الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والعشرون: باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم من كتاب الحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
3/639-640 سنن الترمذي
بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي
حدّثنا قتيبة حدثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع بن خديج1 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته".
كلام الترمذي على هذا الحديث
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله.
والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق2، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟
1 رافع بن خديج، بن عدي الحارثي، الأوسي الأنصاري، صحابي جليل، أول مشاهده أحد ثم الخندق، مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين، وقيل قبل ذلك، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/241.
وخديج: صلى الله عليه وسلمبفتح المعجمة وكسر الدال) وانظر في ترجمته: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 1/495.
2 قال العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3/ ورقة 126 وجه/ب. "حكى المصنف أن أحمد وإسحاق قالا بهذا الحديث، وأحمد لا يقول به مطلقاً، وإنما يقول به ما دام الزرع قائماً، فأما إذا حصده فإنما يكون له الأجرة، حكاه الخطابي، وغيره عن أحمد" ا?.
وعلّق الألباني على قول الترمذي هذا بقوله: "قلت: وقد فات هذا الإمام الطحاوي فقال: "ولا نعلم أحداً من أهل العلم تعلق بهذا الحديث، وقال به غير شريك بن عبد الله النخعي، فأما من سواه من أهل العلم فهو على خلافه، وهو عندنا قول حسن؛ لما قد شده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
". "سلسلة الأحاديث الضعيفة"/124 و"مشكل الآثار" 3/280.
فقال: هو حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك.
قال محمد: حدثنا معقل بن مالك البصري، حدثنا عقبة بن الأصم عن عطاء، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
تخريج الحديث
أخرج هذا الحديث سوى الترمذي:
أبو داود في "سننه"1.
ابن ماجة في "سننه"2.
أحمد في "مسنده" من طريقين عن شريك الأولى3، عن وكيع وأبي كامل عنه، والثانية4 عن اسود بن عامر، والخزاعي عنه.
يحيى بن آدم في "كتاب الخراج"5.
1 3/355-356.
2 2/824 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم2466) .
3 3/465
4 4/141 وانظر: الفتح الرباني 15/148.
5 /93-94.
أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب الأموال"1.
أبو داود الطيالسي في "مسنده"2.
الطحاوي في "مشكل الآثار"3 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، ومن طريق يحيى الحماني، ومن طريق الهيثم بن جميل، عن شريك وفي "معاني الآثار"4 من طريق يحيى الحماني، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن شريك.
ابن أبي شيبة في "مصنفه"5.
أبو يعلى في "مسنده"6.
البيهقي في "السنن الكبرى"7 من طريقين عن شريك؛ إحداهما من طريق يحي بن آدم عنه، والأخرى من طريق أبي الوليد الطيالسي عنه.
الطبراني في "المعجم الكبير"8 من عدة طرق إلى شريك.
1 /287 بتعليق محمد حامد الفقي و/405 بتعليق محمد خليل الهراس.
2 /129 صلى الله عليه وسلموانظر: "منحة المعبود" 1/278) .
3 3/280.
4 2/218 و219.
5 عزاه إليه الشوكاني في "نيل الأوطار" 5/359.
6 عزاه إليه الشوكاني في "نيل الأوطار" 5/359.
7 6/136.
8 4/339 وانظر: "نيل الأوطار" 5/359 حيث عزاه إليه الشوكاني.
ابن عدي في "الكامل"1 من طريقين عن شريك، إحداهما من طريق أبي الوليد الطيالسي عنه، والأخرى من طريق أبي الربيع الزهراني عنه.
ابن أيمن في "مصنفه"2 بلفظ: "إن رجلا غصب رجلا أرضاً، فزرع فيها، فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لصاحب الأرض بالزرع، وقضى للغاصب بالنفقة".
وكل هؤلاء من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع به3.
أقوال أهل العلم في هذا الحديث
اختلفت كلمة العلماء في هذا الحديث بين تضعيفه، وتحسينه، وتصحيحه وفيما يلي نتناول هذا بالبحث والبيان:
أولا: من ضعّفه
ضعّفه الخطابي، ونقل تضعيفه عن موسى بن هارون الحمال، والبخاري، وأحمد بن حنبل، وضعّفه البيهقي، ونقل تضعيفه عن الشافعي،
1 3 قسم صلى الله عليه وسلم1) صفحة صلى الله عليه وسلم155) في "ترجمة شريك بن عبد الله النخعي".
2 عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص الحبير" 3/54.
3 فات هذا الحديث صاحب "ذخائر المواريث"، فلم يذكره في أحاديث رافع بن خديج مع أنه من كتابه فليستدرك عليه.
وضعّفه العراقي، ونقل تضعيفه عن الدارقطني، وضعّفه ابن عدي.
هذا مجمل، وفي الأسطر القليلة التالية بسط ذلك وتفصيله:
قال الخطابي في "معالم السنن"1: "هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث، وحديثي الحسن بن يحيى، عن موسى بن هارون الحمال: أنه كان ينكر هذا الحديث ويضعّفه، ويقول: لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك، ولا عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئاً".
وضعّفه البخاري أيضاً، وقال:"تفرد بذلك شريك عن أبي إسحاق، وشريك يهم كثيراً أو أحياناً".
ويشبه أن يكون معناه –لو صحّ وثبت- على العقوبة والحرمان للغاصب، والزرع في قول عامة الفقهاء لصاحب البذر؛ لأنه تولد من غير ماله وتكون معه، وعلى الزارع كراء الأرض، غير أن أحمد بن حنبل كان يقول:"إذا كان الزرع قائماً فهو لصاحب الأرض، فأما إذا حصد فإنما يكون له الأجرة".
وحكى ابن المنذر عن أبي داود قال2: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن حديث رافع؟ فقال: عن رافع ألوان، ولكن أبا إسحاق زاد فيه "زرع بغير إذنه"، وليس غيره يذكر هذا الحرف" ا?.
1 5/64 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود.
2 مسائل الإمام أحمد بن حنبل لأبي داود/200.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار"1: "وضعفه أيضاً البيهقي" ا?.
قال البيهقي في "السنن الكبرى"2: "قال الشافعي في "كتاب البويطي": "الحديث منقطع؛ لأنه لم يلق عطاء رافعا".
قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"3: "هكذا وقع في السنن في هذا الحديث، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع، ولم يسمعه أبو إسحاق من عطاء، ولا عطاء من رافع إلى أن قال: والحديث قد ضعّفه غير واحد من الأئمة، منهم الدارقطني" ا?.
قال ابن عدي في "الكامل"4: "وهذا يعرف بشريك بهذا الإسناد، وكنت أظن أن عطاء عن رافع بن خديج مرسل، حتى تبين لي أن أبا إسحاق أيضاً –عطاء- مرسل" ا?.
ومما سبق يمكن حصر العلل التي أعلّ بها الحديث، وكانت سبباً في تضعيفه وهي:
تفرد شريك به عن أبي إسحاق.
تفرد أبي إسحاق به عن عطاء.
أن أبا إسحاق أرسله عن عطاء، ولم يسمعه منه.
أن عطاء لم يلق رافعاً.
1 5/359.
2 6/136.
3 3 ورقة 126 وجه/أ-ب.
4 3 قسم 1 صفحة 155-156.
ولتوضيح هذه العلل ومناقشتها؛ نأخذ كل واحدة منها على حدة:
فالعلة الأولى: وهي تفرد شريك1 به عن أبي إسحاق، قد دلّ عليها قول موسى بن هارون الحمال "لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك"، وقول البخاري –فيما حكاه الخطابي عنه- وفيه بيان السبب الذي من أجله لم يقبل تفرد شريك به.
وإذا سلم ما قيل في شريك؛ لأنه قيل فيه هذا أو قريباً منه، فإنه لا يسلم تفرده به؛ لمتابعة قيس بن الربيع له عن أبي إسحاق، وهذه المتابعة رواها يحيى بن آدم في "كتاب الخراج"2 له ومن طريقه، رواها البيهقي في "السنن الكبرى"3، فانتفى ما قيل من تفرد شريك به.
العلة الثانية: وهي تفرد أبي إسحاق4 به عن عطاء، دلّ عليها قول موسى بن هارون الحمال الآخر "ولم يروه عن عطاء غير أبي إسحاق". ويكفي في رد هذه العلة رواية عقبة بن الأصم5 له عن عطاء التي رواها
1 تقدمت ترجمته في الحديث الثاني والرابع وهو صدوق يخطئ كثيراً.
2 /93-94.
3 6/136.
4 هو عمرو بن عبد الله الهمداني، أبو إسحاق السبيعي -بفتح المهملة وكسر الموحدة- تقدمت ترجمته في الحديث الثاني، وهو ثقة اختلط بآخره، ومدلس، ذكره ابن حجر في "طبقات المدلسين" في الثالثة منها.
5 عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري، ضعيف من الرابعة، وربما دلس ووهم، من فرق بين الأصم والرفاعي، كابن حبان/ روى له الترمذي "تقريب التهذيب" 2/27 وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 7/244 و"ميزان الاعتدال" 3/86 و"المغني في الضعفاء" 2/437 و"الخلاصة" للخزرجي/269 و"المجروحين" 2/199 و"الجرح والتعديل" 3/1/314 و"التاريخ الكبير" 3/2/441 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/79 و"الكامل" 3 قسم 3 صفحة 188.
الترمذي، عن شيخه البخاري، عن معقل بن مالك البصري1 عنه.
ويمكن أن يعتذر لمن جزم بهذه العلة والتي قبلها بأن الحديث مشتهر بشريك أكثر من غيره، كما قال ابن عدي2:"وهذا يعرف بشريك بهذا الإسناد".
والعلة الثالثة: وهي أن أبا إسحاق أرسله عن عطاء، ولم يسمعه منه، نبه عليها ابن عدي في "الكامل"3، وتبعه فيها العراقي في "شرح سنن الترمذي"4، ومن قبل هذا وذاك ذكر العلائي في "جامع التحصيل5" عن الحافظ أبي بكر البرديجي قال:"لم يسمع أبو إسحاق من عطاء بن أبي رباح".
1 معقل بن مالك الباهلي أبو شريك البصري، مقبول، من العاشرة، وزعم الأزدي أنه متروك فأخطأ، روى له البخاري في جزء القراءة، والترمذي. "المصدر السابق" 2/264 وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 10/234 و"ميزان الاعتدال" 4/147 و"الحرج والتعديل" 4/1/286 و"المغني في الضعفاء" 2/669.
2 الكامل 3 قسم 1 صفحة 155.
3 3 قسم 1 صفحة 156.
4 3 ورقة 126 وجه/أ.
5 2/583.
ويفهم من كلام ابن عدي أنه اهتدى إلى هذه العلة أخيراً قال1: "وكنت أظن أن عطاء عن رافع بن خديج مرسل، حتى تبيّن لي أن أبا إسحاق أيضاً عن عطاء مرسل"، ثم ساقه، وفيه واسطة بين أبي إسحاق وعطاء، فقال: حدثناه عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا يوسف بن سعيد2، حدثنا حجاج بن محمد3، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد العزيز بن رفيع4، عن عطاء بن أبي رباح، عن رافع بن خديج
1 الكامل 3 قسم 1 صفحة 156.
2 يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وسبعين أي ومئتين، وقيل قبل ذلك، روى له النسائي. صلى الله عليه وسلمتقريب التهذيب 2/381) وانظر في ترجمته: تهذيب التهذيب 11/414 والجرح والتعديل 4/2/224.
3 حجاج بن محمد المصيصي الأعور، أبو محمد الترمذي الأصل، نزل بغداد ثم المصيصة، ثقة ثبت، لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته، من التاسعة، مات ببغداد سنة ست ومئتين، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/154 هذا وسوف تأتي ترجمته إن شاء الله تعالى بأوسع من هذا.
4 عبد العزيز بن رفيع، بفاء مصغراً، الأسدي أبو عبد الملك المكي، نزيل الكوفة، ثقة من الرابعة، مات سنة ثلاث ومئة، وقيل بعدها وقد جاوز السبعين، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/509 وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 6/337 و"الجرح والتعديل" 2/2/381 و"التاريخ الكبير" 3/2/11 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 6/323 و"المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 3/85، 241. و"الطبقات" لخليفة بن خياط/165 و"تاريخ خليفة بن خياط"/398.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وترد عليه قيمة نفقته".
قال يوسف: غير حجاج لا يقول: "عبد العزيز" يقول: "عن أبي إسحاق عن عطاء".
فاستدل ابن عدي بهذه الواسطة "عبد العزيز بن رفيع" بين أبي إسحاق وعطاء على أن أبا إسحاق في السند الخالي من الواسطة أرسله عن عطاء.
والفرق بين قول البرديجي وما قاله ابن عدي أن قول البرديجي عام يتناول جميع الأحاديث التي يروي فيها أبو إسحاق عن عطاء، وما قاله ابن عدي خاص بهذا الحديث الذي معنا، فهو يصلح مثالا لما ذكره البرديجي.
العلة الرابعة: وهي أن عطاء1 لم يلق رافعاً، موجودة في كلام الشافعي، وموسى بن هارون الحمال، وأبي زرعة، وابن عدي، والعراقي.
1 عطاء بن أبي رباح، بفتح الراء والموحدة، واسم أبي رباح، أسلم القرشي، مولاهم، المكي، ثقة فقيه، فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة أي ومئة على المشهور، وقيل أنه تغير بأخرة ولم يكن ذلك منه/ روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/22 وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 7/199 و"ميزان الاعتدال" 3/70 و"تذكرة الحفاظ" 1/98 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 2/386 و"الجرح والتعديل" 3/1/330 و"التاريخ الكبير" 3/2/463 و"التاريخ الصغير" 1/277 و"تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الأول القسم الأول/333 و"الخلاصة" للخزرجي/266 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/280 و"القد الثمين في تاريخ البلد الأمين" 6/84 و"حلية الأولياء" 3/310 و"البداية والنهاية" 9/306.
قال البيهقي في "السنن الكبرى"1: قال الشافعي في كتاب البويطي الحديث منقطع؛ لأنه لم يلق عطاء رافعاً.
وقال موسى بن هارون الحمال –فيما حكاه الخطابي2 عنه- وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئاً.
قال أبو زرعة3: "لم يسمع عطاء من رافع بن خديج".
قال ابن عدي4: "وكنت أظن أن عطاء، عن رافع بن خديج مرسل، حتى تبين لي أن أبا إسحاق أيضاً، عن عطاء مرسل".
قال العراقي5: "ولم يرد ابن عدي أنه تبيّن له خلاف ما كان يظنه من الانقطاع بين عطاء ورافع، وإنما معنى كلامه أنه كان يظن أنه مرسل في موضع واحد، فإذا هو مرسل في موضعين. والله أعلم" ا?.
وقال العراقي في "شرح سنن الترمذي"6: "هكذا وقع في السنن في هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع، ولم يسمعه أبو إسحاق من عطاء ولا عطاء من رافع".
1 6/136.
2 معالم السنن 5/64 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود.
3 انظر المراسيل لابن أبي حاتم/155 وجامع التحصيل في أحكام المراسيل 2/562 و"تهذيب التهذيب" 7/203.
4 الكامل قسم 1 صفحة 156.
5 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 126 وجه/أ.
6 3 ورقة 126 وجه/أ.
ونختم بقول البيهقي1: "وأهل العلم بالحديث يقولون: عطاء عن رافع منقطع".
رد ابن التركماني على العلتين الأخيرتين
وقد عقب ابن التركماني2 على هاتين العلتين الخيرتين بقوله: "قلت: ذكر صاحب الكمال أن عطاء سمع رافع بن خديج، وأخرج الترمذي هذا الحديث وقال: حسن غريب، وسألت محمد بن إسماعيل عنه فقال: "حديث حسن".
وأخرج البخاري في كتاب الحج من صحيحه من حديث أبي إسحاق، قال:"سألت مسروقاً، وعطاء، ومجاهداً فقالوا اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة قبل أن يحج" وهذا تصريح بسماع أبي إسحاق من عطاء" ا?.
ولا أدري على أي وجه ذكر ذلك صاحب الكمال؛ لأنني لم أقف عليه فمن هنا لا يمكنني إجراء مقارنة بينه وبين ما يقابله، والجدير بالذكر أنني رجعت إلى "تهذيب الكمال" و"تهذيب التهذيب" فلم أجد شيئاً من ذلك، سواء في ترجمة رافع أو عطاء، بل الذي وجدته في "تهذيب التهذيب"3 في ترجمة عطاء نفي سماعه من رافع، فقد نقل ابن حجر عن
1 السنن الكبرى 6/136.
2 الجوهر النقي 6/137.
3 7/203.
أبي زرعة قوله المتقدم: "لم يسمع عطاء من رافع بن خديج"، وأقره، ولم يتعقبه بشيء.
وعلى فرض أن عطاء سمع من رافع بن خديج فإن ما نقل عن أحمد يضعف الثقة بعنعنة عطاء ويوجب التوقف فيها، وهو هنا قد روى بالعنعنة.
قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1 في ترجمة عطاء: "وروى الأثرم عن أحمد ما يدل على أنه كان يدلس، فقال في قصة طويلة: "ورواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا أن يقول: "سمعت".
هذا ما يتعلق بسماع عطاء من رافع، ويلاحظ أن ابن التركماني في إثباته له أورد تحسين الترمذي، وشيخه البخاري للحديث مشيراً به إلى عدم الانقطاع بين عطاء ورافع، وإلا فكيف يحسنانه؟ وكذا يقال في الانقطاع بين أبي إسحاق وعطاء، وعلى كلٍ سيأتي الكلام عن تحسين الترمذي، والبخاري للحديث.
وأما بالنسبة لسماع أبي إسحاق من عطاء ففعلا رجعت إلى صحيح البخاري، ورأيته أخرج الحديث المشار إليه بإسناده إلا أن فيه "في ذي القعدة" بدل "في ذي الحجة"، فقال2: "حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا شريح بن مسلمة، حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال:
1 7/203.
2 صحيح البخاري 3/600 مع فتح الباري.
سألت مسروقاً، وعطاء، ومجاهداً فقالوا: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج".
قال ابن حجر1: "ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء، ومجاهداً" ا?.
فهذا الحديث ظاهره أن أبا إسحاق التقى بعطاء، وأنه سمع منه، ولكن هل سمع منه هذا الحديث الذي نحن بصدده؟ علماً أنه رواه بالعنعنة عنه وهو مدلس، هذا ما لا يجزم به ابن التركماني ولا غيره، وقد مضى ما اكتشفه ابن عدي من وجود واسطة بين أبي إسحاق وعطاء مما يدل على أنه لم يسمعه منه، وما يدرينا وقد عنعنه عن الواسطة أيضاً أنه اسقط فيه واسطة أخرى بينه وبين عطاء، فهذا غير مستبعد من أبي إسحاق، وقد حصل منه كما عند الطحاوي في "مشكل الآثار" أنه اسقط عطاء نفسه، ورواه عن رافع بن خديج رأساً.
قال الطحاوي2: "حدثنا أحمد بن أبي عمران قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة (ح) ، وحدثنا فهد بن سليمان قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني (ح) ، وحدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي، قال: ثنا الهيثم ابن جميل، قالوا جميعاً حدثنا شريك عن أبي إسحاق السبيعي. قال أحمد وفهد في حديثيهما: عن رافع بن خديج".
1 فتح الباري 3/602.
2 مشكل الآثار 3/280.
وقال الحسن بن عبد الله في حديثه عن أبي إسحاق السبيعي، عن عطاء ابن أبي رباح، عن رافع بن خديج قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحديث".
وإذا كان كما قال الحافظ أبو بكر البرديجي1: "جالس رافع بن خديج".
فعلى هذا يكون دلسّه عنه بإسقاط أكثر من واحد.
قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل2: حدثني أبي، قال: حدثنا حسين بن حسن الأشقر، قال: حدثنا زهير قال: سمعت أبا إسحاق يقول: "كنت كثير المجالسة لرافع بن خديج، وكنت كثير المجالسة لابن عمر" ا?.
ثانياً: من حسّنه
حسّن الحديث البخاري، وتبعه في تحسينه الترمذي، والذي يسترعي النظر والانتباه أن يذكر البخاري هنا فيمن حسنه مع أنه ذكر سابقاً فيمن ضعفه، ويزول عجبنا متى عرفنا سبب ذلك؛ وهو أن النقل اختلف عن البخاري في الحكم على هذا الحديث، فبينما ينقل عنه الترمذي التحسين، حكى الخطابي عنه التضعيف، ولا شك أن هذا الاختلاف يتطلب منا التوسط في معرفة الصحيح من ذلك والثابت عنه، وأرى أن هذا التدخل ضروري لا بد منه، حيث النقل عنه متضارب؛ إذ من غير المستحسن أن
1 انظر: "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 2/583.
2 العلل ومعرفة الرجال 1/138، 289، 361.
يغفل، أو يمر عليه من غير تحقيق، وإنني لأعجب أشد العجب أن يحصل ذلك، من بعضهم فلا يحقق في نقل الخطابي، أو الترمذي، ويثبت لنا الصحيح من ذلك فمثلا غير كاف أن ينبه على هذا الاختلاف كل من الصنعاني1، والشوكاني2، من غير ترجيح، أو إبداء رأي، ومما يبعث على الدهشة إننا نجد العراقي يثبت هذا التناقض عن البخاري من غير أن يتنبه له فقال3:"حسّن المصنف (يعني الترمذي) هذا الحديث تبعاً للبخاري". وعقبه وعلى الفور قال: "والحديث قد ضعّفه غير واحد من الأئمة، منهم البخاري". ثم نقل كلام البخاري عليه الذي أورده الخطابي.
أما ابن حجر فقد اكتفى بأن قال4: "ويقال: إن البخاري ضعّفه" ا?.
ومن المتيسر هنا أن نتساءل من أين نقل الخطابي ما نقل عن البخاري؟ وأين سنده فيما نسبه إلى البخاري؟ حتى الآن لم أقف على ذلك ولم أعرف مصدره.
وإذا كان من المهام في هذا المجال رجوعي إلى المصادر التي هي مظنة وجود كلام البخاري الذي نقله الخطابي، فإنه لا أقرب من كتب
1 سبل السلام 3/70.
2 نيل الأوطار 5/359.
3 شرح سنن الترمذي 3/ ورقة 126 وجه/أ-ب.
4 بلوغ المرام/205.
البخاري نفسه صاحب القول المنسوب إليه، فقد رجعت لأتحقق من نقل الخطابي إلى "التاريخ الكبير"، و"الصغير"، و"الضعفاء والمتروكين"، وكلها للبخاري، فلم أجد أثراً لذلك، هذا ما يتعلق بناحية الخطابي، وقد قمت فيما يتعلق بناحية الترمذي بالتأكد من صحة ما نقله عن البخاري والتثبت منه عملا بوصية المحققين من العلماء، وعلى رأسهم ابن الصلاح؛ نظراً لاختلاف النسخ، فوجدت طائفة من العلماء تناقلت هذا التحسين للحديث من البخاري عن الترمذي، كالمنذري1، وابن القيم2، والعراقي3، وصاحب الجوهر النقي4، وأحمد شاكر5، وصاحب بذل المجهود6. وهذا التحسين موجود في نسخة ابن العربي مع "عارضة الأحوذي7". وفي نسخة العراقي في شرحه لسنن الترمذي.
ونحن لو قمنا بإجراء مقارنة بين الترمذي، والخطابي لوجدنا الأول تلميذه وخريجه قد اعتنى بجمع أقواله وتدوينها، حتى غدا كتابه "الجامع"
1 مختصر سنن أبي داود 5/65 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود.
2 تهذيب سنن أبي داود 5/64 مع مختصر وشرح سنن أبي داود.
3 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 126 وجه/أ.
4 6/137.
5 في تعليقه على كتاب الخراج ليحي بن آدم/94.
6 15/70.
7 6/126.
مرجعاً مهماً يضم الكثير من أقوال البخاري وآرائه، وهذا بخلاف الخطابي الذي جاء بعد البخاري بردح من الزمن.
وأخيراً يلوح لي رجحان كفة الترمذي على الخطابي؛ لأن الخطابي ناقل، والعادة منه النقل بالسند كما فعل في نقله عن موسى بن هارون الحمال، وأحمد بن حنبل، وحيث لم يأت هنا في نقله عن البخاري بالسند ويذكر مصدره فإننا نحمله مسؤولية ما نسبه إلى البخاري، حيث يحتاج ما نسبه إليه إلى دعائم تدعمه كما سلف. والله أعلم.
ويمكن لو ثبت نقل الخطابي أن يحمل تحسين البخاري للحديث في كلام الترمذي على أنه يريد حسن معناه، ويبقى في سنده ضعيفاً.
وأظن هذا هو الذي قصده محمد خليل الهراس في تعليقه على "كتاب الأموال"1 حين قال: "والحديث رغم ضعفه فإنه أقرب إلى العدل، حيث يوجب لصاحب الزرع نفقة ما زرع أو غرس، وأما قطع النخل في الحديث الذي قبله2 فلعله للتغليظ" ا?.
1 /405.
2 "قال أبو عبيد: وحدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق" قال قال عروة:"لقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلا غرس في أرض رجل من الأنصار من بني بياضة نخلا فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى للرجل بأرضه، وقضى على الآخر أن ينزع نخله. قال: فلقد رأيتها يضرب في أصولها بالفؤوس، وإنها لنخل عم".
وأعتقد أن كلام الهراس وما بنى عليه من الكلام الذي قبله لا يعدم ناقداً أو معترضاً؛ لأن الأحكام لا تثبت بالحديث الضعيف، كما هو معلوم، والعدل وحسن المعنى إنما هو في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، فإذا ثبت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون ما تضمنه هو العدل والحق، وإذا لم يثبت لا يفيد فيه حسن معناه، ولا يمكن أن يقال: فات رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه من العدل إذا كان كذلك.
قال ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود"1: "وليس مع من ضعّف الحديث حجة؛ فإن رواته محتج بهم في الصحيح، وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم، وقد حسّنه إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري، والترمذي بعده، وذكره أبو داود ولم يضعّفه، فهو حسن عنده، واحتج به الإمام أحمد، وأبو عبيد.
وقد تقدم شاهده من حديث رافع بن خديج في قصة الذي زرع في أرض ظهير بن رافع، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الأرض أن يأخذوا الزرع، ويردوا عليه نفقته، وقال فيه لأصحاب الأرض:"خذوا زرعكم"2
1 9/266 مع عون المعبود.
2 نص الحديث كما رواه أبو داود في "سننه" 9/263 مع عون المعبود بعد سياق سنده قال: حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا أبو جعفر الخطمي قال:"بعثني عمي أنا وغلاماً له إلى سعيد بن المسيب قال: فقلنا له: شيء بلغنا عنك في المزرعة، قال: كان ابن عمر لا يرى بها بأساً حتى بلغه عن رافع بن خديج، فأتاه فأخبره رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة فرأى زرعاً في أرض ظهير، فقال: ما أحسن زرع ظهير، قالوا: ليس لظهير، قال: أليس أرض ظهير؟ قالوا: بلى. ولكنه زرع فلان، قال فخذوا زرعكم وردوا عليه النفقة، قال رافع: فأخذنا زرعنا، ورددنا إليه النفقة، قال سعيد: أفقر أخاك أو أكره بالدراهم" وقد سكت عنه أبو داود وتبعه المنذري. "مختصر السنن" 5/63 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود.
فجعله زرعاً لهم؛ لأنه تولد من منفعة أرضهم، فتولده في الأرض كتولد الجنين في بطن أمه، ولو غصب رجل فحلا فأنزاه على ناقته أو رمكته1 لكان الولد لصاحب الأنثى دون صاحب الفحل؛ لأنه إنما يكون حيواناً من حرثها، ومني الأب لما لم يكن له قيمة أهدره الشارع؛ لأن عسب الفحل لا يقابل بالعوض، ولما كان البذر مالا متقوماً رد على صاحبه قيمته ولم يذهب عليه باطلا، وجعل الزرع لمن يكون في أرضه كما يكون الولد لمن يكون في بطن أمه، ورمكته، وناقته، فهذا محض القياس لو لم يأت فيه حديث، فمثل هذا الحديث الحسن الذي له شاهد من السنة على مثله، وقد تأيد بالقياس الصحيح من حجج الشريعة، وبالله التوفيق" ا?.
وقول ابن القيم "رواة الحديث محتج بهم في الصحيح، وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم" شيء، وما في الحديث من علل سبق ذكرها بسبب الإرسال، أو الانقطاع، أو التدليس شيء آخر، على أنه لا يسلم لابن القيم قوله بأن جميع رواة الحديث محتج بهم
…
الخ. فهذا شريك، فإنه
1 الرمكة: بفتحتين الأنثى من البراذي مختار الصحاح/257.
متكلم فيه من جهة سوء حفظه كما هو معروف، وقد تكرر هذا في هذه الرسالة في أكثر من موضع، وإذا رجع إلى ترجمة شريك في مواضعها من كتب الرجال عرف بأن البخاري لم يحتج به، وإنما أخرج له تعليقاً، وأما مسلم فإنه أخرج له متابعة.
وأبو إسحاق لا يحتج بما يرويه من غير نظر، وتثبت فهو من المشهورين بالتدليس والاختلاط، وقد دلس هنا كما بيّن فيما مضى.
وقول ابن القيم: "وقد حسنه إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري والترمذي بعده"، وقول صاحب "بذل المجهود"1 بعد نقله لكلام الخطابي:"قلت لما حسّن الترمذي الحديث، وكذا نقل عن البخاري تحسينه، فتضعيفه غير سديد" فقد عرفت ما في تحسين البخاري للحديث؛ لثبوت ضعف سنده، ويرى ابن حجر2 أن البخاري وصف الحديث بالحسن؛ لكونه اعتضد برواية عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع فقال بعد أن ذكر الحديث، ونقل حكم البخاري عليه:"وتفرد شريك بمثل هذا الأصل عن أبي إسحاق مع كثرة الرواة، عن أبي إسحاق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به؛ لكونه اعتضد بما رواه الترمذي أيضاً من طريق عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع رضي الله عنه فوصفه بالحسن لهذا".
1 15/71.
2 النكت على ابن الصلاح والعراقي ورقة 108.
ثالثاً: من صحّحه
صحح الحديث أحمد شاكر لا باعتباره هو، إنما باعتبار متابعة قيس ابن الربيع لشريك عن أبي إسحاق، فقال في "تعليقه على كتاب الخراج"1 ليحيى بن آدم:"وضعّفه الخطابي بأن شريكاً تفرد به، وهو يهم في روايته، ولكن قد تابعه قيس بن الربيع2، كما رواه المؤلف (يعني يحيى بن آدم) عقيب هذا، وقيس يضعّف من قبل حفظه وليس في عدالتهما مطعن، فاتفاقهما على روايته عن أبي إسحاق يدل على صحته" ا?.
ونقول لأحمد شاكر: لا يصحح الحديث بكل هذه السرعة، وهذه السهولة، فإنه على فرض التسليم بأن اتفاق شريك وقيس عن أبي إسحاق يدل على صحته.
1 /94.
2 قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، تقدمت ترجمته في الحديث الثاني، وقد قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/128:"صدوق تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وستين أي ومئة/ روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه". وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 8/391 "ميزان الاعتدال" 3/393، "المغني في الضعفاء" 2/526، "الجرح والتعديل" 3/2/96، "التاريخ الكبير" 4/1/156، "التاريخ الصغير" 2/170، 172، 174، "الضعفاء الصغير" للبخاري/95، "الضعفاء والمتروكين" للنسائي/89.
فالحديث يوجد فيه عقبات فيما بعد شريك وقيس في أبي إسحاق وفي عطاء، وقد مضى الكلام عليها، ومن أجل هذه العقبات لم يحسّن البيهقي الحديث، فضلا عن تصحيحه مع أنه روى هذه المتابعة من طريق يحيى بن آدم، وتكلم عليها ولم يرها شيئاً؛ لتدليس أبي إسحاق، وهو بعدهما، وقد روى عن عطاء بالعنعنة، ولما نقله عن الشافعي من أن عطاء لم يلق رافع بن خديج، وفيما يلي ننقل ما قاله البيهقي قال1:
"الحديث الأول ينفرد به شريك بن عبد الله وقيس بن الربيع، وقيس ابن الربيع ضعيف عند أهل العلم بالحديث، وشريك بن عبد الله مختلف فيه، كان يحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه، ويضعّف حديثه جداً، ثم هو مرسل قال الشافعي في "كتاب البويطي": "الحديث منقطع؛ لأنه لم يلق عطاء رافعا". بعد هذا نقل البيهقي كلام ابن عدي كله، ثم قال: "أبو إسحاق كان يدلس، وأهل العلم بالحديث يقولن: عطاء عن رافع منقطع". ثم نقل كلام الخطابي. ا?.
وحتى يرد أحمد شاكر على الخطابي ومن معه تضعيف الحديث، فإنه أدخلنا في مشكلة، وهي أن عطاء في سند الحديث يظنه الخطابي عطاء ابن أبي رباح، بينما الذي يترجح لدى أحمد شاكر أنه عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج.
1 السنن الكبرى 6/136.
وفيما يلي ما ذكره أحمد شاكر في هذا الصدد، قال1:"ويظهر من كلام الخطابي وغيره أنهم يضعّفون الحديث بأن عطاء لم يسمع من رافع، وأنهم ظنوا أنه عطاء بن أبي رباح، والذي يترجح لدي أنه عطاء بن صهيب أبو النجاشي الأنصاري مولى رافع، وقد صحبه ست سنين، ولم أجد فيما وقع إلي من رواياته التصريح بأنه ابن أبي رباح إلا في "نصب الراية"2 نقلاً عن "الأموال" لأبي عبيد، ولعله ظن من الزيلعي أيضاً، وإلا فكيف حسنه البخاري والترمذي لو كان عندهما من رواية ابن أبي رباح وهي منقطعة غير موصولة، وقد عهدنا في رواة الحديث أنهم لا ينسبون الراوي في أكثر أحوالهم إذا كان يمت إلى من يروي عنه بسبب، كما يطلقون نافعاً عن ابن عمر، وعكرمة، عن ابن عباس. والله أعلم" ا?.
وملخص كلام أحمد شاكر هذا هو:
أن الخطابي وغيره ممن ضعّف الحديث ظنوا أن عطاء في السند هو ابن أبي رباح، وبناء على هذا الظن كان تضعيفهم للحديث؛ لأن عطاء بن أبي رباح لم يسمع من رافع بن خديج.
أن أحمد شاكر لم يجد التصريح فيما وقع إليه من روايات الحديث بأن عطاء هذا هو ابن أبي رباح إلا في "نصب الراية" نقلا عن "الأموال" لأبي عبيد، ولعل هذا التصريح –أيضاً- ظن من الزيلعي، وأن عطاء في "الأموال" غير منسوب.
1 في تعليقه على كتاب الخراج ليحيى بن آدم/94.
2 4/171.
قوى أحمد شاكر ما ترجح لديه من أن عطاء في السند هو ابن صهيب، وليس ابن أبي رباح بأن البخاري والترمذي حسّن الحديث، ولو كان عندهما هذا الحديث من رواية ابن أبي رباح لم يحسّناه؛ لأن روايته منقطعة غير موصولة.
ما عهدناه في رواة الحديث أنهم لا ينسبون الراوي في أكثر أحوالهم، إذا كان يمت إلى من يروي عنه بسبب، فلما كان عطاء هنا غير منسوب، وعلى حدّ قول أحمد شاكر ولا في رواية من روايات الحديث، وحتى الذي نقله الزيلعي عن "الأموال" ظن منه، فليكن عطاء هذا هو ابن صهيب.
ذلك ملخص كلام أحمد شاكر. ويبدو أن الذي ترجح لديه غير راجح، فمن غير المسلّم أن كل الذين ضعّفوا الحديث من أجل الانقطاع بين عطاء ورافع ظنوا أن عطاء هذا هو ابن أبي رباح، ومشوا على هذا الظن، ولم يتنبه له أحد منهم، مع أن فيهم أساطين العلم، وحذاق الحديث، ومهرته كالشافعي، وموسى بن هارون الحمال، والبيهقي، وابن عدي.
وهذا الذي ذكره عن الزيلعي وأنه لعله ظن منه، ليس كما قال فإن التصريح الذي نقله الزيلعي موجود في كتاب "الأموال"1، ولو رجع أحمد شاكر إلى كتاب "الأموال" لوجده، ولرأى أن نقل الزيلعي على الحقيقة وليس على الظن.
1 /287 بتعليق محمد حامد الفقي.
والواقع أن التصريح بأنه ابن أبي رباح حصل في غير كتاب "الأموال" جاء عند الطحاوي في "مشكل الآثار"1، وعند ابن عدي في "الكامل"2، وعند البيهقي في "السنن الكبرى"3 نقلا عن ابن عدي، وعند الطبراني في "المعجم الكبير"4.
وإذا كان ذلك ما عهدناه في رواة الحديث وهو أنهم لا ينسبون الراوي في أكثر أحوالهم إذا كان يمت إلى من يروي عنه بسبب، فإن عطاء بن أبي رباح أيضاً لما كان مشهوراً ومعروفاً بدون النسبة، حتى أن من يسمع اسم عطاء أول ما يتبادر إلى ذهنه أنه ابن أبي رباح ما احتاج إلى نسبة، بل أن من شهرة عطاء التي غلبت على غيره ممن اسمه كاسمه احتاج هذا الغير إلى تعريف ونسبة، وإلا ظن أنه عطاء بن أبي رباح.
والخلاصة: لو كان عطاء في السند هو عطاء بن صهيب كما زعم أحمد شاكر لما تعب العلماء في تقدير انقطاع بينه وبين رافع بن خديج. ومما يبعد القول بأنه عطاء بن صهيب، أن عطاء بن صهيب هذا لم يقع له رواية عن مولاه في "جامع الترمذي"؛ لأنك لا تجد ابن حجر في "تهذيب
1 3/280.
2 3 قسم 1 صفحة 155.
3 6/136.
4 4/339.
التهذيب"1، أو في "تقريب التهذيب"2 يرمز له بذلك، وكذلك المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف".
ويزيد الأمر وضوحاً هو أن المزي3 عندما ذكر الحديث إنما ذكره من مرويات عطاء بن أبي رباح، هكذا بالتصريح عن رافع بن خديج وعقبه مباشرة ذكر عطاء بن صهيب ومروياته عن رافع بن خديج، وليس فيها هذا الحديث مما يدل على أن المزي أيضاً يعتقد بأنه ابن أبي رباح لا ابن صهيب.
والخلاصة: أن هذا الحديث ضعيف بهذا الإسناد لما ذكر فيه من العلل، ويمكن أن يكون متنه مقبولا للمتابعات والشواهد التي جاءت، والتي مر بعضها.
1 7/208 وانظر: تهذيب الكمال 5 ورقة 468.
2 2/22 وقد قال فيه عطاء بن صهيب الأنصاري أبو النجاشي -بنون وجيم خفيفة، وبعد الألف معجمة- ثقة، من الرابعة، روى له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة.
3 تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 3/152.