الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والعشرون: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة من أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث الثّامن والعشرون: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة من أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5/46 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض
حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري البصري: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد، فافعل، ثم قال لي: يا بني وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحياني، ومن أحياني كان معي في الجنة" وفي الحديث قصة طويلة.
كلام الترمذي على هذا الحديث
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ومحمد ابن عبد الله الأنصاري ثقة، وأبوه ثقة، وعلي بن زيد صدوق إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره، قال: وسمعت محمد بن بشار، يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة حديثا على بن زيد وكان رفاعاً.
ولا نعرف لسعيد بن المسيب عن أنس رواية إلا هذا الحديث بطوله.
وقد روى عباد بن ميسرة المنقري هذا الحديث، عن علي بن زيد، عن أنس، ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب.
قال أبو عيسى: وذاكرت به محمد بن إسماعيل، فلم يعرفه، ولم يعرف لسعيد ابن المسيب، عن أنس هذا الحديث ولا غيره.
ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين مات سنة خمس وتسعين.
تخريج الحديث
أخرج الحديث سوى الترمذي:
البيهقي1 وقد اقتصر على الجملة الثانية.
الكلام على هذا الحديث
هذا الحديث –كما يظهر من سنده- يرويه سعيد بن المسيب2، عن أنس بن مالك3، وقد صرّح الترمذي أنه لا يعرف لسعيد، عن أنس إلا هذا الحديث4.
1 انظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة/8.
2 تقدم التعريف به في الحديث الثاني عشر.
3 تقدمت ترجمة هذا الصحابي الجليل في الحديث الأول.
4 رغم ما بذلت من جهد رجاء أن أقف على حديث آخر لسعيد عن أنس، إلا أنني لم أظفر بذلك، وتصريح الترمذي ذلك بأنه لا يعرف لسعيد عن أنس رواية إلا هذا الحديث، واضح، وقد نقل العلائي في "جامع التحصيل" 2/407 نسخة محققة؛ لنيل درجة الماجستير من جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة كلام الترمذي هذا مبتوراً، نقله هكذا "لا نعرف له عن أنس حديثاً" بدون الاستثناء، والمدهش في الأمر أن المحقق الذي بيّن محل هذا الكلام من سنن الترمذي لم يشر إلى ذلك النقص، مما يدل على أنه لم يتنبه لكلام الترمذي، وحتى أتحقق مما ذكره العلائي، فإنني رجعت إلى نسخة جامع التحصيل التي طبعت مؤخراً في العراق، وقد سبق الإشارة إليها في الحديث الثالث، إلا أني وجدت نقل العلائي واحداً لا فرق بينه، كما أني لاحظت أن محقق الكتاب لم يعلق عليه بشيء، مما يدل على أنه لم يقف على كلام الترمذي، فلذلك كله جرى التنبيه وبالمناسبة، فإن ابن أبي حاتم لما ذكر سعيد بن المسيب في كتابه "المراسيل" لم يتعرض لرواية سعيد عن أنس البتة.
والذي يبدو من تحسين الترمذي لهذا الحديث –وقد حسنه حسناً لذاته- أنه يذهب إلى سماع سعيد من أنس؛ لأن من شرط الحديث الحسن لذاته الاتصال بين رواته.
وقد أشار الترمذي في أعقاب كلامه على الحديث إلى إمكان سماع سعيد من أنس فقال: "ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين مات سنة خمس وتسعين" ا?.
قال المباركفوري1 صاحب "تحفة الأحوذي" معلقاً على هذا الكلام: "مقصود الترمذي بهذا أن المعاصرة بين أنس وبين سعيد ابن المسيب ثابتة، فيمكن سماعه منه" ا?.
وكأن الترمذي بما مهد به من توثيق الطريق التي يروى فيها سعيد، عن أنس أراد أن يقوي رأيه، وما ذهب إليه من سماع ابن المسيب من أنس.
وفي نظري أن الذي ألجأ إلى هذا التمهيد –وهو كما نلاحظ فيه عرض للأدلة على ما درج عليه علماؤنا في معالجة الأمور معالجة منطقية معقولة ومريحة-، هو كون الترمذي أحسن بانفراد تلك الطريق، فلعله يجيب بذلك عما عسى يوجه إليه، لو لم يلجأ إلى ذلك من انفراد الطريق وضعفها.
1 تحفة الأحوذي 7/446.
ومهما يكن من أمر فلقد كان ذلك اتجاه الترمذي في هذه المسألة واجتهاده فيها، وهذا لا يمنع من إبداء مناقشات حول ما تبناه مما يؤثر في قبوله، والأخذ به، أو عدمه.
فمن أولى النقاط التي تذكر بهذا الصدد مما له قيمة موقف البخاري من هذا الحديث، كما حكاه الترمذي عنه –فقد صرّح الترمذي أنه ذاكر بهذا الحديث شيخه البخاري فلم يعرفه، كما لم يعرف لسعيد بن المسيب عن أنس هذا الحديث ولا غيره.
فموقف كهذا لا يمكن إمراره من غير الاستفادة منه، والتأكيد به على نفي سماع سعيد من أنس؛ إذ عدم معرفة البخاري رواية لسعيد عن أنس مطلقاً، يعطي مؤشراً على عدم وجودها، فالإمام البخاري معروف بغزارة علمه، وسعة إطلاعه.
ولا شك أن موقف البخاري بعد حجة إمام محاولة إثبات رواية لسعيد عن أنس بطريق واحدة، هذه الطريق فيها ما فيها، كما سوف نعرف.
وفي نظري أن هذا –أي ضعف الطريق- كفيل وحده بنقض إثبات تلك الرواية.
ومن المعتمد أن المزي حين نبه في "تهذيب الكمال"1 إلى أن سعيد روى، عن أنس من طريق ضعيف يقصد هذه الطريق.
1 3 ورقة 254.
وضعف هذه الطريق إنما أتى من قبل علي بن زيد المعروف بابن جدعان1، وهو –كما قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"2-:"اختلفوا فيه" ا?.
فقوى أمره بعضهم كالجريري، ومنصور بن زاذان، وحماد بن سلمة، وتكلم فيه الأكثرون.
قال الجريري3: "أصحّ فقهاء البصرة عمياناً ثلاثة: قتادة، وعلي بن زيد، وأشعث الحداني".
وقال منصور بن زاذان4:"قلت لعلي بن زيد لما مات الحسن: اجلس موضعه".
وقال موسى بن إسماعيل5:"قلت لحماد بن سلمة: زعم وهيب أن علي بن زيد كان لا يحفظ، قال: ومن أين كان وهيب يقدر على مجالسة علي؟ إنما كان يجالسه وجوه الناس".
وقد احتج به الترمذي فحسّن حديثه، كما هنا، وقال فيه "صدوق"
1 بضم الجيم وإسكان الدال المهملة أبو الحسن القرشي، التيمي البصري، أحد علماء التابعين. روى عن سعيد بن المسيب، وأبي عثمان النهدي، وابن المنكدر، وطائفة. وروى عنه: قتادة ومات قبله، والحمادان، والسفيانان، وشعبة، وآخرون.
2 3/127.
3 ميزان الاعتدال 3/127.
4 تذكرة الحفاظ 1/141.
5 ميزان الاعتدال 3/127.
وأثنى عليه الذهبي في تذكرة الحفاظ1، فقال فيه: "علي بن زيد بن جدعان الإمام
…
، عالم البصرة
…
، ولد أعمى، وهو من أوعية العلم، وفيه تشيع" ا?.
وقال في "المغني في الضعفاء"2: "صالح الحديث".
وبالنظر فيما يأتي يتضح لنا أن الأرجح فيه أنه ضعيف، يصلح حديثه في المتابعات.
قال المباركفوري3 بعد أن نقل قول الترمذي ذلك: "وضعّفه غيره واحد من أئمة الحديث".
وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"4: "وهو ضعيف عند المحدثين" ا?.
وممن ضعّفه أحمد5، وابن معين6، والنسائي7، وابن عيينة8،
1 1/140.
2 2/447.
3 تحفة الأحوذي 7/446.
4 1/344.
5 تهذيب التهذيب 7/322، 323.
6 تهذيب التهذيب 7/322، 323.
7 تهذيب التهذيب 7/322، 323.
8 ميزان الاعتدال 3/127.
وابن سعد1، وتركه يحيى بن سعيد القطان2 وبضعفه جزم ابن حجر في "تقريب التهذيب"3 فقال:"علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جده، ضعيف، من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين أي ومائة وقيل قبلها، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة".
وليعلم أن مسلماً لم يحتج به، وإنما روى له مقروناً بغيره، كما هو مذكور في "تهذيب التهذيب"4.
قال الذهبي "في تذكرة الحفاظ"5: "قلت: لم يحتج به الشيخان، لكن قرنه مسلم بغيره" ا?.
هذا وقال أبو حاتم6: "ليس بقوي يكتب حديثه، ولا يحتج به".
وقال الحاكم أبو أحمد7: "ليس بالمتين عندهم".
1 الطبقات الكبرى 7/252.
2 تهذيب التهذيب 7/322، 323.
3 تقريب التهذيب 2/37.
4 7/324.
5 1/140.
6 الجرح والتعديل 3/1/187.
7 الأسامي والكنى ورقة 77، وانظر: تهذيب التهذيب 7/323.
وقال الدارقطني1: "أنا أقف فيه لا يزال عندي فيه لين".
وقد جاء بيان سبب ضعفه، وأنه من قبل حفظه. قال ابن خزيمة2:"لا أحتج به لسوء حفظه".
ومما يدل على سوء حفظه ما قاله سليمان بن حرب3، عن حماد ابن زيد "ثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث".
وفي رواية: "كان يحدثنا اليوم بالحديث، ثم يحدثنا غداً، فكأنه ليس ذلك".
وقال أبو زرعة4: "ليس بقوي يهم ويخطئ".
وقال ابن حبّان5: "كان شيخاً جليلاً، وكان يهم في الأخبار، ويخطئ في الآثار حتى كثر ذلك في أخباره، وتبين فيها المناكير التي يرويها عن المشاهير، فاستحق ترك الاحتجاج به" ا?.
ومن خطئه في الآثار ما نقله الترمذي هنا بسنده، عن شعبة بن الحجاج أنه قال:"حدثنا علي بن زيد، وكان رفاعا" يعني أنه كان يخطئ، فيرفع الحديث الموقوف كثيراً، كما جاء وصفه بأنه اختلط في آخر عمره.
1 انظر: تهذيب التهذيب الجزء والصفحة.
2 تهذيب التهذيب 7/323.
3 المصدر السابق الجزء والصفحة.
4 انظر: المصدر السابق الجزء والصفحة، والجرح والتعديل 3/1/187.
5 المجروحون 2/103.
أما ابن عدي فإنه قال1: "لم أر أحداً من البصريين، وغيرهم امتنع من الرواية عنه، وكان يغلو في التشيع، ومع ضعفه يكتب حديثه".
هذا وإن مما يدل على ضعف هذه الطريق هذا الاختلاف على علي ابن زيد بن جدعان الذي أشار إليه الترمذي، فقد ذكر أن عباد بن ميسرة المنقري2، روى هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس، ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب على أنه ليس في رواية عبد الله بن المثنى الأنصاري3، عن زيد ما يجزم بسماع ابن المسيب من أنس؛ إذ الصيغة التي يروي بها ابن المسيب؛ عن أنس وهي (قال أنس) محتملة، ولا يخفى
1 الكامل 3 قسم 3 ص126.
2 عباد بن ميسرة المنقري البصري المعلم، لين الحديث عابد، من السابعة، روى له النسائي، وأبو داود، وابن ماجه في التفسير. "تقريب التهذيب" 1/394. وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 5/107، ميزان الاعتدال 2/378، المغني في الضعفاء 1/327، ديوان الضعفاء والمتروكين 1/161، الجرح والتعديل 3/1/86-87، التاريخ الكبير 3/2/38-39، الضعفاء والمتروكين للنسائي/75، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال/187.
3 عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو المثنى البصري، صدوق كثير الغلط، من السادسة، روى له البخاري، والترمذي، وابن ماجه. "تقريب التهذيب" 1/445 وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 5/387، هدي الساري مقدمة فتح الباري/416، المغني قي الضعفاء 1/352، الجرح والتعديل 2/2/177، التاريخ الكبير 3/1/208، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال/212.
أن مجيئها هنا على هذا النحو يعطي دليلا على عدم سماع ابن المسيب من أنس بهذا الحديث الوحيد، يضاف إلى ما سبق من تقرير ضعف هذه الطريق.
والله أعلم
…