الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدتين الأساسيتين وهما بجاية (شرقي مدينة الجزائر) ووهران والمرسى الكبير، غربيها.
ولقد أبرزت مسيرة الأحداث أن المنطقة الغربية هي الأكثر خطورة، إذ أن مصدر التهديد هنا لم يعد ممثلا بالقوات الإسبانية وحدها. وإنما أضيف إليه خطر (الزيانيين) الذين ربطوا سلطتهم وقوتهم بالاحتلال الإسباني، هذا بالإضافة أيضا إلى الخطر المتعاظم للبرتغاليين والذي لم تنجح مملكة (بني وطاس المرينية) من وضع حد له أو إيقافه. وهكذا جاءت استغاثة أهل (تلمسان) متوافقة مع ما كان يطمح الأخوان (ذوي اللحى الشقراء) لتحقيقه ، فمضى (عروج) في إعداد العدة لنجدة (أبي زيان) المقيم سجينا في تلمسان، ولدعم شيعته وأنصاره في صراعهم ضد القوات الإسبانية.
ب - الصراع في تلمسان واستشهاد عروج
.
ما إن أتم (عروج) استعداداته حتى اندفع بجرأة في اتجاه (تلمسان) وهو يقود قواته عبر الهضاب الداخلية بهدف تجنب الاصطدام بالحاميات الإسبانية المنتشرة على محيط (وهران). وعندما وصل إلى (هوارة) قلعة (بني راشد) اتخذ منها قاعدة لحماية خطوط مواصلاته، نظرا لما كان يتوافر لها من الميزات الدفاعية، ونظرا لموقعها المناسب حيث كانت تبعد مسافة (25) كيلو مترا عن (معسكر) وتبعد عن (مستغانم) نحوا من (55) كيلو مترا. ووضع في القلعة حامية تضم ستمائة مقاتل. وكلفهم بتنفيذ عمليات صغرى لإزعاج الإسبانيين في (وهران) وحرمانهم من حرية العمل أو التحرك. ثم مضى بالجيش الجزائري حتى وصل (سهل أربال) حيث كان (أبوحمو الثالث) قد أقام معسكره هناك ونظم قواته التي ضمت ثلاثة آلاف راجل - من المشاة -
وستة آلاف فارس. غير أن هذه القوة على ضخامة حجمها لم تصمد لصدمة جيش الجزائر الذي يقوده (عروج) فتمزق بسرعة، ومضى (عروج) لمتابعة تقدمه بسرعة مذهلة حتى وصل (تلمسان)، التي استقبلت قوات الجزائر بالفرحة العارمة. وخرج (أبو زيان الثالث المسعود) وتولى سلطانه، غير أن الفتن ما لبثت أن عادت للظهور بين أطراف الزيانين ذاتهم، هؤلاء المؤيدين لأبي زيان وأولئك أنصار (أبو حمو) وبينهما أنصار الإسبانيين وعملاءهم. وتعاظمت الفتنة إلى درجة حملت (أبو زيان) على إعلان تمرده على (عروج) الأمر الذي أرغم هذا على العودة إلى تلمسان وقتل سلطانها وجماعة من قرابته وأنصاره بالإضافة إلى قادة الفتنة وزعماء المشاغبين.
وفي تلك الفترة، كان (أبو حمو) قد جمع بعضا من فلول قواته الممزقة، ومضى بها إلى مدينة (فاس) غير أنه لم يستقر بها طويلا، فمضى إلى مدينة (وهران) حيث وضع نفسه تحت حماية حاكمها العام الإسباني، مستمدا منه العون والدعم حتى يستعيد ملكه وسلطانه. كان ملك إسبانيا الجديد (شارل الخامس - أو شارلكان) يتابع تطورات الموقف في المغرب الإسلامي. فأرسل إلى الحاكم العام في (وهران) يأمره باستخدام كل إمكاناته لانتزاع تلمسان من قبضة المسلمين الجزائريين وإعادة (أبو حمو - أو أبو قلمون كما كانوا يسمونه) إلى حكم إمارته (تلمسان) ودعمه بالاعتدة وبقوة مقاتلة بلغ عدد أفرادها عشرة آلاف مقاتل.
خرج (أبو حمو) من (وهران) في أواخر شهر كانون الثاني - يناير - 1518، ومعه جموع من الأعراب بالإضافة إلى فرقة من الجيش الإسباني، وتمكنت هذه القوة من مباغتة قلعة (بني راشد) بهجوم
قوي لم تصمد له حامية القلعة، على الرغم مما أظهرته من المقاومة الضارية، فاضطرت إلى الانسحاب بعد أن تم الاتفاق مع (أبي حمو) على السماح لبقية القوات بالخروج سالمة للتوجه نحو تلمسان. غير أن قوات (أبي حمو) غدرت بالوعد ونصبت كمينا دمرت بواسطته بقية أفراد الحامية التي كانت تدافع عن القلعة.
تابع (أبو حمو) تقدمه نحو تلمسان، وفي هذا الوقت تم إنزال قوة إسبانية أخرى زج بها حاكم وهران، وأنزلها في بلدة (رشقرن) الساحلية لدعم الهجوم البري. وسارت هذه القوق بسرعة نحو تلمسان على الطريق الساحلي حيث التقت مع قوات (أبي حمو) على أبواب تلمسان، وضرب حصار قوي ومحكم على المدينة.
تولى الدفاع عن (تلمسان)(القائد عروج) ومعه حاميته الجزائرية - التركية. ووقعت معارك قاسية في ظروف غير متكافئة، وعلى الرغم من التفوق الساحق للإسبانيين وعميلهم (أبو حمو) فقد نجح عروج وحاميته في قيادة وخوض حرب دفاعية يائسة استمرت لمدة ستة أشهر كاملة نجح الإسبانيون بعدها في تدمير أسوار المدينة بالقصف المدفعي المستمر، وأمكن لهم بالتالي اقتحام المدينة، ولم تستسلم الحامية، فانتقلت لخوض الصراع في الأسواق والمنازل، وانسحب بعدها عروج وبقية قواته إلى (قلعة المشور) وأعادوا تحصينها وتنظيم الدفاع عنها والتمركز فيها بانتظار وصول دعم من قبل ملك فاس الوطاسي المريني الذي كان قد اتفق مع عروج على دعمه ، وقد أرسل الملك المريني جيشا لدعم عروج ومساعدته على تطوير الدفاع عن تلمسان ضد الإسبانيين وأنصارهم. لكن ذلك الجيش اتبع طريق (مليلة) في تحركه، وهو طريق طويل، فلم يتمكن من الوصول إلى
ميدان المعركة في الوقت المناسب، واضطر إلى العودة بدون أن يشترك فعليا بالقتال.
وشددت القوات الإسبانية قبضة الحصار على (قلعة المشور) وتكبدت الحامية خسائر فادحة حتى لم يبق مع (عروج) أكثر من خمسمائة تركي. غير أن إرادة القتال لم تضعف لدى هؤلاء المجاهدين الذين صمموا على متابعة المعركة حتى نهايتها. وجاءت هذه النهاية سريعا، فقد تقدمت جماعة من المسلمين إلى (عروج) في صبيحة يوم عيد الفطر تستأذنه في السماح لها بممارسة عادتها في إقامة صلاة العيد بمسجد (المشور)، ووافق (عروج) على ذلك، وما إن دخلت هذه الجماعة إلى الحصن، حتى انتضت سيوفها وأخرجت أسلحتها التي كانت تخفيها في طيات الثياب. وانقضت على الحامية التركية التي بوغتت بهذه الهجمة. فسقط عدد من أفراد الحامية، وتمكن البقية من استعادة سيطرتهم على أنفسهم بسرعة، فأعادوا تنظيم دفاعهم، وانقضوا على هؤلاء الغادرين، ونجحوا في القذف بهم إلى خارج الأسوار، وأعادوا تنظيم أمورهم، غير أن الخسائر الفادحة التي تكبدتها الحامية أقنعت عروج بضرورة الخروج من هذا المأزق. فقرر شق طريقه عبر القوات القائمة على الحصار، والوصول إلى الساحل حيث تتوافر له فرصة أفضل لجمع الأنصار وتنظيمهم، ريثما يتمكن أخوه (خير الدين) من إرسال قوة دعم بحرية تحمل دعما جديدا لقواته.
ونظم (عروج) قوته وانطلق بها من (قلعة المشور) حيث اتجه نحو الغرب عبر الممرات الضيقة المؤدية إلى الساحل، وعندما وصل إلى (جبال بني سناسن) أحاطت به قوة إسبانية تضم خمسين فارسا
بقيادة (غارسيادي لابلازا) ودارت مذبحة ضارية في ظروف غير متكافئة. ودافع (عروج) عن نفسه بثبات وعناد لا يمكن وصفهما -مستخدما في ذلك يده الوحيدة - حتى لم يبق معه أكثر من عشرة رجال سلكوا مسلكه، وأظهروا مثل ثباته وعناده بعد أن تحصنوا بجدران (زاوية سيدي موسى). وعندما أبيد هؤلاء الرجال العشرة، وقف (عروج) وجها لوجه أمام خصمه (غارسيا) واستمرت المبارزة بينهما حتى سقط الاثنان بضربتين قاتلتين متبادلتين.
استشهد (عروج) كأفضل ما يكون عليه الاستشهاد، ومضى إلى حيث سبقه أخواه من قبله، وأدى واجبه في الدفاع عن الإسلام والمسلمين حتى آخر نقطة من دمه (1) غير أن حجم الكارثة كان أكبر من كل تصور، فمضى الإسبان في فرحتهم، وخيم الحزن والأسى على مدينة الجزائر. وكانت الصدمة قوية بصورة خاصة بالنسبة (لخير الدين الذي عرف حياة الجهاد من خلال أخيه، غير أن شعور أهل الجزائر بالصدمة لم يكن أقل من شعور خير الدين، ذلك أنهم وضعوا آمال مستقبلهم على عاتق (عروج) كما شعروا معه بحلاوة النصر على أعداء الدين. وعرفوا قبل ذلك وبعده أهمية الدور الذي يمكن للمغرب الأوسط (الجزائر) الاضطلاع به في قيادة الجهاد في سبيل الله ..
(1) انظر قراءات (3) في آخر الكتاب.