛ إنما هو: قول الزهري، لم يرفعه عن الزهري إلى الموقري "
قلت: هذا هو الصواب، أن الحديث حديث الموقري عن الزهري، هو المتفرد به، وهو المخطئ فيه، ليس لغيره من أصحاب الزهري فيه نصيب، وإنما أخطأ من أخطأ عليهم، حيث رواه من غير طريق الموقري عن الزهري، فكل من رواه عن الزهري من غير طريق الموقري، فهو إما سارق أو واهم (1) .
والله أعلم.
(1) وسيأتي مثال آخر؛ وهو حديث قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم، في " فصل: الإقران.. والمخالفة ".