المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ خير الدين على طريق الجهاد - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولمقدمات الحرب وظروفها

- ‌ ذوي اللحى الشقراء

- ‌ الموقف على جبهة المسلمينفي المشرق

- ‌ الموقف على جبهة الأندلس

- ‌ الموقف على جبهة المغرب الإسلامي

- ‌أ - أعداء الداخل (في تنس)

- ‌ب - وهران بعد المرسى الكبير:

- ‌ج - احتلال بجاية:

- ‌د - أعداء الداخل للمرة الثانية:

- ‌ الجهاد في البحر والقرصنة

- ‌الفصل الثانيخير الدين (بربروسا)

- ‌ سنوات الصراع المرير

- ‌أ - من جيجل إلى الجزائر

- ‌ب - الصراع في تلمسان واستشهاد عروج

- ‌ خير الدين على طريق الجهاد

- ‌أ - بناء الجزائر والجهاد في البحر

- ‌ب - خير الدين - أميرا عاما للأسطول العثماني

- ‌ج - أعداء الداخل في غياب (خير الدين)

- ‌د - شارلكان وغزو الجزائر

- ‌هـ - الصفحة الأخيرة في حياة (خير الدين)

- ‌و- خير الدين وموقعه في فن الحرب

- ‌قراءات

- ‌ 1 -تجربة استعمارية(معاهدات إسبانية)

- ‌ 2 -في أدب الحرب(الشعر في الحض على القتال والجهاد)

- ‌ 3 -عروج في الخالدين

- ‌ 4 -معاهدة ملك تلمسانمع الإمبراطورية الإسبانية

- ‌ 5 -رسالة السلطان سليمانالقانوني إلى ملك فرنسا

- ‌ 6 -شارلكان - وبربروس

- ‌مراجع البحث الرئيسية

- ‌فهرست الكتاب

الفصل: ‌ خير الدين على طريق الجهاد

2 -

‌ خير الدين على طريق الجهاد

ترددت أصداء كارثة (تلمسان) بقوة في ضمائر أبناء الجزائر الأحرار، واجتمع المسؤولون فيها من الشيوخ والزعماء - أهل الحل والعقد - لمناقشة الموقف بعد استشهاد (عروج) وقرروا أن يسندوا إلى (خير الدين) واجب (إمارة الجهاد) بعد أخيه، وألحوا عليه في ذلك، لكنه اعتذر عن قبول الإمارة، وأعرض عنها، وأبلغ المسؤولين في الجزائر أنه يعتزم السفر إلى عاصمة الخلافة (استانبول) على أمل الحصول على أسطول جديد يساعده على متابعة الجهاد في سبيل الله في البحر، وأجابه علماء الجزائر: بأن الله يوجب عليه الجهاد في هذه المدينة - الجزائر - لحماية المسلمين، وأن الدين لا يسمح له بتركها نهبا للمفترسين، فأجابهم عندئذ بقوله:

(لقد بقيت منفردا دون أخوتي - الذين استشهدوا جميعا فوق أرض الجزائر - وقد رأيتم ما فعله بنا صاحب تلمسان من بني زيان، واستعانته علينا بغير ملتنا حتى كفانا الله أمره. وصاحب تونس الحفصي الذي لا يرى ضرورة نصرتنا وإعانتنا والذي أسلمنا للعدو بمنع البارود عنا - أثناء حملة بجاية - لولا لطف الله. فالرأي هو أن نصل

ص: 107

أيدينا بالقوة الإسلامية - وهو السلطان سليم خان - ونعتمد عليه في حماية هذه المدينة، ولا يكون ذلك إلا ببيعته والدخول في طاعته، والدعاء له في الخطب على المنابر، وضرب السكة - النقود - باسمه، لنتفيأ ظل حمايته. فاستكانوا لذلك ورضوا به، وأعلنوا بالدعاء له على المنابر. وكتبوا بذلك للحضرة السلطانية، وبعثوا له من السكة باسمه في الجزائر).

قرر الجزائريون بذلك أن تكون دولتهم الفتية جزءا من الإمبراطورية العثمانية الضخمة، ووافق خير الدين على البقاء مؤقتا رئيسا لهذه الدولة، حتى يتخذ السلطان العثماني قراره فيما عرضه عليه أهل الجزائر. ويمدهم بما طلبوه من دعم عن طريق الوفد الجزائري الذي ارتحل إلى القاهرة، حيث كان السلطان سليم مقيما لتنظيم البلاد. وقابل الوفد الذي كان يرأسه الحاج حسين السلطان سليم. وأجابهم على سؤلهم، وأعلمهم بموافقته على أن يشمل دولة الجزائر برعايته. وأن تكون مشتركة مع الدولة العثمانية في الجهاد ضد المسيحية. وأضفى على خير الدين لقب (باي لرباي) أي (باي البايات) باعتباره الرئيس الأعلى لكل البايات الذين يتولون، أو سوف يتولون الحكم في بلاد الشمال الأفريقي. وخول السلطان دولة (باي لرباي) حق سك النقود باسمها، وذلك دلالة الاستقلال ضمن الإمبراطورية العثمانية.

عمل السلطان سليم بعد ذلك مباشرة على إرسال دعم ال الجزائر يتكون من قوة بحرية محملة بأربعة آلاف مقاتل من المتطوعين الأتراك وكميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والتجهيزات الحربية. ووصلت هذه الإمدادات إلى مدينة الجزائر حيث تم إنزالها على ساحل

ص: 108

(باب الواد). وبدأت القوات الجزائرية استعدادها لمجابهة الأعمال العدوانية المتوقعة.

كان حكم إسبانيا قد انتهى (منذ سنة 1516) إلى الملك شارل الخامس (شارلكان) الذي وضع هدفه الأول بالقضاء على الدولة الجزائرية الفتية، وإزالة ما تمثله من تهديد، وتوطيد الحكم الإسباني في المغرب العربي - الإسلامي. وقد توافرت المعلومات عن قرب احتمال إرسال قوة إسبانية جديدة للجزائر، فزادت أهلها حماسة للقتال واستعدادا للحرب.

وانصرف (خير الدين) لتنظيم أمور الدولة الجديدة في المغرب الأوسط (الجزائر) وحشد القدرات والإمكانات كلها من أجل تأمين متطلبات الحرب التي باتت وشيكة بعد أن استثارت عملية انضمام الجزائر للإمبراطورية العثمانية حماسة أوروبا كلها وحماسة إسبانيا المتعصبة منها بصورة خاصة لتطوير الحرب الصليبية.

اغتنم شارلكان فرصة استشهاد (عروج) وما أحدثه ذلك من هزة عميقة في النفوس - بعد انتصار الإسبانيين في (تلمسان) فاتفق مع (أبي حمو - ملك تلمسان) على أن يشترك الطرفان في توجيه الضربة الحاسمة للجزائر، وذلك بأن تقوم القوات الإسبانية بإنزال بحري في الوقت الذي تتقدم فيه قوات ملك تلمسان برا. وضمت الحملة الإسبانية في هذه المرة قوة ضخمة تتكون من أربعين سفينة تحمل على متنها. خمسة آلاف من المقاتلين الإسبانيين والأوروبيين، ووضعت الحملة تحت قيادة نائب ملك الصقليين (هوغو دي منكاد) يعاونه في قيادة الحملة (غونزالفو - مارينو - دي ريبيرا). وأبحر الأسطول من جزيرة صقليا في أواخر تموز - يوليو - سنة 1519، وتوجه إلى (المرسى

ص: 109

الكبير) وأخذ منها جندا وعتادا. ثم سار في اتجاه بجاية، حيث انضمت إليه قوة ضخمة حملت معها المزيد من الأسلحة والأعتدة، وفي النهاية وصلت الحملة إلى مياه الجزائر يوم 17 آب - أغطس -. وبدأت عملية الإنزال على امتداد الساحل الواقع إلى اليسار من وادي الحراش.

وقد وضع (خير الدين) مخططه للمعركة على أساس التجربة السابقة التي حالفها النجاح، فقرر إفساح الفرصة أمام القوات الإسبانية لإنزال قواتها وتجهيزاتها إلى أرض الشاطىء ثم العمل على استنزاف قدرتها القتالية وروحها المعنوية بمجموعة من العمليات الخاصة (الإغارات والكمائن) والانقضاض بعد ذلك على القوات الإسبانية في معركة حاسمة في الوقت المناسب والمكان المناسب.

وهكذا تمكن الإسبانيون من إنزال أسلحتهم ووسائطهم وقواتهم دونما عناء كبير، وأقاموا قاعدتهم خلف (وادي الحراش) وبدأت الاشتباكات بين الطرفين المتصارعين، ثم ما لبث الجيش الإسباني أن أبدأ التحرك بكتلته الرئيسية في اتجاه المرتفعات المحيطة بمدينة الجزائر حتى وصل إلى (كدية الصابون) المشرفة على المدينة - من ورائها - وأخذت القوات الإسبانية على الفور ببناء قلعة حصينة فوق تلك الكدية أطلقوا عليها اسم (قلعة الإمبراطور) - وهي التي هدمت ورممت مرارا. وكان لها شأن عظيم في تاريخ الجزائر، ولا تزال موجودة حتى اليوم - وجهزوها بالمدافع الثقيلة، ووضعوا الجزائر فعلا تحت تهديد مدافعهم.

وكانت القوات الإسبانية وهي تشيد معقلها، تنتظر قدوم جيش تلمسان الذي كان من المفروض أن يتولى قيادته (الملك عبد الله

ص: 110

الثاني). وانتظرت القوات الإسبانية طوال ستنة أيام بدون أن يظهر ما يشير إلى احتمال تقدم هذا الجيش، وتمت عملية بناء المعقل، فيما كانت الاشتباكات المستمرة تستنزف قدرة القوات الإسبانية وتضعف من روحهم المعنوية، وإذ ذاك قرر القائد الإسباني القيام بهجوم عام على مدينة الجزائر.

وقرر (خير الدين) تكوين قوة من خمسائة مجاهد واجبها الإغارة على المعسكر الإسباني (المجاور لوادي الحراش) والذي لم يترك الإسبانيون لحراسته إلا قوات قليلة. ومن ثم الإغارة على السفن وتدمير ما يمكن تدميره منها. وتوجهت هذه القوة - المنتقاة من خيرة المجاهدين - فأبادت حرس المعسكر وأشعلت النار في القوارب التي تصل الأسطول بالبر، وأخذت هذه القوة بتهديد السفن الواقفة في عرض البحر.

كان القائد الإسباني يتابع من موقعه في (كدية الصابون) تطور هذه العملية التي تبددت خط المواصلات البحري للقوات الإسبانية. ونجحت العملية الخداعية التي خطط لها خير الدين، إذ توجهت قوة كبيرة من الإسبانيين نحو البحر في محاولة لإنقاذ القوارب والسفن. وانقسمت القوة الإسبانية بذلك إلى قسمين. ففتح المجاهدون أبواب الجزائر بصورة مباغتة، وانطلقت حشودهم كالسيل الجارف وهم يدمرون القوات الإسبانية ويحتاجونها من كل اتجاه. وهيمن الاضطراب على القوات العادية، وفقدت قيادتها السيطرة وباتت معزولة وعاجزة عن إدارة المعركة. فيما كان المجاهدون يدمرون بسيوفهم ونيران بنادقهم كل من يصادفهم، وأصبحت القوات الإسبانية ممزقة على شكل جزر مقارمة في وسط محيط المجاهدين

ص: 111

الواسع، بحيث لم تتمكن إلا فلول ممزقة من الوصول إلى القوارب والسفن.

واستمرت المعركة بكل قسوتها طوال يوم 20 آب (أغطس) سنة 1519 م (925 هـ) وأمكن لبقية القوات الإسبانية - وفلولها الممزقة ركوب البحر والوصول إلى السفن. وهنا جاءت الطبيعة من جديد لتتدخل في مصلحة المجاهدين الجزائريين. إذ هبت عاصفة عاتية يوم 21 (آب) أغسطس ووصلت ذروتها في اليوم التالي عندما تحولت إلى إعصار مدمر أرغم (24) سفينة إسبانية من سفن الأسطول على اللجوء إلى الجزائر حيث وقعت هذه السفن غنيمة في أيدي المجاهدين - بكل من فيها وما فيها من مقاتلين وأعتدة. وانتهت هذه المعركة يوم 24 آب - أغسطس - بانتصار المسلمين انتصارا كاملا.

وأغرقت مياه البحر أربعة آلاف من المقاتلين الإسبانيين، ووقع في قبضة الأسر ثلاثة آلاف مقاتل وقد حاول هؤلاء تنظيم صفوفهم والانقضاض على المسلمين فتمت إبادتهم إبادة كاملة وبذلك دمرت الحملة التي أرسلها شارلكان تدميرا كاملا. وخابت آمال الإسبانيين والأوروبيين بهذه الحملة الصليبية.

خلال ذلك حدثت تحولات على مسرح المغرب العربي - الإسلامي، فقد كان الملك الزياني (أبو حمو الثالث) قد توفي في سنة 964 هـ = 1518 م - أي في ذات السنة التي استشهد فيها عروج وخلفه على حكم مملكة تلمسان أخوه (عبد الله الثاني) الذي اتبع سياسة جديدة قائمة على الحياد تجاه الصراع الجزائري - الإسباني، والاعتماد على خير الدين - لا على الإسبانيين - إذا كان لا بد من الاعتماد على أحد الطرفين. ولم تكن هذه السياسة إلا استجابة

ص: 112

لتطلعات المواطنين في تلمسان الذين كانوا يرفضون نصرة أعداء الدين ضد أبناء دينهم وإخوانهم من الجزائريين والأتراك العثمانيين. وانتهج (مسعود) شقيق (عبد الله الثاني) هذه السياسة ذاتها عندما طرد أخاه من تلمسان. وكان ذلك هو سبب إحجام ملك تلمسان عن إرسال جيشه لدعم الإسبانيين عندما قاموا بتنفيذ حملتهم ضد الجزائر. غير أن انتصار خير الدين وقوات المسلمين ذلك الانتصار الحاسم، أثار قلق سلطان بني حفص بتونس، خوفا من القوة المتعاظمة في المغرب الأوسط (الجزائر) وندم على ما فاته من نصرة الإسبانيين، فكتب إلى (صاحب تلمسان) يحذره من القوة المتعاظمة لخير الدين وبذلك عاد (محمد بن الحسن - الحفصي) للتآمر ضد المسلمين خوفا على نفوذه ومملكته في تونس من أن تطالها قوة المسلمين المتحالفين في الجزائر مع الإمبراطورية العثمانية.

وأعاد (خير الدين) تنظيم مملكة الجزائر، فقسمها إلى قسمين:

قسم شرقي يمتد من شرقي العاصمة الجزائرية حتى حدود المملكة الحفصية بتونس وتشمل بلاد القبائل الجبلية، ووضع على رأس هذا القسم أخوه في الجهاد وصديقه (أحمد بن القاضي الغبريني - سلطان كوكو ببلاد زواوة، حيث كانت بلدة كوكو تقع على بعد (18) كيلو مترا في الجنوب الشرقي من مدينة أربعاء بني براثن). أما القسم الغربي، فكان يمتد من الجزائر إلى حدود دولة بني زيان - غير المحددة بدقة - ووضع لإدارته (محمد بن علي).

وظن (خير الدين) أن باستطاعته الاعتماد في إدارة القسمين على الزعيمين المحليين لحكم البلاد. وترك لمدينة الجزائر السلطة العليا، ومباشرة أمور الحرب والسياسة. غير أن هذا التنظيم أثار نقمة

ص: 113

(عبد العزيز) ملك قلعة بني عباس، والعدو اللدود (لأحمد بن القاضي)، إذ أن هذا التنظيم وضع عدوه أميرا عليه وحاكما في جهته، فحمل لواء العصيان، وأعلن تبعيته للملك الحفصي بتونس. غير أن التهديد الخطير لم يظهر من (عبد العزيز - ملك قلعة بني عباس) بقدر ما ظهر من (أحمد بن القاضي الغبريني ذاته) والذي ما إن شعر بقوته حتى انقاد لتيار المؤامرات. فأعلن تمرده على (خير الدين) وانضم إلى الحفصيين ملوك تونس معتمدا على ما يقدمونه له من الدعم والتأييد.

وأسرع (خير الدين) فقاد قواته لقتال (ابن القاضي) وخاض ضده معارك ضارية في جبال زواوة المنيعة الشامخة، واضطر (خير الدين) للتراجع حتى (عنابة) ثم تلقى (ابن القاضي) دعما من السلطان الحفصي بتونس، فطور أعماله القتالية، وأثار سكان الجبال ضد (خير الدين) وتدهور الموقف إلى درجة خطيرة بحيث وجد خير الدين نفسه مرغما على الخروج بنفسه لقتال صديقه القديم. ولم يكن يمتلك من القوى ما يساعده على مجابهة قوات الحفصيين المتحالفة مع ابن القاضي وهكذا فعندما وقعت المعركة في (فليسة أم الليل) وقف خير الدين وليس معه إلا الجنود الأتراك الذين أبيدوا إبادة تامة، ولم ينج خير الدين وبعض رجاله إلا بصعوبة كبيرة، فانسحب بهم إلى قاعدته القديمة (جيجل) ليجد فيها ملاذه الوحيد. وأرسل إلى الجزائر فطلب أسطوله وأسلحته وكنوزه. في حين تابع (ابن القاضي) تقدمه في سهل متيجة (متوجة). وأعمل في القرى تدميرا ونهبا. حتى وصل الجزائر. فجعلها قاعدة له. واستمر في حكم الجزائر مدة ستة أعوام (1521 - 1527).

وخلال هذه الفترة، كادت تتفتت تلك الرابطة التي أحكم

ص: 114

(خير الدين) صنعها وشكل منها دولة الجزائر. غير أن حكم (ابن القاضي) تميز بالرعونة والقسوة، مما أثار الفوضى والاضطراب في كل مكان، وكان في ذلك مصرعه.

انصرف (خير الدين) لإعادة تنظيم أموره في قاعدته (جيجل) متنقلا ما بينها وبين (جزيرة جربة) وقد أمكن له بما عرف عنه من كفاءة قيادية عالية، وهمة لا تعرف الفتور أو ينال منها التعب. أن يشكل قوة جديدة، وأن يتابع نشاطه البحري بصورة ناجحة. وتعاظمت قدرة جيشه الجديدة. وهنا حددث تحول جديد، إذ وجد عدوه القديم (عبد العزيز ملك قلعة بني عباس) أن من مصلحته التحالف مع (خير الدين) ضد العدو المشترك (ابن القاضي) والذي كان في الأصل هو سبب العداء فيما بينهما. فبرز إلى الميدان من جديد، واسترجع مدينة (القل) وانضمت إليه مدينة (قسنطينة) وجاءته جموع الشعب المجاهد مؤيدة ومناصرة، فسار بها نحو الجزائر. وقاد (الشيخ أحمد بن القاضي) قواته بسرعة، فغادر الجزائر لملاقاة خصمه بين مرتفعات جبال القبائل. والتقت القوتان المتصارعتان عند (ثنية بني عائشة) فدارت الدائرة على (ابن القاضي) وتمزقت قواته حتى لم يبق معه إلا قلة من أنصاره الذين أدركوا ما خسروه من خلال التمزق الذي صنعه قائدهم (ابن القاضي) فقرروا التخلص منه. وجاءت فئة منهم خيمته عند غروب الشمس فقتلوه، وانتهت في سنة (1527) تلك الفتنة التي أضعفت الجزائر إلى حد كبير.

لم يكن (خير الدين) بعيدا عن مسرح الأحداث، فأسرع بقيادة قواته، متوجها بها إلى الجزائر، حيث استقبلته جماهير الشعب المسلم استقبال الفاتحين. بعد أن عملت بإرادتها على تدمير (أعداء

ص: 115