الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والعشرون: باب ما جاء في الصف والتعبئة عند القتال من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث الرابع والعشرون: باب ما جاء في الصف والتعبئة عند القتال من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4/194-195 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض
حدّثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف قال:"عبأنا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر2 ليلا"
وفي الباب عن أبي أيوب.
كلام الترمذي على هذا الحديث
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه، وقال: محمد بن
1 قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/168: "يقال: عبأت الجيش عبأ، وعبأتهم تعبئة وتعبيئاً، وقد يترك الهمزة فيقال: عبيتهم تعبية: أي رتبتهم في مواضعهم، وهيأتهم للحرب".
2 بدر بالفتح ثم السكون: ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء، وهو إلى المدينة أقرب، يقال: هو منها على ثمانية وعشرين فرسخاً، وبينه وبين الجار، وهو ساحل البحر ليلة، به كانت الوقعة المشهورة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة. "مراصد الإطلاع 1/170" و"تاج العروس 10/140".
وقال الشيخ محمد أحمد با شميل في كتابه "غزوة بدر الكبرى"/15: "تقع بدر جنوب غرب المدينة، والمسافة بينها وبين المدينة بطرق القوافل التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم حوالي 160 ميلا، أما المسافة اليوم بين مكة وبدر بطرق السيارات فهي 343 كيلومتراً، والمسافة بين المدينة وبدر بهذا الطريق فهي 153 كيلومتراً، أما المسافة بين بدر وساحل البحر الأحمر الواقع غربيها، فهي حوالي 30 كيلومتراً".
إسحاق سمع من عكرمة.
وحين رأيته كان حسن الرأي في محمد بن حميد الرازي، ثم ضعّفه بعد.
تخريج الحديث
رغم ما بذلته من جهد، فإنني لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد سوى الترمذي.
حكم هذا الحديث
ضعّف الترمذي هذا الحديث من هذا الوجه، وذكر أنه سأل عنه شيخه البخاري فلم يعرفه، وجعل –كما في العلل الكبير1، حيث أدخل الترمذي الحديث فيه يتعجب منه.
ولما سأله عن محمد بن إسحاق هل سمع من عكرمة؟ أجابه بقوله: نعم أحرفا2.
قال ابن حجر3: "قلت: قد أخرجه (يعني هذا الحديث) البزار من وجه آخر، عن ابن إسحاق فأدخل بينه وبين عكرمة ثور بن يزيد" ا?.
فقد بينت رواية البزار هذه واسطة بين ابن إسحاق وعكرمة،
1 ورقة 51.
2 المصدر السابق الورقة عينها.
3 النكت الظراف على الأطراف 7/212 مع تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي.
هي ثور بن يزيد، مما يفيد أن ابن إسحاق لم يسمع هذا الحديث من عكرمة، وما يتبقى بعد ذلك هو النظر في سند البزار، وقد بحثت عن الحديث في مسند البزار الذي يوجد منه أجزاء "مايكروفلم" في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، إلا أنني لم أجد فيها مسند ابن عوف.
الكلام على حديث أبي أيوب الأنصاري
حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي أشار إليه الترمذي في قوله: وفي الباب أخرجه أحمد في "مسنده"1 فقال:
حدثنا عتاب بن زياد، ثنا عبد الله، أنا عبد الله بن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أسلم أبا عمران التجيبي، حدثه أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول:"صففنا يوم بدر فندرت منا نادرة أمام الصف فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: معي معي".
ورواه عن موسى بن داود عن ابن لهيعة به إلا أنه قال: "فبدرت منا بادرة".
والحديث أورده ابن كثير في "تاريخه"2 وقال: "تفرد به أحمد وهذا إسناد حسن".
1 5/420.
2 3/271.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"1 معزواً لأحمد، وأعله بابن لهيعة حيث قال: "في إسناده ابن لهيعة وفيه ضعف
…
، ثم قال:"والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدراً".
قلت: وعبد الله بن لهيعة وإن كان خلط وساء حفظه بعد احتراق كتبه، إلا أن الحديث -كما يبدو من سنده الأول- وقع من رواية ابن المبارك، وهو صحيح الحديث عنه؛ لأنه سمع منه قديماً كما نبه على ذلك العلماء الذين سأذكر طرفاً من أقوالهم، ويلاحظ أن الهيثمي لم يتنبه لذلك، فأعله بابن لهيعة كما سبق.
قال الفلاس2: "من كتب عنه (يعني ابن لهيعة) قبل احتراق كتبه مثل ابن المبارك، والمقرئ، فسماعه أصح، وقال نعيم بن حماد3
"سمعت ابن مهدي يقول: لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن الهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه، وذكر ابن حجر4 عن عبد الغني بن سعيد أنه قال: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وقال: وذكر الساجي وغيره مثله.
1 5/326.
2 ميزان الاعتدال 2/477.
3 تهذيب التهذيب 5/375.
4 المصدر السابق 5/377-378.
وقال ابن حبان1: "كان أصحابنا يقولون: إن سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة عبد الله بن وهب، وابن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله ابن مسلمة القعنبي، فسماعهم صحيح، ومن سمع منه بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشيء. وكان ابن لهيعة من الكتابين للحديث، والجماعين للعلم، والرحالين فيه".
وقال ابن سعد2: "كان ضعيفاً وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالا في روايته ممن سمع منه بآخره، وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط، ولم يزل أول أمره وآخره واحد".
وفي "المغني"3 للذهبي: "وقال بعض الناس: ما روى عنه مثل ابن وهب وابن المبارك، فهو أجود وأقوى".
وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"4: "عبد الله بن لهيعة -بفتح اللام وكسر الهاء- ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق، من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك، وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين أي ومئة، وقد ناف على الثمانين، روى له مسلم، وأبو داود والترمذي، وابن ماجه".
1 المجروحون 2/11.
2 الطبقات الكبرى 7/516.
3 1/352.
4 1/444.
وقول الهيثمي: "والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدراً" مشعر بأن أبا أيوب مختلف في شهوده بدراً، وأن الصحيح عدم شهوده لها، وهو قول عجيب وغريب، يدل على وهم الهيثمي، ومن تبعه كالشوكاني في "نيل الأوطار"1، إذ اكتفى بنقل كلام الهيثمي هذا من غير أن يعقب عليه بشيء، بينا كان الواجب يقتضيه التنبه لذلك، ومن ثم التنبيه عليه إذ لا مرية في حضور أبي أيوب بدراً. ومن يطالع الكتب التي ترجمته أو تناولته، فإن أول ما يصادفه فيها التنصيص على شهوده بدراً، وقد كان حضر المشاهد كلها، ولزم الجهاد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وداوم الغزو، ولم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا هو في أخرى إلا عاماً واحداً، كما ورد. وقد ساق ابن سعد2 بسنده إلى محمد بن عمر3 أنه قال: "شهد أبو أيوب
1 7/256.
2 الطبقات الكبرى 3/485.
3 هو الواقدي تقدمت ترجمته في الحديث الثاني عشر، وقد قال عنه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 1/348:"الواقدي هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم، أبو عبد الله المدني، الحافظ البحر. لم أسق ترجمته هذا لاتفاقهم على ترك حديثه، وهو من أوعية العلم لكنه لا يتقن الحديث، وهو رأس في المغازي والسير، يروي عن كل ضرب. مات سنة سبع ومائتين، حمل عن ابن عجلان وابن جريج ومعمر وهذه الطبقة. ولى قضاء بغداد، وكان له رئاسة وجلالة وصورة عظيمة. عاش ثمانياً وسبعين سنة رحمه الله وسامحه" ا?.
الأنصاري بدراً ثم لم يتخلف عن غزوة للمسلمين إلا هو في أخرى إلا عاماً واحداً، فإنه استعمل على الجيش رجل شاب، فقعد ذلك العام، فجعل بعد ذلك العام يتلهف ويقول: "ما على من استعمل علي، وما على من استعمل علي، وما على من استعمل علي.
قال فمرض وعلى الجيش يزيد بن معاوية، فأتاه يعوده، فقال: حاجتك قال: نعم حاجتي إذا أنا مت فاركب بي، ثم سغ بي في أرض العدو ما وجدت مساغاً، فإذا لم تجد مساغاً فادفني، ثم ارجع، فلما مات ركب به، ثم سار به في أرض العدو ما وجد مساغاً، ثم دفنه ثم رجع.
قال: وكان أبو أيوب رحمة الله عليه يقول: قال الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 1، ولا أجدني إلا خفيفاً وثقيلاً".
قال ابن حجر في "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة"2 بعد نقله: "ورواه أبو إسحاق الفزاري، عن هشام، عن محمد وسمى الشاب عبد الملك ابن مروان" ا?.
هذا وقد أورده ابن سعد ضمن طبقات البدريين من الأنصار، فكان على رأس من ذكره ممن شهد بدراً من بني النجار، ومما قاله3 في ترجمته: "وشهد
1 التوبة: 41.
2 1/405 وانظر: المستدرك للحاكم 3/458.
3 الطبقات الكبرى 3/484.
أبو أيوب بدراً واحداً، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ا?.
وسرد ابن إسحاق1 اسمه ضمن أسماء أهل بدر، وذكره البخاري في كتاب "الكنى"2 من "تاريخه الكبير" فقال:"أبو أيوب الأنصاري اسمه خالد بن زيد الخزرجي من بني مالك بن النجار شهد بدراً" ا?.
نعم لم يذكره في "الجامع الصحيح" في باب تسمية من سمى من أهل بدر، الذي وضعه على حروف المعجم؛ لأنه خاص بمن جاء في "الجامع" التنصيص على شهوده بدراً.
قال ابن حجر3: "قوله باب تسمية من سمى من أهل بدر في "الجامع" أي: دون من لم يسم فيه، ودون من لم يذكر فيه أصلا، والمراد بالجامع هذا الكتاب يعني صحيح البخاري، والمراد بمن سمى من جاء ذكره فيه برواية عنه أو عن غيره، بأنه شهدها لا بمجرد ذكره دون التنصيص على أنه شهدها، وبهذا يجاب عن ترك إيراده مثل أبي عبيدة بن الجراح فإنه شهدها باتفاق، وذكر في الكتاب في عدة مواضع، إلا أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدراً" ا?.
1 انظر: السيرة النبوية لابن هشام 1/701.
2 9/89.
3 فتح الباري 7/327.
فإذا كان أبو أيوب ذكر في الكتاب، علمنا السبب في عدم إيراده هنا، وهو أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدراً، وأنه جاء التنصيص عليه في غيره.
قال ابن حجر بعد أن بيّن جملة من ذكر البخاري من أهل بدر هنا وهم أربعة وأربعون رجلا قال: "وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم، وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم، ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم، واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في "كتاب الإحكام"، وبيّن اختلاف أهل السير في بعضهم، وهو اختلاف غير فاحش، وأورد ابن سيد الناس أسماؤهم في "عيون الأثر"1، لكن على القبائل –كما صنع ابن إسحاق وغيره- واستوعب ما وقع له من ذلك، فزادوا –على ثلاثمائة وثلاثة عشر- خمسين رجلا، قال: "وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الأسماء".
قلت (القائل ابن حجر) : "ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلا، مبيناً للراجح لكن في هذه الإشارة كفاية. والله المستعان" ا?.
قلت: فرحم الله ابن حجر ليته سرد لنا أسماء أهل بدر على النحو الذي ذكر، فإنه لا شك مهم ومفيد خاصة منه.
وكتاب "الإحكام" الذي أشار إليه ابن حجر للحافظ ضياء
1 1/272-284 وذكر أبا أيوب في صفحة 277 ولم يورد فيه خلافاً.
المقدسي قد كان مادة ابن كثير في "البداية" في سرد أسماء أهل بدر؛ إذ استقاهم منه، فكان فيما قاله1 ابن كثير في فصل قبل البدء في سردهم:"وهذه تسمية من شهد بدراً من المسلمين مرتبين على حروف المعجم، وذلك من كتاب "الإحكام" الكبير" للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، وغيره بعد البداءة باسم رئيسهم، وفخرهم، وسيد ولد آدم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ا?.
ثم بدأ بمن اسمه على حرف الألف، وذكر أبا أيوب فيمن اسمه على حرف الخاء، ولم يشر ولو من بعيد إلى أي اختلاف فيه، مع أننا علمنا من كلام ابن حجر السابق أن كتاب "الإحكام" الذي استقى منه ابن كثير أهل بدر قد بيّن فيه الحافظ ضياء الدين المقدسي اختلاف أهل السير في بعضهم، فالذي يبدو أنه لو كان فيه اختلاف، لأورده ابن كثير، ثم تعقبه كعادته، أو أنه اعتمد الراجح، أو أنه لم يعبأ به؛ لأنه كما قال ابن حجر في وصف هذا الاختلاف في هذا البعض: وهو اختلاف غير فاحش أي يسير.
والأول هو الأقرب؛ إذ لو كان فيه اختلاف، لبينه ابن كثير، ولبينه أهل السير قبله كابن إسحاق.
هذا وممن نص على حضوره بدراً ابن عبد البر في
1 البداية والنهاية 3/314.
"الاستيعاب"1، وفي "اختصار المغازي والسير"2، والنووي في "تهذيب الأسماء واللغات"3، والخطيب في "تاريخ بغداد"4، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"5، وابن الجوزي في "كتابه تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير"6، وكتابه "المدهش"7، وابن حجر في "تهذيب التهذيب"8، وفي "تقريب التهذيب"9، وفي "الإصابة"10. وأعتقد أننا لو استقرينا المؤلفات التي تعرضت لأبي أيوب رضي الله عنه لطال بنا المجال، وما أوردته فيه غنية وكفاية إن شاء الله تعالى؛ إذ يقطع بما يفيد شهوده بدراً، وعده في البدريين، وإن ما جعله الهيثمي صحيحاً ليس بصحيح.
1 1/403.
2 /135.
3 الجزء الثاني من القسم الأول/177.
4 1/153.
5 2/288.
6 /427.
7 /122.
8 3/91 وانظر: تهذيب الكمال 2 ورقة 178.
9 1/213.
10 1/405.
هذا ومما جاء في "الإصابة" قوله: "شهد العقبة وبدراً وما بعدها إلى أن قال: وشهد الفتوح، وداوم الغزو، واستخلفه علي على المدينة لما خرج إلى العراق، ثم لحق به بعد، وشهد معه قتال الخوارج. قال ذلك الحكم ابن عيينة" ا?.
فرجل كهذا يبلغ به هذا الحرص على حضور المعارك، هل يظن به أن يتخلف عن معركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما بدر أول معركة في الإسلام، وتوصف بأنها من المعارك الفاصلة.
ومن هذا الرجل؟ إنه أبو أيوب الذي احتضن رسول الله في قلبه، وبيته، والذي يظهر من النظر في سيرته، أنه كان قوي الشكيمة، كثير الشهود للمعارك، محباً للسفر والترحال، فقد سافر في طلب العلم إلى مصر من أجل حديث واحد حتى إنه مات في الغزو.
وإذا كان أنس "رضي الله عنه" فيما رواه عمر بن شبة، ومحمد بن سعد1 يغضب، ويقول وهو غلام لمن قال له: أشهدت بدراً؟ لا أم لك، وأين أغيب عن بدر" ا?.
فهل يرضى أبو أيوب أن يتخلف عن بدر، وإذا كان تخلف عنها
1 انظر: البداية والنهاية 3/315 وفي آخره يقول ابن كثير: قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه (1 ورقة 62) ، هكذا قال الأنصاري (يعني محمد بن عبد الله الأنصاري الذي روى عنه ابن شبة، وابن سعد شهود أنس بدراً) ولم يذكر ذلك أحد من أصحاب المغازي. وانظر: تهذيب التهذيب 1/377.
فأين تخلف؟ وما هو عذره في ذلك؟ وأين هذا الاختلاف في شهوده بدراً؟ هذا ما لم يذكره الهيثمي.
إن من اليسير أن ننفي شيئاً ما ولكن ما هو الدليل على نفيه؟ وإذا كان الهيثمي لم يقدم دليلا على نفي شهود أبي أيوب بدراً، فما هو الجواب؟ أنه الوهم، والوهم فقط، بدليل أن الهيثمي نفسه ذكره في موضع آخر من كتابه فيمن حضر بدراً، وذكر له حديثاً يفيد خروجه إلى بدر. فقال في غزوة بدر من "مجمع الزوائد"1:"قد حضر بدراً جماعة فمنهم من ذكرت ذلك في مناقبه بإسناده، وأذكره هنا بغير سند وأنبه عليه" ثم سردهم، وفيهم أبو أيوب، ولم يشر إلى أي خلاف فيه.
وأما الحديث وهو في قصة مطولة متضمناً الحديث الذي معنا، فهو عن أبي أيوب الأنصاري2 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: إني أخبرت ونحن بالمدينة عن عير أبي سفيان أنها مقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذا العير، لعل الله يغنمناها؟ قلنا نعم فخرج، وخرجنا معه، فلما سرنا يوماً أو يومين، قال لنا ما ترون في القوم، فإنهم أخبروا بمخرجكم، فقلنا لا والله مالنا طاقة بقتال العدو، ولكن أردنا العير، ثم قال ما ترون في القوم؟ فقلنا
1 6/95.
2 مجمع الزوائد 6/73-74.
مثل ذلك، فقال المقداد بن عمرو: إذاً لا نقول لك يا رسول الله، كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون. قال: فتمنينا معشر الأنصار. أنا قلنا: كما قال المقداد، أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم فأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}
1 ثم أنزل الله عز وجل {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} 2 وقال: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} 3 والشوكة القوم، وغير ذات الشوكة العير، فلما وعد الله إحدى الطائفتين، إما القوم، وإما العير طابت أنفسنا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ينظر ما قبل القوم،
1 الأنفال: 5، 6.
2 الأنفال: 12.
3 الأنفال: 7.
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 1. رواه الطبراني وإسناده حسن. ا?.
1 الأنفال: 67.