الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابٌ آخَرُ لِلْحُمَّى الْمُثَلَّثَةِ: يُكْتَبُ عَلَى ثَلَاثِ وَرَقَاتٍ لِطَافٍ: بِسْمِ اللَّهِ فَرَّتْ، بِسْمِ اللَّهِ مَرَّتْ، بِسْمِ اللَّهِ قَلَّتْ، وَيَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ وَرَقَةً، وَيَجْعَلُهَا فِي فَمِهِ وَيَبْتَلِعُهَا بِمَاءٍ.
كِتَابٌ آخَرُ لِعِرْقِ النَّسَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَلِيكَ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ خَلَقْتَنِي، وَأَنْتَ خَلَقْتَ النَّسَا فَلَا تُسَلِّطْهُ عَلَيَّ بِأَذًى، وَلَا تُسَلِّطْنِي عَلَيْهِ بِقَطْعٍ، وَاشْفِنِي شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ.
[كِتَابٌ لِلْعِرْقِ الضَّارِبِ]
ِ: رَوَى الترمذي فِي " جَامِعِهِ ": مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الْحُمَّى، وَمِنَ الْأَوْجَاعِ كُلِّهَا أَنْ يَقُولُوا:( «بِسْمِ اللَّهِ الْكَبِيرِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ شَرِّ كُلِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ، وَمِنْ شَرِّ حَرِّ النَّارِ» ) .
[كِتَابٌ لِوَجَعِ الضِّرْسِ]
ِ: يُكْتَبُ عَلَى الْخَدِّ الَّذِي يَلِي الْوَجَعَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23][النَّحْلِ: 78]، وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 13] [الْأَنْعَامِ: 13] .
[كِتَابٌ لِلْخُرَاجِ]
ِ: يُكْتَبُ عَلَيْهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 105][طه: 105] .
[كَمْأَةٌ]
ٌ: ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:( «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» ) أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ".
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْكَمْأَةُ: جَمْعٌ، وَاحِدُهُ كَمْءٌ وَهَذَا خِلَافُ قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ التَّاءُ، فَالْوَاحِدُ مِنْهُ التَّاءُ، وَإِذَا حُذِفَتْ كَانَ لِلْجَمْعِ. وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ، أَوِ اسْمُ جَمْعٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: قَالُوا: وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا إِلَّا حَرْفَانِ: كَمْأَةٌ وَكَمْءٌ، وَجَبْأَةٌ وَجَبْءٌ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: بَلْ هِيَ عَلَى الْقِيَاسِ: الْكَمْأَةُ لِلْوَاحِدِ، وَالْكَمْءُ لِلْكَثِيرِ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: الْكَمْأَةُ تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُمْ قَدْ جَمَعُوا كَمْئًا عَلَى أَكْمُؤٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلًا
…
وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الْأَوْبَرِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ " كَمْئًا " مُفْرَدٌ " وَكَمْأَةً " جَمْعٌ.
وَالْكَمْأَةُ تَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ، وَسُمِّيَتْ كَمْأَةً لِاسْتِتَارِهَا، وَمِنْهُ كَمَأَ الشَّهَادَةَ، إِذَا سَتَرَهَا وَأَخْفَاهَا، وَالْكَمْأَةُ مَخْفِيَّةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ، وَمَادَّتُهَا مِنْ جَوْهَرٍ أَرْضِيٍّ بُخَارِيٍّ مُحْتَقِنٍ فِي الْأَرْضِ نَحْوَ سَطْحِهَا يَحْتَقِنُ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ، وَتُنَمِّيهِ أَمْطَارُ الرِّبِيعِ، فَيَتَوَلَّدُ وَيَنْدَفِعُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ مُتَجَسِّدًا، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهَا: جُدَرِيُّ الْأَرْضِ، تَشْبِيهًا بِالْجُدَرِيِّ فِي صُورَتِهِ وَمَادَّتِهِ، لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ، فَتَنْدَفِعُ عِنْدَ سِنِّ التَّرَعْرُعِ فِي الْغَالِبِ، وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ، وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ.
وَهِيَ مِمَّا يُوجَدُ فِي الرَّبِيعِ، وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا، وَتُسَمِّيهَا الْعَرَبُ: نَبَاتَ
الرَّعْدِ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ، وَتَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ، وَهِيَ مِنْ أَطْعِمَةِ أَهْلِ الْبَوَادِي، وَتَكْثُرُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَأَجْوَدُهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهَا رَمْلِيَّةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ.
وَهِيَ أَصْنَافٌ: مِنْهَا صِنْفٌ قَتَّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى الْحُمْرَةِ يُحْدِثُ الِاخْتِنَاقَ.
وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ، بَطِيئَةُ الْهَضْمِ، وَإِذَا أُدْمِنَتْ أَوْرَثَتِ الْقُولَنْجَ وَالسَّكْتَةَ وَالْفَالِجَ، وَوَجَعَ الْمَعِدَةِ، وَعُسْرَ الْبَوْلِ، وَالرَّطْبَةُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنَ الْيَابِسَةِ، وَمَنْ أَكَلَهَا فَلْيَدْفِنْهَا فِي الطِّينِ الرَّطْبِ، وَيَسْلُقْهَا بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالصَّعْتَرِ، وَيَأْكُلْهَا بِالزَّيْتِ وَالتَّوَابِلِ الْحَارَّةِ، لِأَنَّ جَوْهَرَهَا أَرْضِيٌّ غَلِيظٌ، وَغِذَاؤُهَا رَدِيءٌ لَكِنْ فِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيٌّ لَطِيفٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّتِهَا، وَالِاكْتِحَالُ بِهَا نَافِعٌ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ وَالرَّمَدِ الْحَارِّ، وَقَدِ اعْتَرَفَ فُضَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ بِأَنَّ مَاءَهَا يَجْلُو الْعَيْنَ، وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الْمَسِيحِيُّ وَصَاحِبُ الْقَانُونِ وَغَيْرُهُمَا.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ( «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ» ) فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحُلْوَ فَقَطْ، بَلْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهَا مِنَ النَّبَاتِ الَّذِي يُوجَدُ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ وَلَا عِلَاجٍ وَلَا حَرْثٍ، فَإِنَّ الْمَنَّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ " مَمْنُونٌ " بِهِ فَكُلُّ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَفْوًا بِغَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ وَلَا عِلَاجٍ، فَهُوَ مَنٌّ مَحْضٌ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرُ نِعَمِهِ مَنًّا مِنْهُ عَلَى عَبْدِهِ فَخَصَّ مِنْهَا مَا لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَلَا صُنْعَ بِاسْمِ الْمَنِّ، فَإِنَّهُ مَنٌّ بِلَا وَاسِطَةِ الْعَبْدِ، وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ قُوَّتَهُمْ بِالتِّيهِ الْكَمْأَةَ، وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ الْخُبْزِ، وَجَعَلَ أُدْمَهُمُ السَّلْوَى، وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ اللَّحْمِ، وَجَعَلَ حَلْوَاهُمُ الطَّلَّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الْأَشْجَارِ يَقُومُ لَهُمْ مَقَامَ الْحَلْوَى فَكَمُلَ عَيْشُهُمْ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: ( «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» ) فَجَعَلَهَا مِنْ جُمْلَتِهِ وَفَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ، وَالتَّرَنْجَبِينُ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الْأَشْجَارِ نَوْعٌ مِنَ
الْمَنِّ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَنِّ عَلَيْهِ عُرْفًا حَادِثًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ شَبَّهَ الْكَمْأَةَ بِالْمَنِّ الْمُنَزَّلِ مِنَ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ يُجْمَعُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَلَا زَرْعِ بِزْرٍ وَلَا سَقْيٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَ الْكَمْأَةِ فَمَا بَالُ هَذَا الضَّرَرِ فِيهَا، وَمِنْ أَيْنَ أَتَاهَا ذَلِكَ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ صَنَعَهُ، وَأَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، فَهُوَ عِنْدَ مَبْدَأِ خَلْقِهِ بَرِيءٌ مِنَ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ، تَامُّ الْمَنْفَعَةِ لِمَا هُيِّئَ وَخُلِقَ لَهُ، وَإِنَّمَا تَعْرِضُ لَهُ الْآفَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُمُورٍ أُخَرَ مِنْ مُجَاوَرَةٍ أَوِ امْتِزَاجٍ وَاخْتِلَاطٍ، أَوْ أَسْبَابٍ أُخَرَ تَقْتَضِي فَسَادَهُ، فَلَوْ تُرِكَ عَلَى خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ بِهِ لَمْ يَفْسُدْ.
وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْعَالَمِ وَمَبْدَئِهِ يَعْرِفُ أَنَّ جَمِيعَ الْفَسَادِ فِي جَوِّهِ وَنَبَاتِهِ وَحَيَوَانِهِ، وَأَحْوَالِ أَهْلِهِ حَادِثٌ بَعْدَ خَلْقِهِ بِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ حُدُوثَهُ، وَلَمْ تَزَلْ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ وَمُخَالَفَتُهُمْ لِلرُّسُلِ تُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْفَسَادِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مَا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآلَامِ وَالْأَمْرَاضِ، وَالْأَسْقَامِ، وَالطَّوَاعِينِ، وَالْقُحُوطِ وَالْجُدُوبِ، وَسَلْبِ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَنَبَاتِهَا وَسَلْبِ مَنَافِعِهَا أَوْ نُقْصَانِهَا أُمُورًا مُتَتَابِعَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ عِلْمُكَ لِهَذَا فَاكْتَفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41][الرُّومِ: 41] وَنَزِّلْ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَطَابِقْ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَهَا، وَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ تَحْدُثُ الْآفَاتُ وَالْعِلَلُ كُلَّ وَقْتٍ فِي الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ وَالْحَيَوَانِ، وَكَيْفَ يَحْدُثُ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ آفَاتٌ أُخَرُ مُتَلَازِمَةٌ، بَعْضُهَا آخِذٌ بِرِقَابِ بَعْضٍ، وَكُلَّمَا أَحْدَثَ النَّاسُ ظُلْمًا وَفُجُورًا، أَحْدَثَ لَهُمْ رَبُّهُمْ تبارك وتعالى مِنَ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ فِي أَغْذِيَتِهِمْ وَفَوَاكِهِهِمْ، وَأَهْوِيَتِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ، وَأَبْدَانِهِمْ وَخَلْقِهِمْ، وَصُوَرِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ مِنَ النَّقْصِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ مُوجَبُ أَعْمَالِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَفُجُورِهِمْ.
وَلَقَدْ كَانَتِ الْحُبُوبُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا أَكْبَرَ مِمَّا هِيَ الْيَوْمَ، كَمَا كَانَتِ الْبَرَكَةُ فِيهَا أَعْظَمَ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّهُ وَجَدَ فِي خَزَائِنِ بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ صُرَّةً فِيهَا حِنْطَةٌ أَمْثَالُ نَوَى التَّمْرِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: هَذَا كَانَ يَنْبُتُ أَيَّامَ الْعَدْلِ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ، ذَكَرَهَا فِي " مُسْنَدِهِ " عَلَى أَثَرِ حَدِيثٍ رَوَاهُ.
وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَالْآفَاتِ الْعَامَّةِ بَقِيَّةُ عَذَابٍ عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ السَّالِفَةُ، ثُمَّ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ مُرْصَدَةٌ لِمَنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، حَكَمًا قِسْطًا، وَقَضَاءً عَدْلًا، وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فِي الطَّاعُونِ:( «إِنَّهُ بَقِيَّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» ) .
وَكَذَلِكَ سَلَّطَ اللَّهُ سبحانه وتعالى الرِّيحَ عَلَى قَوْمٍ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَبْقَى فِي الْعَالَمِ مِنْهَا بَقِيَّةً فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَفِي نَظِيرِهَا عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ مُقْتَضِيَاتٍ لِآثَارِهَا فِي هَذَا الْعَالَمِ اقْتِضَاءً لَا بُدَّ مِنْهُ، فَجَعَلَ مَنْعَ الْإِحْسَانِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْغَيْثِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ، وَجَعَلَ ظُلْمَ الْمَسَاكِينِ، وَالْبَخْسَ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ، وَتَعَدِّي الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ سَبَبًا لِجَوْرِ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا
يَرْحَمُونَ إِنِ اسْتُرْحِمُوا، وَلَا يَعْطِفُونَ إِنِ اسْتُعْطِفُوا، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَعْمَالُ الرَّعَايَا ظَهَرَتْ فِي صُوَرِ وُلَاتِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ يُظْهِرُ لِلنَّاسِ أَعْمَالَهُمْ فِي قَوَالِبَ وَصُوَرٍ تُنَاسِبُهَا، فَتَارَةً بِقَحْطٍ وَجَدْبٍ، وَتَارَةً بِعَدُوٍّ، وَتَارَةً بِوُلَاةٍ جَائِرِينَ، وَتَارَةً بِأَمْرَاضٍ عَامَّةٍ، وَتَارَةً بِهُمُومٍ وَآلَامٍ وَغُمُومٍ تُحْضِرُهَا نُفُوسُهُمْ لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا، وَتَارَةً بِمَنْعِ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَنْهُمْ، وَتَارَةً بِتَسْلِيطِ الشَّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ تَؤُزُّهُمْ إِلَى أَسْبَابِ الْعَذَابِ أَزًّا لِتَحِقَّ عَلَيْهِمُ الْكَلِمَةُ، وَلِيَصِيرَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ، وَالْعَاقِلُ يُسَيِّرُ بَصِيرَتَهُ بَيْنَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ فَيُشَاهِدُهُ، وَيَنْظُرُ مَوَاقِعَ عَدْلِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّ الرُّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ خَاصَّةً عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ، وَسَائِرُ الْخَلْقِ عَلَى سَبِيلِ الْهَلَاكِ سَائِرُونَ، وَإِلَى دَارِ الْبَوَارِ صَائِرُونَ، وَاللُّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَمْأَةِ: ( «وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَاءَهَا يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يُعَالَجُ بِهَا الْعَيْنُ، لَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بَحْتًا بَعْدَ شَيِّهَا، وَاسْتِقْطَارِ مَائِهَا، لِأَنَّ النَّارَ تُلَطِّفُهُ وَتُنْضِجُهُ، وَتُذِيبُ فَضَلَاتِهِ وَرُطُوبَتَهُ الْمُؤْذِيَةَ، وَتُبْقِي الْمَنَافِعَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِمَائِهَا الْمَاءُ الَّذِي يَحْدُثُ بِهِ مِنَ الْمَطَرِ، وَهُوَ أَوَّلُ قَطْرٍ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إِضَافَةَ اقْتِرَانٍ لَا إِضَافَةَ جُزْءٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَأَضْعَفُهَا.
وَقِيلَ: إِنِ اسْتُعْمِلَ مَاؤُهَا لِتَبْرِيدِ مَا فِي الْعَيْنِ، فَمَاؤُهَا مُجَرَّدًا شِفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَمُرَكَّبٌ مَعَ غَيْرِهِ.
وَقَالَ الغافقي: مَاءُ الْكَمْأَةِ أَصْلَحُ الْأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ إِذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِدُ وَاكْتُحِلَ بِهِ، وَيُقَوِّي أَجْفَانَهَا، وَيَزِيدُ الرُّوحَ الْبَاصِرَةَ قُوَّةً وَحِدَّةً، وَيَدْفَعُ عَنْهَا نُزُولَ النَّوَازِلِ.