الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الداخل). وأقيمت الاحتفالات الضخمة بمناسة هذا النصر. ولم يستمر الصراع طويلا بين الجانبين، إذ عملت القبائل على إعادة توحيد إرادتها من جديد. وجاء (الحسين بن القاضي - شقيق الشيخ أحمد) والذي تولى الإمارة بعد مقتل أخيه، فوضع نفسه تحت تصرف (خير الدين). واستسلم في سنة (1529) استسلاما غير مهين تقبله (خير الدين) بالتقدير والاحترام.
وانصرف (خير الدين) لتضميد الجراح التي خلفتها الفتنة الهوجاء، وعمل على إعادة تنظيم الدولة، وشكل الجيش وسلحه بطريقة أفضل مما كان عليه في السابق، وحشد أسطوله الضخم في الجزائر بعد أن ضم إليه ما كان قد غنمه في جهاده البحري خلال الفترة السابقة، وما لبثت الجزائر طويلا حتى استردت قوتها، وظهرت من جديد وهي تمتلك كل القدرات الضرورية لمتابعة الجهاد في سبيل الله، حيث توافرت لها إرادة جماهيرية - شعبية - صلبة، وجيش قوي منظم في البر والبحر، وإرادة قيادية صلبة تعرف هدفها وتضطلع بواجبها على أفضل صورة ممكنة.
أ - بناء الجزائر والجهاد في البحر
كان وجود الحامية الإسبانية في (جزيرة الصخرة - صخرة الجزائر) أمر يتناقض مع ما تتطلبه مدينة الجزائر من (الأمن). فقرر (خير الدين) بعد أن تم له تنظيم الأمور العمل على تحريرها. وهكذا أخذت المدفعية الجزائرية بقذف قنابلها الحديدية من مرابضها التي تم تشييدها على مسافة مائتي متر فقط من جدران المعقل الإسباني، وذلك في شهر رمضان 936 هـ (6 أيار - مايو - 1529). وأمر (خير الدين) بتجهيز كل السفن الحربية وشحنها بالرجال والعتاد، وأذاع في
كل مكان أنه سيبحر إلى السواحل الإسبانية من أجل الغزو والجهاد. وخرجت السفن فعلا من وراء صخور الجزائر، وأخذت طريقها نحو الشمال، لكن تلك السفن عادت أدراجها تحت جنح الظلام، واختبأت في مرفأ (نتغوس) المقابل للجزائر على الطرف الآخر من الخليج. وكان معقل الصخرة حصينا جدا، وقد بذل الإسبانيون جهدا كبيرا لتحصينه وزيادة قوته، وأقاموا فيه مستودعات ضخمة من الأسلحة والأعتدة والمواد التموينية حتى تتمكن حاميته من الدفاع عنه لمدة طويلة.
لم تتمكن الرمايات الأولى من الأثر كثيرا على تحصينات العقل وأسراره، وفي يوم الخميس 22 أيار (مايو) فتحت بطاريات المدفعية الجزائرية المتمركزة في المدينة نيرانها بكثافة عالية. واستمر القصف طوال يوم الخميس وليل الجمعة بكاملها حتى الفجر، ثم صمتت المدفعية. وظن أفراد الحامية الإسبانية أن العملية قد انتهت، وأنه باستطاعتهم أخد قسط من الراحة، وفي تلك الفترة بالذات كان الأسطول الجزائري يخترق الخليج من ناحية. (تاما - نتغوس) تتقدمها تلك السفينة الضخمة التي كان خير الدين قد غنمها من (البنادقة - دولة البندقية) وشحنها بالسلاح والرجال. وأحاطت السفن بالجزيرة من الشرق والغرب. وعندما تنبه الحرس والمراقبون في القلعة لحركة القوات الإسلامية، وأطلقوا النفير لاستنفار القوات، كان الوقت متأخرا جدا. إذ ما لبث المجاهدون حتى غادروا سفنهم وقاموا بالإنزال فوق أرض المعقل، وهاجموا الحصن يإغارة مباغتة وتمكنوا من اقتحامه.
دارت بعد ذلك معركة قصيرة وحاسمة، سقط فيها (65)
مقاتلا من الإسبانيين، وأنصارهم وخسرت قوات المسلمين (11) تركيا و (35) عربيا. وأسر المسلمون من الإسبانيين (90) جنديا و (20) من النساء والأطفال. وكان قائد معقل الصخرة (مارتينودي فاركاس) بين الأسرى. وقد حاول التستر على المخبأ الذي أودع فيه مقدارا من المال، فتعرض للتعذيب حتى استخرج الأموال التي بلغت ألفي دوقة (48) ألف دينار جزائري. ثم جعلوه بعد ذلك على بقية الأسرى، الذين كلفوا ببناء منارة مسجد خير الدين، الذي كان قد بدىء ببنائه في العاصمة الجزائر. وقسم (خير الدين) الأسرى إلى قسمين تم تكليف القسم الأول بتدمير التحصينات التي أقامها الإسبانيون في جزيرة الصخرة (أبنيون) فيما تم تكليف القسم الثاني ببناء المسجد ورفع مئذنته.
وما كادت هذه العملية تتم حتى ظهرت في الأفق سفينة إسبانية ضخمة تحمل على ظهرها قوة تتكون من سبعمائة محارب علاوة على الأسلحة والإمدادات المختلفة. وكانت أبراج الحراسة الجزائرية تتابع - بالمناظير المقربة - تحرك هذه السفينة وهي تقترب من معقل الصخرة. ولم تلبث سفن المجاهدين أن انقضت عليها وأسرتها، واقتادتها إلى ميناء الجزائر.
وقرر (خير الدين) تحصين الجزائر، فأمر جماعة الأسرى بنقل الصخور والحجارة التي تراكمت من أنقاض معقل الصخرة، وذلك لوصل البر بجزيرة اصطفلة تحت اشراف معلمي البناء الجزائريين. كما أرسل السفن إلى الجهة القابلة نحو الخليج عند مرفأ (تامانتغوس) فجاءته بصخور رومانية قديمة لإكمال العمل. وبذلك أمكن بناء
الأسطول الجزائري يعود بالغنائم
الجسر العريض الذي لا يزال يحمل حتى اليوم اسم (جسر خير الدين) والذي وصل بين الجزر العشرين بعضها ببعض ببناء دائري متين، ليست فيه إلا فتحة واحدة (1) وهكذا تم إنشاء مرسى مدينة الجزائر العتيق (الذي يعرف اليوم باسم - الجفنة) والذي أصبح مقرا للأسطول الجزائري يحميه من العواصف التي تحملها رياح الغرب.
وما إن حقق خير الدين انتصاره العظيم بتحرير جزيرة (أبنيون) حتى أعلن: (أن من كان يؤمن بالله ورسوله، ويريد الجنة في الدار الآخرة، فعليه أن ينضم إلى جيشه بكل سرعة، وذلك لمهاجمة وهران والمرسى الكبير). وانصرف الأسطول الإسلامي أثناء ذلك للجهاد في البحر، وكان الأسطول الجزائري يشمل (15) سفينة من نوع (القالير) وقد ألقى الرعب والهلع في قلوب سكان السواحل
(1) جاء في كتاب (الجزائر) سلسلة الفن والثقافة (8) الصادر عن وزارة الإعلام والثقافة - الجزائر - ص 22 و 25 - 28 ما يلي: (وبذلك كان مولد ميناء الجزائر الذي رغم أبعاده المحدودة، أرعب البلدان العدوة خلال ثلاثة قرون، ففيما يعرف الآن بمرفأ الإمارة البحرية، كان يستقر أسطول الجزائر الذي كان يضم إذ ذاك حوالي سبعين باخرة، وكانت هذه البواخر تحمل أسماء مختلفة عليها مسحة رومنسية مثل (المرعب) و (الوردة الذهبية) و (مفتاح العالم) و (صقر البحار). وقد تم تحسين الجهاز الدفاعي ببناء سور يمتد على مسافة ثلاثة كيلومترات، به عدة أبراج للحراسة، واستمر بناء السور المحيط بالمدينة حوالي (85) سنة. كما تم بناء المنازل العديدة لإسكان المواطنين المتزايد عددهم أكثر فأكثر وكان الدخول إلى المدينة يتم عن طريق خمسة أبواب رئيسية. باب الواد شمالا، وهو يربط المدينة بالخارج وبالمقبرة. وباب عزون جنوبا، وهو يحظى بتردد أكثر لأنه يطل على متيجة (متوجة) ويسهل النشاطات التجارية ، وباب البحرية أو باب الجزيرة الذي يشرف على الميناء، أما باب الترسانة أو باب الصيادين، فإنه يؤدي إلى دار الصناعة حيث تبنى السفن الشراعية الصغيرة، وأخيرا باب جديد الذي ينفتح على قلعة القصبة، وهي القلعة الضخمة الواقعة في قمة المدينة، وكانت هناك أبراج أخرى تكمل الجهاز الدفاعي على البحر مثل (برج الفنار - أو برج المنارة) الذي شيده خير الدين).
الإسبانية، إذ أمعن فيهم حربا وتدميرا وسبيا إلى درجة أن السكان تركوا قراهم وهجروها والتجأوا إلى داخل البلاد. ومقابل ذلك، كانت بقايا المسلمين الأندلسيين تشعر بالبهجة لهذه الانتصارات التي بعثت الأمل في نفوسهم، وعرضت عليهم بعض ما يلقونه من قهر واضطهاد.
وتلقى قائد الأسطول الإسباني وفي سنة (1530 م) أمرا إمبراطوريا بأن يتقدم لمهاجمة الأسطول الإسلامي وتدميره. فاستعد الأميرال (أفريدريكو بور - توندو) للحملة الصليبية الجديدة. وانطلق بقوة (12) سفينة حربية ضخمة لمطاردة أسطول (خير الدين) إلى أن وجده بين جزيرتين من جزر الباليئار. وظن الأميرال الإسباني أن الموقف لمصلحته، فهاجم الأسطول الجزائري بقوة وعنف، وقذفه بنيران مدافعه. غير أن الأسطول الإسلامي تلقى الصدمة بثبات، ووجه (خير الدين) على الفور هجوما مضادا ركزه على سفينة القيادة الإسبانية. وقاد (خير الدين) سفينته بنفسه، وانطلق بها كالسهم حتى وقف بمحاذاة الهدف، وقفز المجاهدون على ظهر السفينة الضخمة وسيوفهم تلتمع في أيديهم. ودارت معركة عنيفة قتل خلالها قائد الأسطول الإسباني وقسم كبير من أفراد سفينته، ووجه (خير الدين) هذه السفينة نحو بقية سفن الأسطول الإسباني، واستمرت الهجمات السريعة، فتم أسر بعض السفن الإسبانية وحرق بعضها الآخر وإغراق عدد منها. وانتهت معركة اليوم بتدمير الأسطول الإسباني تدميرا كاملا بحيث لم تنج منه إلا سفينة واحدة استطاعت الفرار لإعلام قيادتها عن المجزرة الرهيبة التي قضت على الأسطول. وانسحب الأسطول الجزائري بعد أن ضم إليه الغنائم والأسلاب التي كسبها من المعركة.
أثارت معركة جزر الباليئار مناخا من الفزع الذي تجاوز حدود إسبانيا. فبادر (شارلكان) إلى معالجة الموقف بحزم. وعمل على إعادة تنظيم أسطوله وأسند قيادته إلى ضابط مغامر كان قد اكتسب شهرة واسعة في قيادته للأساطيل البحرية وممارسة أعمال القرصنة. وكان هذا الضابط هو (الأميرال اندريا دوريا)(1) الذي كان يعتبر باستمرار أن (خير الدين) هو عدوه اللدود.
انصرف (أندريا دوريا) إلى مدينة جنوة من أجل تنظيم أسطوله، وأمضى سنة (1530) في الاستعداد لحملته الضخمة القادمة. ثم غادر المرسى الإيطالي الكبير في تموز (يوليو) سنة (1531) على رأس أسطول يضم عشرين سفينة تحمل ألفا وخمسمائة من المقاتلين الأشداء، وسار بهم نحو الساحل الجزائري وقد حدد هدفه بتدمير الأسطول الإسلامي كمرحلة أولى، ثم الانطلاق من مركز بجاية في الشرق ومركز وهران والمرسى الكبير في الغرب لخنق الدولة الجزائرية، ووضع المغرب العربي الإسلامي بكامله تحت الحكم الكاثوليكي - الإسباني.
(1) ورد في كتاب - حرب الثلاثمائة سنة - أحمد توفيق المدنى ص 220 - 221 تعريفا بهذا الأميرال كما يلي: (أندريا دوريا هو سليل بيت من أكبر بيوتات مدينة جنوة الإيطالية وأمجدها. وقد ورث عن أبيه وعن جده حب المغامرة البحرية وعشق الأمواج واقتحام الأخطار بين الشراعات المنشورة والزوابع الثائرة، وهدير المدافع ولمعان السيوف. ولم يكن يهمه هوية الشخص الذي يعمل تحت رايته، على شرط أن يكون مسيحيا مقاتلا، فعمل أولا تحت لواء مدينة جنوة ثم خدم ملك فرسا - فرانسوا الأول - الذي سلمه قيادة أساطيله، التي أن صدرت عن الملك الإفرنسي بادرة أساءته، فأعاد إليه سنة 1529 القلادة التي سلمها له رمزا للقيادة، ودخل في خدمة الإمبراطور (شارلكان) الذي كان يحكم يومئذ أضخم دولة مسيحية في أوروبا وأقواها.
كان (خير الدين) يتابع جهود عدوه (أندريا دوريا) باستمرار، وعندما علم باقتراب ركوبه البحر جمع أسطوله الذي كان يضم أربعين سفينة، وحشد قواته، واستنفر الحاميات، وأخذ في الاستعداد للمعركة. غير أنه كان يجهل محور تحرك الأسطول المسيحي بقدر جهله لما كان يعتزم خصمه تنفيذه. ولم يبق أمامه إلا الانتظار ريثما يحدد لمكان الذي يختاره عدوه مسرحا لعملياته.
حدد (أندريا دوريا) مدينة شرشال هدفا مباشرا لهجومه، وكان يعرف أن حامية هذه المدينة مكونة من أبنائها مع عدد محدود من الأتراك العثمانيين. وكانت هذه الحامية ضعيفة بالمقارنة مع قوة أسطوله حتى لو انضم لدعمها المجاهدون من القرى والمراكز المجاورة وإنها والحالة هذه لا تستطيع الصمود لفترة طويلة. بحيث أنه يستطيع إذا ما تم له احتلالها، الاستقرار فيها وتنظيم حامية قوية فيها للدفاع عن قلعتها، وبذلك يصبح (خير الدين) عاجزا عن مهاجته أو إخراجه من هذه القاعدة.
وكانت مدينة شرشال يومئذ مركزا من أكبر مراكز الدولة الجزائرية الحديثة وقد عرف (عروج) أهمية موقعها الممتاز فعمل على تحصينها، وشيد فيها قلعة قوية، وأقيم فيها مصنع لتأمين متطلبات الجيش الإسلامي وإمداده بالأعتدة والمواد التموينية، كما أقيم فيها مصنع للأخشابب يعتمد على غابات (الونشريس) والغابات الكثيفة التي كانت قريبة منها ، وكانت شرشال بحكم موقعها الطبيعي - وهي لا تبعد عن مدينة الجزائر الواقعة إلى شرقها مسافة إلا 120 كيلومترا، ووهران الواقعة إلى غربيها - تشكل تهديدا مباشرا للجزائر إذا ما أمكن للأسطول الإسباني احتلالها تمهيدا لعملياته التالية.
استيقظت الحامية الإسلامية المدافعة عن (شرشال) فإذا بالأسطول الإسباني يتقدم من الأفق ويقترب بسرعة نحو مدينتهم، فاجتمع القادة على عجل، وتقرر إخلاء البلدة من سكانها على الفور، وحشد كل القوى في القلعة للدفاع عنها، واستنزاف قدرة العدو لأطول مدة ممكنة ريثما يصل الدعم من الجزائر ومن داخل البلاد.
أنزل (اندريا دوريا) قواته على أرض شرشال بدون مقاومة تذكر، وركزت الحامية الإسلامية ومن معها من المجاهدين في معقل القصبة، وأخذوا في متابعة تحركات العدو بيقظة وحذر.
وبادر الإسبانيون بالبحث عمن بشرشال من أسرى النصارى، وكانوا نحوا من ثمانمائة، فوجدوا مخابئهم وأخرجوهم، وضموهم إلى الجيش، وعمل هؤلاء الأسرى كأدلاء نظرا لمعرفتهم بديار كبار القوم وبالأماكن التي تضم مخابىء الأموال ونفائس الذخائر، وانتشر الجيش الإسباني وراء الأسرى، وتحول إلى عصابات للنهب والسلب. وأخذت زمر منه في التوغل إلى داخل الديار حتى وصل بعضهم إلى الحدائق والمزارع المحيطة بالبلدة. وأيقنت القيادة الإسلامية ساعتئذ أنه بات بالإمكان الانتصار على هذه الفرق الممزقة بعزل بعضها عن بعض وتدمير كل قوة منها على حدة. ففتحوا أبواب القلعة، واندفعوا وهم يرددون صيحة حرب المسلمين (الله أكبر) وأحاطوا بالعدو من كل جانب، وحالوا بين تجمع هذه الفرق والتقاء بعضها مع بعض، كما حالوا بينها وبين البحر، في حين كانت مدفعية القلعة تقذف قطع الأسطول الإسباني بنيرانها وقذائفها. فاختل نظام العدو، وسادت الفوضى والاضطرابات في صفوفه، فيما كانت نيران الجزائريين وسيوفهم تدمر قوة الغزاة، بحيث لم تغرب شمس ذلك اليوم حتى
انتشرت فوق أرض شرشال جثث ألف وأربعمائة من الإسبانيين، بالإضافة إلى ستمائة أسير وقعوا في قبضة المجاهدين. ولم يتمكن من الوصول إلى السفن أكثر من ثلاثمائة رجل من بقايا القوة الإسبانية ومن الأسرى الذين تمكنوا من النجاة.
ووقف (أندريا دوريا) ذاهلا أمام قوة هذه الصدمة، وتلكأ في الرحيل عن شرشال وهو لا يدري إلى أين يتجه ولا ماذا يعمل. وعندها وصله إنذار باقتراب أسطول الجزائر مسرعا تحت قيادة (خير الدين)، وعرف (دوريا) أنه لا قبل له بمنازله خصمه في مثل هذه الظروف فقرر مغادرة أرض المعركة بسرعة لحماية ما بقي لديه من القوة. وعندما وصل خير الدين إلى شرشال وعرف نتيجة المعركة، انطلق بأسطوله لمطاردة خصمه، الذي كان أسرع منه في التحرك فلم يتمكن من اللحاق به. غير أن هذه المطاردة لم تكن محرومة من الثمار. إذ عثر خير الدين على سفينتين إسبانيتين كانتا محملتين بالأعتدة والمواد التموينية، فاستولى عليهما واقتادهما.
ترددت أصداء هذا الانتصار بقوه وانعكست على مختلف دوائر الصراع بأشكال مختلفة. فقد أصبح الشعب في الجزائر أكثر ثقة بقدراته وإمكاناته، وباتت الجماهير الخاضعة لحكم (بني زيان) في تلمسان تنتظر لحظة تحررها للانضمام إلى مسيرة المجاهدين في سبيل الله.
وأصبحت الإمبراطورية العثمانية أكثر استعدادا لدعم (خير الدين) من أجل طرد أعداء الدين من المغرب العربي الإسلامي. وأصبحت الملكة الإسبانية وإمبراطورها شارلكان أكثر تصميما على تجهيز حملة قوية يتم بواسطتها التعويض عن الهزائم
السابقة. والتي نالت من هيبة الإمبراطورية التي فرضت ذاتها على زعامة الغرب لقيادة الحرب ضد المسلمين.
ونتج عن ذلك تعرض المسلمين في الأندلس لمزيد من القهر والاضطهاد بعد أن تجمعوا فوق بقعة محدودة ما بين ساحل البحر وجبال البشرات. فارتفعت أصوات الاستغاثة التي لم يعد باستطاعة خير - الدين تجاهلها أو التنكر لها، لا سيما وأنه تولى إنقاذ المسلمين في الأندلس وساعدتم يوم لم يكن يمتلك إلا إمكانات محدودة، فكيف به وهو يمتلك اليوم إمكانات أرهبت أكبر دولة أوروبية.
وهكذا مضى (خير الدين) ومعه (36) سفينة حتى بلغ السواحل الإسبانية التي التجأ إليها المسلمون، ولم يجرأ الأسطول الإسباني التعرض لأسطول (خير الدين) فأخذ هذا على سفنه أكبر عدد من الراغبين في الحفاظ على دينهم وكرامتهم. وكان يترك أكبر عدد من بحارته الجزائريين فوق الأرض الأندلسيين حتى يحمل مقابلهم عددا من النازحين. حتى إذا ما أوصلهم إلى الجزائر، عاد إلى إسبانيا ليأتي بغيرهم، وكرر غدوه ورواحه بين الساحلين سبع مرات متوالية حتى تمكن من إنقاذ سبعين ألفا من رجال الأندلس ونسائهم وأطفالهم، واشتد بهؤلاء ساعد المسلمين الذين نزلوا بمدينة الجزائر وسهل متيجة (متوجة) وعمروا مدنا مثل البليدة ودلس وأدخلوا إلى البلاد بقايا حضارتهم العريقة وصناعتهم وفنونهم وخبراتهم المختلفة.
عمل (خير الدين) بعد ذلك على تطوير صراعه، فاتخذ من جزائر (هيار)(1) الأندلسية قاعدة لعملياته في غرب المتوسط والمحيط
(1) جزائر هيار: (ILES D'HYERES) مجموعة جزر تشكل أرخبيلا في البحر =