الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَيَّجَتِ الدَّمَ وَجَلَبَتْهُ وَهَذَا الرَّمَادُ إِذَا نُفِخَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْخَلِّ فِي أَنْفِ الرَّاعِفِ قُطِعَ رُعَافُهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ ": الْبَرْدِيُّ يَنْفَعُ مِنَ النَّزْفِ، وَيَمْنَعُهُ، وَيُذَرُّ عَلَى الْجِرَاحَاتِ الطَّرِيَّةِ فَيُدْمِلُهَا، وَالْقِرْطَاسُ الْمِصْرِيُّ كَانَ قَدِيمًا يُعْمَلُ مِنْهُ، وَمِزَاجُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ، وَرَمَادُهُ نَافِعٌ مِنْ أَكَلَةِ الْفَمِ، وَيَحْبِسُ نَفْثَ الدَّمِ وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ أَنْ تَسْعَى.
[فصل هَدْيِهِ فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ وَالْحِجَامَةِ وَالْكَيِّ]
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْكَيِّ
فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» ) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ: الْأَمْرَاضُ الِامْتِلَائِيَّةُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ دَمَوِيَّةً أَوْ صَفْرَاوِيَّةً أَوْ بَلْغَمِيَّةً أَوْ سَوْدَاوِيَّةً. فَإِنْ كَانَتْ دَمَوِيَّةً فَشِفَاؤُهَا إِخْرَاجُ الدَّمِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَشِفَاؤُهَا بِالْإِسْهَالِ الَّذِي يَلِيقُ بِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا، وَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَبَّهَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْمُسَهِّلَاتِ، وَبِالْحِجَامَةِ عَلَى الْفَصْدِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ الْفَصْدَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: ( «شَرْطَةِ مِحْجَمٍ» ) . فَإِذَا أَعْيَا الدَّوَاءُ فَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ، فَذَكَرَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَدْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ غَلَبَةِ الطِّبَاعِ لِقُوَى الْأَدْوِيَةِ وَحَيْثُ لَا يَنْفَعُ الدَّوَاءُ الْمَشْرُوبُ. وَقَوْلُهُ:( «وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: ( «وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنْ يُؤَخَّرَ الْعِلَاجُ بِهِ حَتَّى
تَدْفَعَ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ، وَلَا يُعَجَّلُ التَّدَاوِي بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِعْجَالِ الْأَلَمِ الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ أَلَمِ الْكَيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: الْأَمْرَاضُ الْمِزَاجِيَّةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَادَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَادَّةٍ، وَالْمَادِّيَّةُ مِنْهَا: إِمَّا حَارَّةٌ، أَوْ بَارِدَةٌ، أَوْ رَطْبَةٌ، أَوْ يَابِسَةٌ، أَوْ مَا تَرَكَّبَ مِنْهَا، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّاتُ الْأَرْبَعُ مِنْهَا كَيْفِيَّتَانِ فَاعِلَتَانِ: وَهُمَا الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ وَكَيْفِيَّتَانِ مُنْفَعِلَتَانِ؛ وَهُمَا الرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ، وَيَلْزَمُ مِنْ غَلَبَةِ إِحْدَى الْكَيْفِيَّتَيْنِ الْفَاعِلَتَيْنِ اسْتِصْحَابُ كَيْفِيَّةٍ مُنْفَعِلَةٍ مَعَهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْبَدَنِ وَسَائِرِ الْمُرَكَّبَاتِ كَيْفِيَّتَانِ: فَاعِلَةٌ وَمُنْفَعِلَةٌ.
فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الْأَمْرَاضِ الْمِزَاجِيَّةِ هِيَ التَّابِعَةُ لِأَقْوَى كَيْفِيَّاتِ الْأَخْلَاطِ الَّتِي هِيَ الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ، فَجَاءَ كَلَامُ النُّبُوَّةِ فِي أَصْلِ مُعَالَجَةِ الْأَمْرَاضِ الَّتِي هِيَ الْحَارَّةُ وَالْبَارِدَةُ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ حَارًّا عَالَجْنَاهُ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ بِالْفَصْدِ كَانَ أَوْ بِالْحِجَامَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِفْرَاغًا لِلْمَادَّةِ وَتَبْرِيدًا لِلْمِزَاجِ. وَإِنْ كَانَ بَارِدًا عَالَجْنَاهُ بِالتَّسْخِينِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْعَسَلِ فَإِنْ كَانَ يُحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى اسْتِفْرَاغِ الْمَادَّةِ الْبَارِدَةِ فَالْعَسَلُ أَيْضًا يَفْعَلُ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِنْضَاجِ، وَالتَّقْطِيعِ، وَالتَّلْطِيفِ، وَالْجَلَاءِ، وَالتَّلْيِينِ، فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ اسْتِفْرَاغُ تِلْكَ الْمَادَّةِ بِرِفْقٍ وَأَمْنٍ مِنْ نِكَايَةِ الْمُسْهِلَاتِ الْقَوِيَّةِ.
وَأَمَّا الْكَيُّ: فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَادًّا فَيَكُونَ سَرِيعَ الْإِفْضَاءِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُزْمِنًا وَأَفْضَلُ عِلَاجِهِ بَعْدَ الِاسْتِفْرَاغِ الْكَيُّ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْكَيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُزْمِنًا إِلَّا عَنْ مَادَّةٍ بَارِدَةٍ غَلِيظَةٍ قَدْ رَسَخَتْ فِي الْعُضْوِ وَأَفْسَدَتْ مِزَاجَهُ وَأَحَالَتْ جَمِيعَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَى مُشَابَهَةِ جَوْهَرِهَا فَيَشْتَعِلُ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ فَيُسْتَخْرَجُ بِالْكَيِّ تِلْكَ الْمَادَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِإِفْنَاءِ الْجُزْءِ النَّارِيِّ الْمَوْجُودِ بِالْكَيِّ لِتِلْكَ الْمَادَّةِ.