المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ سنوات الصراع المرير - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولمقدمات الحرب وظروفها

- ‌ ذوي اللحى الشقراء

- ‌ الموقف على جبهة المسلمينفي المشرق

- ‌ الموقف على جبهة الأندلس

- ‌ الموقف على جبهة المغرب الإسلامي

- ‌أ - أعداء الداخل (في تنس)

- ‌ب - وهران بعد المرسى الكبير:

- ‌ج - احتلال بجاية:

- ‌د - أعداء الداخل للمرة الثانية:

- ‌ الجهاد في البحر والقرصنة

- ‌الفصل الثانيخير الدين (بربروسا)

- ‌ سنوات الصراع المرير

- ‌أ - من جيجل إلى الجزائر

- ‌ب - الصراع في تلمسان واستشهاد عروج

- ‌ خير الدين على طريق الجهاد

- ‌أ - بناء الجزائر والجهاد في البحر

- ‌ب - خير الدين - أميرا عاما للأسطول العثماني

- ‌ج - أعداء الداخل في غياب (خير الدين)

- ‌د - شارلكان وغزو الجزائر

- ‌هـ - الصفحة الأخيرة في حياة (خير الدين)

- ‌و- خير الدين وموقعه في فن الحرب

- ‌قراءات

- ‌ 1 -تجربة استعمارية(معاهدات إسبانية)

- ‌ 2 -في أدب الحرب(الشعر في الحض على القتال والجهاد)

- ‌ 3 -عروج في الخالدين

- ‌ 4 -معاهدة ملك تلمسانمع الإمبراطورية الإسبانية

- ‌ 5 -رسالة السلطان سليمانالقانوني إلى ملك فرنسا

- ‌ 6 -شارلكان - وبربروس

- ‌مراجع البحث الرئيسية

- ‌فهرست الكتاب

الفصل: ‌ سنوات الصراع المرير

1 -

‌ سنوات الصراع المرير

(918 - 924 هـ = 1512 - 1518م)

لم يكن عروج وأخوه خير الدين، وهما في قاعدتهما في (حلق الوادي) بعيدين عن مسيرة الأحداث وتطوراتها وفي الوقت ذاته كانت أخبار غزوات الأخوين تتردد بقوة في وسط المجاهدين الذين قهرتهم القوة الاستعمارية الغاشمة، وتألب عليهم حكامهم من المتعاونين مع أعداء الدين. وقام المجاهدون في صياصي جبالهم بالاتصال مع الأخوين (ذوي اللحى الشقراء) طالبين إليهما التدخل والتعاون لنصرة الدين. وجاءت نكبة (بجاية) لتزيد من خطورة الموقف. فشكل العلماء والأعيان من أهل بجاية وفدا قابل عروج وناشده إنقاذ بجاية من قبضة العدو. وكذلك فعل ملك (قسنطينة) أبو بكر الحفصي، وجمع عروج وخير الدين رجالهما، وتشاوروا في الأمر، وقرروا المبادرة بتلبية النداء، واتفقا مع جماعات المجاهدين القريبين من بجاية وفي بلاد القبائل أنهما قادمان توا، وتم الاتفاق على موعد للإلتقاء عند أسوار (بجاية).

وأخذت وفود المجاهدين في الوصول إلى قرب المدينة، ونزلت جماعات من القبائل المستوطنة في جبال زواوة، فتجمع حوالي ثلاثة

ص: 85

ـ[خريطة]ـ

أهم المدن ببلاد الجزائر في مطلع القرن 16 (حسب ما جاء من ليون الافريقي)

ص: 86

آلاف مجاهد تولى قيادتهم (المجاهد الموفق). وفي الوقت ذاته غادر عروج وأخوه قاعدتهما في (حلق الوادي) ومعهما خمس سفن حربية تحمل السلاح والرجال والمدافع، فتم الوصول في الوقت المحدد، غير أن أسطولا إسبانيا (عمارة بحرية) مكونا من (15) سفينة كان قد وصل إلى بجاية حاملا معه الدعم لحاميتها.

وظهر أنه من المحال على القوة الإسلامية الصغيرة مجابهة الأسطول المتفوق. فقام الأخوان (عروج وخير الدين) بتنفيذ مناورة خداعية، متظاهرين بالابتعاد بقوتهما عن بجاية، وانطلق الأسطول الإسباني للمطاردة، وعندما وجد (الأخوان) أن بعض قطع الأسطول قد أصبحت ضمن مجال مدفعيتهما، قاما بانقضاض مباغت، وجرت معركة قاسية نجح فيها عروج بالاستيلاء على سفينة إسبانية وأغرق أخرى فيما لاذت بقية قطع الأسطول بالفرار. وكان من رأي خير الدين محاصرة (بجاية) بحرا وترك المجاهدين لمحاصرتها برا حتى يضعف أمرها وتحين فرصة مناسبة للانقضاض. غير أن (عروج) صمم على النزول بقسم من قواته للقيام بهجوم فوري. وتم تنفيذ ذلك. فقاد (عروج) قوة من خمسين مجاهدا. ونزل بهم إلى البر، وتقدم مستطلعا أسوار المدينة وحصونها. فيما كان أفراد الحامية يتابعون من وراء الأسوار تحركهم من فوق الشرفات، وعند اقتراب (عروج) ووصوله إلى مدى الأسلحة الفردية (البنادق) انهالت عليه وعلى قوته النيران، وأصابت رصاصة ذراعه فكسرتها. وظهر أنه من المحال متابعة الهجوم، فاضطر (عروج) للرجوع إلى تونس فورا لمعالجة ذراعه، ولم يجد الأطباء يومئذ لها من علاج إلا بترها. لكن عروج لم يواصل طريقه إلى تونس مسالما، أو مستسلما للألم من كسر ذراعه، وإنما استمر في أداء واجبه، إذ أنه اصطدم وهو في طريقه الساحلي

ص: 87

بسفينة معادية تابعة لمدينة جنوه الإيطالية، فهاجمها وأسرها وغنم ما فيها، ثم رجع بها إلى تونس وضمها إلى قوة اسيطيله.

ولم تكن هذه المعركة - أو هذا الاشتباك الأولي - معدوم القيمة أو الفائدة، فقد ظهر لرجال القبائل الجبليين شدة مراس هؤلاء المقاتلين البحارة من المسلمين، وما يتميزون به من الشجاعة والإقدام ، فكان الاشتباك هو اختبار للثقة، وبداية للتعارف وتنسيق التعاون بين القوى المختلفة، وجاء فقد ذراع عروج) عربونا لهذه الثقة.

وفي الوقت ذاته، كانت هذه العملية إنذارا للإسبانيين، الذين عرفوا أن تلاحم القوى في البر والبحر سيؤدي إلى تعاظم قوة المسلمين، فعملوا فورا على طلب المزيد من الدعم من إسبانيا، وغيروا بالمقابل سياستهم للفصل بين القوى البحرية (عروج وأخيه خير الدين) والقوى البرية (الوطنية والقومية في المغرب الإسلامي) وذلك باستمالة هذه الأخيرة وإغداق الأموال عليها وذلك أمكن لهم العثور على من يتعاقد معهم لتأمين الإمداد والتموين للحامية الإسبانية.

وقد أفاد (عروج) من تجربته الاستطلاعية لمدينة (بجاية)، فعرف أنه من المحال محاصرتها وخوض حرب طويلة ضدها وهو في قاعدته البعيدة في (تونس). فقرر فتح (جيجل) التي تبعد مسافة (120) كيلومترا غربي بجاية، وتحريرها من قبضة الأعداء، واتخاذها قاعدة للعمليات المقبلة يتم فيها تجميع الوسائط وحشد القوى. وكانت مدينة جيجل خاضعة لحامية إيطالية (من جنوه) منذ سنة (1260 م) وعندما قام (عروج) بهجومه الفاشل على (بجاية) أسرعت حامية (جيجل) فطلبت الدعم الذي تولى أمره المغامر

ص: 88

(أندريا - دوريا) والذي كان يعمل في حينها في خدمة فرنسا، فأسرع بقيادة أسطوله، ودخل (جيجل) واشتبك مع أهلها المسلمين في معركة وحشية، وأخرجهم منها ، ودعم حاميتها الجنوية لتمارس دورها التجاري الذي كان لها من قبل. وعاد أهل (جيجل) المشردون فاستنجدوا (بعروج) وأعلنوا له استعدادهم لدعمه بكل ما يستطيعونه، وتم الاتفاق على موعد الهجوم، ومضى المجاهدون في استعداداتهم. وقاد (عروج) قوته البحرية ومعه إخوته، حتى إذا ما وصل (جيجل) بدأ هجومه على الفور، وتم إنزال القوات البحرية، وتأمين الاتصال مع مجموعات المجاهدين، من أهالي جيجل بصورة خاصة - وبعد معركة عنيفة وقاسية استطاع المسلمون اقتحام المدينة وإبادة حاميتها إبادة تامة. ورجع أهل البلدة إلى ديارهم، وشاركوا بقية المجاهدين في قسمة الغنائم الوفيرة التي كانت في المركز التجاري وذلك في سنة (1514 م).

وتمكن عروج من تحقيق هدف مزدوج، فقد استطاع طرد أعداء الدين من بلدة إسلامية، وهي أول بلدة ينقذها على ساحل البلاد - التي أصبحت فيما بعد تدعى البلاد الجزائرية وحصل أيضا على قاعدة صلبة ومأمونة - برية بحرية - يمكن له الانطلاق منها لتطوير أعماله القتالية. وهكذا استقر عروج في جيجل تحيط به حماية أهلها الذين بادلوه إخلاصا بإخلاص ووفاء بوفاء. وكان لا يزال في حاجة لفترة من الراحة حتى تشفى جراح ذراعه المبتورة، وقد أفاد من فترة الهدوء هذه، فعمل على تطوير اتصالاته بمختلف الوفود الإسلامية التي أخذت في التوجه من كل المغرب الأوسط لتلقي عليه مسؤولية طرد أعداء الدين من بلاد المسلمين، ولتعاهده على تقديم ما تستطيعه من الدعم والمساعدة ، وفي تلك الفترة، ارتفعت الاستغاثات من

ص: 89

الأندلس وهي تطلب الإنقاذ، نظرا لما كان يتعرض له أهلها المسلمون من العسف والجور - فتوجه (خير الدين) على رأس قوة البحرية، وما أمكن له جمعه من السفن ملبيا بالاتفاق مع أخيه أصوات الاستغاثة اليائسة حيث المستضعفون من الرجال والنساء والأطفال الذين نكث الإسبان بوعودهم تجاههم، وتنكروا للمواثيق المعقودة معهم، فأصبحوا يرغمونهم على اعتناق المسيحية تحت تهديد الإبادة. وكانت الاستغاثة تتردد بالآية الكريمة:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (1).

وأنقذ خير الدين ما أمكن إنقاذه، نظرا لما كان يتعرض له من مضايقات الأسطول الإسباني، وانقض على جزائر الباليئار التي أصبحت تحت سيطرة الإسبانيين، واحتل (مينورقة) وأخذ أسرى من أهلها، ثم رجع إلى قاعدته في مدينة (جيجل). وفي أثناء فترة غيابه، كان أخوه (عروج) قد وطد مكانته في جهة جيجل والجبال المحيطة بها، حيث التفت حوله قبائل (كتامة) التي رأت فيه مثال الإنسان المسلم المؤمن، وأحبت صدقه وأخلاقه، فبايعته أميرا عليها، وعاهدته على دعمه والسير من ورائه إلى ميادين القتال والجهاد لإنقاذ المدن الإسلامية. وتمكن (عروج) بذلك من تكوين جيش منظم، أحسن تشكيله في مجموعة من الكتائب، ودربه على استخدام الأسلحة الحديثة والرمي بها. كما وعده الشيخ (أحمد بن القاضي -شيخ بلاد زواوة الغربية، أوكوكو) بالدعم والتأييد، وانطلق رجال الدين والعلماء وهم يحضون على الجهاد في سبيل الله، ولم تلبث الدعوة للجهاد حتى أصبحت عامة وشاملة.

(1) سورة النساء - الجزء الخامس - الآية 75.

ص: 90

وأكمل (عروج) استعداداته، وغادر قاعدته متوجها إلى (بجاية) في شهر آب (أغسطس) من سنة 1514 وهو يقود جيشا من المجاهدين يضم عشرين ألف مجاهد. ووصل (بجاية) فأحكم الحصار حولها. واشتبك مع حاميتها في معارك قاسية. وكان يتابع في الوقت ذاته دراسة التنظيم الدفاعي للمدينة في محاولة لتحديد نقاط الضعف التي تساعد على اختراق التحصينات والأسوار. واستمرت عملية الحصار طوال ثلاثة أشهر وأدرك (عروج) بعدها صعوبة اقتحام المدينة في هذه الجولة، فقرر الانسحاب ورفع الحصار. وعاد إلى (جيجل) لقضاء فصل الشتاء فيها وكمال الاستعدادات.

تحرك (عروج) في ربيع سنة 1515 لتنفيذ محاولته الثالثة من أجل تحرير بجاية، وقد اعتمد في محاولته هذه على إجراء حصار بري -بحري، فقاد قواته في البر، ووجه اسيطيله بحرا للمشاركة في العملية، حيث اقتحمت السفن مصب نهر الصومام الذي كانت مياهه غزيرة خلال ذلك الفصل من السنة مما ساعد بإحكام الحصار على المدينة.

وركز (عروج) نيران مدفعيته على معقل (الحصن الصغير).

واستمر في قصفه بقوة وعنف حتى تم له تدميره، والقضاء على معظم حاميته. وحاولت قوات المجاهدين اقتحام المدينة عبر انقاض القصر الصغير، غير أنها اصطدمت بالمواقع المحصنة ومراكز الدفاع القوية التي وقفت خلفها الحامية الإسبانية وهي تدافع بعناد وضراوة، وفشلت المحاولة للهجوم من ناحية البحر. وعندها وجه (عروج نيران مدفعيته إلى القصر الكبير، وأخذ يقصفه بتركيز كبير. وتقدمت قوات المجاهدين نحو القصر الكبير، واستخدمت المتفجرات والألغام

ص: 91

من أجل تدمير الخندق المحيط به وتدمير أسواره.

وأمر (عروج) ببناء برج مرتفع فوق التل الذي يهيمن على (بجاية) حتى يراقب سير المعركة. وعمل على رفع المدافع إلى التل من أجل ضرب الأسوار بالرمي المباشر. وقرر مهاجمة المدينة هجوما عاما من كل الجهات. ووقعت معارك دموية استشهد فيها عدد كبير من المجاهدين، وقتل عدد من الإسبانيين أيضا. وقد تركز الهجوم الإسلامي على خمس نقاط حتى لا يترك للإسبانين فرصة التجمع في مكان واحد. وكانت أعمال القصف والتدمير قد استنزفت كمية البارود التي أعدها (عروج) للمعركة. فأرسل في طلب البارود من (السلطان الحفصي بتونس محمد بن الحسن) غير أن هذا السلطان امتنع عن تقديم ما طلبه (عروج) وتجاهله، فوجد هذا نفسه مضطرا لإيقاف الاشتباكات بعد أن نفذت الذخائر. وكانت مياه وادي الصومام قد تناقصت حتى لم يعد باستطاعة السفن الملاحة فيه، كما لم يعد باستطاعة هذه السفن العودة للبحر نظرا لأن الإسبانين كانوا قد حشدوا أسطولا قويا وقف يتربص خروج السفن من النهر إلى البحر. فأمر (عروج) بإحراق السفن، بعد أن استخدم قسما منها لعبور القوات. وخسرت قوات عروج ثلاثة أرباع قوتها، كما قتل في المعركة (محمد الياس) الأخ الأكبر لعروج وخير الدين، والذي كان قد نذر نفسه للعلم وحفظ القرآن والتفقه في أمور الدين إلى جانب مشاركته في الجهاد. واصطحب عروج أثناء انسحابه ستمائة أمير من المقاتلين الإسبان.

وكان (عروج) قد أرسل للسلطان (سليم) عند استيلائه على (جيجل) هدية رمزية مما حصل عليه من الغنائم، وأرفق الهدية برسالة شرحت للسلطان العثماني ما يتعرض له - وأخوه خير الدين - من

ص: 92