الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَتَمَكَّنُ مِنَ الِاشْتِمَالِ عَلَى الْمَاءِ وَاجْتِمَاعِهِ فِيهِ، وَانْضِمَامِهِ عَلَيْهِ لِتَخْلِيقِ الْوَلَدِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مَفْعُولٌ بِهَا طَبْعًا وَشَرْعًا، وَإِذَا كَانَتْ فَاعِلَةً خَالَفَتْ مُقْتَضَى الطَّبْعِ وَالشَّرْعِ. وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِنَّمَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ عَلَى جُنُوبِهِنِّ عَلَى حَرْفٍ، وَيَقُولُونَ: هُوَ أَيْسَرُ لِلْمَرْأَةِ.
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ تَشْرَحُ النِّسَاءَ عَلَى أَقْفَائِهِنَّ، فَعَابَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223][الْبَقَرَةِ: 223] .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ جابر، قَالَ:( «كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ» )، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وَفِي لَفْظٍ لمسلم:( «إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ» ) .
وَالْمُجَبِّيَةُ: الْمُنْكَبَّةُ عَلَى وَجْهِهَا، وَالصِّمَامُ الْوَاحِدُ: الْفَرْجُ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْحَرْثِ وَالْوَلَدِ.
[تَحْرِيمُ الدُّبُرِ]
وَأَمَّا الدُّبُرُ: فَلَمْ يُبَحْ قَطُّ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ نَسَبَ إِلَى بَعْضِ السَّلَفِ إِبَاحَةَ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ، وَفِي " سُنَنِ أبي داود " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا» ) .
وَفِي لَفْظٍ لأحمد وَابْنِ مَاجَهْ: ( «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» ) .
وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ وأحمد: ( «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» ) .
وَفِي لَفْظٍ للبيهقي: ( «مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ فَقَدْ كَفَرَ» ) .
وَفِي " مُصَنَّفِ وَكِيعٍ ": حَدَّثَنِي زمعة بن صالح، عَنِ ابن طاووس، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عبد الله بن يزيد، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، ( «لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» )، وَقَالَ مَرَّةً:" «فِي أَدْبَارِهِنَّ» ".
وَفِي الترمذي: عَنْ علي بن طلق، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» ) .
وَفِي " الْكَامِلِ " لِابْنِ عَدِيٍّ: مِنْ حَدِيثِهِ عَنِ المحاملي، عَنْ سعيد بن يحيى
الأموي، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن حمزة، عَنْ زيد بن رفيع، عَنْ أبي عبيدة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ:( «لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» ) .
وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ الحسن بن علي الجوهري، عَنْ أبي ذر مَرْفُوعًا:( «مَنْ أَتَى الرِّجَالَ أَوِ النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَدْ كَفَرَ» ) .
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جابر يَرْفَعُهُ:( «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ» ) . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَفْظُهُ:( «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لَا يَحِلُّ مَأْتَاكَ النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ» ) .
وَقَالَ البغوي: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا همام، قَالَ: سُئِلَ قتادة عَنِ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «تِلْكَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى» ) .
وَقَالَ أحمد فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا عبد الرحمن، قَالَ: حَدَّثَنَا همام، أَخْبَرَنَا عَنْ قتادة، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ.
وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223] فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ:( «ائْتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا كَانَ فِي الْفَرْجِ» ) .
وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، فَقَالَ:( «وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟ "، قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الْحَيْضَةَ وَالدُّبُرَ» ) .
وَفِي الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: ( «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ» ) .
وَرُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ أبي علي الحسن بن الحسين بن دوما، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ يَرْفَعُهُ:( «كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ عَشَرَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ: الْقَاتِلُ، وَالسَّاحِرُ، وَالدَّيُّوثُ، وَنَاكِحُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا، وَمَانِعُ الزَّكَاةِ، وَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ، وَالسَّاعِي فِي الْفِتَنِ، وَبَائِعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَمَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ» ) .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مشرح بن هاعان، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «مَلْعُونٌ مَنْ يَأْتِي النِّسَاءَ فِي مَحَاشِّهِنَّ» ) .
يَعْنِي: أَدْبَارَهُنَّ ".
وَفِي " مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ، وَهِيَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عز وجل، وَعَظَنَا فِيهَا وَقَالَ: " ( «مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا، حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرِيحُهُ أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ حَتَّى يَدْخُلَ النَّارَ، وَأَحْبَطَ اللَّهُ أَجْرَهُ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَيُدْخَلُ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ، وَيُشَدُّ عَلَيْهِ مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ» ) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا لِمَنْ لَمْ يَتُبْ.
وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ:( «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي عَمِّي محمد بن علي بن شافع، قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الله بن علي بن السائب، عَنْ عمرو بن أحيحة بن الجلاح، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَالَ:( «حَلَالٌ "، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: " كَيْفَ قُلْتَ فِي أَيِّ الْخُرْبَتَيْنِ، أَوْ فِي أَيِّ الْخَرْزَتَيْنِ، أَوْ فِي أَيِّ الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا؟ فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا، فَلَا، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» ) .
قَالَ الرَّبِيعُ: فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: فَمَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: عَمِّي ثِقَةٌ، وعبد الله بن علي ثِقَةٌ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَى الْأَنْصَارِيِّ خَيْرًا، يَعْنِي عمرو بن الجلاح، وخزيمة
مِمَّنْ لَا يُشَكُّ فِي ثِقَتِهِ، فَلَسْتُ أُرَخِّصُ فِيهِ، بَلْ أَنْهَى عَنْهُ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَاهُنَا نَشَأَ الْغَلَطُ عَلَى مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْإِبَاحَةُ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهُمْ أَبَاحُوا أَنْ يَكُونَ الدُّبُرُ طَرِيقًا إِلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، فَيَطَأُ مِنَ الدُّبُرِ لَا فِي الدُّبُرِ، فَاشْتَبَهَ عَلَى السَّامِعِ " مِنْ " بِ " فِي "، وَلَمْ يَظُنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فَهَذَا الَّذِي أَبَاحَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ، فَغَلِطَ عَلَيْهِمُ الْغَالِطُ أَقْبَحَ الْغَلَطِ وَأَفْحَشَهُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، قَالَ مجاهد: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، فَقَالَ: تَأْتِيهَا مِنْ حَيْثُ أُمِرْتَ أَنْ تَعْتَزِلَهَا يَعْنِي فِي الْحَيْضِ. وَقَالَ علي بن أبي طلحة عَنْهُ، يَقُولُ: فِي الْفَرْجِ، وَلَا تَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ.
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي دُبُرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَبَاحَ إِتْيَانَهَا فِي الْحَرْثِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ لَا فِي الْحُشِّ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْأَذَى، وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:{مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] الْآيَةَ، قَالَ:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] ، وَإِتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الْآيَةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ قَالَ أَنَّى شِئْتُمْ، أَيْ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ مِنْ أَمَامٍ أَوْ مِنْ خَلْفٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} [البقرة: 223] يَعْنِي: الْفَرْجَ.
وَإِذَا كَانَ اللَّهُ حَرَّمَ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْأَذَى الْعَارِضِ، فَمَا الظَّنُّ بِالْحُشِّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْأَذَى اللَّازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتَّعَرُّضِ لِانْقِطَاعِ النَّسْلِ وَالذَّرِيعَةِ الْقَرِيبَةِ جِدًّا مِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ إِلَى أَدْبَارِ الصِّبْيَانِ.
وَأَيْضًا: فَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ، وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوِّتُ حَقَّهَا، وَلَا يَقْضِي وَطَرَهَا، وَلَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَهَا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الدُّبُرَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ، وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْفَرْجُ، فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إِلَى الدُّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ بِالرُّجُلِ، وَلِهَذَا يَنْهَى عَنْهُ عُقَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ لِلْفَرْجِ خَاصِّيَّةً فِي اجْتِذَابِ الْمَاءِ الْمُحْتَقَنِ وَرَاحَةِ الرَّجُلِ مِنْهُ، وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ لَا يُعِينُ عَلَى اجْتِذَابِ جَمِيعِ الْمَاءِ، وَلَا يُخْرِجُ كُلَّ الْمُحْتَقَنِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَمْرِ الطَّبِيعِيِّ.
وَأَيْضًا: يَضُرُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ إِحْوَاجُهُ إِلَى حَرَكَاتٍ مُتْعِبَةٍ جِدًّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلطَّبِيعَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَحَلُّ الْقَذَرِ وَالنَّجْوِ، فَيَسْتَقْبِلُهُ الرَّجُلُ بِوَجْهِهِ وَيُلَابِسُهُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ جِدًّا، لِأَنَّهُ وَارِدٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ عَنِ الطِّبَاعِ، مُنَافِرٌ لَهَا غَايَةَ الْمُنَافَرَةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُحْدِثُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ، وَالنُّفْرَةَ عَنِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُسَوِّدُ الْوَجْهَ، وَيُظْلِمُ الصَّدْرَ، وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ، وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسِّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُوجِبُ النُّفْرَةَ وَالتَّبَاغُضَ الشَّدِيدَ، وَالتَّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَلَا بُدَّ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لَا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلَاحٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِالْمَحَاسِنِ مِنْهُمَا، وَيَكْسُوهُمَا ضِدَّهَا، كَمَا يَذْهَبُ بِالْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمَا، وَيُبْدِلُهُمَا بِهَا تَبَاغُضًا وَتَلَاعُنًا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ زَوَالِ النِّعَمِ، وَحُلُولِ النِّقَمِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ اللَّعْنَةَ وَالْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ فَاعِلِهِ وَعَدَمَ نَظَرِهِ إِلَيْهِ، فَأَيَّ خَيْرٍ