الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السّادس والعشرون: باب ما ذكر من الشرب بنفسين من كتاب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
4/303 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق: إبراهيم عطوة عوض
حدثنا علي بن خشرم: حدثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، عن أبيه1، عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب يتنفس مرتين".
كلام الترمذي على هذا الحديث
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين ابن كريب.
قال: وسألت عبد الله بن عبد الرحمن2 عن رشدين بن كريب، قلت: هو أقوى أم محمد بن كريب؟
قال: ما أقربهما! ورشدين بن كريب أرجحهما "عندي".
وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا؟ فقال: محمد بن كريب أرجح من رشدين بن كريب.
والقول "عندي" ما قال أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن، رشدين ابن كريب أرجح وأكبر، وقد أدرك ابن عباس ورآه، وهما أخوان، وعندهما مناكير.
1 كريب بالتصغير وهو كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم المدني، أبو رشدين مولى ابن عباس، ثقة من الثالثة، مات سنة ثمان وتسعين، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/134) .
2 هو الدارمي الحافظ صاحب المسند تقدم التعريف به.
تخريج الحديث
أخرجه المصنف في "الشمائل المحمدية"1.
وابن ماجة في "سننه"2.
وابن عدي في "الكامل"3.
كلهم من طريق رشدين بن كريب، عن أبيه، عن أبي عباس.
التعريف ببعض رجال السند
هذا الحديث يدور على رشدين4 بن كريب، فإنه تفرد به على ما ذكر الترمذي، وهو رشدين بن كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم أبو كريب المدني. رأى ابن عمر، وذكر الترمذي هنا أنه أدرك ابن عباس ورآه. روى عن: أبيه، وعلي بن عبد الله ابن عباس. وروى عنه: عيسى بن يونس، ومروان بن معاوية، ومحمد بن فضيل.
ضعّفه ابن المديني، وابن نمير، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي والدارقطني، وابن معين.
1 /108.
2 2/1131 رقم الحديث (3417) .
3 2 قسم (2) صفحة (96) .
4 بكسر الراء وسكون المعجمة.
وقال الجوزجاني: "لا يقوى حديثه".
وقال البخاري: "منكر الحديث"، ومرة قال فيه وفي أخيه محمد:"فيهما نظر"، ومرة قال:"عنده مناكير".
وقال ابن حبان: "كثير المناكير يروى عن أبيه أشياء ليس تشبه حديث الأثبات عنه، والغالب عليه الوهم والخطأ، حتى خرج عن حدِّ الاحتجاج به" ا?.
وقصارى القول: أن هذا الراوي ضعيف عند جماعة العلماء، وعلى هذا مشى ابن حجر في "تقريب التهذيب" حيث قال1:"ضعيف، من السادسة، روى له الترمذي، وابن ماجه".
أما ابن عدي فإنه لم يخرج عن هذا الرأي حين ذكر أن رشدين على ضعفه يكتب حديثه، ويختبر، ويعتبر به، فأحاديثه مع ضعفها مقاربة لأحاديث غيره. وابن عدي مع اعترافه بأن لرشدين أحاديث منكرة إلا أنه لم ير فيها حديثاً منكراً جداً قال2:
1 تقريب التهذيب 1/251.
2 الكامل 2 قسم 2 صفحة 97. وانظر في ذلك كله: "تهذيب التهذيب" 3/279 و"الجرح والتعديل" 1/2/512 و"ميزان الاعتدال" 2/51 و"المغني في الضعفاء" 1/232 و"الخلاصة" للحزرجي 117-118 و"التاريخ الكبير" 1/1/217 و1/2/337 و"التاريخ الصغير" 2/60 و"المجروحون" 1/302-303 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/41 و"المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 3/44، 66 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/515 و"أسماء الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي ورقة 56.
"ولرشدين غير ما ذكرت وليس بالكثير، وأحاديثه مقاربة لم أر فيها حديثاً منكراً جداً، وهو على ضعفه يكتب حديثه" ا?.
هذا ولما كان رشدين أخاً لمحمد بن كريب1، وكلاهما ضعيف عند أئمة الحديث والنقد، فإن هذا لا شك باعث للسؤال عنهما، هل هما في منزلة واحدة من الضعف؟ أو متفاوتان فيه؟ فإن الضعف يشتد ويخف.
والذي يخطر لي أن الترمذي في سؤاله عنهما كلاً من الدارمي والبخاري، إنما يريد أن يستوثق مما عنده، حتى إذا رأى جواب الدارمي التقى مع ما هو مستقر لديه، لم يتأخر بأن أعلن موافقته للدرامي في ترجيح رشدين على أخيه محمد، وتقديمه عليه.
فالترمذي لم يكن خافياً عليه أنهما غير متساويين في
1 محمد بن كريب مولى ابن عباس، ضعيف، من السادسة، مات بعد الخمسين أي ومئة، روى له ابن ماجه. "تقريب التهذيب" 2/203. وانظر في مصادر ترجمته:"تهذيب التهذيب" 9/420 و"ميزان الاعتدال" 4/22 و"المغني في الضعفاء" 2/627 و"الخلاصة" للخزرجي/357 و"الجرح والتعديل" 4/1/68 و"التاريخ الكبير" 1/1/217 و"التاريخ الصغير" 2/60 و"المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 3/66 و"أسماء الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي ورقة 161.
الضعف، بدليل أنه قال في السؤال أيهما أقوى، وبدليل أنه رجّح ما رجّح شيخه الدارمي، وإنما كل ما في الأمر كما سبق أنه يريد أن يتأكد من موقفه؛ فلذلك ألقى السؤال على البخاري، وعلى الدرامي، ولم يكتف بسؤال واحد منهما. وأما البخاري فإنه رأى ترجيح محمد على رشدين، وتقديمه عليه.
وهذا الترجيح لمحمد أو رشدين فإنه نسبي، وفائدته تظهر عند التعارض، فيما إذا تعارض حديث لرشدين مع حديث لمحمد.
وقد وقع نحو سؤال الترمذي هذا من ابن أبي حاتم لأبيه، وأبي زرعة ومن الأثرم للإمام أحمد، وكانت النتيجة أن أحمد لم يرجح أحدهما على الآخر، وجعلهما في مرتبة واحدة من غير مفاضلة بينهما، حيث اعتبرهما في مستوى واحد من الضعف.
وأما الأولان أبو حاتم وأبو زرعة فإنهما رأيا محمداً كأنه أقرب وأرجح. وعلى هذا يكون ما عندهما وافق ما عند البخاري.
قال ابن أبي حاتم1: "سمعت أبي وأبا زرعة وذكرا محمد بن كريب ورشدين بن كريب؟ فقالا: هما أخوان قلت: أيهما أحب إليكما؟ قالا: ما أقربهما، ثم قالا: محمد كأنه اقرب" ا?.
وهكذا رأينا جانب البخاري تدعم وتقوي وأنه لم ير هذا الرأي وحده، بل معه أبو حاتم وأبو زرعة.
1 الجرح والتعديل 4/1/68 في ترجمة محمد بن كريب.
أما رأي أحمد فإنه يمثل موقفاً ثالثاً من حيث إنه لم يرجح بينهما.
قال الأثرم1: "قلت لأحمد بن حنبل: "رشدين ومحمد أخوان؟ فقال: "نعم"، فقلت: أيهما أحب إليك؟ قال: "كلاهما عندي منكر الحديث" ا?.
مرتبة هذا الحديث
حكم الترمذي على هذا الحديث بالضعف، وهو كذلك؛ لتفرد رشدين بن كريب به، وهو ضعيف، كما سبق وأن عرفت.
وهذا الحكم يتفق مع قول الترمذي "غريب" كما في بعض النسخ، ولا يتفق مع قوله "حسن غريب" كما في بعض النسخ الأخرى، ومنها نسخة نقل منها العيني في "عمدة القارئ"2، وقد ذكر الحديث.
والذي يترجح لي أن الترمذي اقتصر في حكمه على هذا الحديث على كلمة "غريب"، وأنه لم يقل "حسن غريب" للأمور الآتية:
أن الوصف ب"حسن غريب" يعطيه الترمذي للحديث الحسن لذاته، كما هو معروف من اصطلاحه، وهذا الحديث ضعيف؛
1 تهذيب الكمال 3 ورقة 209 في ترجمة رشدين بن كريب.
2 10/120.
لضعف رشدين بن كريب في قول الجميع، وقد تفرد به.
أن الوصف بكلمة "غريب" فقط من غير كلمة "حسن" هو على ما في نسخة المزي، كما في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"1.
أن الترمذي في تفسير سورة الطور روى حديثاً لرشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، وهو من الأحاديث التي سوف تأتي معنا فاقتصر في الحكم عليه على كلمة "غريب"، ولم يقرنها بكلمة "حسن".
وهذا الحديث عدا أنه ضعيف، فإنه معارض للحديث الصحيح الذي رواه مسلم2، وأبو داود3، والترمذي4 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً، ويقول:"هو أروى، وأمرأ، وأبرأ". هذا لفظ مسلم، وفي رواية أبي داود:"أهنأ" بدل قوله "أروى".
وهذا التعارض أمكن إزالته باحتمال ذكره ابن حجر في "فتح الباري"5 حيث قال:
1 5/203.
2 صحيح مسلم بشرح النووي 13/198-199.
3 سنن أبي داود مع عون المعبود 10/193.
4 سنن الترمذي 6/7 مع تحفة الأحوذي.
5 10/92.
"وأخرج الترمذي بسند ضعيف عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس مرتين" وهذا ليس نصاً في الاقتصار على المرتين، بل يحتمل أن يراد به التنفس في أثناء الشرب، فيكون قد شرب ثلاث مرات، وسكت عن التنفس الأخير؛ لكونه من ضرورة الواقع" ا?.
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الصغير"1 ورمز لضعفه.
1 5/145 مع فيض القدير.