الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَأْثِيرُهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَعْمَى، فَيُوصَفُ لَهُ الشَّيْءُ فَتُؤَثِّرُ نَفْسُهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَائِنِينَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَعِينِ بِالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم: 51] [الْقَلَمِ:51] . وَقَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ - وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ - وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ - وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1 - 5] ، فَكُلُّ عَائِنٍ حَاسِدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حَاسِدٍ عَائِنًا، فَلَمَّا كَانَ الْحَاسِدُ أَعَمَّ مِنَ الْعَائِنِ، كَانَتِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ اسْتِعَاذَةً مِنَ الْعَائِنِ، وَهِيَ سِهَامٌ تَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ الْحَاسِدِ وَالْعَائِنِ نَحْوَ الْمَحْسُودِ وَالْمَعِينِ تُصِيبُهُ تَارَةً، وَتُخْطِئُهُ تَارَةً، فَإِنْ صَادَفَتْهُ مَكْشُوفًا لَا وِقَايَةَ عَلَيْهِ، أَثَّرَتْ فِيهِ، وَلَا بُدَّ وَإِنْ صَادَفَتْهُ حَذِرًا شَاكِيَ السِّلَاحِ لَا مَنْفَذَ فِيهِ لِلسِّهَامِ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ، وَرُبَّمَا رُدَّتِ السِّهَامُ عَلَى صَاحِبِهَا، وَهَذَا بِمَثَابَةِ الرَّمْيِ الْحِسِّيِّ سَوَاءً، فَهَذَا مِنَ النُّفُوسِ وَالْأَرْوَاحِ وَذَاكَ مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَشْبَاحِ.
وَأَصْلُهُ مِنْ إِعْجَابِ الْعَائِنِ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ تَتْبَعُهُ كَيْفِيَّةُ نَفْسِهِ الْخَبِيثَةِ، ثُمَّ تَسْتَعِينُ عَلَى تَنْفِيذِ سُمِّهَا بِنَظْرَةٍ إِلَى الْمَعِينِ، وَقَدْ يَعِينُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَقَدْ يَعِينُ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ، بَلْ بِطَبْعِهِ، وَهَذَا أَرْدَأُ مَا يَكُونُ مِنَ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ، حَبَسَهُ الْإِمَامُ، وَأَجْرَى لَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلَى الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَطْعًا.
[فَصْلٌ عِلَاجُ الْمَعْيُونِ بِالتَّعَوُّذَاتِ وَالرُّقَى]
فَصْلٌ
وَالْمَقْصُودُ: الْعِلَاجُ النَّبَوِيُّ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ، وَقَدْ رَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ " عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ:( «مَرَرْنَا بِسَيْلٍ، فَدَخَلْتُ، فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا، فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " مُرُوا أبا ثابت يَتَعَوَّذُ " قَالَ: فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَالرُّقَى صَالِحَةٌ؟ فَقَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ» ) .
وَالنَّفْسُ: الْعَيْنُ، يُقَالُ: أَصَابَتْ فُلَانًا نَفْسٌ، أَيْ: عَيْنٌ.
وَالنَّافِسُ: الْعَائِنُ. وَاللَّدْغَةُ - بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ - وَهِيَ ضَرْبَةُ الْعَقْرَبِ وَنَحْوَهَا.
فَمِنَ التَّعَوُّذَاتِ وَالرُّقَى الْإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَمِنْهَا التَّعَوُّذَاتُ النَّبَوِيَّةُ.
نَحْوَ: ( «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» ) .
وَنَحْوَ: ( «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» ) .
وَنَحْوَ: ( «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» ) .
وَمِنْهَا: ( «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ» ) .
وَمِنْهَا: ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَأْثَمَ وَالْمَغْرَمَ، اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكُ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ» ) .
وَمِنْهَا: ( «أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، وَأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى مَا عَلِمْتُ مِنْهَا، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ، وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ لَا أُطِيقُ شَرَّهُ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» ) .
وَمِنْهَا: ( «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ