المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السادس عشر: باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي - جـ ٢

[يوسف بن محمد الدخيل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الحديث الثالث عشر: باب ما جاء في فضل شهر رمضان من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع عشر: باب ما جاء في العمل في أيام العشر من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس عشر: باب ما جاء في الفطر والأضحى حتى يكون من كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس عشر: باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع عشر: باب ما جاء في فضل الطواف من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّامن عشر: باب ما جاء "في الحج عن الشيخ الكبير والميت

- ‌الحديث التاسع عشر: باب ما جاء في المشي أمام الجنازة من كتاب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه سلم

- ‌الحديث العشرون: باب ما جاء في (أمرك بيدك) من كتاب الطلا ق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الحادي والعشرون: باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم من كتاب الحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّاني والعشرون: باب ما جاء في الغال ما يصنع به من كتاب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّالث والعشرون: باب ما جاء في ثواب الشهداء من كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع والعشرون: باب ما جاء في الصف والتعبئة عند القتال من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس والعشرون: باب ما جاء في الألوية من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس والعشرون: باب ما ذكر من الشرب بنفسين من كتاب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع والعشرون: باب ما جاء في صفة أبواب الجنة من كتاب صفة الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثامن والعشرون: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة من أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التّاسع والعشرون: باب ما جاء أن العطاس في الصلاة من الشيطان من كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثلاثون: باب عرضت علي ذنوب أمتي من كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله علسه وسلم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون: باب ومن سورة التوية من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثاني والثلاثون: باب ومن سورة "ص" أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثالث والثلاثون: باب ومن سورة الطور من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحديث السادس عشر: باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌الحديث السّادس عشر: باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

3/169-170 سنن الترمذي

بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي

ص: 609

حدّثنا عبد الله بن أبي زياد: أخبرنا زيد بن حباب عن سفيان عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله:"أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجرن، وحجة بعد ما هاجر معها عمرة، فساق ثلاثاً وستين بدنة1، وجاء علي من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة2 من فضة، فنحرها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة3 فطبخت فشرب من مرقها".

كلام الترمذي على هذا الحديث

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث سفيان، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه، عن عبد الله بن أبي زياد.

وسألت محمداً عن هذا؟ فلم يعرفه من حديث الثوري، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظاً وقال: إنما يروي عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، مرسل.

1 البدنة: صلى الله عليه وسلمبفتحتين) : تقع على الجمل، والناقة، والبقرة وهي بالإبل أشبة. وسميت بدنة؛ لعظمها وسمنها. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/108.

2 البرة: 0بضم الباء وتخفيف الراء) : حلقة تجعل في لحم الأنف، وربما كانت من شعر. "المصدر السابق" 1/22.

3 البضعة: بالفتح: القطعة من اللحم، وقد تكسر "المصدر السابق" 1/133.

ص: 611

تخريج الحديث

أخرج الحديث سوى الترمذي:

1-

ابن ماجه في "سنن"1 نحوه.

2-

الحاكم في "المستدرك"2 مختصراً، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي.

3-

البيهقي في "دلائل النبوة"3 بإسناده إلى أبي القاسم الطبراني.

4-

الدراقطني في "سننه"4 مختصراً.

حكم هذا الحديث

ضعّف الترمذي هذا الحديث؛ لتفرد زيد بن الحباب به عن سفيان5، وذكر أنه رأى عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخرجه في "كتبه"6 عن شيخه فيه، كما ذكر أنه سأل البخاري عنه فلم يعرفه من

1 2/1027 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم3076) .

2 1/470.

3 مصور 2 ورقة 104 وجه/ب.

4 2/278.

5 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين أي ومئة، وله أربع وستون، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 1/311.

6 بحثت عنه في "سنن الدارمي" فلم أعثر عليه.

ص: 612

حديث سفيان بهذا الإسناد، وعده خطأ، وقال إنما يروي عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن مجاهد مرسلا. وهذا المرسل الذي أشار إليه البخاري فيما نقله عنه الترمذي أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"، إلا أن فيه "عن ابن جريج" بدل "عن أبي إسحاق"، وقد نبه البيهقي على ذلك عقب تخريجه، وقال:"هذا هو المحفوظ مرسلا" ا?.

وفيما يلي نص ذلك:

"قال البيهقي1: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، اخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا سعد أن بن نصر، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: "حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين: وهو بمكة قبل الهجرة، وحجة الوداع". كذا قال:"عن ابن جريج" هذا هو المحفوظ مرسلا" ا?.

وأخرج تلوه حديث زيد بن الحباب، وقال بعد تخريجه:"تفرد به زيد ابن الحباب عن سفيان، وقد بلغني عن محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله أنه قال: "هذا حديث خطأ، وإنما روى عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

قال البخاري: كان زيد بن الحباب إذا روى حفظاً ربما غلط في الشيء" ا?.

وإلصاق الخطأ بزيد كان بالإمكان لو انفرد به، فإنه كما قال

1 دلائل النبوة 2 ورقة 104 وجه/ب.

ص: 613

أحمد1: "كان يخطئ كثيراً" ا?، ويخطئ في حديث الثوري خاصة كما قال ابن حجر2، حتى إن ابن معين قال3 تلك الجملة، وهي:"أحاديثه عن الثوري مقلوبة" ا?.

إلا أنه لم ينفرد، بل تابعه عليه عبد الله بن داود الخريبي، وهو ثقة كما سوف نعرف.

قال العراقي4 في كلامه على هذا الحديث: "شيخ الترمذي نسب إلى جده وهو عبد الله

بن أبي الحكم بن أبي زياد القطواني الكوفي5، وتابعه عليه أحمد بن يحيى الصوفي6، وكلاهما ثقة، وباقيهم رجال

1 العلل ومعرفة الرجال 1/248 وانظر: شرح سنن الترمذي للعراقي 3/ورقة 75 وجه/أ، وتهذيب التهذيب 3/404.

2 قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/273: "زيد بن الحباب -بضم المهملة وموحدتين- أبو الحسين العكلي -بضم المهملة وسكون الكاف- أصله من خراسان وكان بالكوفة، ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين/ روى له مسلم وأهل السنن الأربعة". وانظر في مصادر ترجمته: "تذكرة الحفاظ" 1/350 و"تاريخ بغداد" 8/442 و"الجرح والتعديل"

1/2/561 و"التاريخ الكبير" 2/1/391 و"التاريخ الصغير" 2/298 و"شرح علل الترمذي"/124 و"الطبقات الكبرى" 6/402.

3 انظر ميزان الاعتدال 2/100.

4 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 75 وجه/أ.

5 تقدمت ترجمته في الحديث العاشر.

6 أحمد بن يحيى بن زكريا الأودي أبو جعفر الكوفي، العابد ثقة، من الحادية عشرة مات سنة أربع وستين أي ومئتين، روى له النسائي. تقريب التهذيب 1/28 وفي تهذيب التهذيب 1/89 "وقال البناني: الصوفي".

ص: 614

الصحيح، إلا أن زيد بن حباب قال فيه ابن معين:"يقلب حديث الثوري، ولم يكن به بأس" وقال أحمد: "كان كثير الخطأ" ووثقه هو وغيره، واحتج به مسلم، ولم ينفرد به زيد بن الحباب كما قال الترمذي، بل تابعه عليه عبد الله بن داود الخريبي رواه ابن ماجه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي، عن عبد الله بن داود عن سفيان قال:

"حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر"، وذكر نحوه وفي آخره قيل له: من ذكره؟ قال: جعفر1 عن أبيه2، عن جابر، وهو إسناد صحيح والقاسم بن محمد وثقه ابن حبان، وعبد الله ابن داود الخريبي ثقة احتج به البخاري" ا?.

وقوله: "والقاسم بن محمد وثقه ابن حبان" قلت: وكذا الخطيب3

1 جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد المعروف بالصادق، صدوق فقيه، إمام من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين أي ومئة/ روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة "تقريب التهذيب" 1/132.

2 هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ثقة، فاضل، من الرابعة مات سنة بضع عشرة أي ومئة/ روى له الجماعة "المصدر السابق" 2/192.

3 تاريخ بغداد 12/431.

ص: 615

قال: "كان ثقة"، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1:"وحدّث عنه ابن خزيمة في صحيحه" ا?.

وقال في "تقريب التهذيب"2: "القاسم بن محمد بن عباد المهلبي أبو محمد البصري، نزيل بغداد، ثقة، من الحادية عشرة، روى له ابن ماجة.".

وأما الخريبي: فهو عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الهمداني، ثم الشعبي أبو عبد الرحمن المعروف بالخريبي 3، كوفي الأصل، سكن الخريبة، وهي محلة بالبصرة، وقيل كان ينزل عبادان. روى عن: الأعمش، والثوري، ومسعر، وجماعة. وروى عنه: الحسن بن صالح بن يحيى، وهو من شيوخه، وعارم ومسدد وغيرهم4.

قال ابن سعد5: "كان ثقة، عابداً، ناسكاً".

1 8/336.

2 2/120.

3 قال ابن الأثير في "تهذيب الأنساب" 1/437-438: "الخريبي -بضم الخاء وفتح الراء وسكون الياء قبل آخر الحروف وفي آخرها باء موحدة- هذه النسبة إلى الخريبة، وهي محلة بالبصرة، ينسب إليها أبو عبد الرحمن عبد الله بن داود الخريبي الهمداني

" الخ.

4 الطبقات الكبرى 7/199 دون قوله صلى الله عليه وسلمعابداً) وانظر: تهذيب التهذيب 5/199.

5 انظر تهذيب التهذيب 5/199-200 و"تذكرة الحفاظ" 1/338.

ص: 616

وقال معاوية بن صالح عن ابن معين1: "ثقة، صدوق، مأمون".

وقال أبو زرعة2 والنسائي3: ثقة.

وقال أبو حاتم4: كان يميل إلى الرأي، وكان صدوقاً.

وقال الدراقطني5: "ثقة، زاهد".

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"6: "ثقة، عابد، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة أي ومئتين وله سبع وثمانون سنة، أمسك عن الرواية قبل موته، فلذلك لم يسمع منه البخاري. روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة".

فعرفنا بمتابعة عبد الله بن داود أن هذا الحديث مما ضبطه زيد بن الحباب، ولم يغلط فيه. قال ابن عدي في "الكامل"7 معقباً على قول ابن معين السابق: "والذي قاله ابن معين أن أحاديثه عن الثوري مقلوبة، إنما له عن الثوري أحاديث مثبتة، بعض تلك الأحاديث تستغرب بذلك الإسناد،

1 تهذيب التهذيب 5/200.

2 المصدر السابق 5/200 والجرح والتعديل 2/2/47.

3 تهذيب التهذيب 5/200.

4 الجرح والتعديل 2/2/47 وانظر "تهذيب التهذيب" 5/200.

5 انظر تهذيب التهذيب 5/200.

6 1/412-413.

7 2 القسم الثاني صفحة 138.

ص: 617

وبعضه يرفعه ولا يرفعه غيره، والباقي عن الثوري، وعن غير الثوري مستقيمة كلها" ا?.

فليكن هذا الحديث من تلك المستقيمة لما سبق من متابعة عبد الله ابن داود، فإنه من الجائز أن يكون الحديث عند سفيان بهذا الإسناد وبهذا الإسناد فكان يحدث مرة بهذا ومرة بهذا، ولما عرض الترمذي على البخاري حديث سفيان من رواية زيد بن الحباب وهو لا يعرفه إلا بالإسناد الآخر من رواية غير زيد. قال عن حديث زيد أنه غير محفوظ، فإنه قدر أن يكون زيد أخطأ فيه فخالف غيره، واعتقد أن البخاري، وكذا الترمذي، ومن تبعهما لو اطلعوا على متابعة عبد الله بن داود الخريبي والشاهد الآتي لكان موقفهم غير هذا الموقف، والله أعلم.

هذا وللحديث شاهد من رواية ابن عباس، رواه ابن ماجة عن القاسم بن محمد بن عباد، عن عبد الله بن داود، عن سفيان فذكر الحديث وفي آخره قيل له من ذكره؟ قال جعفر عن أبيه عن جابر، وابن أبي ليلى عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس1.

وقد أورده المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" في مسند ابن عباس، كما أورد حديث جابر في مسنده من الأطراف من رواية زيد والخريبي، وفي هذا الشاهد تأييد لما سبق أن ذكرته من أن الحديث يجوز أن يكون عند سفيان بأكثر من إسناد، فهذا إسناد ثالث غير الإسنادين

1 انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم 1/295.

ص: 618

السابقين، وهذا لا يمنع أن يكون أحد هذه الأسانيد التي روى فيها الحديث أشهر من غيره.

وأيضاً أنت تلاحظ أن الحديث عند القاسم، والخريبي عن سفيان بإسنادين: إسناد إلى جابر، وإسناد إلى ابن عباس.

هذا وابن ليلى المذكور في هذا الشاهد هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة. قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"1:"صدوق، سيء الحفظ جداً، من السابعة، مات سنة ثمان وأربعين أي ومئة، روى له أهل السنن الأربعة".

وأما الحكم: فهو الحكم بن عتيبة -بالمثناة ثم الموحدة مصغراً- أبو محمد، ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو عمر الكندي مولاهم الكوفي، وليس هو الحكم بن عتيبة بن النهاس.

قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"2: "ثقة ثبت، فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة أي ومئة أو بعدها، وله نيف وستون، روى له الجماعة".

1 2/184 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 9/301 و"ميزان الاعتدال" 3/613 و"المغني في الضعفاء" 2/603 و"الجرح والتعديل" 3/2/322 و"التاريخ الكبير" 1/1/162 و"التاريخ الصغير" 2/91 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/92.

2 1/192 وانظر في مصادر ترجمته: "تذكرة الحفاظ" 1/117 و"الجرح والتعديل" 1/2/123 و"التاريخ الكبير" 1/2/332 و"التاريخ الصغير" 1/276 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 6/331.

ص: 619

وعلى أن الحكم روى عن مقسم كثيراً، فقد جزم بعض العلماء بأنه لم يسمع منه إلا بضعة أحاديث.

قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1: "قال أحمد وغيره: لم يسمع الحكم حديث مقسم كتاب إلا خمسة أحاديث، وعدها يحيى القطان: "حديث الوتر، والقنوت، وعزمة الطلاق، وجزاء الصيد، والرجل يأتي امرأته وهي حائض. رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، عن علي بن المديني، عن يحيى".

قال ابن رجب في شرح "علل الترمذي"2: "الحكم عن مقسم روى عنه كثيراً، ولم يسمع منه سوى أربعة أحاديث. قاله شعبة. قال أبو داود: ليس فيها مسند واحد يعني: كلها موقوفات. وذكر ابن المديني عن يحيى بن سعيد، عن شعبة أنه قال: هي خمسة أحاديث. وعدّها شعبة:

المذكورة أعلاه". وواضح أن هذا الحديث ليس فيما عدّ.

قال ذلك ابن رجب في فصل عقده في كتابه المذكور تحت عنوان: "ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا شيء يسير، مع أنه قد روى بها أكثر من ذلك".

قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "قال ابن حبان "الثقات": كان يدلس" ا?.

1 2/434.

2 495-496.

3 2/434.

ص: 620

وأورده ابن حجر في "طبقات المدلسين"1 في الثانية منها، وهي من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، فقال: الحكم بن عتيبة -بمثناة ثم موحدة مصغراً- تابعي صغير من فقهاء الكوفة، مشهور، وصفه النسائي بالتدليس، وحكاه السلمي عن الدارقطني" ا?.

وأما مِقسم: فهو -بكسر أوله- ابن بجرة -بضم الموحدة وسكون الجيم- ويقال نجدة -بفتح النون وبدال- أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له مولى ابن عباس؛ للزومه له صدوق، وكان يرسل من الرابعة، مات سنة إحدى ومئة، وما له في البخاري سوى حديث واحد، روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة2.

وليس بين حديث جابر الذي معنا، وحديث أنس الذي رواه الترمذي فيما بعد مخالفة.

قال الترمذي3: حدثنا إسحاق بن منصور ثنا حبان بن هلال، ثنا همام، حدثنا قتادة قال: قلت لأنس كم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: حجة واحدة

1 /6.

2 تقريب التهذيب 2/273 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 10/288 و"ميزان الاعتدال" 4/176 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/445 و"الجرح والتعديل" 4/1/414 و"التاريخ الكبير" 4/2/33 و"التاريخ الصغير" 1/292 وما بعدها.

3 سنن الترمذي مع تحفة الحوذي 3/546.

ص: 621

واعتمر عمرة في ذي العقدة، وعمرة الحديبية، وعمرة مع حجته، وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة حنين.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وحبان بن هلال، أبو حبيب البصري، وهو جليل ثقة، وثقه يحيى بن سعيد القطان. أ?.

والحديث أخرجه مسلم1 وغيره، فإنه أراد هنا حج حجة واحدة –أي- بعد ما هاجر.

قال النووي في "شرح صحيح مسلم"2: "معناه بعد الهجرة لم يحج إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع سنة عشر من الهجرة". ا?.

وأخرج البخاري3، ومسلم4 من حديث زهير قال: حدثنا أبو إسحاق قال: حدثني زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها (حجة الوداع) قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى".

قال ابن حجر5: "وقوله: "وأنه حجّ بعد ما هاجر حجة واحدة لم

1 صحيح مسلم بشرح النووي 8/235-236.

2 8/236.

3 صحيح البخاري مع فتح الباري 8/107.

4 صحيح مسلم بشرح النووي 8/336.

5 فتح الباري شرح صحيح البخاري 8/107 وانظر "عمدة القارئ" 8/419 و"إرشاد الساري" 6/446.

ص: 622

يحج بعدها "حجة الوداع" يعني: ولا حجّ قبلها، إلا أن يريد نفي الحجّ الأصغر، وهو العمرة فلا، فإنه اعتمر قبلها قطعاً.

وقوله: "قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى": هو موصول بالإسناد المذكور، وغرض أبي إسحاق أن لقوله: "بعد ما هاجر" مفهوماً، وأنه قبل أن يهاجر كان قد حجّ، لكن اقتصاره على قوله (أخرى) قد يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة، وليس كذلك، بل حجّ قبل أن يهاجر مراراً بل الذي لا أرتاب فيه أنه لم يترك الحج، وهو بمكة قط؛ لأن قريشاً في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر منهم عنه من لم يكن بمكة، أو عاقه ضعف وإذا كانوا وهو على غير دين يحرصون على إقامة الحج، ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب، فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يتركه؟

وقد ثبت من حديث جبير بن مطعم1 أنه رآه في الجاهلية واقفاً بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله له2، وثبت دعاؤه قبائل العرب إلى

1 جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي، عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/126.

2 أخرج البخاري في صحيحه 3/515 مع فتح الباري ومسلم في صحيحه بشرح النووي 8/198 عن جبير بن مطعم قال –واللفظ للبخاري-: "أضللت بعيراً لي، فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقلت: هذا والله من الحمس فما شأنه ها هنا؟ " قال ابن حجر في فتح الباري 3/516: "وروى ابن خزيمة وإسحاق موصولا في مسنده من طريق ابن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن عمه نافع ابن جبير عن أبيه، قال: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة، ويقولون: نحن الحمس فلا نخرج من الحرم، وقد تركوا الموقف بعرفة. قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ويدفع إذا دفعوا". ولفظ يونس بن بكير عن ابن إسحاق في "المغازي" مختصراً وفيه: "توفيقاً من الله له". وأخرجه إسحاق أيضاً، عن الفضل بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن عطاء أن جبير بن مطعم قال:"أضللت حماراً لي في الجاهلية فوجدته بعرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفات مع الناس، فلما أسلمت علمت أن الله وفقه لذلك". قال ابن حجر: وأفادت هذه الرواية أن رواية جبير له لذلك كانت قبل الهجرة، وذلك قبل أن يسلم. ا?. قال القاضي عياض:"كان هذا في حجه قبل الهجرة، وكان جبير حينئذ كافراً وأسلم يوم الفتح، وقيل يوم خيبر فتعجب من وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، والله أعلم". "شرح صحيح مسلم" للنووي 8/198 وانظر المراسيل لابن أبي حاتم/155.

ص: 623

الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية، كما بينته في الهجرة إلى المدينة" ا?.

قال النووي في "شرح صحيح مسلم"1: "وقوله: قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى" يعني: قبل الهجرة، وقد روى في غير مسلم قبل الهجرة حجتان" ا?.

1 8/336.

ص: 624

قال ابن حزم في "جوامع السير"1: "حجّ صلى الله عليه وسلم واعتمر قبل النبوة وبعدها قبل الهجرة حججا وعمرا لا يعرف عددها، ولم يحج بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع سنة عشر" ا?.

وقال ابن الجوزي في كتابه "الوفا بأحوال المصطفى"2: "قد حجّ النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة حجات وما حج بعد الهجرة إلا مرة، وهي التي تسمى حجة الوداع" ا?.

قال الكرماني في "شرح صحيح البخاري"3: "قال ابن الأثير في "الجامع"4: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حجّ قبل النبوة وبعدها حجات" ا?.

قال ابن كثير في "البداية"5: "كتاب حجة الوداع في سنة عشر ويقال لها حجة البلاغ، وحجة الإسلام، وحجة الوداع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعدها، وسميت حجة الإسلام؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحج من المدينة غيرها،

1 /15.

2 /523.

3 16/210.

4 بحثت عن كلام ابن الأثير هذا في "جامع الأصول" فلم أعثر عليه علماً أنه أورد الحديث وعزاه للترمذي فقط.

5 5/109-110.

ص: 625

ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها. إلى أن قال: وهذا الذي قال أبو إسحاق من أنه عليه الصلاة والسلام حجّ بمكة حجة أخرى أي أراد أنه لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة، كما هو ظاهر لفظه فهو بعيد، فإنه عليه الصلاة والسلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج، ويدعو الناس إلى الله، ويقول:"من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل"، حتى قيض الله جماعة الأنصار يلقونه ليلة العقبة أي عشية يوم النحر عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات، حتى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية، وهي ثالث اجتماعه لهم به ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة، كما قدمنا ذلك مبسوطاً في موضعه والله أعلم" ا?.

قال ابن القيم في "زاد المعاد"1: "لا خلاف أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر، واختلف هل حج قبل الهجرة؟ فروى الترمذي عن جابر بن عبد الله "رضي الله عنهما" قال: "حجّ

"، فذكر الحديث إلى قوله: "معها عمرة"، ثم نقل بعض كلام الترمذي عليه، ولم يعقب عليه بشيء.

1 1/175.

ص: 626

قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"1: "معروف أنه حجّ صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ففي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم قال: "أضللت بعيراً لي، فذهبت أطلبه، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة –الحديث.

وفي الصحيحين عن أبي إسحاق أنه حجّ حجة قبل الهجرة، وقد ذكر جماعة من أهل السير أنه حج حججاً ذوات عدد قبل الهجرة أكثر من حجتين، ولا مانع من ذلك" ا?.

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي"2: "فإن قيل: "رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم حجّ قبل أن يفرض الحجّ فعلى أي ملة كان؟ فإن الناس اختلفوا فيه".

قلنا: قد بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شرعه أحد، وأنه كان على الفطرة سليماً عن الريبة، سليماً عن البدعة، سليماً عن المعصية، سد عليه باب المخالفة لما يكره الله بتوفيق الله له ذلك، وتيسيره حتى جاء أمر الله، فلما بعث الله نبينا، وقص عليه أمر الرسل، وأعلمه حالهم وشرائعهم، وتفصيل الكائنات، ورأى الأنبياء حجاجاً كإبراهيم مصلين، حج فتطوّع، فجرى على الطريقة المثلى بتوفيق الله تعالى حتى فرضه الله علينا، وعليه، وأنزل تفسيره إليه، وقال:"خذوا عني مناسككم" فأكمل الله الدين، وأتم النعمة، فتعالى ربنا، وجزاه عنا بأفضل الجزاء" ا?.

1 3 ورقة 75 وجه/ب.

2 4/32-33.

ص: 627

قال الكرماني1: "فإن قلت فرض الحج سنة ثمان أو تسع وقرر مناسكه فيها، فكيف حج بمكة قبل الهجرة؟

قلنا: كانوا يحجون قبل السنة المذكورة، لكن لم تكن فريضة، وأركانه إما هذه المشروعة اليوم أو نحو منها" ا?.

1 شرح صحيح البخاري 16/210.

ص: 628