المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ج - أعداء الداخل في غياب (خير الدين) - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولمقدمات الحرب وظروفها

- ‌ ذوي اللحى الشقراء

- ‌ الموقف على جبهة المسلمينفي المشرق

- ‌ الموقف على جبهة الأندلس

- ‌ الموقف على جبهة المغرب الإسلامي

- ‌أ - أعداء الداخل (في تنس)

- ‌ب - وهران بعد المرسى الكبير:

- ‌ج - احتلال بجاية:

- ‌د - أعداء الداخل للمرة الثانية:

- ‌ الجهاد في البحر والقرصنة

- ‌الفصل الثانيخير الدين (بربروسا)

- ‌ سنوات الصراع المرير

- ‌أ - من جيجل إلى الجزائر

- ‌ب - الصراع في تلمسان واستشهاد عروج

- ‌ خير الدين على طريق الجهاد

- ‌أ - بناء الجزائر والجهاد في البحر

- ‌ب - خير الدين - أميرا عاما للأسطول العثماني

- ‌ج - أعداء الداخل في غياب (خير الدين)

- ‌د - شارلكان وغزو الجزائر

- ‌هـ - الصفحة الأخيرة في حياة (خير الدين)

- ‌و- خير الدين وموقعه في فن الحرب

- ‌قراءات

- ‌ 1 -تجربة استعمارية(معاهدات إسبانية)

- ‌ 2 -في أدب الحرب(الشعر في الحض على القتال والجهاد)

- ‌ 3 -عروج في الخالدين

- ‌ 4 -معاهدة ملك تلمسانمع الإمبراطورية الإسبانية

- ‌ 5 -رسالة السلطان سليمانالقانوني إلى ملك فرنسا

- ‌ 6 -شارلكان - وبربروس

- ‌مراجع البحث الرئيسية

- ‌فهرست الكتاب

الفصل: ‌ج - أعداء الداخل في غياب (خير الدين)

الأسطول العثماني. وعندها كلف (خير الدين) نائبه (محمد حسن آغا) بإدارة أمور المملكة الجزائرية وتوجه إلى عاصمة الإمبراطورية العثمانية فوصلها في شهر كانون الأول - ديسمبر 1535م.

أصبح باستطاعة (خير الدين) وهو في مركزه الجديد، أكثر قدرة وأشد عزيمة لمتابعة الجهاد ضد الإسبانيين وأنصارهم، وقد عمل على إقناع السلطان سليمان بضرورة شن الحرب على البنادقة، وتم له ذلك في سنة 1537، وعندها انصرف (خير الدين) إلى إدارة الحرب بكفاءة عاليه بحيث لم تمض أكثر من ثلاث سنوات حتى استطاع تجريد البنادقة من كل ممتلكاتهم في بحر إيجه حتى سواحل كريت (أقريطش) وتينوس وميقونرس. ولكن اهتمامه الأكبر بقي مركزا على (الجزائر) التي أحبته وأحبها، وأخلص لها بقدر ما أخلصت له. ومن أجل ذلك أيد بحماسة بالغة مبدأ التحالف مع ملك فرنسا (فرنسيس الأول) ضد إمبراطور الغرب (شارلكان). غير أن تصعيد الصراع على حدود أوروبا البرية وفي شرق البحر الأبيض المتوسط قوبل بتحولات خطيرة على مسرح المغرب العربي الإسلامي واعتمد (شارلكان) هنا على (أعداء الداخل) أكثر من اعتماده على (القدرة العسكرية) للوصول إلى أهداف (الحرب الصليبية الشاملة).

‌ج - أعداء الداخل في غياب (خير الدين)

عرف الإفرنج الصليبيون عامة والإسبانيون الكاثوليكيون منهم بصورة خاصة، أن ضعف المسلمين عامة إنما يكمن داخلهم أكثر مما يكمن في قدراتهم وإمكاناتهم. وقد أثبتت تجاراب الصراع في الحروب طويلة الأمد على جبهتي الشرق والغرب، في الشام والأندلس، أن الانتصارات التي أحرزها الصليبيون لم تكن إلا بسبب تمزق العرب

ص: 137

المسلمين وتشتتهم. ولهذا فقد اعتمد قادة الإفرنج باستمرار على الخداع والتفرقة أكثر من اعتمادهم على قوة السلاح، وإذا ما تم استخدام قوة السلاح، فهو من أجل دعم السلاح الأول وزيادة فاعليته. وهكذا جاء (شارلكان) ليسير على سياسة أسلافه وليعمل على تطويرها، فبث جواسيسه وعملاءه في كل مكان، وأخذ في استثمار التناقضاتة المتوافرة من أجل اقتطاف ثمارها. وقد يكون من الصعب استعراض الأساليب المختلفة والطرائق المتنوعة التي تم استخدامها في هذا المضمار، ولعل الإشارة إلى بعضها كافية لإبراز الملامح العامة لما كان عليه الموقف في تلك الحقبة التاريخية من الصراع على جبهة المغرب العربي الإسلامي.

كان محمد السابع (1524) بن عبد الله الثاني حاكم تلمسان قد وصل إلى الحكم بدعم الحراب الإسبانية، وثار عليه أخوه عبد الله الذي ناصره جده لأمه عبد الرحمن بن رضوان أحد شيوخ قبيلة بني عامر. ووقف الإسبان خلف الأخوين، يحرضانهما، ويستثيرانهما.

وها هو تقرير كتبه الحاكم العام لوهران (بيدرو دي لودي) ورفعه للأسقف بتارخ 20 آب أغسطس - 1531 وفيه ما يلي:

1 -

(يخوض الملك عبد الله حربا ضد أخيه عبد الله، وقد أرسل مولاي عبد الله جيشه لقتال أخيه محمد، ووقعت معركة يقال أن النصر فيها كان لجماعة عبد الله، لكن قائد بني راشد جاء على رأس خمسمائة من الرجال، فاضطر أخو الملك إلى الانسحاب، وجميع عرب المملكة قائمون اليوم: بعضهم مع الملك وبعضهم مع الأمير عبد الله. وأنا أظن أن كل العرب في هذه الناحية الشرقية من المملكة سينضمون إلى الأمير عبد الله إذا ما حل بهذه الساحة. ونرجو أن يقع الأمر على هذا

ص: 138

المنوال، لأن أخا الملك أصبح حليفنا، وبذلك سنمسك بجميع خيوط اللعب ويستطيع صاحب الجلالة - إمبراطور إسبانيا - أن يفيد من الموقف حسب إرادته - وأنا أعتقد أن ذلك ممكنا، إذا ما أخذنا بهذه الطريقة: جلالة الإمبراطور يؤيد عبد الله ويعترف به ملكا، ويسلم إليه قسما مهما من الأراضي التي سننتزعها من قبضة الأتراك. لكننا مع ذلك لا نقوض سلطان ملك تلمسان، ونترك له ما بيده من الأرض. وبهذه الطريقة سيعلن الإثنان سرورهما ورضاهما، وسيكونان معا عونا لنا على محاربة - خير الدين بربروس - إن ملك تلمسان، (مولاي محمد) قد دعا إليه أحد اليهود من هنا - وهران - ولا ريب أنه سيتخذه واسطة للدخول في مفاوضات معنا. أما العرب الذين أرسلهم لنا الأمير محمد، فقد اعتبروا دعوة هذا اليهودي لتلمسان فضيحة، وبذلت جهدي لتهدئة خواطرهم. وهذا ما يحدث غالبا لمن يتعامل مع الطرفين المتصارعين في وقت واحد).

2 -

وجاء في رسالة الدكتور (لبريخا كوريجبدور) من وهران إلى الإمبراطور بتاريخ 2 أيلول (سبتمبر) 1531 ما يلي:

(أبذل قصارى جهدي لإقناع عرب المملكة - تلمسان - بأن ينضموا إلينا، وأعتقد أن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من معاقبة ملك تلمسان على عدم وفائه بعهوده، وعلى عدم سماحه للعرب بأن يبيعونا المؤن كما كانوا يفعلون من قبل. ولقد دخلت في مفاوضات مع الأمير عبد الله، مع حرصي على أن يعرف الملك - مولاي محمد - ذلك بصفة رسمية، حتى يعلم مدى الخسارة التي تلحق

به من جراء امتناعه عن خدمة جلالتكم. وقد طلب إلي الملك أن أرسل له شخصا للتفاوض معه منذ خمسة عشر يوما، فبعثت إليه باثنين

ص: 139

من اليهود الحذرين الأذكياء، وهما أفضل من وجدت هنا. وسارت الأمور سيرا حسنا في بداية الأمر، لكن الأحوال ساءت عندما حل بتلمسان مندوب من قبل التركي العظيم (سليمان القانوني) إذ أظهر مولاي محمد عندها الاعتزاز بالرسول التركي، مما جعله لا يقف عند حدود عدم استقبال المندوبين اليهوديين، بل إنه أسلمهما للقتل. وفي هذه الأثناء، أعلمني الأمير عبد الله بأنه سيحل قريبا بوهران، بصحبة نسائه وأولاده والشيوخ المنضمين تحت لوائه، وأعلمني كذلك أنه سيسلم إلي الرهائن التي طلبناها منه. وأشعر في الواقع بالحيرة، لأنني كنت أخبرت الأمر بأنه إذا ما وضع عائلته عندنا في مدينة وهران، وحذا الشيخ المنثمون إليه حذوه، فإن جلالتكم سوف تسلمون له العون من مال ورجال حتى يحتل مدينة تلمسان، على شرط أن يكون أكثر وفاء من أخيه في تنفيذ شروط الاتفاقية التي ستعقد معه).

3 -

وكتب حاكم (هنين) رسالة للإمبراطور (شارلكان) في يوم 26 نيسان - أبريل - 1534 يصف بها حالة (الموقف) في تلمسان؛ وجاء في الرسالة ما يلي:

(كتبت منذ أيام لجلالتكم أعلمكم أنني اتصلت من جواسيسنا بأخبار عن مولاي محمد ملك تلمسان، أنه قد استعرض يوم 20 من هذا الشهر جيشا أعده لقتالنا، وهذا الجيش مستعد للسفر حيثما يريد. وأخبرني أحد هؤلاء الجواسيس أن الملك قد اتصل برسول من الجزائر يحمل إليه رسالة تخبره بموت - خير الدين - بربروس. فحزن الملك حزنا شديدا، وألقى بنفسه فوق الأرض نائحا منتحبا، ثم نهض وقال للشيوخ الذين كانوا حوله، بما أن والدي بربروس قد مات، فلم يبق لنا من عمل نعمله، وطلب إليهم أن يعودوا إلى بلادهم ريثها

ص: 140

يحصل من الأتراك على العون والتأييد من جديد. فلما سمع الشيوخ حديثه، خرجوا من عنده وكلهم يقول فيه سوءا. ويقول بعض الجواسيس الآخرين أنه جاءت بعد ذلك رسالة من الجزائر تؤكد أن بربروس لم يمت، إنما هو في مكان مجهول. ويقول البعض أن الملك مولاي محمد لا يريد أن يحارب النصارى، لأنه رجل ليس له إرادة على القتال وأنه منصرف إلى ملذاته، وغارق فيها، وأنه لا يفكر إلا في ابتزاز المال من أية جهة كانت. ويقولون إنه جاء من مدينة الجزائر بزوجتين دخل بهما في هذه المدينة، وجاء كذلك بزوجتين أخذهما بمدينة (فاس) عندما كان محاربا لأبيه. وبعدما تولى الملك بتلمسان، تزوج ست عشرة مرة، ولا يفعل شيئا إلا إقامة الحفلات والأفراح، ويلح في طلب المال من أهل المدينة ومن العرب واليهود).

4 -

وعندما اندلعت الحرب بين الأخوين ملك تلمسان (محمد) وأخيه (عبد الله) الذي كان الإسبانيون يناصرونه ويناصرون جده (ابن رضوان) انتصر ملك تلمسان، وكتب حاكم وهران (الكونت دي الكوديت) تقريرا بتاريخ 12 تموز - يوليو - 1535 رفعه للإمبراطور شارلكان، وجاء فيه:

(إن - ابن رضوان - لا يفكر إلا في أمر واحد ألا وهو الانتقام وأخذ الثأر من مولاي محمد. ولقد طلب مني الإذن بالقدوم إلى وهران، وكذلك طلب بقية الشيوخ الذين بقوا على ولائهم له. وقد منحتهم الإذن. وبما أنه من المهم جدا بالنسبة إلينا أن يبقى العرب دوما مختلفين، فقد حرضت ابن رضوان والشيوخ الذين معه على مواصلة القتال

وعلى كل فإنني مواصل الجهود لكي يتفاقم أمر الخلاف بين الطرفين).

ص: 141

لقد نجحت هذه السياسة في تحقيق أهدافها، وكان من بعض نتائجها تثبيت أقدام الإستعماريين الإسبانيين فوق بعض مواقع المغرب العربي - الإسلامي. وكان من بعض نتائجها إخضاع الحكام وإشاعة روح التخاذل وهي الروح التي وجدت تعبيرا لها في التحالفات التي أقامها الحكام الإسبان مع بعض الحكام (مثل المعاهدة الإسبانية مع ملك تلمسان)(1).

لقد كانت عملية (التفتيت المادي والمعنوي) لقوى العرب المسلمين هي المرحلة التمهيدية لتطوير الأعمال العدوانية، والتي سبقتها عملية جمع معلومات دقيقة عن موازين القوى وتوزيعها وإمكاناتها (أعمال الجاسوسية) وقد يكون من الصعب استقراء كافة البيانات والتقارير المتوافرة في هذا المجال غير أنه ليس من الصعب أبدا معرفة الصورة الإجمالية للجهد المبذول خلال مرحلة الإعداد للمرحلة التالية من الحرب، عبر التقريرين التاليين.

5 -

تقرير سري إسباني عن قوة الجزائر - سنة 1533:

(يحكم الجزائر الآن (حسن آغا) وينوب عنه في حالة غيابه (حاج باشا) و (القائد الصرردو). ويوجد بمدينة الجزائر (1800) تركي ، أما ببقية البلاد فيوجد من الأتراك: في تنس 20، في برسك 10، في شرشال 30، في المدية 150، في مليانه 100، في تادلس 60، في بنوره - أوزنوره - 20، في جيجل 20، في القل 20، في قسنطينة 300، فيكون المجموع 735. وهكذا يوجد (2600) تركي تقريبا، وتوجد بمدينة الجزائر (3) آلاف عائلة عربية تقريبا و (300)

(1) أنظر نص هذه المعاهدة في (قراءات - 4) في نهاية الكتاب.

ص: 142

عائلة يهودية. أما القوة التي بين يدي حسن آغا، وهو مخيم الآن خارج المدينة فهي تشمل (700) تركي وألف فارس وألفي راجل من العرب، ويشمل تسليح الجزائر ما يلي: في البرج الفوقاني ثلاثة مدافع لرمي الحجارة، و (5) مدافع صغيرة. وفي البرج الكبير بباب الواد مدفعان كبيران ومدفعان صغيران. وفي زاوية باب الواد قرب البحر أربعة مدافع، ومن هذا المكان إلى الباب المقابل للجزيرة (17) مدفعا، ومن هذا الباب إلى المسجد الكبير (17) مدفعا من البرونز و (4) مدافع من الحديد. وبين المسجد الكبير ودار الصناعة (21) مدفعا من بينها (6) مدافع صغيرة من الحديد. وبين دار الصناعة وباب عزون (8) مدافع، وفوق الباب ذاته مدفعين صغيرين (يرميان قنابل من الرصاص تزن الواحدة منها كيلوغرام تقريبا). وفي المرسى (8) سفن يحتوي أكبرها على (17) صفا للجذافين. ويشتغلون الآن في المدينة بصنع الخبز المجفف (كعك أو بسكويت) بكل نشاط. وكذلك في المدينة والمليانة، الأمر الذي لم نشاهده من قبل أبدا. ويسود الانزعاج في المدينة لأنهم سمعوا أن الإمبراطور سيعقد الصلح مع ملك فرنسا. لكن خواطرهم هدأت عندما علموا أن السلطان يحهز الآن عمارة قوية - أسطولا).

6 -

وهذا تقرير سري إسباني آخر عن حالة الجزائر:

إلى صاحبة الجلالة الملكة

من فرانسيسكو بيريز دي إيديا كاييز - حاكم بجاية.

بجاية 29 آذار - مارس- 1536

(وردت إلينا معلومات من مدينة الجزائر، نقلها لنا ستة من

ص: 143