الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
الموقف في دار الخلافة العثمانية
بدأ القرن التاسع عشر وهو يحمل معه بدايات التحول الحاسمة في غير مصلحة العالم الإسلامي، وأخذت الضربات المتلاحقة والمتسارعة تنزل بالإمبراطورية العثمانية (الخلافة) بعد أن استنزف الصراع المستمر جهد طاقتها، وبعد أن أخذت الدولتان المجاورتان لها (بصورة خاصة) تتوسعان على حسابها، فقد سبق لدولة روسيا والنمسا أن انتزعتا قسما كبيرا من أراضيها، لا سيما بعد أن ضمت روسيا إليها ولاية الكرج (جورجيا) سنة 1784، وصار بإمكانها تهديد دار الخلافة الإسلامية تهديدا مباشرا. ورافق ذلك ثورة صناعية في الغرب، أدت إلى زيادة القدرات في دوله - وبصورة خاصة في فرنسا وانكلترا - وبدأت عملية البحث عن الأسواق الجديدة في العالم للحصول على المواد الأولية وفريق المنتجات. ولما كان العالم الإسلامي يمسك بالتجارة الدولية ومفاتيح البحار، فقد أخذ البحث عن الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك عن طريق ما عرف (بالاستعمار). وتوجهت الأطماع بالدرجة الأولى لتمزيق وحدة العالم الإسلامي، خارجيا وداخليا، وكان باستطاعة الدول العظمى استخدام عامل التحريض (القومي والوطني) لتدمير - القلعة
الإسلامية من الداخل، وظهرت نتائج التحريض بسرعة على المسرح الأوروبي.
وأمام هذه الأخطار مجتمعة ظهرت حاجة الخلافة العثمانية لإعادة التنظيم الشامل في كل أجهزتها ومؤسساتها. ولم تعدم دار الخلافة وجود شخصيات إصلاحية متفتحة تنزع إلى الإصلاح، وكانت المؤسسة العسكرية التي أحرزت فيما مضى أعظم الانتصارات، قد انتهت إلى مرحلة مذهلة من التدهور والضعف والانحطاط. وكان لا بد من العمل على البدء بإصلاح هذه المؤسسة قبل كل شيء لمجابهة الأخطار الخارجية. وعندما حاول السلطان (سليم الثالث) إصلاح جيشه، وتطويره، مستفيدا في ذلك من تجربة نابليون بونابرت، تصدت له طبقة (قيادة الإنكشارية) فأمرت مع حاميات قلاع البوسفور. وأرغمت السلطان عن التنازل عن العرش في 29 أيار - مايو - سنة 1807 م0 بعد أن تم اقتياد جميع أنصار الإصلاح إلى ميدان السباق (آت ميدان) حيث تمت إبادتهم عن آخرهم.
تولى مصطفى الرابع - ابن عم سليم الثالث - الخلافة، غير أنه لم يتمكن من الاسمرار في الخلافة أكثر من سنة واحدة، أقدم بعدها (مصطفى البيرقدار - حاكم سيلسترة)(1) على خلعه ولما كان (السلطان سليم السابق) قد قتل، فقد خلفه على الخلافة أخوه (محمود الثاني: 1808 - 1839) الذي وضع نصب عينيه تطوير الخلافة وزيادة قوتها والقضاء على (الإنكشارية). وأظهر في البداية
(1) سيلستره SILISTRIE مدينة بلغارية تقع على الدانوب الأدنى - الأسفل. وكانت مركزا لإمارة الإقيم المحيط بها، تميزت بقلاعها القوية.
ومعه مصطفى البيرقدار رضوخه للعناصر المقاومة للإصلاح. وعندما تعرض للهزائم المتتالية أمام القوات الروسية وخسر (نيقو بوليس وسيلستره وروسجق) واضطر إلى توقيع صلح (بوخارست في 28 أيار - مايو سنة 1812) وهو الصلح الذي اعترف فيه بنهر البروت حدا فاصلا بين روسيا ودار الخلافة والذي أعلن فيه التزامه بعدم أي توسع جديد في المستقبل، وجد أن الفرصة قد باتت سانحة للمضي في إصلاحاته، غير أنه كان ملزما على التحرك بحذر بسبب مخاوفه من حرب يشنها (نابليون) على حدود البلاد الإسلامية، وبسبب الثورات المتفجرة في أوروبا. فمنذ سنة (1804 م) كانت بلاد الصرب قد أعلنت الثورة بقيادة (قره جورج - قره يوركي) التي قدمت دعما كبيرا لروسيا في حربها ضد العثمانيين مقابل دعم الروس لهم من أجل الاستقلال. ثم تابع (قره جورج) حربه ضد الخلافة العثمانية، ولكن الهزائم التي نزلت به أرغمته على الفرار إلى النمسا. فقام مقامه (ميلوش اوبرنوويج). وفي سنة 1820 اندلعت نار الثورة اليونانية التي أذكتها الحماسة الأوروبية - الصليبية -. وأدت هذه الثورة إلى تعقيدات كبيرة بسبب منافسات الدول العظمى على استثمارها. وكان من أبرز نتائجها، حرمان بلاد الخلافة العثمانية من إقليم له أهميته العظمى (من الناحية الجيو - استراتيجية ومن الناحية الاقتصادية والبشرية). وتبع ذلك ظهور ثورات في الروم إيلي والأناضول غير أن الخلافة العثمانية نجحت في القضاء على هذه الثورات، واستعادت هيبتها في الإقاليم. وبرهن جند الإنكشارية في هذه المعارك جميعها على ضعفهم وقصورهم. وأفاد (السلطان محمود) من فترة الانتظار والهدوء، فأسند معظم مناصب الدولة إلى رجال أكفاء ومخلصين. وأقدم بعد ذلك على الخطوة الحاسمة في
ربيع سنة 1826م حيث أصدر أمره بإنشاء جيش نظامي جديد أطلق عليه اسم (معلم اشكنجي) أي (الحرس المدرب) وذلك بعد أن اتخذ التدابير الوقائية اللازمة تحت حماية الجيوش الأناضولية التي كان حاكم (بيقوز - أو بكقوز) قد حشدها على الضفة الشرقية من البوسفور. واستخدم لتدريب هذا الجيش المدربين الذين أرسلهم محمد علي والي مصر لهذه الغاية. وأمكن للسلطان أن يكتسب إلى جانبه ضباط الإنكشارية، فأقروا خططه الإصلاحية، في حين ازدادت معارضة من دونهم من الجند لهذا الإصلاح شدة وحدة. وحدد يوم 18 حزيران - يونيو 1826 موعدا لعرض الجيش في (كآغد خانه) قرب استانبول. ولكي يحول الإنكشارية دون هذا العرض، فقد أعلنوا العصيان قبل موعد العرض بثلاثة أيام، واكتفوا بادىء الأمر بالمطالبة بإلغاء قوانين التدريب المستحدثة للجيش الجديد. ولكن السلطان أمر - بموافقة العلماء - بأن تنشر الراية النبوية - وكأنه يبغي قتال فئة من الكفار. وأوعز إلى الجيش، بعد أن حشد على وجه السرعة، بتطويق الإنكشارية في (آت ميدان) القائمه تجاه ثكناتهم، ولفظ المفتي اللعنة عليهم، ومن ثم دارت رحى مجزرة لم يسلم من هولها أحد منهم، وقتل نحو الألف من الإنكشارية في الأقسام الأخرى من المدينة وألقيت رايتهم ولباسهم المميز أي القلنسوة في الوحل وهدمت ملاهيهم ومقاهيهم التي ألفوا التردد عليها. ليس ذلك فحسب، بل حلت الطريقة (البكتاشية) المتصلة بالإنكشارية، كما حلت فرق الإطفاء والحمالين ذات الصلة الوثيقة بها. ولم تغفل الدولة رجال المدفعية وحرس البوسفور، الذين تعلقوا هذه المرة بأهداب الولاء، على الرغم من أنهم كثيرا ما أيدوا الإنكشارية وتضامنوا معهم، فقضت على كل امرىء منهم آنست
فيه ميولا مويدة للإنكشارية.
كانت المنافسة الاستعمارية الإفرنسية - الإنكليزية قد قطعت شوطا بعيدا في مجال التوغل في المشرق الإسلامي، ولم تكن حملة نابليون على مصر، وتدمير الأسطول الإفرنسي في أبي قير، سوى مظهرا من مظاهر هذه المنافسة (للسيطرة على تجارة الشرق - عبر طريق الهند) وقد أخذت فرنسا في انتهاج سياسة السيطرة على الشرق من خلال والي مصر (محمد علي) الذي وجه قواته إلى اليمن، وبذلك وجدت بريطانيا نفوذها مهددا بشكل قوي، ووجدت طريق الهند مقطوعة. وعلى كل حال، فإن صراعا متباينا في الحدة كان يجري - منذ سنة 1817 م - بين القبائل اليمنية وبين القوة العسكرية المحدودة للحاكم الإنكليزي في (مخا). وعند وصول الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا نفسه، أرسلت بريطانيا الكابتن (سادلر) بسرعة من بومباي - في سنة 1819 - ليتابع عن قرب العمليات العسكرية ويبحث عن وسائل تعاون (إنكليزي - مصري) لإعادة الهدوء إلى البلاد. وكان الباب العالي ومحمد علي قد أدركا المطامع الاستعمارية الكامنة وراء هذا المسعى. فكتب السلطان إلى والي مصر محذرا من النوايا الانكليزية في 15 تشرين الأول - نوفمبر - 1819. رسالة جاء فيها:(تهدف السياسة الإنكليزية - بالنسبة للقضية اليمنية، إلى أن تحتل تدريجيا بعض المواقع من أجل التمهيد لغزو محتمل لهذه المنطقة وإيجاد الوسائل للتدخل في شؤنها)(1) ومع ذلك، فقد تدخلت بريطانيا بقواتها ضد (مخا)
(1) MOUSTAPHA FAHMI. EMPIRE EGYPTIEN SOUS MOHAMMED ALI ET LA QUESTION D'ORIENT، PARIS 1930 P.60
وقصفت المدينة في كانون الأول - ديسمبر 1820، وأرغمت الإمام على التوقيع على معاهدة سلام، وعلى احترام حقوق المقيم الإنكليزي فيها، ممثل شركة الهند، في (15 كانون الثاني - يناير - 1821). ويذكر هنا أن بلاد المشرق الإسلامي كانت تتعرض في تلك الفترة لموجات من الجواسيس الذين يحملون واجهات علمية، بهدف التمهيد لتنفيذ المخططات الاستعمارية ومنهم على سبيل المثال (عالم الأثنوبولوجيا والرحالة ج. ل. بوركاردت 1784 - 1819) والذي كان يجتاز الجزيرة العربية في ثياب حاج مسلم تحت اسم الشيخ إبراهيم، فأوقفه (محمد علي باشا والي مصر) في الطائف سنة 1814م باعتباره جاسوسا إنكليزيا. وقد استجوبه والي مصر طويلا حول السودان والنوبة وبلاد الحبشة. وقد أثارت المعلومات التي حصل عليها محمد علي اهتمامه، وأخذ في التحدث عن مشروع لغزو - الحبشة، مما أزعج بريطانيا، فبعثت بسفيرها لمقابلة محمد علي والتحدث إليه، وفي 20 تشرين الثاني - نوفمبر - 1820، أرسل السفير الإنكليزي (سالت) نتائح مقابلته مع محمد علي باشا في تقرير، تضمن ما يلي:
(اغتنمت الفرصة لأعلن له بلهجة حازمة، بأن مشروع غزو الحبشة قد سبب لي بالفعل ألما حقيقيا لأنني متأكد من أنه سوف لا يروق للحكومة البريطانية، إذ أننا نعتبر أن الحبشة واقعة تحت حمايتنا. ولقد لفت نظره إلى أن الحبشة هي البلد الوحيد في أفريقيا الذي احتفظ بالدين المسيحي، وإلى أنها صمدت صمودا مظفرا خلال أجيال أمام هجمات المسلمين، وإلى أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع من أوروبا عامة، ومن إنكلترا خاصة، أن تنظر بعدم المبالاة إلى هذا البلد إذا ما تعرض للهجوم. وقد التزمت أنا شخصيا بزيارة
هذا البلد لإقامة علاقات ودية مع حكامه. وهناك كثيرون من جمعية الكتاب المقدس في بريطانيا يهتمون بمستقبل هذا البلد. وعندما رأى سموه موقفي الجدي، غير لهجته وطمأنني بشكل معبر إلى أنه قد تخلى منذ الآن عن كل مطمع فيها، وذلك بالرغم من أن هذه المنطقة تغص بالذهب وبالأحجار الكريمة، وبالرغم أيضا من أن غزوه لها مضمون وذلك حتى لا يتورط ولو للحظة واحدة مع حكومتنا) (1).
ظهر بوضوح أن (محمد علي باشا) والي مصر، كان يخشى إنكلترا، ويحسب حسابها، ولهذا فإن إنكلترا لم تعد تهتم بتطوير العلاقات الإفرنسية وهذا ما كتبه القنصل الإنكليزي في الإسكندرية في رسالة له يوم 19 حزيران 1 يونيو 1827، جاء فيها ما يلي:
(ما هي القيمة السياسية لصداقة الباشا للإفرنسيين؟ إنها، حتى ولو افترضناها نتيجة شعور بالعرفان، بسبب النعم والعلاقات الشخصية فماذا يمكن أن تساوي؟ فلنتركهم إذن يتمتعون بسلام بكل فوائد محبة (محمد علي) ما دمنا قادرين على السيطرة عليه بالتخويف: هذا ما يجب أن يكون أساس سياستنا. ضعوا قوة إنكترا الهائلة في كفة الميزان، وضعوا حب الباشا للمتملقين والمتزلفين الإفرنسيين في الكفة الأخرى، وسترون كفة من سترجح؟ ..) (2).
لقد ترافقت سياسة المنافسة هذه، بمشاريع تقسيم الإمبراطورية العثمانية، ولم يعد الحديث عن تقسيم تركة (الرجل المريض سريا
(1) Ibid: PP. 66 - 68.
(2)
E.B.BARKER SYRIA AND EGYPT UNDER THE LAST FIVE SULTANS OF TURKEY .P.P.51 - 52.
أو في الخفاء. فقد ظهر في باريس كتيبان يتضمنان تلخيصا لبعض الأفكار التي ظهرت في القرن الثامن عشر حول انحطاط الإمبراطورية العثمانية. وضرورة توزيع مقاطعاتها على الأمم الأوروبية التجارية. وكان الكتيب الأول عبارة عن منشور مغفل بتوقيع. ج. ج. صدر سنة 1821 م بعنوان (آراء حول أزمة الإمبراطورية العثمانية الراهنة) ويدعو المؤلف من جديد في هذا الكتيب إلى طرد الأتراك من أوروبا، وتوزيع بعض المواقع الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط على الدول الاستعمارية وتبعا لذلك ينبغي على فرنسا أن تطالب بجزيرتي قبرص وكريت أما الكتيب الثاني فمنسوب إلى مؤلف يدعى. ب. أ. دوفو (1795 - 1877). ويحمل عنوان (حول تقسيم تركيا الأوروبية بين روسيا وإنكلترا واليونان بواسطة فرنسا) ويقترح مضمون هذا الكتيب تكوين (إمبراطورية يونانية) على أنقاض السيطرة العثمانية.
وفي هذه الأثناء، كانت مسألة العمل لتقسيم تركيا مسألة مطروحة فعليا أمام الدبلوماسية الأوروبية. وفي 4 تموز - يوليو - 1821 م. أرسل (نسرلود)(1) مذكرة دورية باسم روسيا موجهة إلى الدول الكبرى يطالبها فيها بإبداء رأيها بشأن مصير الإمبراطورية العثمانية وكان القيصر يحث على التفاهم بين الدول الكبرى المعنية بشأن تقسيم كان يبدو له مستعجلا ووشيكا.
(1) - نسرلود: CHARLES ROBERT COMTE DE NESSERLODE ديبلوماسي روسي، من مواليد لشبونة (1780 - 1862 م) عمل مفاوضا مطلق الصلاحية لقيصر روسيا أثناء موتمر فيينا، ووجه السياسة الخارجية الروسية أيام حكم ألكسندر الأول ونيقولا الأول (من سنة 1816 وحتى سنة 1856 م).
وبعد ذلك بأسبوعين كانت الحكومة الروسية تقترح على فرنسا تحالفا شكليا حول هذا الموضوع. ولكن الدوق (ريشيليو) كان يطالب بمشروع حسي - عملي - وهذا ما كان يرفضه القيصر. ورغم ذلك، كان يبدو أن شاتوبريان يؤيد هذا المشروع الروسي. حتى أنه أرسل من سفارته في روما رسالة دعا فيها وزيره إلى التفاهم مع قيصر روسيا بشأن تقسيم عادل للمقاطعات العثمانية - الأوروبية:(إذا أردتم - القيصر - الذهاب إلى القسطنطينية فقوموا مع الدول المسيحية بتقسيم عادل لتركيا الأوروبية. أما الدول التي ليست في مركز يسمح لها بالتوسع من جهة الشرق، فتحصل على تعويضات في مناطق أخرى). وهكذا كان وزير الخارجية الإفرنسي (شاتو بريان)(1) مستعدا للتنازل بكل طيبة خاطر عن القسطنطينية لروسيا مقابل مطالبته بكولونيا وريناني لفرنسا. أما الحكومة البريطانية فكانت على ما يظهر تسير على درب منفرد لوضع خريطة جديدة للقارة. أما بروسيا التي كان يجب عليها أن تتخلى عن مقاطعاتها الشرفية في رينانيا، فقد كانت ستحصل بالمقابل على مملكة (الساكس) التي سيعوض على أصحابها بمقاطعة ميلانو، وكانت
(1) شاتوبريان: VICOMTE FRANCOIS RENE DE CHATEAUBRIAND كاتب إفرنسي من مواليد سانت مالو (1768 - 1848 م) سافر إلى أمريكا، وعاد إلى فرنسا مع انفجار الثورة الإفرنسية، ثم عاد فهاجر إلى إنكلترا سنة 1792 ورجع إلى فرنسا سنة 1800م. وكانت علاقاته مع نابليون بونابرت سيئة. وعندما رجعت الملكية عمل سفيرا لها في لندن، ثم وزيرا للخارجية من سنة 1822 - إلى سنة 1824م. وكان أول كتاب اشتهر به هو (عبقرية المسيحية) الذي صدر سنة 1802، ثم كتاب (الشهداء) الذي صدر سنة (1809) و (الطريق من باريس إلى القدس) الذي صدر سنة (1811 م) وكتب كثيرة أخرى تميزت بالعبارة الرشيقة والأسلوب الأخاذ.
حدود هولاندا ستتغير أيضا وفقا لتلك المخططات. ولم يكن على كل حال هذا المشروع هو أول مشروع في أفق الديبلوماسية الغربية خلال تلك الفترة.
لقد كانت هذه الديبلوماسية المتنافسة (أحيانا) تسير بخطوات متوازية ومتكاملة، تشترك فيها انكلترا وفرنسا بالدرجة الأولى والنمسا وروسيا بالدرجة الثانية، ثم تأتي بروسيا بالدرجة الثالثة. وكانت هذه المنافسة تصل إلى مستوى الصراع أحيانا، غير أنها سرعان ما تصل إلى الاتفاق عندما يكون الأمر متعلقا بالسيطرة على العالم الإسلامي من خلال الهيمنة عليه، وهو الأمر الذي أدركه حاكم مصر في مرحلة متأخرة عندما تحدث إلى القنصل الروسي وهو يسدي نصائحه بصمت واهتمام، ثم قال له:(إني أرى بأن بروسيا في عداد الدول التي باتت تتدخل في شووننا كما لو كانت الحكومات الأربع الكبرى غير كافية، وكأن من الضروري انضمام هذه الدوله الخامسة - وأرى أن المنطق يخضع لقانون الأقوى)(1)
(1) رينه كتاوي (حكم محمد علي) 192 - 202 إصدار القاهرة.