الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَوْهَرِهِ، فَإِنَّ صَرَعَ هَؤُلَاءِ يَكُونُ لَازِمًا. قَالَ أبقراط: إِنَّ الصَّرَعَ يَبْقَى فِي هَؤُلَاءِ حَتَّى يَمُوتُوا.
إِذَا عُرِفَ هَذَا فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي جَاءَ الْحَدِيثُ أَنَّهَا كَانَتْ تُصْرَعُ وَتَتَكَشَّفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَرَعُهَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَوَعَدَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجَنَّةَ بِصَبْرِهَا عَلَى هَذَا الْمَرَضِ، وَدَعَا لَهَا أَنْ لَا تَتَكَشَّفَ وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْجَنَّةِ، وَبَيْنَ الدُّعَاءِ لَهَا بِالشِّفَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ فَاخْتَارَتِ الصَّبْرَ وَالْجَنَّةَ.
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْمُعَالَجَةِ وَالتَّدَاوِي وَأَنَّ عِلَاجَ الْأَرْوَاحِ بِالدَّعَوَاتِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ يَفْعَلُ مَا لَا يَنَالُهُ عِلَاجُ الْأَطِبَّاءِ، وَأَنَّ تَأْثِيرَهُ وَفِعْلَهُ وَتَأَثُّرَ الطَّبِيعَةِ عَنْهُ وَانْفِعَالَهَا أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَانْفِعَالِ الطَّبِيعَةِ عَنْهَا، وَقَدْ جَرَّبْنَا هَذَا مِرَارًا نَحْنُ وَغَيْرُنَا، وَعُقَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ لِفِعْلِ الْقُوَى النَّفْسِيَّةِ وَانْفِعَالَاتِهَا فِي شِفَاءِ الْأَمْرَاضِ عَجَائِبُ، وَمَا عَلَى الصِّنَاعَةِ الطِّبِّيَّةِ أَضَرُّ مِنْ زَنَادِقَةِ الْقَوْمِ وَسِفْلَتِهِمْ، وَجُهَّالِهِمْ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ صَرَعَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْأَرْوَاحِ، وَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَيَّرَهَا بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ الدُّعَاءِ لَهَا بِالشِّفَاءِ، فَاخْتَارَتِ الصَّبْرَ وَالسَّتْرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ عِرْقِ النَّسَا]
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ عِرْقِ النَّسَا
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «دَوَاءُ عِرْقِ النَّسَا أَلْيَةُ شَاةٍ أَعْرَابِيَّةٍ، تُذَابُ ثُمُّ تُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ يُشْرَبُ عَلَى الرِّيقِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءٌ» ) .
عِرْقُ النَّسَاءِ: وَجَعٌ يَبْتَدِئُ مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ وَيَنْزِلُ مِنْ خَلْفٍ عَلَى الْفَخِذِ، وَرُبَّمَا عَلَى الْكَعْبِ وَكُلَّمَا طَالَتْ مُدَّتُهُ زَادَ نُزُولُهُ وَتَهْزُلُ مَعَهُ الرِّجْلُ وَالْفَخِذُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَعْنًى لُغَوِيٌّ، وَمَعْنًى طِبِّيٌّ. فَأَمَّا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ: فَدَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ هَذَا الْمَرَضِ بِعِرْقِ النَّسَا خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ، وَقَالَ: النَّسَا هُوَ الْعِرْقُ نَفْسُهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَجَوَابُ هَذَا الْقَائِلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِرْقَ أَعَمُّ مِنَ النَّسَا فَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْعَامِّ إِلَى الْخَاصِّ، نَحْوَ: كُلُّ الدَّرَاهِمِ أَوْ بَعْضُهَا.
الثَّانِي: أَنَّ النَّسَا: هُوَ الْمَرَضُ الْحَالُّ بِالْعِرْقِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى مَحَلِّهِ وَمَوْضِعِهِ. قِيلَ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَلَمَهُ يُنْسِي مَا سِوَاهُ وَهَذَا الْعِرْقُ مُمْتَدٌّ مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ وَيَنْتَهِي إِلَى آخِرِ الْقَدَمِ وَرَاءَ الْكَعْبِ مِنَ الْجَانِبِ الْوَحْشِيِّ فِيمَا بَيْنَ عَظْمِ السَّاقِ وَالْوَتَرِ.
وَأَمَّا الْمَعْنَى الطِّبِّيُّ: فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَامٌّ: بِحَسْبِ الْأَزْمَانِ، وَالْأَمَاكِنِ، وَالْأَشْخَاصِ، وَالْأَحْوَالِ.
وَالثَّانِي: خَاصٌّ: بِحَسْبِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ بَعْضِهَا، وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْعَرَبِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ وَلَا سِيَّمَا أَعْرَابُ الْبَوَادِي فَإِنَّ هَذَا الْعِلَاجَ مِنْ أَنْفَعِ الْعِلَاجِ لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْمَرَضَ يَحْدُثُ مِنْ يُبْسٍ، وَقَدْ يَحْدُثُ مِنْ مَادَّةٍ غَلِيظَةٍ لَزِجَةٍ، فَعِلَاجُهَا بِالْإِسْهَالِ وَالْأَلْيَةُ فِيهَا الْخَاصِّيَّتَانِ: الْإِنْضَاجُ، وَالتَّلْيِينُ فَفِيهَا الْإِنْضَاجُ وَالْإِخْرَاجُ. وَهَذَا الْمَرَضُ يَحْتَاجُ عِلَاجُهُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَفِي تَعْيِينِ الشَّاةِ الْأَعْرَابِيَّةِ لِقِلَّةِ فُضُولِهَا وَصِغَرِ مِقْدَارِهَا وَلُطْفِ جَوْهَرِهَا، وَخَاصِّيَّةِ مَرْعَاهَا؛ لِأَنَّهَا تَرْعَى أَعْشَابَ الْبَرِّ الْحَارَّةَ كَالشِّيحِ، وَالْقَيْصُومِ، وَنَحْوِهِمَا، وَهَذِهِ النَّبَاتَاتُ إِذَا تَغَذَّى بِهَا الْحَيَوَانُ صَارَ فِي لَحْمِهِ مِنْ طَبْعِهَا بَعْدَ أَنْ يُلَطِّفَهَا تَغَذِّيهِ بِهَا، وَيُكْسِبُهَا مِزَاجًا أَلْطَفَ مِنْهَا، وَلَا سِيَّمَا الْأَلْيَةُ، وَظُهُورُ فِعْلِ هَذِهِ النَّبَاتَاتِ فِي اللَّبَنِ أَقْوَى مِنْهُ فِي اللَّحْمِ، وَلَكِنَّ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي فِي الْأَلْيَةِ مِنَ الْإِنْضَاجِ