الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ، وَهُوَ الْأَبْيَضُ مِنْهُ، وَهُوَ حُلْوٌ وَفِيهِ مَنَافِعُ عَدِيدَةٌ، وَكَانُوا يُعَالِجُونَ أَوْلَادَهُمْ بِغَمْزِ اللَّهَاةِ، وَبِالْعِلَاقِ وَهُوَ شَيْءٌ يُعَلِّقُونَهُ عَلَى الصِّبْيَانِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْأَطْفَالِ وَأَسْهَلُ عَلَيْهِمْ.
وَالسَّعُوطُ مَا يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ، وَقَدْ يَكُونُ بِأَدْوِيَةٍ مُفْرَدَةٍ وَمُرَكَّبَةٍ تُدَقُّ وَتُنْخَلُ وَتُعْجَنُ وَتُجَفَّفُ، ثُمَّ تُحَلُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيُسْعَطُ بِهَا فِي أَنْفِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ مَا يَرْفَعُهُمَا لِتَنْخَفِضَ رَأْسُهُ، فَيَتَمَكَّنُ السَّعُوطُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى دِمَاغِهِ، وَيَسْتَخْرِجُ مَا فِيهِ مِنَ الدَّاءِ بِالْعُطَاسِ، وَقَدْ مَدَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم التَّدَاوِي بِالسَّعُوطِ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ.
وَذَكَرَ أبو داود فِي " سُنَنِهِ "«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَطَ» .
[فصل هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْمَفْئُودِ]
[التمر خاصية عجيبة لهذا الداء]
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْمَفْئُودِ
رَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ مجاهد عَنْ سعد، قَالَ:( «مَرِضْتُ مَرَضًا فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا عَلَى فُؤَادِي، وَقَالَ لِي: " إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْئُودٌ فَأْتِ الحارث بن كلدة مِنْ ثَقِيفٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَتَطَبَّبُ، فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ، فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَوَاهُنَّ، ثُمَّ لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ» )
الْمَفْئُودُ الَّذِي أُصِيبَ فُؤَادُهُ، فَهُوَ يَشْتَكِيهِ، كَالْمَبْطُونِ الَّذِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ.
وَاللَّدُودُ: مَا يُسْقَاهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الْفَمِ.
وَفِي التَّمْرِ خَاصِّيَّةٌ عَجِيبَةٌ لِهَذَا الدَّاءِ، وَلَا سِيَّمَا تَمْرَ الْمَدِينَةِ، وَلَا سِيَّمَا الْعَجْوَةَ مِنْهُ. وَفِي كَوْنِهَا سَبْعًا خَاصِّيَّةٌ أُخْرَى، تُدْرَكُ بِالْوَحْيِ، وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ مِنْ تَمْرِ الْعَالِيَةِ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ» ) .
وَفِي لَفْظٍ: ( «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ يَضُرَّهُ سَمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ» ) .
وَالتَّمْرُ حَارٌّ فِي الثَّانِيَةِ، يَابِسٌ فِي الْأُولَى. وَقِيلَ: رَطْبٌ فِيهَا. وَقِيلَ: مُعْتَدِلٌ، وَهُوَ غِذَاءٌ فَاضِلٌ حَافِظٌ لِلصِّحَّةِ لَا سِيَّمَا لِمَنِ اعْتَادَ الْغِذَاءَ بِهِ، كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ وَالْحَارَّةِ الَّتِي حَرَارَتُهَا فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ لَهُمْ أَنْفَعُ مِنْهُ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ؛ لِبُرُودَةِ بَوَاطِنِ سُكَّانِهَا، وَحَرَارَةِ بَوَاطِنِ سُكَّانِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ؛ وَلِذَلِكَ يُكْثِرُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالطَّائِفِ وَمَا يَلِيهِمْ مِنَ الْبِلَادِ الْمُشَابِهَةِ لَهَا مِنَ الْأَغْذِيَةِ الْحَارَّةِ مَا لَا يَتَأَتَّى لِغَيْرِهِمْ، كَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ، وَشَاهَدْنَاهُمْ يَضَعُونَ فِي أَطْعِمَتِهِمْ مِنَ الْفُلْفُلِ وَالزَّنْجَبِيلِ فَوْقَ مَا يَضَعُهُ غَيْرُهُمْ نَحْوَ عَشَرَةِ أَضْعَافٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَأْكُلُونَ الزَّنْجَبِيلَ كَمَا يَأْكُلُ غَيْرُهُمُ الْحَلْوَى، وَلَقَدْ شَاهَدْتُ مَنْ يَتَنَقَّلُ بِهِ مِنْهُمْ كَمَا يَتَنَقَّلُ بِالنَّقْلِ، وَيُوَافِقُهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهُمْ لِبُرُودَةِ أَجْوَافِهِمْ، وَخُرُوجِ الْحَرَارَةِ إِلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ، كَمَا تُشَاهَدُ مِيَاهُ الْآبَارِ تَبْرُدُ فِي الصَّيْفِ، وَتَسْخَنُ فِي الشِّتَاءِ، وَكَذَلِكَ تُنْضِجُ الْمَعِدَةُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ الْغَلِيظَةِ فِي الشِّتَاءِ مَا لَا تُنْضِجُهُ فِي الصَّيْفِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَالتَّمْرُ لَهُمْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ لِغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قُوتُهُمْ وَمَادَّتُهُمْ، وَتَمْرُ الْعَالِيَةِ مِنْ أَجْوَدِ أَصْنَافِ تَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُ مَتِينُ الْجِسْمِ، لَذِيذُ الطَّعْمِ صَادِقُ الْحَلَاوَةِ، وَالتَّمْرُ يَدْخُلُ فِي الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ، وَهُوَ يُوَافِقُ أَكْثَرَ الْأَبْدَانِ، مُقَوٍّ لِلْحَارِّ الْغَرِيزِيِّ، وَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنَ الْفَضَلَاتِ الرَّدِيئَةِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَغْذِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ، بَلْ يَمْنَعُ لِمَنِ اعْتَادَهُ مِنْ تَعَفُّنِ الْأَخْلَاطِ وَفَسَادِهَا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلْأَمْكِنَةِ اخْتِصَاصًا بِنَفْعِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَدْوِيَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الدَّوَاءُ الَّذِي قَدْ يَنْبُتُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَافِعًا مِنَ الدَّاءِ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ النَّفْعُ إِذَا نَبَتَ فِي مَكَانٍ غَيْرِهِ لِتَأْثِيرِ نَفْسِ التُّرْبَةِ أَوِ الْهَوَاءِ، أَوْ هُمَا جَمِيعًا، فَإِنَّ لِلْأَرْضِ خَوَاصًّا وَطَبَائِعَ يُقَارِبُ اخْتِلَافُهَا اخْتِلَافَ طَبَائِعِ الْإِنْسَانِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّبَاتِ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ غِذَاءً مَأْكُولًا، وَفِي بَعْضِهَا سَمَّا قَاتِلًا، وَرُبَّ أَدْوِيَةٍ لِقَوْمٍ أَغْذِيَةٌ لِآخَرِينَ، وَأَدْوِيَةٍ لِقَوْمٍ مِنْ أَمْرَاضٍ هِيَ أَدْوِيَةٌ لِآخَرِينَ فِي أَمْرَاضٍ سِوَاهَا، وَأَدْوِيَةٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ لَا تُنَاسِبُ غَيْرَهُمْ، وَلَا تَنْفَعُهُمْ
وَأَمَّا خَاصِّيَّةُ السَّبْعِ فَإِنَّهَا قَدْ وَقَعَتْ قَدْرًا وَشَرْعًا، فَخَلَقَ اللَّهُ عز وجل السّمَاوَاتِ سَبْعًا، وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا، وَالْأَيَّامَ سَبْعًا، وَالْإِنْسَانُ كَمُلَ خَلْقُهُ فِي سَبْعَةِ أَطْوَارٍ، وَشَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ الطَّوَافَ سَبْعًا، وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَرَمْيَ الْجِمَارِ سَبْعًا سَبْعًا، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم ( «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ» ) : ( «وَإِذَا صَارَ لِلْغُلَامِ سَبْعُ سِنِينَ خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ» ) فِي
رِوَايَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «أَبُوهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أُمِّهِ» "، وَفِي ثَالِثَةٍ:( «أُمُّهُ أَحَقُّ بِهِ» ) وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، وَسَخَّرَ اللَّهُ الرِّيحَ عَلَى قَوْمِ عَادٍ سَبْعَ لَيَالٍ، وَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِينَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْمِهِ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، وَمَثَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا يُضَاعِفُ بِهِ صَدَقَةَ الْمُتَصَدِّقِ بِحَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَالسَّنَابِلُ الَّتِي رَآهَا صَاحِبُ يُوسُفَ سَبْعًا، وَالسِّنِينَ الَّتِي زَرَعُوهَا دَأَبًا سَبْعًا، وَتُضَاعَفُ الصَّدَقَةُ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ سَبْعُونَ أَلْفًا.
فَلَا رَيْبَ أَنَّ لِهَذَا الْعَدَدِ خَاصِّيَّةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، وَالسَّبْعَةُ جَمَعَتْ مَعَانِيَ الْعَدَدِ كُلِّهِ وَخَوَاصِّهُ، فَإِنَّ الْعَدَدَ شَفْعٌ وَوَتْرٌ. وَالشَّفْعُ أَوَّلٌ وَثَانٍ. وَالْوَتْرُ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: شَفْعٌ أَوَّلٌ وَثَانٍ. وَوَتْرٌ أَوَّلٌ وَثَانٍ، وَلَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْمَرَاتِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ، وَهِيَ عَدَدٌ كَامِلٌ جَامِعٌ لِمَرَاتِبِ الْعَدَدِ الْأَرْبَعَةِ، أَعْنِي الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ،