الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتابعة.. والتقليد
وقد يروى الثقة حديثاً على الاستقامة والإصابة، فيخالفه فيه من هو أثبت منه وأتقن في الجملة، إلا أن هذا الأتقن أخطأ في هذا الحديث بعينه، فيترك ذاك الثقة ما عنده من الصواب، إلى ما عند غيره من الخطأ، تقليداً منه له، ظناً منه أنه الصواب، فيظهر وكأن هذين الثقتين قد تتابعا على الرواية، فيستبعد ما مثلهما أن يتفقا على الخطأ، وليس الأمر كذلك؛ بل رواية أحدهما راجعة إلى رواية الآخر، فلا متابعة، ولا تعدد.
مثال ذلك:
ما رواه: شعبة وأبو عوانة، عن مالك بن عرفطة، عن عبد خير عن عائشة، قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الأوعية ـ الحديث.
قال أبو حاتم الرازي (1) :
" كان شعبة يخطئ في اسم " خالد بن علقمة "، وكان أبو عوانة يقول: " خالد بن علقمة "، فقال شعبة: لم يكن بـ " خالد بن علقمة "، وإنما هو: " مالك بن عرفطة "، فلقنه الخطأ، وترك الصواب، وتلقن [ما] قال شعبة؛ لم يجسر أن يخالفه ".
وقد اتفق علماء الحديث على أن شعبة ـ وكذا من تابعه ـ قد أخطأ
(1)" علل الحديث "(1563) .
وراجع: " تهذيب الكمال "(8/135-137) مع هامش محققه.
و" الكامل "(3/1153) .
في اسم هذا الراوي، وأن الصواب في اسمه " خالد بن علقمة ".
مثال آخر:
حديث: يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن أبي رزين ـ رجل من بني عقيل ـ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوة، ما لم يحدث بها، فإذا حدث بها، فلا يحدث بها إلا حبيباً، أو لبيباً ".
فقد اختلف الرواة في اسم والد وكيع هذا:
فقال شعبة وهشيم: " وكيع بن عدس "؛ بالعين المهملة.
وقال حماد بن سلمة وسفيان: " وكيع بن حدس " بالحاء المهملة.
وجاء عن أبي عوانة الوجهان.
قال الإمام أحمد:
" أرى الصواب ما قال حماد وأبو عوانة وسفيان، وكان الخطأ عند ما قال هشيم وشعبة. وقال: هشيم كان يُتابع شعبة ".
وقال أيضاً " هشيم يقول: " عدس " يتبع شعبة، وكان كثيراً ما يتبعه ".
وكذلك قال غير واحد من الأئمة (1) .
مثال آخر:
روى: شعبة بن الحجاج، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت
(1) راجع: " المنتخب من علل الخلال "(175) بتحقيقي.
حفص بن عاصم، قال: سمعت رجلاً من الأزد، يُقال له: مالك بن بحينة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة يُصلي ركعتين ـ الحديث.
قال الحافظ ابن حجر (1) :
" قوله: " يُقال له مالك بن بحينة "، هكذا يقول شعبة في هذا الصحابي،وتابعه على ذلك: أبو عوانة وحماد بن سلمة، وحكم الحفاظ: يحيى بن معين، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، والإسماعيلي، وابن الشرقي، والدارقطني، وأبو مسعود،
وآخرون عليهم بالوهم فيه من موضعين: أحدهما: أن بحينة والدة عبد الله، لا مالك.، وثانيهما: أن الصحبة والرواية لعبد الله، لا لمالك ".
وهكذا؛ قال ابن رجب الحنبلي في " شرح البخاري "(2) له، وحكى توهيمهم في ذلك أيضاً عن أبي زرعة، والترمذي، والبيهقي، وغيرهم.
***
وبعض الرواة كان يتساهل في تحمل الحديث، يجلس في مجلس السماع، لا يكتب ولا يحفظ، ثم بعد انقضاء المجلس يأخذ كتاب غيره فيروي منه، متكلاً على سماع غيره، معتمداً على كتابه.
وبطبيعة الحال؛ فإنه إذا كان ذلك الغير قد أخطأ في حديث ما، فإنه صادف موافقة ذلك المتساهل له فيه، فيظهر وكأنهما قد اتفقا على ذلك
(1) في " الفتح "(2/149) .
(2)
" فتح الباري " له (4/69-70) .
الحديث، فيستبعد في مثله وقوع الخطأ؛ لاتفاق هذين عليه، وليس الأمر كذلك، بل رواية أحدهما راجعة إلى رواية الآخر (1) .
مثال ذلك:
روى: عبد الله بن المبارك، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن عبد الله بن صفوان، عن عبد الله بن يزيد، قال: كنا وقوفاً بعرفات، فجاء ابن مربع، فقال: كونوا على مشاعركم ـ الحديث.
قال يعقوب الفسوي (2) :
" فذكرت ذلك لصدقة بن الفضل.
فقال: هذا من ابن المبارك؛ غَلِطَ فيه.
قلت له: فإن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعته من سفيان مثله؟
فقال صدقة: اتَّكَل على سماع غيره ".
قلت: والمحفوظ عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية، عن يزيد بن شيبان، قال: أتانا ابن مربع الأنصاري ـ الحديث.
أخرجه: أبو داود (1919) والترمذي (883) والنسائي (5/255)
(1) انظر: " الكفاية " للخطيب (ص 237 - 238) .
(2)
في " المعرفة "(2/210-211) . وانظر " الإصابة "(5/219) .
وابن ماجه (3011)
والفسوي (2/210) .
***
وبعض الرواة؛ كان يُمكن غيره من كتبه، فيزيد هذا الغير في كتابه ما ليس منه؛ ثم يحدث صاحب الكتاب بما في الكتاب من غير أن يميز بين حديثه وبين ما ليس من حديثه.
كما ذكروا ذلك في ترجمة: سفيان بن وكيع.
وبعضهم؛ كانت قد ضاعت كتبه؛ فصار يحدث من كتب غيره، فوقع التخليط في حديثه؛ إذ ليس باللازم أن يكون في كتابه كل ما في كتاب غيره.
وقد تقدم في " فصل: الشواهد.. وإسناد في إسناد "؛ قول الإمام أحمد في حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم "، وأن محمد بن عبد الله الأنصاري المتفرد به، كانت ذهبت كتبه، فكان بعد يحدث من كتب غلامه أبي حكيم، وأن هذا الحديث من ذاك.
وبالله التوفيق.