المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث والعشرون: باب ما جاء في ثواب الشهداء من كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي - جـ ٢

[يوسف بن محمد الدخيل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الحديث الثالث عشر: باب ما جاء في فضل شهر رمضان من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع عشر: باب ما جاء في العمل في أيام العشر من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس عشر: باب ما جاء في الفطر والأضحى حتى يكون من كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس عشر: باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع عشر: باب ما جاء في فضل الطواف من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّامن عشر: باب ما جاء "في الحج عن الشيخ الكبير والميت

- ‌الحديث التاسع عشر: باب ما جاء في المشي أمام الجنازة من كتاب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه سلم

- ‌الحديث العشرون: باب ما جاء في (أمرك بيدك) من كتاب الطلا ق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الحادي والعشرون: باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم من كتاب الحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّاني والعشرون: باب ما جاء في الغال ما يصنع به من كتاب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّالث والعشرون: باب ما جاء في ثواب الشهداء من كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع والعشرون: باب ما جاء في الصف والتعبئة عند القتال من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس والعشرون: باب ما جاء في الألوية من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس والعشرون: باب ما ذكر من الشرب بنفسين من كتاب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع والعشرون: باب ما جاء في صفة أبواب الجنة من كتاب صفة الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثامن والعشرون: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة من أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التّاسع والعشرون: باب ما جاء أن العطاس في الصلاة من الشيطان من كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثلاثون: باب عرضت علي ذنوب أمتي من كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله علسه وسلم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون: باب ومن سورة التوية من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثاني والثلاثون: باب ومن سورة "ص" أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثالث والثلاثون: باب ومن سورة الطور من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحديث الثالث والعشرون: باب ما جاء في ثواب الشهداء من كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌الحديث الثّالث والعشرون: باب ما جاء في ثواب الشهداء من كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

.

4/175-176 سنن الترمذيبتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض

ص: 737

حدّثنا يحيى بن طلحة الكوفي: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل الله يكفّر كل خطيئة، فقال جبرائيل إلا الدين1 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الدين".

وفي الباب عن كعب بن عجرة، وجابر، وأبي هريرة، وأبي قتادة.

كلام الترمذي على هذا الحديث

قال أبو عيسى: وحديث أنس2 حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي بكر إلا من حديث هذا الشيخ.

وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه، وقال:"أرى أنه أراد حديث حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد" 3.

1 بفتح الدال.

2 أدخل المصنف هذا الحديث في كتابه "العلل الكبير" ورقة (50) ، ونقل بعض كلامه هذا عليه.

3 أخرجه البخاري في "صحيحه" 6/14-15 مع "فتح الباري" بإسناده إلى حميد قال: سمعت أنس بن مالك "رضي الله عنه" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا، وما فيها إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى"، وأخرجه الترمذي في "سننه" 5/273 مع "تحفة الأحوذي"، وأخرجه مسلم في "صحيحه" 13/23 بشرح النووي من طريق أبي خالد الأحمر، عن شعبة، عن قتادة وحميد كلاهما، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:"ما من نفس تموت لها عند الله خير، يسرها أنها ترجع إلى الدنيا، وأن لها الدنيا وما فيها، إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع، فيقتل في الدنيا؛ لما يرى من فضل الشهادة".

وأخرجه الترمذي في "سننه" 5/304 مع "تحفة الأحوذي" بإسناده عن قتادة فقط قال: حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا غير الشهيد، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا. يقول: حتى أقتل عشر مرات في سبيل الله، مما يرى مما أعطاه الله من الكرامة".

وفي الباب عن عبادة بن الصامت، وابن أبي عميرة ذكرهما السيوطي في "الدر المنثور" 2/98 عند تفسير قوله تعالى:{َلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآية رقم 169 من سورة آل عمران.

ص: 739

تخريج الحديث

رغم ما بذلت من جهد، لم أقف على أحد أخرجه سوى الترمذي، فيكون من إفراده.

حكم هذا الحديث

ضعّف الترمذي حديث أنس هذا؛ لتفرد يحيى بن طلحة به، عن أبي بكر بن عياش1، ويحيى هذا هو ابن طلحة بن أبي كثير اليربوعي، أبو زكريا الكوفي.

1 تقدمت ترجمته في الحديث الثالث عشر، وقد قال فيه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/399: "ثقة، عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة

".

ص: 740

روى عن: قيس بن الربيع، وشريك بن عبد الله، وابن عيينة، وغيرهم.

وروى عنه: الهيثم بن خلف، وابن أبي الدنيا، وأبو بكر بن علي المروزي، وآخرون1.

قال فيه النسائي2: "ليس بشيء"، وذكره ابن حبان في "الثقات"3، وقال:"كان يغرب عن ابن نعيم وغيره".

واكتفى الذهبي في "المغني في الضعفاء"4 بنقل ما قاله النسائي، وقال في "الكاشف"5:"وثقه ابن حبان".

وأما في "ميزان الاعتدال"6 فإنه أبدى رأيه فيه كما سيأتي، كما ساق له حديثاً من منكراته.

هذا وقد كذّبه علي بن الجنيد، ولكن لم يُقَرَّ على ذلك، فقال الذهبي في ترجمة يحيى من "ميزان الاعتدال"7: "صويلح الحديث، وقد

1 تهذيب التهذيب 11/234 وانظر: "تهذيب الكمال" 8 ورقة 752.

2 الضعفاء والمتروكون للنسائي/307.

3 انظر: "تهذيب التهذيب" 11/234

4 2/738.

5 3/259.

6 4/387.

7 4/387.

ص: 741

وثق، أفحش علي بن الجنيد، فقال: كذب وزور".

وكأنه يشير بقوله: "وثق" إلى تضعيف توثيق ابن حبان.

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1: "وكذبه علي بن الحسين ابن الجنيد، وخطأه الصغاني".

هذا والذي اختاره ابن حجر في الحكم على هذا الرجل أنه: "لين الحديث"، فقال في "تقرب التهذيب"2: "يحيى بن طلحة

ليّن الحديث من العاشرة، روى له الترمذي".

والجدير بالذكر أن ابن أبي حاتم أورده في كتابه "الجرح والتعديل"3، وسكت عنه فلم ينقل فيه جرحاً أو تعديلا، ومثل هذا يورده ابن أبي حاتم –كما تقدم- رجاء أن يقف فيه على جرح أو تعديل، فيضيفه إليه كما نبّه على ذلك في آخر مقدمة4 كتابه المذكور.

والترمذي في جانب ما قام به من مهمة تتعلق بدرجة هذا الحديث، فإنه رجع فيه إلى شيخه البخاري مستفسراً عنه، ومتحققاً منه، إلا أنه أجابه بأنه لا يعرفه، ولما كان سند هذا الحديث سند حديث آخر يعرفه

1 11/234.

2 2/350 وانظر: "الخلاصة" للخزرجي/424.

3 4/2/160.

4 1/1/38.

ص: 742

البخاري، قال له: أظن أن يحيى بن طلحة أراد أن يحدث حديث حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد" فأخطأ، ووهم وحدّث بهذا الحديث: "لقتل يكفر كل خطيئة

"

وإذا عرف ذلك فإن متن هذا الحديث صحيح من غير هذه الطريق التي ساقها الترمذي؛ إذ أخرجه مسلم1، وغيره كالبيهقي في "السنن الكبرى"2 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ:"القتل في سبيل الله يكفّر كل شيء إلا الدين".

وفي لفظ عنه أيضاً: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". أخرجه مسلم في "صحيحه"3، وأحمد في "مسنده"4، والحاكم في "المستدرك"5، ولهذا شواهد في بعضها. إن هذا الاستثناء أوحى إليه به كما في حديث أبي قتادة وهو صحيح، وستأتي هذه الشواهد فيما بعد إن شاء الله تعالى.

1 صحيح مسلم 13/30 بشرح النووي.

2 9/25.

3 13/30 بشرح النووي.

4 2/220 وبتحقيق أحمد شاكر 12/13 رقم الحديث (7051) وقد قال عنه أحمد شاكر: "إسناده صحيح" ا?.

5 2/119.

ص: 743

تخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله: "وفي الباب"

وهي تصلح شواهد لحديث عبد الله بن عمرو المتقدم الذي أخرجه مسلم وغيره:

حديث كعب بن عجرة: قال عنه المباركفوري في "تحفة الأحوذي"1: "فلينظر من أخرجه".

وبعد طول بحث وجدت الهيثمي في "مجمع الزوائد" ذكر حديثاً عن كعب بن عجرة، يشترك مع حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ثواب الشهيد؛ إذ ليس فيه الاستثناء بالدين، فلعله هو الذي يريده الترمذي. قال الهيثمي2: عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً: "ما تقولن في رجل قتل في سبيل الله؟ قالوا الجنة، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة إن شاء الله، قال: فما تقولون في رجل مات؟ فقام رجلان ذوا عدل فقالا: لا نعلم إلا خيراً. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الجنة إن شاء الله، فما تقولون في رجل مات؟ فقام رجلان ذوا عدل فقالا: لا نعلم خيراً فقالوا: النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مذنب، والله غفور رحيم" قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس وهو ضعيف"3 ا?.

1 5/272.

2 مجمع الزوائد 5/295.

3 انظر في مصادر ترجمته: ميزان الاعتدال 1/178 والمغني في الضعفاء 1/68 والمجروحين 1/134 والضعفاء الصغير للبخاري/18 والضعفاء والمتروكين للنسائي/18 والجرح والتعديل 1/1/206 والتاريخ الكبير 1/1/308 ولسان الميزان 1/346.

ص: 744

حديث جابر: أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"1 فقال: "حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد الله، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت إن جاهدت في سبيل الله بنفسي ومالي حتى أقتل؛ صابراً محتسباً مقبلا غير مدبر أأدخل الجنة؟ قال نعم. فلما ولي دعاه، فقال: إلا أن يكون عليك دين ليس له عندك وفاء".

قال صاحب "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"2: "لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وفي إسناده من لا أعرفه..".

وهكذا قال: "وفي إسناده من لا أعرفه" مع أن كل رجاله معروفون فشيخ أحمد هو: "زكريا بن عدي بن زريق بن إسماعيل، ويقال ابن عدي بن الصلت بن بسطام التيمي أبو يحيى الكوفي، نزيل بغداد، روى عن: أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك، وعبيد الله بن عمرو الرقي، وغيرهم،

1 3/352 وأخرجه أيضاً بإسنادين آخرين من طريق شريك، عن ابن عقيل 3/325، 352 وبإسناد آخر أيضاً من طريق زهير بن محمد عنه 3/373 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/127 "رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد حسن" ا?. وانظر كشف الأستار عن زوائد البزار 2/117 فقد رواه البزار من طريق زهير بن محمد، وقال عقبه:"لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد" ا?.

2 14/32.

ص: 745

وروى عنه: إسحاق بن راهويه، والبخاري في غير الجامع، وعبد الله بن أبي شيبة، وآخرون"1.

والناظر في ترجمته في "تهذيب التهذيب"2 يجد ثناء العلماء عليه، وتوثيقهم له.

قال المنذر بن شاذان: "ما رأيت أحفظ منه جاءه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين فقالا له: أخرج إلينا كتاب عبيد الله ابن عمرو، فقال ما تصنعون بالكتاب؟! خذوا حتى أملي عليكم كله، وكان يحدّث عن عدة من أصحاب الأعمش، فيميز ألفاظهم" ا?. إلى غير ذلك مما تراه في ترجمته.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "زكريا بن عدي بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى، نزيل بغداد، وهو أخو يوسف، ثقة جليل، يحفظ، من كبار العاشرة مات سنة إحدى عشرة، أو اثنتي عشرة ومئتين، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود في القدر، وباقي أصحاب السنن" ا?.

وعبيد الله الذي في السند هو: عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي، مولاهم أبو وهب الجزري، الرقي.

1 تهذيب التهذيب 3/331.

2 3/331-332.

3 1/261.

ص: 746

روى عن: عبد الله بن محمد بن عقيل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وغيرهم.

وروى عنه: زكريا بن عدي، وأخوه يوسف، وبقية بن الوليد، وآخرون1.

قال علي بن معبد2: "قيل لعبيد الله بن عمرو: بلغني أن عندك من حديث ابن عقيل كثيراً لم تحدّث عنه، لِمَ هل ألقيته؟ قال: لأن ألقيه أحب إلي من أن يلقيني الله، قال: وزعم أنه سمع بعض ذلك الكتاب مع رجل لم يثق به".

وقال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "ثقة فقيه، ربما وهم، من الثالثة، مات سنة ثمانين أي ومئة عن ثمانين إلا سنة، روى له الجماعة".

وأخيراً عبد الله بن محمد بن عقيل ما أظنه ليخفى، وقد مضت ترجمته بتوسع في الحديث الخامس، قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"4: عبد الله بن محمد بن عقيل، ابن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، أمه زينب بنت علي، صدوق، في حديثه لين، ويقال تغير

1 تهذيب التهذيب 7/42.

2 تهذيب التهذيب 7/42.

3 1/537.

4 1/447-448.

ص: 747

بآخره، من الرابعة، مات بعد الأربعين أي ومئة، روى له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. فتبيّن بذلك تعجل وقصور صاحب الفتح الرباني في بحثه.

حديث أبي هريرة "رضي الله عنه": رواه أحمد في "مسنده"1 من طريق عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي هريرة قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فذكر الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال عند الله، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله وأنا صابر محتسب، مقبلا غير مدبر، كفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم قال: فكيف قلت؟ قال: فردّ عليه القول كما قال، قال: نعم. قال: فكيف قلت؟ قال: فردّ عليه القول أيضاً، قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلا غير مدبر، كفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم إلا الدين فإن جبريل عليه السلام سارني بذلك"

قال أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد بن حنبل2: "إسناده صحيح، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"3. وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح" ولكن وقع متنه فيه مختصراً بحذف تكرار السؤال

1 2/308، 330.

2 15/214 عند الحديث رقم (8061) .

3 4/128.

ص: 748

والجواب، وأنا أرجح أن هذا خطأ من ناسخ، أو طابع" ا?.

وأخرجه النسائي في "سننه" بنحو هذا السياق من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة "رضي الله عنه" وسيشير إليه الترمذي في الكلام على حديث أبي قتادة الآتي:

حديث أبي قتادة: أخرجه: مسلم في "صحيحه"1، والترمذي في "سننه"2، والنسائي في "سننه"3 مختصراً، وأحمد في "مسنده"4.

وهو كما في الترمذي: حدثنا قتيبة: حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله ابن أبي قتادة، عن أبيه أنه سمعه يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنه قام فيهم فذكر لههم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل، فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله يكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أيكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبرائيل قال لي ذلك".

1 13/28 بشرح النووي.

2 5/369 مع تحفة الأحوذي.

3 6/34-35.

4 5/303-304.

ص: 749

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، روى بعضهم هذا الحديث عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا1. وروى يحيى بن سعيد الأنصاري2، وغير واحد3 نحو هذا عن سعيد المقبري، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة"4.

1 أخرجه النسائي في "سننه" 6/33-34.

2 أخرجه مسلم في "صحيحه" 13/28 بشرح النووي ومالك في "الموطأ" 3/36 بشرح الزرقاني والنسائي في "سننه" 6/34 وأحمد في "مسنده" 5/308 والبيهقي في "السنن الكبرى" 9/25.

3 مثل محمد بن قيس أخرجه مسلم في "صحيحه" 13/28 بشرح النووي والنسائي في "سننه" 6/34 ومثل ابن أبي ذئب أخرجه الدارمي في "سننه" 2/126 ومثل مالك كما رواه بعض رواة الموطأ عنه انظر شرح الزرقاني 3/36.

4 قال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" 1/327: "سألت أبي عن حديث رواه أبو عاصم عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلا غير مدبر، كفّر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم، ثم سكت ساعة، فقال: أين السائل آنفاً؟ قال: نعم إلا الدين سارني به جبريل آنفاً".

قال أبي: "هذا وهم، وإنما هو كما يرويه الليث عن سعيد المقبري، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً 1/343: "سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن الدشتكي، عن أبي جعفر الرازي، عن ليث بن أبي سليمان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وغيره قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: رجل قاتل في سبيل الله محتسباً حتى قتل في الجنة هو؟ قال: نعم في الجنة. فلما قفى دعاه، فقال: أتاني جبريل، فقال: إن لم يكن عليه دين".

فسمعت أبي يقول: هذا خطأ إنما هو على ما يرويه ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن قيس، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ا?.

ص: 750

قال ابن عبد البر1: على حديث أبي قتادة هذا: "فيه أن الخطايا تكفر بالأعمال الصالحة مع الاحتساب والنية، وأن أعمال البر المقبولة لا تكفر من الذنوب إلا ما بين العبد وبين ربه، فأما التبعات فلا بد فيها من القصاص، قال: وهذا في دين ترك له وفاء، ولم يوص به، أو قدر على الأداء فلم يؤدّ، أو أنه في غير حق أو سرف، ومات ولم يوفه. أما من أدان في حق واجب لفاقة وعسر ومات ولم يترك وفاء فلا يحبس عن الجنة؛ لأن على السلطان فرضاً أن يؤدي عنه دينه من الصدقات، أو سهم الغارمين، أو الفيء، وقد قيل: إن تشديده صلى الله عليه وسلم في الدين كان قبل الفتوح" ا?.

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم"2: "قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن تكفير خطاياه إن قتل، "نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، ثم أعاده، فقال إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك".

1 انظر: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/36-37.

2 13/29.

ص: 751

فيه هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد، وهي تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة، وهو أن يقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر.

وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص لله تعالى.

قوله صلى الله عليه وسلم "مقبل غير مدبر" لعله احتراز ممن يقبل في وقت، ويدبر في وقت، والمحتسب هو المخلص لله تعالى؛ فإن قاتل لعصبية، أو لغنيمة، أو لصيت، أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم "إلا الدين" ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد، والشهادة، وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم "نعم" ثم قال بعد ذلك "إلا الدين" فمحمول على أنه أوحى إليه به في الحال؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك. والله أعلم" ا?.

وقال القرطبي في كتابه: "الجامع لأحكام القرآن"1 عند قوله تعالى:

{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 2 فيه ثمان مسائل، ثم قال:

السادسة: هذه الآية تدل على عظيم ثواب القتل في سبيل الله، والشهادة فيه، حتى أنه يكفر الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل الله

1 4/272.

2 آل عمران: 169.

ص: 752

يكفر كل شيء إلا الدين، كذلك قال لي جبريل عليه السلام آنفاً".

قال علماؤنا: ذكر الدين تنبيه على ما في معناه من الحقوق المتعلقة بالذمم، كالغصب، وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد وجراحه، وغير ذلك من التبعات؛ فإن كل هذا أولى إلا يغفر بالجهاد من الدين فإنه أشد، والقصاص في هذا كله بالحسنات والسيئات، حسبما وردت به السنة الثابتة" ا?.

وقال ابن حجر1: "ويستفاد منه أن الشهادة لا تكفّر التبعات، وهي –أي التبعات- لا تمنع درجة الشهادة، وليس للشهادة معنى إلا أن تثبت لمن حصلت له ثواباً مخصوصاً، ويكرمه كرامة زائدة

وقد بيّن الحديث أنه يكفّر عنه ما عدا التبعات، فإن كان له عمل صالح كفرت الشهادة سيئاته غير التبعات، ونفعه عمله الصالح في موازنة ما عليه من التبعات، ويبقى له درجة الشهادة خالصة، فإن لم يكن له عمل صالح فهو تحت المشيئة" ا?.

وقال ابن الزملكاني2: "فيه تنبيه على أن حقوق الآدميين لا تكفر؛ لكونها مبنية على المشاحة والتضييق، ويمكن أن يقال:

هذا محمول على الدين الذي هو خطيئة، وهو ما استدانه صاحبه

1 فتح الباري 10/193 وانظر: "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" 3/37 و"فيض القدير" 4/533.

2 انظر: "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" 3/37.

ص: 753

على وجه لا يجوز له فعله، بأن أخذه بحيلة، أو غصبه فثبت في ذمته البدل، أو أدان غير عازم على الوفاء؛ لأنه استثنى ذلك من الخطايا، والأصل في الاستثناء أن يكون للجنس، ويكون الدين المأذون فيه مسكوتاً عنه في هذا الاستثناء، فلا يلزم المؤاخذة به لما بلطف الله بعبده من استيهابه له، وتعويض صاحبه من فضل الله، فإن قيل ما تقول فيمن مات وهو عاجز عن الوفاء، ولو وجد وفاء وفى؟ قلت: إن كان المال الذي لزم ذمته إنما لزمها بطريق لا يجوز تعاطي مثله، كغصب أو إتلاف مقصود، فلا تبرأ الذمة من ذلك إلا بوصوله إلى من وجب له، أو بإبرائه منه ولا تسقطه التوبة، وإنما تنفع التوبة في إسقاط العقوبة الأخروية فيما يختص بحق الله تعالى؛ لمخالفته، إلا لما نهى عنه الله، وإن كان المال لزمه بطريق سائغ، وهو عازم على الوفاء، ولم يقدر فهذا ليس بصاحب ذنب حتى يتوب عنه، ويرضى له الخير في العقبى ما دام على هذا الحال" ا?.

قال الزرقاني1 ناقل ذلك عنه: "وهو نفيس، وقد سبقه إلى معناه أبو عمر كما رأيته" ا?.

قال الزرقاني2 قوله: "كذلك قال لي جبريل" وفي رواية عند أبي عمر: "إلا الدين" فإنه مأخوذ كما زعم جبريل"، أي قال من إطلاق

1 شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/37.

2 المصدر السابق، الجزء والصفحة.

ص: 754

الزعم على القول بالحق. قال ابن عبد البر فيه ليل على أن من الوحي ما يتلى، وما لا يتلى، وما هو قرآن، وما ليس بقرآن.

وقد قيل في قوله تعالى:

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة}

1 أن القرآن الآيات والحكمة السنة، وكل من الله إلا ما قام عليه الدليل، فإنه لا ينطق عن الهوى" ا?.

ومما جاء معارضاً لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وما في معناه كحديث أبي قتادة، مما يفيد أن القتل يكفر جميع حقوق الله عز وجل، حديث ابن مسعود الذي أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره"2، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"3 من طريق الطبراني.

وفيما يلي أسوقه من رواية ابن جرير الطبري:

قال ابن جرير: حدثنا تميم بن المنتصر قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القتل في سبيل الله يكفّر الذنوب كلها

1 الأحزاب: 34.

2 22/56 عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} الآية. الأحزاب: 72.

3 4/201 عند ترجمة زاذان وانظر: مجمع الزوائد 5/292-293 والجامع الصغير للسيوطي 4/533 وقد رمز لحسنه بعد أن عزاه للطبراني، وأبي نعيم.

ص: 755

–أو قال- يكفّر كل شيء إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة، فيقال أدّ أمانتك، فيقول: أي رب وقد ذهبت الدنيا؟ ثلاثاً، فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية فيذهب به إليها فيهوي بها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها، فيحملها فيضعها على عاتقه، فيصعد بها إلى شفير جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت فهوى في أثرها أبد الآبدين". قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع.

فلقيت1 البراء فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله؟ فقال: صدق. قال شريك: وثنى عياش العامري عن زاذان عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، ولم يذكر الأمانة في الصلاة وفي كل شيء. قال ابن كثير2: إسناده جيد، ولم يخرجوه.

قال الزرقاني3: "وهذا يعارضه حديث الباب (يعني حديث أبي قتادة) الظاهر في أنه يكفّر جميع حقوق الله منها الصلاة، والصوم، إلا أنه

1 الضمير لزاذان فهو الذي قال ذلك كما بينته الروايات الأخرى التي عند غير ابن جرير، وزاذان هو أبو عمر الكندي، والبزار، ويكنى أبا عبد الله أيضاً، صدوق يرسل، وفيه شيعية، من الثانية، مات سنة اثنتين وثمانين، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الربعة. "تقريب التهذيب" 1/256.

2 التفسير 3/547 عند تفسير قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} الآية. الأحزاب: 72.

3 شرح موطأ مالك 3/37.

ص: 756

يحمل على أنه مطلق استشهاد، وحديث أبي قتادة مقيد بأنه صابر محتسب، مقبل غير مدبر" ا?.

والذي يبدو لي أنه لا يمكن أن يعارض حديث ابن مسعود هذا الأحاديث الصحيحة، كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، مما سبق ذكره، فقد اختلف في حديث ابن مسعود على عبد الله بن السائب1 في رفعه، وفي وقفه:

فرواه عنه الأعمش مرفوعاً وموقوفاً2، حيث فيه عن الأعمش.

ورواه عنه سفيان، فوقفه على ابن مسعود3.

ثم مع هذا الاختلاف لا يبقى لقوله "القتل في سبيل الله يكفّر الذنوب كلها" فائدة بعد الاستثناء؛ لأن الأمانة تشمل حقوق الله وحقوق الآدميين، فجميع هذه الحقوق يطلق عليه أمانة، فلذلك تجد في تفسير ابن مسعود الأمانة، أنه فسّرها بحقوق الله وبحقوق الآدميين، وهذا ما يأباه ما

1 عبد الله بن السائب الكندي أو الشيباني الكوفي، ثقة، من السادسة، روى له مسلم، والنسائي. "تقريب التهذيب" 1/418.

2 أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، ومسدد، وعبد الله بن حميد، وأحمد، وابن المنذر، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 4/201 في ترجمة زاذان انظر: الترغيب والترهيب 4/7-8 والمطالب الغالية 3/320 والدر المنثور 2/175.

3 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره انظر: تفسير ابن كثير 1/547 عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء: 58.

ص: 757

في الأحاديث الصحيحة كحديث ابن عمرو بن العاص وغيره، التي جعلت المؤاخذة مقصورة على حقوق الآدميين، أما حقوق الله فإنها معفو عنها.

ويؤيد ما ذكرته من كون الأمانة تشمل الحقين حق الله وحق الناس، هو أن بن كثير1 ساق حديث ابن مسعود هذا عند قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، مستدلا به على أنه يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده؛ من الصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك. ومن حقوق العباد بعضهم على بعض؛ كالودائع وغير ذلك.

فلا يبعد في نظري بناء على ما سبق –أن يكون المراد بقوله "إلا الأمانة" حقوق الآدميين، حتى يتفق مع قوله: "القتل في سبيل الله

"، ولعل ما في الرواية الأخرى التي أوردها ابن جرير والتي تابع فيها عياش العامري عبد الله بن السائب، عن زاذان إلا أنه لم يذكر تفسير ابن مسعود للأمانة، يساعد على المراد الذي ذكرته. والله أعلم.

وقريب مما قلته عن حديث ابن مسعود من ناحية المعنى يقال عن الحديث الآخر، الذي لفظه:"شهيد البر يغفر له كل ذنب إلا الدين، والأمانة، وشهيد البحر يغفر له كل ذنب، والدين، والأمانة".

1 التفسير 1/547.

ص: 758

قال الألباني1: "ضعيف رواه أبو نعيم في "الحلية" 8/51 وابن النجار 10/167/2 عن نجدة ابن المبارك: ثنا حسن المرهبي، عن طالوت، عن إبراهيم بن أدهم عن هشام بن حسان، عن يزيد الرقاشي، عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً. قلت –القائل الألباني-: وهذا سند ضعيف نجدة هذا قال الحافظ: "مقبول"، ويزيد الرقاشي زاهد، ضعيف.

والحديث أورده السيوطي في "الجامع الصغير" من رواية أبي نعيم فقط، وتعقبه المناوي بقوله:"وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة، وإلا لما عدل عنه، والأمر بخلافه، فقد عزاه في "الفردوس" وغيره إلى ابن ماجة من حديث أنس مرفوعاً. قال ابن حجر: وسنده ضعيف، وقال جدنا الأعلى الإمام الزين العراقي: وفيه يزيد الرقاشي ضعيف". قلت –القائل الألباني-: وما تعقب به السيوطي لا وجه له، بل هو ذهول عن أن السيوطي قد ساق حديث ابن ماجه، عن أنس عقب هذا الحديث مباشرة، وهو حديث طويل، هذا الحديث قطعة منه، وسنده أشد ضعفاً من هذا، وهو الحديث الآتي:

"شهيد البحر مثل شهيد البر، والمائت في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وأن الله عز وجل وكّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين".

1 سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 2/222-223.

ص: 759

موضوع بهذا التمام رواه ابن ماجه رقم (2778) والطبراني في المعجم الكبير (ق 25/1/ مجموع 6)، عن قيس بن محمد الكندي: ثنا عفير بن معدان الشامي، عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره. قلت –القائل الألباني-: وهذا إسناد ضعيف جداً، بل الغالب أنه موضوع على سليم بن عامر الثقة، فإن في متن الحديث من المبالغة ما لا نعرفه في الأحاديث الصحيحة، وآفته عندي عفير هذا؛ فإنه متهم قال أبو حاتم: يكثر عن سليم عن أبي أمامة بما لا أصل له.

قلت –القائل الألباني-: وهذا منه.

والحديث عزاه السيوطي في "الجامع" لابن ماجه، والطبراني في "الكبير"، وذكر المناوي أن الطبراني رواه عن الكندي أيضاً، ثم قال: قال الزين العراقي، وعفير بن معدان: ضعيف جداً.

واعلم أن هذا الحديث، والذي قبله مخالف لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين".

أخرجه مسلم، وغيره من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما" ا?.

ص: 760