المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثاني والعشرون: باب ما جاء في الغال ما يصنع به من كتاب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي - جـ ٢

[يوسف بن محمد الدخيل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الحديث الثالث عشر: باب ما جاء في فضل شهر رمضان من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع عشر: باب ما جاء في العمل في أيام العشر من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس عشر: باب ما جاء في الفطر والأضحى حتى يكون من كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس عشر: باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع عشر: باب ما جاء في فضل الطواف من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّامن عشر: باب ما جاء "في الحج عن الشيخ الكبير والميت

- ‌الحديث التاسع عشر: باب ما جاء في المشي أمام الجنازة من كتاب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه سلم

- ‌الحديث العشرون: باب ما جاء في (أمرك بيدك) من كتاب الطلا ق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الحادي والعشرون: باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم من كتاب الحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّاني والعشرون: باب ما جاء في الغال ما يصنع به من كتاب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّالث والعشرون: باب ما جاء في ثواب الشهداء من كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع والعشرون: باب ما جاء في الصف والتعبئة عند القتال من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس والعشرون: باب ما جاء في الألوية من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس والعشرون: باب ما ذكر من الشرب بنفسين من كتاب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع والعشرون: باب ما جاء في صفة أبواب الجنة من كتاب صفة الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثامن والعشرون: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة من أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التّاسع والعشرون: باب ما جاء أن العطاس في الصلاة من الشيطان من كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثلاثون: باب عرضت علي ذنوب أمتي من كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله علسه وسلم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون: باب ومن سورة التوية من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثاني والثلاثون: باب ومن سورة "ص" أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثالث والثلاثون: باب ومن سورة الطور من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحديث الثاني والعشرون: باب ما جاء في الغال ما يصنع به من كتاب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌الحديث الثّاني والعشرون: باب ما جاء في الغال ما يصنع به من كتاب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

.

4/61 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض

ص: 707

حدّثنا محمد بن عمرو، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن صالح بن محمد ابن زائدة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن عمر1 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من وجدتموه غل2 في سبيل الله فأحرقوا متاعه".

قال صالح: فدخلت على "مسلمة"3 ومعه "سالم بن عبد الله"4

1 عمر بن الخطاب بن نفيل -بنون وفاء، مصغراً- ابن عبد العزى، بن رياح –بتحتانية- ابن عبد الله بن قرط -بضم القاف- ابن رزاح -براء ثم زاي خفيفة- ابن عدي بن كعب القرشي، العدوي، أمير المؤمنين، مشهور، جم المناقب، استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وولي الخلافة عشر سنين ونصفا، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/54 وانظر "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/518.

2 من الغلول وهو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. يقال: غل في المغنم يغل غلولا فهو غال. وكل من خان في شيء خفية فقد غل. وسميت غلولا؛ لأن الأيدي فيها مغلولة أي: ممنوعة مجعول فيها غل، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه. ويقال لها جامعة أيضاً. وأحاديث الغلول في الغنيمة كثيرة" ا?. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/380.

3 مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الأموي، الأمير، مقبول، من السادسة، مات سنة عشرين أي ومئة أو بعدها، روى له أبو داود "تقريب التهذيب" 2/248 وانظر "الأعلام" للزركلي 8/122.

4 سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عمر أو أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً، عابداً فاضلا، كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت، من كبار الثالثة، مات في آخر سنة ست أي مئة على الصحيح، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/280.

ص: 709

فوجد رجلا قد غل فحدّث سالم بهذا الحديث، فأمر به فأحرق متاعه فوجد في متاعه مصحف، فقال سالم: بع هذا1 وتصدق بثمنه.

كلام الترمذي على هذا الحديث

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.

وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث.

قال محمد: وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال، ولم يأمر فيه بحرق متاعه، وقال: هذا حديث غريب.

هل هذا الحديث من مسند عمر، أو ابن عمر؟

ذكر هذا الحديث ابن عساكر في كتابه "الأشراف على معرفة الأطراف" في مسند ابن عمر، مع أنه من مسند عمر بشهادة الحفاظ، ويمكن أن يكون هذا تأثراً منه بما وقع في بعض نسخ الترمذي من

1 انظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود 2/165 فقد روى فيه عن سالم بن عبد الله ذمه لبيع المصاحف.

ص: 710

الاقتصار على ابن عمر دون ذكر عمر في السند، وهذا لا اعتماد عليه كما لا يخفى؛ لأن العلماء مافتئوا يوصون بالتحقق من نسخ الترمذي، وقد تبعه المزي –بعد أن تبعه بذكر الحديث في مسند ابن عمر1- فنبه على وهمه، ثم أورده في مسند عمر2 على الصواب، وقد ظن من لم يتأمل كلام المزي إلى آخره أنه وهم هو أيضاً فاعترض عليه، وقد دافع ابن حجر عن المزي، فقال: "حديث إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه

إلى آخره" اعترض عليه ابن عبد الهادي، ومغلطاي بأنه من مسند عمر" لا من "مسند أبيه3 وقرأت بخط ابن كثير بعد أن صوّب كلام ابن عبد الهادي: العجب من الحافظين ابن عساكر والمزي كيف ذكراه في مسند ابن عمر، ولم يذكراه في مسند عمر فأخطآ هنا وهناك. قلت: قد نبه المزي على وهم ابن عساكر في ذكره إياه في مسند ابن عمر، وأورده في مسند عمر في ترجمة سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر فلا اعتراض على المزي أصلاً"، وزاد على ذلك أنه وقع في الترمذي في بعض نسخه كما وقع عند أبي داود من زيادة عمر في السند4، فالعجب ممن اعترض عليه من قبل أن يتأمل كلامه إلى آخره؛

1 تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 5/355.

2 المصدر السابق 8/57.

3 الضمير يرجع إلى سالم وأبوه عبد الله بن عمر.

4 قال العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 182 وجه/أ: "هكذا هو في عامة نسخ أبي داود أنه من حديث عمر، وكذا في أصل سماعنا من الترمذي، وبعض نسخ الترمذي أنه من حديث ابن عمر دون ذكر عمر، وهكذا أورده ابن عساكر في الأطراف في مسند ابن عمر، وتبعه المزي على ذلك، ونبه على اختلاف رواية الترمذي. والله أعلم

".

ص: 711

فإنه تبع ابن عساكر أولاً، فظنوا أنه اقتصر على ذلك، لكنه تعقب كلامه كما ذكرت".

تخريج الحديث

أخرج هذا الحديث سوى الترمذي:

أحمد في "مسنده"1 بلفظ: "من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه"2، قال:"وأحسبه قال: واضربوه".

أبو داود في "سننه"3 بزيادة "واضربوه".= على جهة الجزم من غير شك، ورواه من وجه آخر عن صالح بن محمد بن زائدة المذكور موقوفاً على سالم بن عبد الله، وقد صحح وقفه عليه.

1 1/22 وبتحقيق أحمد شاكر 1/218 رقم الحديث (144) .

2 قال الساعاتي في "بلوغ الأماني شرح فتح الرباني" 14/93: "أي أحرقوا متاعه كما صرّح بذلك في رواية لأبي داود" ا?.

3 3/92.

ص: 712

الدارمي في "سننه"1 بلفظ: "من وجدتموه غلّ فاضربوه، وأحرقوا متاعه" بدون القصة.

سعيد بن منصور في "سننه"2.

ابن أبي شيبة في "مصنفه"3.

الأثرم في "سننه"4.

ابن عدي في "الكامل"5 بلفظ: "من وجدتموه قد غلّ فاضربوه، وأحرقوا متاعه" بالقصة.

الحاكم في "المستدرك"6 وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.

البهقي في "السنن الكبرى"7.

كلهم من طريق صالح بن محمد بن زائدة مرفوعاً، ما عدا الطريق الأخرى عند أبي داود.

1 2/149.

2 القسم الثاني من المجلد الثالث/291.

3 عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" 2/92.

4 قاله ابن قدامة في "المغني" 10/533.

5 3 قسم 1 صفحة 181 في ترجمة صالح بن محمد بن زائدة.

6 2/127-128.

7 9/102-103.

ص: 713

الكلام على بعض رواة الحديث

هذا الحديث يدور –كما يقول ابن عبد البر1 وعبد الحق الأشبيلي2- على صالح بن محمد وهو صالح بن محمد بن زائدة المدني، أبو واقد الليثي الصغير.

روى عن: أنس، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر.

وروى عنه: الدراوردي، وأبو إسحاق الفزاري، وعبد الله بن دينار وهو أكبر منه.

عدّله بعضهم –كأحمد، والذهبي- بأدنى عبارات التعديل، فقال عبد الله بن أحمد عن أبيه3:"ما أرى به بأساً".

وقال الذهبي في "المغني في الضعفاء"4: "صويلح"، وقال في "ميزان الاعتدال"5:"مقارب الحال". وهذا يعني أن حديثه صالح للاعتبار.

وجرحه الآخرون بين جرح خفيف، وشديد بما يأتي:

1 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 2/21 وانظر "أحكام القرآن" للقرطبي 4/259.

2 مختصر الأحكام الكبرى مصور ورقة 265.

3 انظر: الجرح والتعديل 2/1/412 وميزان الاعتدال 2/299 وتهذيب التهذيب 4/401.

4 1/305.

5 2/299.

ص: 714

أنه ليس بالقوي: وصفه بهذا أبو داود1، والنسائي2، والعجلي3، وأبو أحمد الحكم4.

وهذه العبارة من أسهل عبارات الجرح، وهي تعني أن حديثه يكتب للاعتبار والمتابعات.

أنه ضعيف: وصفه بهذا ابن معين5، وابن المديني6، وأبو زرعة7 وأبو حاتم8، والدارقطني9، والواقدي10. وصاحب هذه المرتبة يكتب حديثه للاعتبار، ولا يحتج بما انفرد به.

أنه منكر الحديث: قال البخاري11: والحكم أنه يرد حديثه.

1 انظر: تهذيب التهذيب 4/401.

2 الضعفاء والمتروكين/57.

3 انظر: تهذيب التهذيب 4/401.

4 انظر: المصدر السابق الجزء والصفحة.

5 التاريخ 2/205.

6 تهذيب التهذيب 4/401.

7 الضعفاء والكذابون والمتروكون انظر تهذيب الكمال 4 ورقة 301.

8 الضعفاء والكذابون والمتروكون انظر تهذيب الكمال 4 ورقة 301.

9 انظر: تهذيب التهذيب 4/401.

10 انظر المصدر السابق 4/401-402.

11 التاريخ الكبير 2/2/291، والتاريخ الصغير 2/103، والضعفاء الصغير/59 وهنا فيما نقله الترمذي عنه.

ص: 715

قال أحمد شاكر في "الباعث الحثيث"1: "وكذا قوله: "منكر الحديث"، فإنه يريد به الكذابين، ففي الميزان2 للذهبي: "نقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه" ا?.

ويفهم من كلام السخاوي في "فتح المغيث"3 أن هذه العبارة تعني عند البخاري أنه يريد بها من فحش خطؤه، وهو الضعيف جداً، وذلك أن السخاوي لما وضع "منكر الحديث" في المرتبة الخامسة من مراتب الجرح، وهي مرتبة ضعيف قال بعد ذلك:"لكن قال البخاري: "كل من قلت فيه: "منكر الحديث" –يعني الذي أدرج في الخامسة- لا يحتج به"، وفي لفظ: "لا تحل الرواية عنه".

وصنيع شيخنا "يعني ابن حجر" يشعر بالمشي عليه حيث قال4: "فقولهم: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث أشد من قولهم "ضعيف"، أو "ليس بالقوي"، أو "فيه مقال".

ولكن يساعد كونها من التي بعدها "يعني من مرتبة ضعيف التي هي بعد مرتبة ضعيف جداً على حسب ذكره للمراتب، حيث

1 /106.

2 1/6 في ترجمة أبان بن جبلة الكوفي وانظر: "ترجمة سليمان بن داود اليمامي" 2/202.

3 1/346.

4 نزهة النظر شرح نخبة الفكر/71.

ص: 716

بدأ بالنسبة لعبارات الجرح من الأسوأ إلى الأسهل" قول الشارح (العراقي) في تخريجه الأكبر للأحياء: "وكثيراً ما يطلقون المنكر على الراوي لكونه روى حديثاً واحداً".

ونحوه قول الذهبي في ترجمة عبد الله بن معاوية الزبيري من "الميزان"1: "قولهم: "منكر الحديث" لا يعنون به أن كل ما رواه منكر، بل إذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث" ا?.

فذكر السخاوي أن صنيع شيخه ابن حجر يشعر بالمشي على اصطلاح البخاري حين قال: "منكر الحديث" أشد من قولهم "ضعيف"، ومعني هذا أنه يكون في مرتبة أنزل من مرتبة ضعيف بمرتبة، وهي مرتبة ضعيف جداً، وقد اعتذر السخاوي عن وضعه في هذه المرتبة إلى المرتبة التي وضعه فيها، وهي مرتبة ضعيف بما أورده عن العراقي والذهبي.

وسواء قلنا: إن هذه العبارة تعني عند البخاري أنه يريد بها الكذاب أو الضعيف جداً، فإن الحكم بالنسبة لمن أطلقت عليه هذه العبارة واحد لا يختلف، وهو الذي صدّرناه، إلا أن حديث الكذاب يوصف بأنه موضوع ومختلق، والحال أنه لم يثبت كذب هذا الراوي أو حتى مجرد اتهامه بالكذب، وكل ما نقل فيه من عبارات الجرح إنما

1 رجعت إلى نسخة "الميزان" التي بين يدي في ترجمة هذا الراوي 2/507 فلم أجد هذا الكلام الذي نقله السخاوي، ولعله في نسخة أخرى أكمل من هذه التي بين أيدينا.

ص: 717

هي دون ذلك، وبعضها مما يقرب من أدنى عبارات التعديل كما سبق، بل بعضهم عدّله بأدنى عبارات التعديل كالإمام أحمد، والذهبي كما تقدم.

وإذا عرف اصطلاح البخاري في هذه العبارة "منكر الحديث" فإن عدّ السخاوي لها في مرتبة ضعيف إنما هو جار على اصطلاح الجمهور –باستثناء أحمد1-، فليجعل عليه قول ابن أبي حاتم2 عن أبيه في هذا الراوي:"ليس بقوي، تركه سليمان بن حرب3، وكان صاحب غزو منكر الحديث".

وقول الساجي4 فيه: "منكر الحديث فيه ضعف".

والذي أشعر به من وصف هذا الراوي بمنكر الحديث، أنه لا يعدو في هذا ما قاله الذهبي:"إذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث".

1 فإن له اصطلاحاً خاصاً، قال ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"/437 في ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي:"قلت: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له". وقال أيضاً في ترجمة بريد بن عبد الله/392: "أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة" ا?. وانظر: "الرفع والتكميل" 93، 94 و"توضيح الأفكار" 2/6.

2 الجرح والتعديل 2/1/412.

3 جاء في "المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 1/426 ما يفيد روايته عنه أخيراً.

4 تهذيب التهذيب 4/402.

ص: 718

وقد عبّر عن ذلك ابن عدي حيث قال1: "بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها فيها إنكار" ا?.

والحاصل أن هذا الرجل يدور بين الترك فلا يعتبر به ولا يستشهد به لقول البخاري السابق؛ ولقول ابن حبان2: "كان ممن يقلب الأخبار والأسانيد، ولا يعلم، ويسند المراسيل، ولا يفهم، فلما كثر ذلك في حديثه وفحش استحق الترك" ا?. وبين أن يعتبر به ويستشهد به.

والذي أميل إليه من الحكم بعد هذا الاستعراض أنه ضعيف يكتب حديثه للاعتبار، ولا يحتج به إذا انفرد.

وهذا –في نظري- هو القول الوسط فيه، وهو قول الأكثرية وفيهم المعتدل كالدارقطني، والمتشدد كابن معين، وأبي حاتم.

وبعد فهذا الحكم هو ما حكم به ابن حجر في "تقريب التهذيب"، حيث قال3: "صالح بن محمد بن زائدة المدني أبو واقد الليثي الصغير ضعيف4، من الخامسة، مات بعد الأربعين أي ومئة، روى له أبو داود،

1 الكامل 3 قسم 1 صفحة 182.

2 المجروحون 1/367.

3 1/362.

4 وعلى هذا الحكم مشى في "فتح الباري" 6/187 بمناسبة ذكره لحديث صالح هذا فقال: "صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء" وكذا مشى في "التلخيص الحبير" 2/113 بمناسبة ذكره لحديثه أيضاً حيث قال: "وصالح ضعيف".

ص: 719

والترمذي، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة".

وهو ما جنح إليه ابن عدي في "الكامل"1 بقوله: "بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها فيها إنكار، وليس له من الحديث إلا القليل، وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم" ا?.

وقد قال العجلي2: "يكتب حديثه وليس بالقوي".

ما قاله الأئمة عن هذا الحديث

هذا الحديث ضعّفه جماعة من العلماء قديماً وحديثاً، وكان البخاري من أشدّهم حملا على هذا الحديث، وقد تعرّض له في أكثر من مناسبة فذكره في "التاريخ الكبير والصغير"، وأشار إليه في "صحيحه"، وذكره فيما نقله الترمذي عنه هنا وفي "العلل":

"قال الترمذي في "العلل"3: "سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فضعّفه، وقال: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث خلاف هذا حديث أبي هريرة4 في قصة مدعم.

1 3 قسم 1 صفحة 182 وانظر: أسماء الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ورقة 77-78.

2 تهذيب التهذيب 4/401.

3 انظر شرح الترمذي للعراقي 3 ورقة 182 وجه/أولم أعثر عليه في "العلل الكبير" أما "الصغير" فإنه لا يوجد فيه.

4 أخرجه البخاري في "صحيحه" 7/487-488 مع "فتح الباري" ومسلم في "صحيحه" 12/128 بشرح النووي، وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/23 ونصه من صحيح البخاري: عن أبي هريرة "رضي الله عنه" قال: "افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل، والمتاع، والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له: "مدعم" أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس: هنيئاً له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى. "والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً"، فجاء رجل –حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين فقال: هذا شيء كنت أصبته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شراك أو شراكان من نار".

ص: 720

وحديث زيد بن خالد1 أن رجلا غلّ خرزات، وذكر أحاديث فلم يذكر في شيء منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يحرق متاع من غلّ إلى آخر كلامه.

وقال البخاري2: "عامة أصحابنا يحتجون بهذا الحديث في إحراق

1 أخرجه أبو داود في "سننه" 7/278-379 مع عون المعبود ونصه: عن زيد بن خالد الجهني "أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "صلوا على صاحبكم" فتغيّرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غلّ في سبيل الله" ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين".

2 انظر: "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 4/40 و"السنن الكبرى" 9/103 و"شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 182 وجه/أو"عمدة القارئ" 7/110 و"تهذيب التهذيب" 4/401 و"التلخيص الحبير" 2/113 و"فتح الباري" 6/187 وأشار إلى أن البخاري قاله في "التاريخ" هكذا من غير تعيين ولم أره في "التاريخ الكبير" ولا الصغير.

ص: 721

رحل الغال، وهو حديث باطل ليس له أصل، وراويه صالح هذا لا يعتد عليه" ا?.

وقال هنا فيما حكاه الترمذي عنه، وقد سأله عن هذا الحديث؟:"إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث، وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال، ولم يأمر فيه بحرق متاعه، وقال: هذا حديث غريب" ا?.

وقال في "التاريخ الكبير"1: "صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد الليثي المدني تركه سليمان بن حرب منكر الحديث، يروي عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر رفعه: "من غلّ فأحرقوا متاعه"، وقال ابن عباس، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغلول2: ولم يحرق".

1 2/2/292.

2 أخرجه مسلم وغيره ونصه من "صحيح مسلم" 2/127 بشرح النووي: "عن عبد الله بن عباس "رضي الله عنهما" قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: "لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. قال: فخرجت فناديت ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون".

ص: 722

وقال في "التاريخ الصغير"1 وقد ذكر فيه صالح بن محمد راوي هذا الحديث في فصل من مات من الأربعين إلى الخمسين ومئة: "تركه سليمان بن حرب منكر الحديث، روى عن سالم عن أبيه عن عمر رفعه: "من غلّ فأحرقوا متاعه" لا يتابع عليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الغال: "صلوا على صاحبكم" 2، لم يحرق متاعه" ا?.

وأشار في "صحيحه" إلى تضعيفه، وأورد ما يخالفه، فقال3 في باب القليل من الغلول من كتاب الجهاد:"ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّق متاعه، وهذا أصحّ" ا?.

قال ابن حجر: قوله: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّق متاعه" يعني في حديثه4 الذي ساقه في الباب في قصة الذي غلّ العباءة.

(قال) وقوله: "وهذا أصحّ" أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال، والإشارة بقوله:"هذا" إلى الحديث الذي ساقه" ا?.

1 2/103.

2 طرف من حديث أبي هريرة الذي مضى في قصة مدعم.

3 صحيح البخاري 6/187 مع فتح الباري.

4 ونصه: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له "كركره" فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو في النار"، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها".

قال أبو عبد الله: "قال ابن سلام: "كركرة يعني بفتح الكاف" ا?.

ص: 723

وقد ضعّف الترمذي هذا الحديث تبعاً لشيخه البخاري من أجل تفرد صالح بن محمد بن زائدة به، وهو ضعيف، وعبّر عن ذلك بقوله:"هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".

وقال الدارقطني1: "أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد، قال: وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ا?.

وقال في "العلل"2 وقد سئل عن هذا الحديث: "يرويه أبو واقد الليثي صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو واقد هذا ضعيف، والمحفوظ أن سالماً أمر بهذا ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكره عن أبيه، ولا عن عمر" ا?.

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم"3: "قال الجمهور: وهذا حديث ضعيف؛ لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم، وهو ضعيف" ا?.

وقال ابن عبد البر4: "وفي هذا الحديث5 أيضاً دليل على أن الغال

1 انظر: "مختصر سنن أبي داود" 4/40 و"مختصر العلل المتناهية" للذهبي ورقة/46 و"التلخيص الحبير" 2/113.

2 المجلد الأول ورقة/64.

3 12/317.

4 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 2/21.

5 إشارة إلى حديث أبي هريرة الذي مضى في قصة مدعم وقد أخرجه مالك أيضاً في الموطأ 3/31 مع شرح الزرقاني.

ص: 724

لا يجب عليه حرق متاعه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي أخذ الشملة ولا متاعه، ولا احرق متاع صاحب الخرزات، ولو كان حرق متاعه واجباً لفعله صلى الله عليه وسلم حينئذ، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من غلّ فاحرقوا متاعه واضربوه" رواه أسد ابن موسى وغيره، عن الدراوردي، عن صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم، عن ابن عمر، وقال بعض رواة هذا الحديث فيه:"فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه" وهو حديث يدور على صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يحتج به.

وممن قال: يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول، وسعيد بن عبد العزيز، وحجة من ذهب إلى هذا القول حديث صالح المذكور، وهو عندنا حديث لا يجب به انتهاك حرمة، ولا إنفاذ حكم مع ما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه.

فأما رواية من روى: "فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه" فإنه يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" الحديث1 وهو ينفي القتل في الغلول.

1 أخرجه البخاري في "صحيحه" 12/201 مع فتح الباري. ومسلم في "صحيحه" 11/164 بشرح النووي وتكملته من صحيح البخاري: "النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة". وهو من حديث عبد الله بن مسعود "رضي الله عنه".

ص: 725

وروى أبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على الخائن، ولا على المنتهب، ولا على المختلس قطع"1. وهذا أيضاً يعارض حديث صالح بن محمد بن زائدة وهو أقوى من جهة الإسناد، والغال: خائن في اللغة والشريعة.

وقال الطحاوي2: لو صحّ حديث صالح المذكور احتمل أن يكون حين كانت العقوبات في الأموال، كما قال في مانع الزكاة:"إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات الله".

وكما روى أبو هريرة في ضالة الإبل المكتومة: "فيها عزماتها، ومثلها معها".

وكما روى عبد الله بن عمرو بن العاص في الثمر المعلق غرامة مثليه، وجلدات نكال. وهذا كله منسوخ3.

1 أخرجه الترمذي في سننه 5/8-9 مع تحفة الأحوذي وغيره وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم" ا?.

2 انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 12/317 و"أحكام القرآن" للقرطبي 4/259 و"فتح الباري" 6/187 وقد بحثت عنه في "معاني الآثار" و"مشكل الآثار" فلم أعثر عليه فيهما.

3 انظر: شرح علل الترمذي لابن رجب/52 فقد قال: "وذكر الطحاوي الإجماع على ترك العمل بحديث تحريق الغال إلا عن مكحول. والطحاوي أكثر الناس دعوى لترك العمل بأحاديث كثيرة". وانظر: التلخيص الحبير 2/113 ومرقاة المفاتيح 7/187.

ص: 726

قال أبو عمر: "الذي ذهب إليه مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، ومن تابعهم في هذه المسألة أولى1 من جهة النظر وصحيح الأثر، والله أعلم2" ا?.

وقال البيهقي في "السنن الكبرى"3: "وأما الحديث الذي أخبرنا

فساقه، فهذا ضعيف".

وقال القرطبي4: "وفي هذا الحديث5 دليل على أن الغال لا يحرق متاعه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق متاع الرجل الذي أخذ الشملة، ولا أحرق متاع صاحب الخرزات الذي ترك الصلاة عليه، ولو كان حرق متاعه واجباً لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث.

1 الذي ذهبوا إليه في حكم الغال كما بينه ابن عبد البر في كلام له قبل ذلك أنه يعاقب بالتعزير ولا يحرق متاعه.

2 وانظر: "أحكام القرآن" للقرطبي 4/259 و"مختصر الأحكام الكبرى" للأشبيلي ورقة 265 و"تهذيب سنن أبي داود" 4/39 مع مختصر وشرح سنن أبي داود.

3 9/102-103.

4 أحكام القرآن 4/259.

5 إشارة إلى حديث أبي هريرة الذي مضى في قصة مدعم.

ص: 727

وأما ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غلّّ فأحرقوا متاعه واضربوه" فرواه أبو داود، والترمذي من حديث صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يحتج به" ا?.

وقال عبد الحق الأشبيلي1: "

وهذا حديث يدور على صالح بن محمد، وهو منكر الحديث ضعيف لا يحتج به ضعّفه البخاري وغيره".

وقال ابن حجر في "فتح الباري"2: "والأمر بحرق رحل الغال أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء"، ثم ساقه بالقصة.

وقال في "التلخيص الحبير"3: "قوله: وقال الشافعي: "لو صحّ الحديث قلت: به "قال الرافعي: "يريد أنه لم يظهر له صحته" قال: "وبتقدير الصحة يحمل على أنه كان في ابتداء الأمر ثم نسخ". قلت (القائل ابن حجر) : "لم يصح فلا حاجة إلى الحمل، وقد أشار البخاري في الصحيح إلى أنه ليس

1 مختصر الأحكام الكبرى ورقة 265.

2 6/187.

3 2/113.

ص: 728

بصحيح، وأورد ما يخالفه، ثم إن الحمل المذكور مما ينازع فيه؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال" ا?.

وقال أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد بن حنبل1: "إسناده ضعيف".

وقال الألباني في "ضعيف الجامع الصغير"2: "ضعيف".

النتيجة

إن المتتبع لأقوال العلماء في هذا الحديث، والمتمعن فيها يجدهم مطبقين على تضعيف هذا الحديث؛ لضعف راويه "صالح بن محمد بن زائدة"؛ ولمعارضته للأحاديث الصحيحة التي لم يذكر فيها حرق رحل الغال، بل قال البخاري:"هو حديث باطل ليس له أصل"، وقال الدارقطني: "لا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا عرف أن هذا الحديث مما انفرد به صالح المذكور، فإنه يمكن الجزم بأنه من مناكيره قال الداقطني:"أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد وهذا حديث لم يتابع عليه".

وقد أورده الذهبي في "ميزان الاعتدال3" من مناكيره إلا أنه سمى

1 1/218 رقم الحديث (144) .

2 1/240.

3 2/300.

ص: 729

في القصة "سليمان بن عبد الملك1" بدل "مسلمة بن عبد الملك2".

ومما يؤيّد ما ذهب إليه البخاري والدارقطني من أن هذا الحديث لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه اختلف فيه على صالح ابن محمد:

"فرواه الدراوردي عنه، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر مرفوعاً".

وخالفه أبو إسحاق الفزاري فرواه عن صالح بن محمد قال: "غزونا مع الوليد بن هشام3، ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر،

1 سليمان بن عبد الملك بن مروان أبو أيوب الخليفة الأموي (54-99?) ولد في دمشق وولي الخلافة يوم وفاة أخيه الوليد "سنة 96?"، وكان بالرملة فلم يتخلف عن مبايعته أحد فأطلق الأسرى، وأخلى السجون، وعفا عن المجرمين، وأحسن إلى الناس، وكان عاقلا فصيحاً، طموحاً إلى الفتح جهز جيشاً كبيراً، وسيّره في السفن بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك لحصار القسطنطينية، وفي عهده فتحت جرجان وطبرستان، وكانتا في أيدي الترك، وتوفي في دابق (

) وكانت عاصمته دمشق ومدة خلافته سنتان وثمانية أشهر إلا أياماً". "الأعلام" للزركلي 3/192-193.

2 فأنت تلاحظ هذا الاختلاف في صاحب القصة مرة يذكر "مسلمة بن عبد الملك"، ومرة "سليمان بن عبد الملك"، ومرة "الوليد بن هشام" كما سيأتي، وتلاحظ أيضاً في متن الحديث مرة يذكر "التحريق" فقط، ومرة يذكر معه "الضرب"، ومرة يذكر مع ذلك "المنع من السهم"، وإلا بلغ من ذلك كله أنه ذكر في بعض ألفاظ الحديث "ضرب العنق"، وكل هذا لا شك اضطراب وشذوذ، عما هو صحيح. وانظر: التمهيد 2/21.

3 أي المعيطي كما في تهذيب الكمال 4 ورقة 301 قال ابن حجر في تقريب التهذيب 2/336: ثقة، من السادسة، روى له مسلم والأربعة.

ص: 730

وعمر بن عبد العزيز1 فغلّ رجل منا متاعاً، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق، وطيف به، ولم يعطه سهمه". رواه أبو داود2 وقال:"هذا أصح الحديثين رواه غير واحد أن الوليد بن هشام حرّق رحل زياد بن سعد، وكان قد غلّ وضربه".

قال ابن حجر في "النكت الظراف"3: "رواية سعيد النفيلي موصولة، ورواية محبوب مقطوعة ليس فيها أن سالماً حدّث به عن أبيه عن جده ولا عن أبيه فقط، ولهذا قال أبو داود: "هذا أصحّ الحديثين"، يعني المقطوع فحينئذ الشذوذ من الدراوردي4؛ لأن

1 عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين، من الرابعة، مات في رجب سنة إحدى ومئة وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/59-60.

2 سنن أبي داود 7/383 مع عون المعبود.

3 5/355 مع تحفة الأشراف بمعرفة الطراف.

4 هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني، مولاهم المدني، صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين أي ومئة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/512 وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 6/354 و"ميزان الاعتدال" 2/633 و"المغني في الضعفاء" 2/399 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/420 و"الجرح والتعديل" 2/2/395 و"التاريخ الكبير" 3/2/25 و"التاريخ الصغير" 2/236 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/276.

ص: 731

الفزاري1 أثبت منه".

فتبين أنه موقوف على الوليد بن هشام من فعله، كما قال أبو داود:"رواه غير واحد أن الوليد بن هشام حرّق رحل زياد بن سعد، وكان قد غلّ وضربه".

قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"2: حديث عمر ضعيف من ثلاثة أوجه:

أحدها: ضعيف لرواية صالح بن محمد أبي واقد الليثي، فقد اتفقوا على ضعفه.

والثاني: أن الصحيح فيه وقفه على الوليد بن هشام كما قال أبو داود.

الثالث: مخالفته لأحاديث الثقات.

وقال ابن حجر في "فتح الباري"3: "ثم ساقه (يعني أبا داود) من

1 الفزاري هو: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة ابن حفص بن حذيفة الفزاري الإمام أبو إسحاق، ثقة حافظ، له تصانيف، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين أي ومئة، وقيل بعدها، روى الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/41 وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 1/151 و"تذكرة الحفاظ" 1/273 و"الجرح والتعديل" 1/1/128 و"التاريخ الكبير" 1/1/321 و"الطبقات" لخليفة ابن خياط/317 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/384.

2 3 ورقة 182 وجه/أ.

3 6/187.

ص: 732

وجه آخر عن سالم موقوفاً. قال أبو داود: "هذا أصحّ".

وقال في "التلخيص الحبير"1: "وصحح أبو داود وقفه".

وقول ابن حجر: "ثم ساقه من وجه آخر عن سالم موقوفاً"(قلت) لعل الوليد بن هشام فعل به ذلك بفتوى من سالم بن عبد الله، حيث كان معه، ويؤيد هذا أن الدارقطني قال في "العلل"2:"والمحفوظ أن سالماً أمر بهذا، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكره عن أبيه، ولا عن عمر" ا?.

وعبّر بقوله: "والمحظوظ" إشارة إلى أن هذا هو الصواب، وإما رفعه فهو خطأ وغلط، وكونه فتوى من سالم مما فيه مجال للرأي، وأنه اجتهد فأداه اجتهاده إلى هذا، وإذا كان هذا اجتهاداً فهو خاطئ؛ لأنه لا اجتهاد مع النص، والمجتهد يخطئ ويصيب.

هذا وقد روى أبو داود هذا الحديث في "سننه" من طريق آخر فقال3: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا موسى بن أيوب قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرّقوا متاع الغال وضربوه". قال أبو داود: وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد، ولم أسمعه منه "ومنعوه سهمه". قال أبو داود: وحدثنا به الوليد بن عتبة، وعبد الوهاب بن نجدة

1 2/113.

2 المجلد الأول ورقة 64.

3 سنن أبي داود 3/92.

ص: 733

قال: حدثنا الوليد، عن زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب قوله، ولم يذكر عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: منع سهمه، وهذا الحديث له علة ذكرها ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود"، فقال1:"وعلة هذا الحديث أنه من رواية زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب، وزهير ضعيف".

قال البيهقي2: وزهير هذا يقال: هو مجهول، وليس بالمكي3، وقد

1 تهذيب سنن أبي داود 7/384 مع عون المعبود.

2 السنن الكبرى 9/12 فقد عقّد البيهقي بابا عنونه بقوله: "باب لا يقطع من غلّ في الغنيمة ولا يحرق متاعه، ومن قال يحرق" ومما جاء فيه قوله: "وقد مضى في الباب قبله حديث عبد الله بن عمرو في كركرة، ولم يذكر في شيء من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحريق متاع الغال، وفي ذلك دليل على ضعف ما أخبرنا، ثم ساق حديث عمرو بن شعيب مرفوعاً وموقوفاً، بعده أورد ما نقله ابن القيم عنه، وقد حاول ابن التركماني أن يثبت أن زهيراً هذا هو المكي ولكن بدون دليل يعتمد عليه، ويصار إليه".

3 قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 3/350: "زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب وعنه الوليد بن مسلم، قال البيهقي في حديث زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حرق رحل الغال هو الخراساني، نزيل مكة، قال: ويقال: إنه غيره وأنه مجهول

".

ويؤيد أنه غير الخراساني ما جاء في تهذيب التهذيب 3/349 عن أحمد بن حنبل وذلك في ترجمة الخراساني: "قال البخاري قال أحمد: كان زهير الذي روى عنه أهل الشام زهيراً آخر" ومعلوم أن الراوي عن زهير بن محمد الذي هنا الوليد ابن مسلم وهو من أهل الشام، وعلى فرض أن زهيراً المذكور في الحديث، هو زهير بن محمد الخراساني، فإن ابن حجر قال في تقريب التهذيب 1/264:"رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعّف بسببها" ثم نقل كلام أحمد السابق، وفي تهذيب التهذيب في ترجمة الخراساني 3/349 "قال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير. وقال أبو حاتم: وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق؛ لسوء حفظه فما حدّث به من حفظه ففيه أغاليط، وما حدّث من كتبه فهو صالح، وقال العجلي: لا بأس به وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام عنه ليست تعجبني" فأنت تلاحظ أنه لم يستثن شيء من أحاديثه في رواية أهل الشام عنه.

ص: 734

رواه أيضاً مرسلاً.

ورجح ابن حجر أنه موقوف على عمرو بن شعيب، فقال في "فتح الباري"1:"قلت: وجاء من غير طريق صالح بن محمد، أخرجه أبو داود أيضاً من طريق زهير بن محمد موقوفاً عليه، وهو الراجح".

وبالرغم من ضعف هذه الأحاديث التي فيها الأمر بتحريق متاع الغال وضربه، فقد جمع بعض العلماء بينها وبين ما يعارضها من الأحاديث الصحيحة التي ليس فيها الأمر بذلك، بأن أوكل ذلك الأمر إلى مصلحة الحاكم واجتهاده.

فقال ابن القيم2: "إن هذا –يعني الأمر بتحريق متاع الغال وضربه- من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة".

1 6/187.

2 زاد المعاد 2/66.

ص: 735

وقال سيّد سابق في "فقه السنة"1 بعد أن أورد حديث عمر وحديث عمرو بن شعيب، وأشار إلى الأحاديث الأخرى "ففهم من هذا أن للحاكم أن يتصرف حسب ما يرى من المصلحة، فإن كانت المصلحة تقتضي التحريق والضرب حرّق، وإن كانت المصحة غير ذلك فعل ما فيه المصلحة".

1 11/178.

ص: 736