المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌د - شارلكان وغزو الجزائر - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولمقدمات الحرب وظروفها

- ‌ ذوي اللحى الشقراء

- ‌ الموقف على جبهة المسلمينفي المشرق

- ‌ الموقف على جبهة الأندلس

- ‌ الموقف على جبهة المغرب الإسلامي

- ‌أ - أعداء الداخل (في تنس)

- ‌ب - وهران بعد المرسى الكبير:

- ‌ج - احتلال بجاية:

- ‌د - أعداء الداخل للمرة الثانية:

- ‌ الجهاد في البحر والقرصنة

- ‌الفصل الثانيخير الدين (بربروسا)

- ‌ سنوات الصراع المرير

- ‌أ - من جيجل إلى الجزائر

- ‌ب - الصراع في تلمسان واستشهاد عروج

- ‌ خير الدين على طريق الجهاد

- ‌أ - بناء الجزائر والجهاد في البحر

- ‌ب - خير الدين - أميرا عاما للأسطول العثماني

- ‌ج - أعداء الداخل في غياب (خير الدين)

- ‌د - شارلكان وغزو الجزائر

- ‌هـ - الصفحة الأخيرة في حياة (خير الدين)

- ‌و- خير الدين وموقعه في فن الحرب

- ‌قراءات

- ‌ 1 -تجربة استعمارية(معاهدات إسبانية)

- ‌ 2 -في أدب الحرب(الشعر في الحض على القتال والجهاد)

- ‌ 3 -عروج في الخالدين

- ‌ 4 -معاهدة ملك تلمسانمع الإمبراطورية الإسبانية

- ‌ 5 -رسالة السلطان سليمانالقانوني إلى ملك فرنسا

- ‌ 6 -شارلكان - وبربروس

- ‌مراجع البحث الرئيسية

- ‌فهرست الكتاب

الفصل: ‌د - شارلكان وغزو الجزائر

العبيد المسيحيين الذين تمكنوا من الفرار يوم 27 شباط (فبراير) وغادروا الجزائر بسفينة صغيرة أوصلتهم إلى مدينة بجاية.

يوجد الآن في مدينة الجزائر ألفان من الأتراك وسبعة أو ثمانية آلاف من مهاجري الأندلس في مدن الجزائر ومليانة وبقاع أخرى وزعها بربروس على الحاميات. أما حاكم الجزائر اليوم فهو من سردينيا، اسمه حسن آغا، وسكان المدينة في قلق شديد، لأنهم اتصلوا بأنباء موثوق بها تفيد تحرك أسطول جلالتكم. وأخبرنا الأسرى المذكورون ان الأمطار الغزيرة التي انهمرت في فصل الشتاء قد هدمت سور المدينة في ثلاث جهات، وعلى مسافات شاسعة، وقد أقدم السكان على ترميم ما تحطم بكل سرعة، لكن العمل لم يتم إلى الآن نظرا لعدم وجود البنائين العارفين. ويقولون هنا أنهم سيستعينون بألف وخمسمائة من العرب المحيطين بالجزائر من أجل إنجاز العمل. أما مدينة قسنطينة ففيها ألف وخمسمائة من الإنكشارية يقودهم تركي اسمه (القائد كلج علي) وبربروس هو الذي أرسل هؤلاء الإنكشارية وبما أن كلج علي هذا تابع لحكومة الجزائر، فلا ريب أنه سيقدم إلى مدينة الجزائر بمجرد علمه بتحرك أسطول جلالتكم).

‌د - شارلكان وغزو الجزائر

كان (شارلكان) يعمل جاهدا على خلق كتلة أوروبية قوية تجابه العالم الإسلامي. وعندما توفي الإمبراطور النمساوي (مكسيميليان) طمع (شارلكان) في ضم هذا العرش. وكان ملك فرنسا (فرنسوا الأول) يطمع في السيطرة على هذا العرش أيضا والذي ينضوي تحت لوائه سبعة ملوك وأمراء. ومن هنا، واعتبارا من سنة 1519، بدأ الصراع بين الملكين. واجتمع الأمراء الناخبون (الالكتر) في مدينة

ص: 144

فرانكفورت، وبعد المساومات المعهودة تم الاتفاق يوم 5 تموز (يوليو) 1519 على انتخاب ملك إسبانيا إمبراطورا للغرب وأصبح يحكم معظم إيطاليا وبلجيكا وهولاندا والنمسا وبعض الشمال الإفرنسي بالإضافة إلى الممتلكات الإسبانية في الأرض الجديدة (أمريكا الجنوبية) ووجدت فرنسا نفسها محاطة بالأعداء وهي تكاد تفقد استقلالها، سيما بعد خيانة مارشال فرنسا (الأمير دي بوربون) أثناء الحرب، واتفاق الأمراء على اقتسام ترابها. وبعد معارك طويلة قاسية، وقع ملك فرنسا أسيرا في إيطاليا يوم 24 شباط (فبراير) 1525 وحمل إلى مدريد، حيث أرغم على توقيع معاهدة سلم فيها لأعدائه ما طلبوه منه، وكتب إلى أمه يقول:

(سيدتي، لقد خسرت كل شيء، ما عدا الشرف والحياة). ثم أطلق الإسبانيون سراحه بعد أن ترك ولديه رهينة عندهم. وأرسلت أمه - أو أرسل هو عن طريق أمه - رسالة يستغيث فيها بالسلطان سليمان القانوني لنجدته والتحالف معه. وأجابه سليمان إلى ما طلبه (1) وما كاد يذاع نبأ هذا الحلف بين سلطان المسلمين وملك فرنسا المسيحي، حتى اجتاحت أوروبا موجة من النقمة، وارتفع صوت التنديد بملك فرنسا الذي يستنجد - بالكفار - أعداء المسيحية ضد ملك مسيحي. وأسهم (شارلكان) بهذه الحملة من أجل تضييق الخناق على فرنسا، وأعلن إلغاءه للمعاهدة السابقة التي عقدها مع ملك فرنسا وكان التحالف الذي تم الاتفاق عليه بين الملك الفرنسي ومندوبي السلطان العثماني ينص على القيام بهجوم مشترك ضد إيطاليا. وفي أيار - مايو - سنة 1538 جمع السلطان سليمان في ألبانيا جيشا كبيرا من

(1) انظر نص رسالة السلطان سليمان في (قراءات - 5) في آخر الكتاب.

ص: 145

خريطة

طرق أهم الحملات

الأوربية على الجزائر

ص: 146

مائة ألف مقاتل للهجوم على إيطاليا.

وكان معه ولداه (محمد وسليم) وسفير فرنسا في إستامبول (مسيو دولانوي) وفي الوقت ذاته قام (خير الدين باشا) بإنزال قواته في ميناء أوترنته بجنوب إيطاليا، استعدادا لمهاجمتها من جهة الجنوب، بينما يهاجمها السلطان سليمان من جهة الشرق، وملك فرنسا من جهة الغرب، لكن ملك فرنسا أحجم عن التقدم استجابة للرأي العام المسيحي، وأدى ذلك إلى فشل المشروع، وانتهى الأمر بتوقيع هدنة بين ملك فرنسا وبين الإمبراطور (شارلكان)، ووقعا على معاهدة الصلح في (نيس) سنة 1538 بعد أن مارس البابا (بولس الثالث) نفوذه القوي من أجل المحافظة على الوحدة المسيحية، وصدا للتقدم الإسلامي في بلاد إيطاليا.

فتحت معاهدة (نيس) المجال الواسع أمام (شارلكان) لإعداد حملته الضخمة ضد الجزائر، لا سيما وأن ملك فرنسا تعهد لشارلكان بأنه لن يحاربه ولن يقوم بأي عمل ضده، أثناء محاربته وتحطيمه لسلطان المسلمين في مدينة الجزائر، ففرنسا والبابا وكل البلاد المسيحية كانت مشتركة في الحملة العظمى على مدينة الجزائر.

كان نائب خير الدين في ولاية الجزائر (محمد حسن) يتابع جهوده لإعادة تنظيم البلاد. وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار فيها، وحشد القوى والوسائط لتطوير الصراع ومجابهة الاحتمالات المختلفة، غير أن ذلك لم يصرفه عن متابعة الجهاد في سبيل الله في البحر. وقاد مجموعة من العمليات كان من أبرزها إغارته على جبل طارق ومعركته البحرية ضد قوة من الأسطول الإسباني.

ففي عمليته الأولى، جهز قوة من (1300) مقاتل حملتهم

ص: 147

تفصيل معركة الجزائر الكبرى وانكسار الإسبان برا وبحرا أمامها

ص: 148

(13)

سفينة حربية غادرت الجزائر. في شهر أيلول (سبتمبر)1539. ووصلت هذه القوة الموانىء الجنوبية الأندلسية، وقامت بالإنزال وأغارت على جبل طارق، فاحتلت البلدة، واستولت على ما فيها من غنائم، وأوغلت في الإقليم وهي تصادر ما يقع تحت أيدي المجاهدين وتختار من الإسبانيين جماعات الأسرى والسبايا لبيعهم في المدن المغربية الجنوبية (تطوان خاصة) ثم تعود للميدان.

وعندما تمت العملية وقفل (محمد حسن) راجعا إلى مدينة الجزائر، اصطدم بقوة بحرية إسبانية ضخمة يتولى قيادتها (الأميرال برنارد دي موندوزا) ووقعت معركة ضارية بين القوتين أسفرت عن غرق عدد من سفن الجانيين. وتمكنت القوات الإسبانية من تحرير سبعمائة من الجذافين النصارى الذين كانوا يعملون أسرى فوق السفن الجزائرية. لكن خسائر الإسبان خلال هذه المعركة كانت كبيرة جدا زاد عدد القتل فيها على ثمانمائة قتيل.

وأتم شارلكان استعداداته لحملته الحربية البحرية الكبرى ضد الجزائر. وضم جيشه أفضل المقاتلين والنبلاء من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى المتطوعين، وأيضا إلى الجيش الذي أرسله البابا بقيادة حفيده (كولونا). كما أرسلت رهبنة مالطا (140) فارسا و (400) مقاتلا من المشاة. وأصبح هذا الجيش يضم (24) ألف مقاتل من المشاة - الراجلين و (ألفي) فارس. أما الأسطول فكان يشتمل على (450) سفينة نقل ضخمة و (65) سفينة حربية كبرى.

وبلغ مجموع عدد أفراد البحارة (12) ألف رجل، وتولى (أندريا دوريا) قيادة القوة البحرية في حين تولى (شارلكان) بنفسه قيادة الحملة.

ص: 149

وعندما أصبحت الحملة جاهزة للتحرك أصدر البابا يوحنا الثالث بيانا نشره على البلاد الأوروبية كلها، أعلن فيه أن هذه الحملة هي حملة صليبية، وأن واجب كل مؤمن بالمسيح مخلص للنصرانية، أن ينضم إليها وأن يشارك في محاربة الكافرين.

وحاولت إسبانيا خلال ذلك إضعاف البحرية العثمانية عن طريق محاولة استمالة (خير الدين - بربروس) وذلك بأن تم إرسال جواسيس من قبل (شارلكان) إلى إستامبول للإتصال مع (خير الدين) ومفاوضته على أساس تعيينه (ملكا) على الشمال الأفريقي كله، واعتراف إسبانيا بملكيته مقابل اعترافه بتبعيته لشارلكان ودفع جزية سنوية محددة. ودخل (خير الدين) في المفاوضات التي استمرت على فترات متناوبة طوال سنتين تحت أشراف (أندريا درريا). وكان (خير الدين) يطلع السلطان على تطور المفاوضات في كل مرحلة من مراحلها، وعندما وصلت مهمة وفد المفاوضات المكون من ثلاثة مفاوصين برئاسة الدكتور (أومبرو) حتى نهايتها، ووفقا لخطة متفق عليها بين خير الدين والسلطان بادر هذا بإلقاء القبض على (الجواسيس الثلاثة) وأودع الدكتور (أرمبرو) في سجن (قلعة الحصون السبعة) بتهمة حث أحد الرعايا العثمانيين على العصيان. وكان وقع هذا الفشل مريرا على نفس (أندريا دوريا) بقدر ما كان مزعجا لإمبراطوره (شارلكان) الذي علق أملا كبيرا في إحراز نصر كبير بثمن بخس إن هو استطاع ضم (خير الدين) لقوته.

ولم يبق أمام (شارلكان) غير الحرب، فتحرك بأسطوله الضخم مغادرا (مرسى ماهون) يوم 18 تشرين الأول - أكتوبر - سنة 1541، ووصل إلى (جون الجزائر) في الساعة السابعة من صباح يوم (20)

ص: 150

تشرين الأول - أكتوبر - وأخذ في إجراء عرض قواته البحرية أمام مدينة الجزائر لإرهاب حاميتها ثم توجه بأسطوله إلى طرف الخليج المقابل لمدينة الجزائر، عند رأس (تامنتغوس - أو تامانتغوس) وخيم هناك مؤقتا، ثم عاد مباشرة نحو الضفة اليسرى لوادي الحراش. وهناك أخذ بإنزال جنده منذ فجر يوم الأحد 23 تشرين الأول - أكتوبر - وفي الساعة التاسعة من اليوم ذاته، نزل الإمبراطور إلى الأرض، محاطا بالأشراف والنبلاء ورجال الحاشية، وأقام المركز العام لأركان حربه الإمبراطوري عند (الحمة أو الحامة) شرقي مدينة الجزائر (حيث حديقة التجارب الآن). وذلك على مقربة من مركز التجمع العام. الواقع بين الحمة وضفة الحراش.

فأسرع (محمد حسن) بتجميع كل ما لديه من القوى، واستعد للدفاع، وقرر مع أركان حربه تطبيق الخطة التي نجح الجزائريون في تنفيذها خلال معاركهم السابقة مع الإسبانيين والتي مكنتهم من النصر مرتين متتاليتين. فتحصنوا في المدينة ينتظرون تطور الأحداث ويراقبون بدقة تحركات الإسبانيين ومناوراتهم.

وعلى هذا فما أن وطأت أقدام الإسبانيين أرض الجزائر، حتى انطلق المجاهدون الجزائريون للعمل تحت قيادة (المجاهد الحاج بشير) وهم يحيطون بالقوات الإسبانية من كل اتجاه، ويوجهون إليها ضربات مباغتة سريعة بواسطة زمر من الفرسان القليلة في عدد أفرادها والسريعة في انقضاضها وانسحابها بحيث لم تترك للقوات الإسبانية فرصة للراحة أو النوم.

وقرر الإمبراطور البدء بتنفيذ معركته في يوم 24 تشرين الأول - أكتوبر - فتولى بنفسه قيادة التحرك نحو الأمام، على رأس الفيلق

ص: 151

الألماني، وترك للفريق الإيطالي وفرسان مالطة مهمة حماية المؤخرة تحت قيادة حفيد البابا (كاميل كالونا). واستمر الإمبراطور في تقدمه، واستمر المجاهدون في الإغارة على القوات الإسبانية، وأرغموها على التوقف حينا عند إحدى الربوات، وفي النهاية وصلت القوات الإسبانية إلى (كدية الصابون - الواقعة على مرتفع خلف مدينة الجزائر)، حيث دارت معركة قاسية مع المجاهدين، تمكن الإمبراطور بعدها من احتلال الموقع الاستراتيجي (للكدية). ووضع أعتدته الثقيلة فيها واتخذ منها قاعدة للهجوم ثم بدأ على الفور بتوسيع قاعدة عملياته، فاحتل مجموعة التلال التي تصل ما بين (كدية الصابون) و (قنطرة العفرون) قرب البحر غربي الجزائر. وبذلك باتت مدينة الجزائر مطوقة ومعزولة في البر والبحر.

وعند ذلك، أرسل (شارلكان) من قبله مندوبا (هو الفارس لورنزو مانويل) لإقناع حامية الجزائر بالاستسلام بعد أن باتت مطوقة، وبعد أن ظهر لها مدى التفوق الكبير في القرى التي أحاطت بالمدينة، ووصل المندوب إلى الجزائر، وأبلغ (محمد حسن) الرسالة التي يحملها وهي كالتالي:

(أنا ملك إسبانيا الذي استولى على تونس وأخرج منها خير الدين، وتونس أعظم من الجزائر وخير الدين أعظم منك) فأجابه (محمد حسن آغا) بالرساله التالية: (غزت إسبائيا الجزائر في عهد عروج مرة، وفي عهد خير الدين مرة، ولم تحصل على طائل، بل انتهبت أموالها وفنيت جنودها، وستحصل المرة الثالثة كذلك إن شاء الله).

في الليلة ذاتها، وصل إلى معسكر شارلكان رسول من قبل والي

ص: 152

الجزائر (محمد حسن آغا) يطلب إذنا للسماح بحرية المرور لمن أراد من أهل الجزائر وخاصة نساءها وأطفالها مغادرة المدينة عبر (باب الواد). وعرف (شارلكان) أن حامية الجزائر مصممة على الدفاع المستميت، وأنه من المحال احتلال الجزائر إلا إذا تم تدميرها تدميرا تاما. ولم يكن الإمبراطور قد أنزل مدفعية الحصار حتى تلك الساعة، فلم يتمكن بذلك من قصف الجزائر بالمدفعية، وفي الوقت ذاته كان المجاهدون الجزائريون يوجهون ضرباتهم الموجعة إلى القوات الإسبانية، في كل مكان، حتى قال أحد فرسان مالطة في تقريره عن المعركة:

(لقد أذهلتنا هذه الطريقة في الحرب، لأننا لم نكن نعرفها من قبل). وكانت أعداد المجاهدين تتعاظم باستمرار بفضل تدفق مقاتليهم من كل مكان بمجرد سماعهم بإنزال القوات الإسبانية. وكان هؤلاء يستفيدون في توجيههم لضرباتهم من معرفتهم الدقيقة بالأرض واستخدامهم لمميزاتها بشكل رائع.

وبدأ المطر الغزير في السقوط مع بداية الليل، وكانت كثافة الأمطار وغزارتها تتزايد مع تقدم الليل. بينما هبت ريح عاتية من الشمال الغربي، فتعالت الأمواج وتشابكت، وأصبح الأسطول الذي يحمل السلاح الثقيل - المدفعية - والأعتدة والمواد التموينية أمام مأزق خطير. ولم يكن للإسبانيين في تلك الليلة خيام يحتمون فيها من وابل المطر، إذ لم يكونوا قد جاؤا بالعتاد اللازم من السفن. فكان لا بد لهم من قضاء شر ليلة بين الماء والوحل بعد أن قضوا أسوأ نهار في المسير والاشتباك بنيران المجاهدين.

ثم أقبل الفجر أخيرا على المجاهدين الذين لم يناموا ليلهم وهم في مدينة الجزائر المحاصرة يستعدون للمعركة الحاسمة. وارتفع الأذان

ص: 153

من المساجد داعيا الناس لبيوت الله، ورددت عشرات مآذن المدينة الدعوة، فأنزلت السكينة على النفوس. وما كادت تنقضي الصلاة، حتى فتحت أبواب المدينة بصورة مباغتة، وتدفقت موجات المجاهدين وهي تردد بصوت واحد صيحة الحرب (الله أكبر).

وقاد المجاهد (الحاج البشير) الهجوم على ميمنة الخط الإسباني، وكانت مستقرة أمام رأس تافورة (بين إدارة البريد المركزي اليوم والبحر). وتلقت الفرقة الإيطالية الصدمة الأولى، فلم تتمكن من الصمود لها، واستولى عليها الرعب والفزع، فتقهقرت متراجعة بدون نظام حتى وصلت إلى معسكراتها. وازداد المجاهدون إقداما واندفاعا لاستثمار هذا النصر الأول. فواصلوا هجومهم في مطاردة فلول الهاربين إلى أن اصطدموا بكامل الفرقة الإيطالية التي كانت تحتل القطاع الأوسط في التنظيم القتالي للقوات الصليبية. وعلى الرغم من التفوق الساحق للقوى الإيطالية، فقد اندفع المجاهدون بحماسة لا توصف لقتالها. ولم تتمكن الفرقة الإيطالية من الصمود أمام الهجوم القوي للمجاهدين. واضطرب أمرها. فولت منهزمة، وتشتت إلى مجموعات صغيرة. ووجد المجاهدون الجزائريون فرصتهم لإبادة ما يستطيعون إبادته من هذه القوى الممزقة. ولم تتوقف المذبحة إلا عندما تدخلت فرقة فرسان مالطة.

كانت هذه الفرقة تقف على مسافة بعيدة من مواقع القوات الإيطالية، فما كادت ترى ضراوة المعركة، وتمزق القوات الإيطالية، مما بات يهدد الجيش الإمبراطوري كله بالدمار، حتى اندفعت بكامل قوتها، وتمركزت في الفج الصغير الذي يقع وراء الجسر والذي يمر منه الطريق المؤدي إلى كدية الصابون، فضمنت بذلك حماية فلول

ص: 154

القوات الإيطالية، واضطر المجاهدون الجزائريون لإيقاف هجومهم حتى لا يتعرض طريق انسحابهم للتهديد. وفي الوقت ذاته اندفع القائدان الصليبيان (كولونا والأمير صالمون) ومعهما زمرة من الفرسان لإيقاف الفرقة الإيطالية، ومنعها من التوغل في فرارها، وأمكن لهما بعد جهد كبير إيقافها وإعادة تجميع من بقي منها بعيدا عن أرض المعركة.

عند هذه المرحلة أصدر القائد (الحاج البشير) أمره إلى المجاهدين بالتراجع المنظم مع المحافظة على التماس مع العدو حتى الوصول إلى أسوار مدينة الجزائر وتحصيناتها، وتم تنفيذ عملية التراجع بطريقة رائعة حسبها فرسان ماطلة انسحابا من المعركة. فانطلقوا بثقل قوتهم لما حسبوه مطاردة، حتى إذا ما وصل المجاهدون بكتلتهم المنظمة إلى مسافة قريبة من حصن (باب عزون) قام رجال الدفاع الجزائريون بفتح الأبواب، ودخل المجاهدون، ثم أغلق الباب بسرعة وأحكم رتاجه وبقيت قوات العدو مكشوفة تجاه السور، تحت سيل المطر الغزير، ولم يعد باستطاعة فرسان مالطة التقدم إلى الأسوار واقتحامها، كما لم يعد باستطاعتهم التراجع بعد أن أصبح سلاح الجزائريين يحصدهم جميعا من وراء ظهورهم.

وامتطى الإمبراطور (شارلكان) صهوة جواده حين بلغته أنباء الكارثة التي نزلت بالقوة الإيطالية، وتقدم مع النبلاء ورجال الحاشية ومهرة الفرسان لنجدة فريق مالطة واقتحم مع قواته منطقة الخطر تحت نيران الحصون الجزائرية ففقدت القوات نصف عدد أفرادها. وأثناء ذلك لم يوقف الجزائريون من عرب الداخل عملياتهم على مؤخرة القوات المعادية. وزاد الأمر سوءا بالنسبة لقوات الفرنج الصليبيين

ص: 155

عندما وقفوا عاجزين عن استخدام أسلحتهم النارية التي أفسدت السيول والأمطار بارودها وحولته إلى كتل من العجين غير المتفجر. في حين كان المجاهدون فوق الأسوار يستخدمون أسلحتهم النارية بصورة رائعة، كما كان النازحون الأندلسيون يستخدمون بكفاءة عالية القسي الحديدية لرمي السهام البعيدة المدى بدقة مثيرة للإعجاب. وتكسرت موجات الهجوم واضطرت للإنسحاب بعد أن تركت فوق أرض المعركة الغارقة بالوحل أعدادا كبيرة من القتلى.

وهكذا وبينما كانت معركة يوم 25 تشرين الأول - أكتوبر -تسفر عن نصر حاسم لمصلحة القوات البرية الجزائرية، كانت العواصف تقوم بدورها لتمزيق الأسطول البحري الإسباني، إذ أدت الأمواج المتلاطمة إلى ضرب قطع الأسطول بعضها ببعض - وخاصة منها سفن النقل الكبيرة - لتعمل على تحطيمها والقذف بها فوق أرض الساحل. وأسفر هذا الموقف عن كارثة حقيقية نزلت بالأسطول الصليبي، عندما تجاوز عدد سفن النقل التي تحطمت على الساحل (150) سفينة. وكان المجاهدون المسلمون من عرب البلاد الداخلية يغنمون ما فيها ويأسرون رجالها.

أما السفن الحربية التي كانت أمتن صنعا وأحسن قيادة فقد انسحبت من موقع الخطر، مستعملة المجاذيف، واستمرت عمليتها هذه نحو من أربع وعشرين ساعة. غير أن هذه السفن الحربية التي ناورت بمهارة مبتعدة عن مركز الخطر، كانت تحمل في جوفها خطرا أكبر، إذ كان العاملون على مجاذيفها من أسرى المسلمين المستعبدين في معظمهم، وكان هؤلاء يتابعون تطورات المعركة بحذر ويقظة، وتبين لهم أن لحظتهم المناسبة قد أزفت لتحرير أنفسهم من العبودية،

ص: 156

ولتقديم خدماتهم لإخوانهم المجاهدين في سبيل الله في الوقت ذاته. فتركوا المجاذيف، واندفعوا يجرون سلاسلهم وأغلالهم الثقيلة ويبغون النجاة مهما كان الثمن. وأدت هذه العملية إلى ارتطام (16) سفينة حرببية بجدران الساحل. ونجح المجاهدون الجزائريون في إنقاذ ألف وأربعمائة بحار منهم، وأنزلرهم الجزائر.

وأراد الإمبراطور (شارلكان) وأركان حربه إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما قذف به الأسطول إلى ساحل البحر من سلاح وعتاد إلى جانب إنقاذ البحارة من القتل أو الأسر أو الغرق بعد أن انقلبت سفنهم وباتوا وهم يئنون تحتها بين الأمواج المتلاطمة. فبعثوا فرقة إنقاذ إلى الساحل، غير أن هذه الفرقة وقفت عاجزة عن القيام بأي عمل. فقد سبقهم المجاهدون واستولوا على كل ما قذف به البحر، أما بقية محتويات السفن فقد أخذت طريقها إلى عمق المياه، بما في ذلك المدفعية والمعدات والذخائر والمواد التموينية. وانتشرت قطع السفن المدمرة فغمرت مياه الساحل على امتداد مائتي كيلو متر، ما بين شرق دالس وغرب شرشال.

وكان (أندريا دوريا) يشرف على العمليات البحرية من فوق ظهر سفينته الضخمة (طومبيراس) ويحاول الدفاع عن رجاله وحماية متاعه وكل ما قذفت به الأمواج على الساحل وذلك بمنع وصول المجاهدين إليه، فكان يتقدم من الساحل وهو يصارع الأمواج، ويتابع رمي قنابله وقذائف مدفعيته، غير أن محاولاته لم تحقق هدفها، بل إنها زادت من حجم الكارثة وتسببت في تدمير سفينة حربية أخرى.

لم يفقد الإمبراطور (شارلكان) رباطة جأشه، وعلى الرغم من

ص: 157

استسلامه لقضاء الله وقدره وترديده باستمرار للعبارة التالية (فلتكن إرادتك يا رب). فقد مضى لإعادة تنظيم القوات، غير أنه كان من المحال عليه معالجة المأزق الصعب الذي وقع فيه، فقد هيمن الرعب والفزع على قواته، وفقد معظم مواده التموينية فبات جيشه مهددا بالجوع، بالإضافة إلى أن قوة الجزائريين كانت تتعاظم باستمرار وهم يتابعون الموقف من وراء الأسوار ويستعدون للانقضاض على قواته من جديد.

وانطلق يستشير هيئة أركان حربه وكبار معاونيه ممن أبقت عليهم المعركة. وكانت الحلول المتاحة أمامه محدودة، فإما الإنسحاب ببقايا قواته وأسطوله وإما إعادة تنظيم ما بقي لديه من القوى والوسائط واختيار بقعة مناسبة للدفاع عنها في انتظار تحسن المناخ ووصول إمدادات جديدة من أوروبا. وانقسمت وجهات نظر القادة في تأييد أحد الحلين الوحيدين.

وكان رأي قائد الأسطول (أندريا دوريا) هو العامل الحاسم في ترجيح أحد الاحتمالين - أو الحلين -. وقد حدد (أندريا) موقفه من الأزمة بوضوح، فأرسل من سفينته فدائيا أسبانيا، حمله رسالته، وقد استطاع هذا الفدائي مصارعة الأمواج والتسلل من بين المجاهدين حتى وصل إلى خيمة الإمبراطور، وأبلغه رسالة قائده التي جاء فيها:(وأما من جهة البحر فإنه من المحال بقاء الأسطول في مركز الخطر داخل الخليج، لأن بقية السفن ستتحطم حتما، إن هو لم يعمل على سحبها فورا إلى جهة (تامانتغوس) المواجهة لمدينة الجزائر على الطرف المقابل من الخليج، وأما من جهة البر، فإنه يرى بأنه من المحال أيضا البقاء أو الانتظار وأنه من الواجب الانسحاب فورا ببقية الرجال،

ص: 158

وركوب سفن الأسطول الباقية للوصول إلى جهة - تامانتغوس). وأيد معظم قادة الجيش وجهة نظر قائد الأسطول، إلا القائد الإسباني (فرناندو كوريتز) الذي كان يرى وجوب البقاء والمقاومة (1) ووقف معه أيضا الكونت (د. الكوديت) حاكم وهران العام. وهكذا رجحت كفة الانسحاب، وبدأت المسيرة الشاقة للابتعاد عن الأسوار، واختراق ضفة البحر، للوصول إلى رأس (تامانتغوس). ونظرا لنفاد المواد التموينية، فقد أمر الإمبراطور بذبح الخيول التي كانت لدى الجيش، وتوزيع لحمها لإطعام الرجال، مبتدئا بذبح تلك الخيول العربية البديعة التي جاء بها لنفسه. وبات الجيش الصليبي في تلك الليلة وراء (وادي خنيس). ثم استأنف الجيش تحركه في اليوم التالي (27 تشرين الأول - أكتوبر) حتى وصل وادي الحراش. ولما كانت مياه الطوفان قد ارتفعت كثيرا فقد بات من المحال متابعة المسير. وتم التوقف أمام الوادي.

وفي صبيحة يوم الجمعة (28 تشرين الأول - أكتوبر) استطاع الجنود صنع جسر من أخشاب السفن عبروا عليه إلى الضفة الأخرى.

وتابعوا تحركهم البطيء حتى وصلوا (وادي الحميض - أو الحمير) فباتوا عنده. واستؤنفت المسيرة يوم السبت (29 - تشرين الأول - أكتوبر) وأمكن الوصول في النهاية إلى رأس (تامانتغوس).

لم تكن مشاق الطريق ووعورته وصعوبة التحرك هي كل ما

(1) اكتسب (فرناندو كوريتز) بجدارة شهرة جلاد أمريكا الجنوبية - أو السفاح - وكان حافزه للبقاء والمقاومة هو رؤيته لسفينته المحملة بالكنوز من الذهب والفضة والحجارة الكريمة التي اغتصبها من أصحابها سكان القارة الأمريكية وقد غرقت في مياه الجزائر، فلم يبق له من أمل في الحياة إلا كسب المعركة على أمل التعويض عن بعض ثروته المفقودة.

ص: 159

تعرض له الجيش الصليبي أثناء تراجعه، وإنما كانت الصعوبة الحقيقية هي في رد الإغارات التي شنها المجاهدون الجزائريون والتي لم تتوقف طوال أيام المسير، في الليل كما في النهار، مما اضطر الإمبراطور (شارلكان) إلى وضع الفرقة الإيطالية في الميمنة، وعلى أبعد مسافة من الضربات المحتملة للجزائريين، في حين أسند حماية المجنبة اليسرى والمؤخرة للفرسان المالطيين والمشاة الإسبانيين. وتولى هو بنفسه قيادة المؤخرة، لرد هجمات المجاهدين، وإنقاذ من يسقط من الرجال. وبذلك لم تصل القوات إلى منطقة أنقاض مدينة (رسغوليا) - المدينة الرومانية القديمة - إلا وقد استنزفت المسيرة بقية ما تمتلكه من القدرة والجهد. وقضت بتلك الأطلال يومي الأحد والإثنين، حيث استعادت بعضا من قوتها، ثم بدأت عملية ركوب البحر يوم الثلاثاء (الفاتح من تشرين الثاني - نوفمبر -) وانتهت عملية الركوب يوم (3) تشرين الثاني، وكان الإمبراطور هو آخر رجل ركب البحر إلى مدينة بجاية، وفي الطريق ابتلع البحر الهائج بعضا من السفن أيضا، وأصاب بعضها بالعطب، فكانت أعمال الإصلاح والترميم تتم فوق السفن بلا انقطاع وتوقف. وعندما وصلت القوات إلى بجاية. وجدت أن الموقف أسوأ مما كان متوقعا. فقد أحكم المجاهدون العرب الحصار على الحامية، ومنعوا عنها التموين، إلا ما كان يقدمه بعض العملاء بأثمان خيالية وبكميات محدودة. ومضى الإمبراطور إلى المساجد التي تم تحويلها إلى كنائس، يمضي معظم وقته بالصلوات والابتهالات. وأصدر أمره بإبقاء الكنائس مفتوحة في الليل والنهار للعبادة. كما أعلن الصيام تذللا إلى الله وخشوعا. ولم يجد الإمبراطور في بجاية ما يعمله فأصدر أمره بجمع اليهود وقتل بعضهم واسترقاق الآخرين وبيعهم في أسواق أوروبا.

ص: 160

ومكث الإمبراطور أربعة عشر يوما في (بجاية). وغادرها يوم (16) تشرين الثاني (نوفمبر) 1541م بعد أن وعد حاميتها بالدعم السريع والإمداد العاجل، وعندما وصل إلى بلاده، رمى بتاجه إلى الأرض، وأقسم ألا يضعه على رأسه إلا بعد استيلائه على الجزائر.

وحرم نفسه من وضع التاج لأنه لم يتمكن أبدا من تحقيق هدفه. وبقيت الجزائر (المحروسة) منيعة على المعتدين.

فاقت نكبة الجيش الصليبي الذي قاده (شارلكان) كل نكبة تعرضت لها الحملات الصليبية من قبل. إذ بلغت خسارة هذا الجيش (200) سفينة من بينها (30) سفينة حربية و (200) مدفع و (12) ألف مقاتل - بين قتيل وغريق وأسير - بالإضافة إلى كامل عتاد الحملة وتجهيزها وتموينها. وكانت غنائم المسلمين عظيمة وصفها أحد مؤرخيهم بقوله: (وبقيت الجزائر كالعروس تختال في حليها وحللها من رخاء الأسعار، وأمن الأقطار ولم يبق لهم عدو يخافون منه، وشاعت هذه القضية في مشارق الأرض ومغاربها، وبقي رعب المسلمين في أعداء الدين مدة من الزمن بأمن الملك العلام

وخلف اللعين لأهل الجزائر ما ملأ أيديهم غناء، وكسبت البلاد من ذلك أموالا طائلة، وفرج الله على أوليائه المسلمين) (1).

وفي يوم 25 كانون الأول (ديسمبر) 1541 بعث الكونت (الونزو دي قرطبة) تقريرا من وهران إلى والده (الكونت د. الكوديت) حاكم وهران. حيث كان ينوب عنه أثناء غيابه وجاء في التقرير ما يلي:

(1) عن: حرب الثلاثمائة سنة، أحمد تويق المدني، ص 297 - 298.

ص: 161

(وردتني معلومات جديدة وموثوقة من الجزائر تفيد بأن الأتراك أنقذوا خمسا من السفن - الإسبانية - التي سحبت أربع منها سالمة إلى الساحل، أما الخامسة فمصابة بعطب بسيط. كما أخرج - الجزائريون - من الماء ستين مدفعا بين كبير وصغير - منها عشرين مدفعا ضخما. وأرسل حسن آغا مندوبا منض قبله إلى ملك تلمسان (الملك محمد) يسأله الإعانة استعدادا لتلقي صدمة الأرمادا الجديدة. كما أرسل مندوبين عنه إلى (فليز - أوباديس) على الساحل الشمالي المغربي من أجل صناعة سفن وابتياع أشياء تحتاجها مدينة الجزائر. كذلك أرسل - حسن آغا - مندوبين اختارهم من بين الفضلاء، وجهزهم تجهيزا حسنا، إلى (حامد بن سليمان) وهو الآن شيخ محلة ملك تلمسان، يسأله القدوم لنجدته في الوقت الذي يعينه له. فأجابه الشيخ حامد: بأنه سيقدم حالا للنجدة إذا بقي على رأس المحلة. كذلك استصرخ حسان آغا لنجدته القائد المنصور وكبار المرابطين بالمملكة التلمسانية).

تلقى (محمد حسن آغا) والي الجزائر ونائب (خير الدين) لقب (الباشا) مكافأة له على ما قدمه من جهد، وما بذله من تضحية، وما أظهره من كفاءة في إدارته للبلاد وفي إحباطه للهجمة الصليبية التي قادها (شارلكان) والتي كان له فضل لا ينكر في إدارة حربها. ومضى (محمد حسن باشا) إلى حشد الإمكانات والقوى بمجرد الانتهاء من معركته. وعمل على استثمار الظفر فتقدم على رأس جماعة قليلة من الجيش إلى (بسكرة) وغيرها من بلاد (الزيبان) وما يحيط بها حتى تخوم الصحراء، وأسفرت رحلته هذه عن انضمام كل هاتيك الجهات إلى النظام الجديد الذي ثبتت جذوره في العاصمة الجزائرية.

لكن أعداء الداخل لم يتوقفوا عن التآمر مع أعداء قومهم

ص: 162